ليس لدى
السيسي حصانة ذاتية تقيه التقلبات
النفسية، ولا ملجأ روحي يحميه من
القلق والتوتر؛ ذلك أنه غير قادر على التكيف مع الواقع المحيط به بمنطق عقلاني،
بقدر ما يتفاعل مع القضايا والمشكلات والمهمات التي أوكلها لنفسه باعتباطية عالية.
وقد بدأ بفقدان السيطرة على تصريحاته؛ فهو غير منسجم مع ذاته، ويفتقر إلى آليات
الدفاع النفسي المقنعة، ويحيط نفسه بسياج متآكل من المبررات التي لا تقنع أحدا؛
لذلك فهو متورط مع نفسه ويلومها في السر، ويبدي ثباتا انفعاليا وهميا في العلن؛
نوعا من المكابرة ورفض الهزيمة، وكان هذا أوضح ما يكون في الشهر الفائت (تشرين
الثاني/ نوفمبر) إبان قمة المناخ وبعدها، ولم تزل هرطقاته تبعث على السخرية كلما
تحدث أو ظهر في أي مكان.
لقد تفاقمت عقده النفسية، وازدادت لديه شراهة الظهور بمظهر القائد القوي
الذي لا ينكسر؛ فهو واقع بين التظاهر بالقوة القاهرة التي تفرضها الضرورة، وبين
الهشاشة عند مواجهة الذات بسبب الانتقادات القوية التي تفند إجراءاته الأحادية، وتهزم
كبرياءه، وإن بينه وبين نفسه، والتي تظهر آثارها جليّة على لغة جسده أينما حل أو
ارتحل.
تفاقمت عقده النفسية، وازدادت لديه شراهة الظهور بمظهر القائد القوي الذي لا ينكسر؛ فهو واقع بين التظاهر بالقوة القاهرة التي تفرضها الضرورة، وبين الهشاشة عند مواجهة الذات بسبب الانتقادات القوية التي تفند إجراءاته الأحادية، وتهزم كبرياءه، وإن بينه وبين نفسه، والتي تظهر آثارها جليّة على لغة جسده
إنه وإن بدا ثابتا انفعاليا أحيانا، إلا أنه يفتقر لهذا الثبات حين يخلو
بنفسه، أو ببعض المقربين منه، وعبثا يحاول أن يخرج من حالة الحرج والهشاشة النفسية
مهما حاول تسخير إعلامه الفاشل الذي يضر به أكثر مما ينفعه. ومهما حاول تقليص
الفجوة بين عجزه أمام
الأزمات المتلاحقة، وبين قدراته المزعومة باستغلال وجوده بين
زمرة المسؤولين وقادة الجيش من حوله؛ فهو في كل محاولاته يزيد الطين بلة، ويغرق
أكثر في مستنقع الأكاذيب (واللف والدوران)، وتتقطع به أحابيل الشيطان المتهتكة. فهو
كما يذكر أحد المغردين في تويتر والذي يسمي نفسه "جبرتي تويتر"، أن
المريض بهوس السلطة "يفقد تدريجيا صلته بالواقع ويعيش في وهم الذات، ويتخذ
أحيانا قرارات اعتباطية فردية مندفعة بدون دراسة كافية".
وإضافة إلى ما ذكر، فهذا النوع من المرضى يشهر سيف التبرير في وجه الانتقاد
والتقريع والفضائح التي تلاحقه، ويحمّل الآخرين جريرة الأخطاء التي يقع فيها،
ويستعين بكل شيء ممكن للتغطية على أخطائه التي لا يعترف مطلقا بأنها من صنع يده
هو، بل هي أخطاء غيره. والأمثلة على ذلك كثيرة، سنفرد لها مقالا منفصلا..
ويشير "جبرتي تويتر" إلى أن المصاب بهذا المرض "لا
يكترث بمجرد التفكير في عواقب قراراته على الآخرين". وهو ما يحدث في
مصر، حيث
كانت مخرجات قرارات السيسي كارثية على البلد وعلى المواطن الذي لم يعد لديه من
حيلة لتدبير معيشته ولو في الحد الأدنى، فقد انهارت الطبقة الوسطى التي كانت تشكل
النسبة الأكبر من المجتمع، وبات الشعب يبحث عن لقمة عيشه وأطفاله بكل وسيلة ممكنة، وتفشى الفساد وازدادت معدلات الجريمة،
وظهرت مفاهيم جديدة للعيش بتغول الأخ على أخيه، والجار على جاره، والبائع على
المشتري، والقوي على الضعيف؛ بما يشكل إرهاصات تذكر بالمجاعات التي وقعت في أوروبا
بين 400 و800 ميلادية، وأدت إلى موت الملايين، واختلال موازين الأخلاق والرحمة
والإنسانية في سبيل الحصول على القوت للبقاء على قيد الحياة..
وأدت نتائج قرارات السيسي غير المدروسة إلى وضع الدولة في موضع المنهزم
الفقير المتسول الذليل المستجدي فاقد البوصلة؛ فهو لا ينفك يتسول، ولا يترك مناسبة
دولية أو عربية إلا وكان حضوره فيها منصبا على التسول والاستجداء لقادة الدول
المشاركة، حتى باتت تصرفاته المخجلة مبعثا للوجع والسخرية في آن معا؛ حيث بات
التسول هو العنوان الأبرز لحضور السيسي في المحافل الدولية، بعد فشل كل مشاريعه
التي قام بها بعيدا عن دراسات الجدوى، وبقرارات شخصية عشوائية أدت إلى كوارث
اقتصادية ليس لها من دون الله كاشفة.
