سيبقى كل شيء مختلف في الذاكرة
والتاريخ، مونديال كأس العالم يقام على أرضٍ عربية، والفرح بإنجازات كروية عربية يجتاح
كل العرب من المحيط إلى الخليج، إن كان بطريقة اللعب ومنافسة الكبار والتغلب على بعضهم،
أو بتأهل المنتخب
المغربي للمربع النهائي لكأس العالم، والأهم في مشهد مدرجات الجماهير وفي
الشوارع علو راية فلسطين وتأكيد مُطلق لرفض التطبيع مع الاحتلال ورفض وجوده بأي صفة
كانت؛ متسللاً بدور إعلامي وغيره.
الفرح الذي اجتاح
العالم العربي
ابتهاجاً بفوز المنتخب المغربي، فرحٌ لكل الشارع العربي الذي اعتبر هذا الإنجاز فرحه
الخاص به، وقد أعاد الانتباه إلى قدرة عربية على تنظيم كأس العالم، ومنافسة الكبار
على اللعب وكسب النقاط والتأهل للمربع الذهبي من النهائيات. وأياً تكن نتيجة المواجهة
فهي تحسب لصالح الإنجاز العربي المهم في التاريخ الكروي من منافسات كأس العالم في قطر.
أحد أسرار الفرح والابتهاج العربي بفوز المنتخب المغربي وتأهله وقبلها إنجازات المنتخبات العربية المشاركة، هو التعويض عن حالة الفشل والدونية والتخلف وكل الوسوم التي لاحقت العرب في السياسة والمجتمع والاقتصاد والرياضة
وأحد أسرار الفرح والابتهاج العربي
بفوز المنتخب المغربي وتأهله وقبلها إنجازات المنتخبات العربية المشاركة، هو التعويض
عن حالة الفشل والدونية والتخلف وكل الوسوم التي لاحقت العرب في السياسة والمجتمع والاقتصاد
والرياضة. والنشوة العارمة لهذا الفرح العربي لم تكن مفصولة عما رُفع من راياتٍ لفلسطين
أو ترديد أهازيج الدعم لها ولشعبها. ورسالة المونديال بنسخته القطرية العربية تُفصح
وبكل وضوح أنه بغير حضور فلسطين كقضية تحرر من الاحتلال والظُلم التاريخي الواقع عليها
لا تكتمل العدالة الدولية والإنسانية في تحقيق قراراتها وشعاراتها المرفوعة حولها.
ومن هنا، يمكننا القول إن الطبيعة
الاجتماعية لأفراح العرب الرياضية فرضت نفسها وثقلها باعتبارها مظهراً يجمع العرب في
مُنجزهم الحضاري، باعتباره أحد مؤشرات "الرقي" لتقديم صورة اجتماعية تدل
على مستوى الوعي المرتقي بالرياضة وبالسياسة، فيما طافت قضيتهم المركزية شوارع ومدرجات
المشجعين.
ومن شأن إضفاء حضور التمرد العربي
على كل أشكال التطبيع بإشهار الراية الفلسطينية والمواضيع المتعلقة بجوانب الانتصار
لفلسطين، أن يؤيد كثيرا من الدلائل على صعوبة محو وطمس جذور الصراع المتسم بدموية وهمجية
صهيونية تقع على الضحايا الفلسطينيين. هذا الربط الثقافي العربي بين الرياضة والسياسة
لا يحتفظ فقط بحالة عابرة عن قضاياه في زمن كروي يقام كل أربع سنوات، فقد أضفت عليه
قضية فلسطين شكلاً حيوياً من التفاعل الشعبي، بل تتويجا فعليا لحقائق مكانة "إسرائيل"
كمشروع استعماري ومكانة فلسطين في الوجدان الشعبي