ويضيف "جبرتي تويتر" بأن هذا المريض "يخلط بين شخصية بلده
وشخصيته بل يوحدهما في ذات واحدة؛ فالذي يعارضه هو عدو للبلد". وتلك أكبر
خدعة تعرض لها البسطاء في المرحلة الأولى من حكمه، لكنها لم تعد تنطلي عليهم
اليوم؛ فقد أدرك الشعب المصري بعمومه بأن السيسي لا علاقة لها بالوطن والشعب، وأنه
لا يمثل إلا نفسه المريضة المتغطرسة التي تغولت على القرار الوطني وذبحت شرايين
الدولة، ومزقت لُحمة الشعب، وجعلت حياة المصريين جحيما، وأودت بكرامة الوطن
وأمجاده القديمة، وجعلته البلد الأضعف في المنطقة، بعد أن كان يمثل الأمة العربية
جمعاء، وتتجه نحوه الأنظار كمَعلم قومي تاريخي حضاري كبير، بغض النظر عن موقفنا في
كثير من مراحل التاريخ المصري الحديث.
ومن أخطر ما أشار له "جبرتي تويتر" هو "تقمص المريض دور
القائد المحب العطوف أحيانا وشخصية الجلاد الذي لا يرحم أحايين أخرى". وكلمة
"تقمص" هنا دقيقة؛ فهو يتقمص ولا يصدُق الناس حديثا، وكان من أبلغ
الأدلة وأجلاها ما قاله بعد الانقلاب وقبل أن يتربع على عرش مصر: "إنتو
عارفين إنكو نور عينينا ولا إيه"؟ فصفق له الجمع وزغرد وطار نشوة وفرحا؛ بمن
فيهم المثقفون والإعلاميون والنخبة من الشعب. وقليل من كان على وعي وفطنة بشخصية
هذا الرجل وسيرته وتاريخه، وقد استعمى بعض العارفين عن دوره الخبيث في محاولات
إجهاض ثورة يناير والدور الخبيث الذي لعبه مع بعض قيادات الميدان آن ذاك، وكانت
تلك الجملة مكافأة لفظية ضرورية مليئة بالخبث ونشوة القدرة على خذاع الشعب؛ لقاء
التفويض بفض اعتصام رابعة العدوية، وقتل المئات وحرق جثث بعضهم. وقد حق لجمهور
رابعة والمؤيدون له ألا يتسامحوا مع أولئك الذين اصطفوا إلى جانب السيسي، ولم
يشتموا رائحة الدم البشري المشوي بنار الظلم والخيانة.
كما يشير ذات المصدر إلى أن المريض بمتلازمة الغطرسة أو السلطة "يتلذذ
بإهانة أفراد شعبه واحتقارهم وإيذائهم من وقت لآخر؛ ليحسوا بأنهم في موقع أدنى منه،
وليحس هو أنه في منزلة أعلى منهم"، وتلك من أكبر آفات الحكام المهووسين
بالسلطة، وأكثرها إيذاء للعلماء والمفكرين والأدباء والمثقفين ومن يتمتعون
بالأخلاق الوطنية؛ فهو كثير الاعتداء على شيخ الأزهر، ويريد أن يلقن المشيخة دروسا
في الدين، ويفرض عليها آراءه التي تتعارض مع أبسط قواعد الشريعة، وخصوصا في مسألة
الطلاق، معتبرا نفسه فوق قواعد الفقه وما اتفقت عليه الأمة. كذلك فقد أخضع عددا من
الإعلاميين وأذلهم لتجرّئهم على إبداء الرأي في بعض المسائل، وخروجهم عن نص
السامسونج قليلا؛ فأذلهم واستمرؤوا الذل صاغرين من أمثال يوسف الحسيني وإبراهيم
عيسى، وتجرأ على مقامات عليا كمقام الشهيد الدكتور محمد مرسي رحمه الله، وغيره
كثير، ولم يترك معارضا أيا كان وزنه إلا قلل من شأنه وأهانه، كما فعل مع محمد
البرادعي وغيره، ناهيك عن تقزيم كل مَن حوله مِن الرتب العسكرية والمدنية.
ويضيف ذات المصدر إلى أن هذا المريض "يقحم المبررات الأخلاقية والمثل
العليا السامية في كل كبيرة وصغيرة بسبب وبدون سبب"؛ فهو كثير الحديث عن
القيم والأخلاق والدعوة إليها، وهو أبعد ما يكون عنها؛ فهو يتحدث عن لطف الله، وأن
الله "يسترها معه" وأن مصر تسير إلى الأمام وتتيسر أمورها بعناية الله،
في حين يقوم بممارسات وأفعال إجرامية لا علاقة لها برجل يعرف الله؛ فمن يعرف الله
لا يقتل ولا يعذب ولا يخون ولا يبيع الوطن قطعة قطعة، ولا يعبث بمقدراته ولا يجوع
الشعب، ولا يكذب عليه ويعِده زورا وكذبا. وهو كثير الحديث عن روح المواطنة التي
يناصبها العداء بتصرفاته الهوجاء وتفريطه بكل غال ونفيس في وطن يئن تحت ضربات
الفقر والجوع والحرمان والذل والعار..
وما أصدق ما قال أبو الأسود الدؤلي وأكثره انطباقا على شخصية السيسي حيث
قال:
يا أيـها الرجـلُ المعلِّـمُ غيـرَهُ هلاّ
لنفسك كان ذا التعليمُ
ونراك تُصلـح بالرشـاد عقـولَنا أبداً، وأنت من الرشاد عديمُ
ابدأ بنفسـك فانهَها عـن غَيِّها فإذا انتهتْ عنه فأنت حكيمُ
فهناك يُقبل ما تقول ويُهتدَى بالقول منك، وينفع التعليمُ
لا تنـهَ عن خلـــق وتأتيَ مثلـَـه عارٌ عليــك إذا فعلــتَ عظيـمُ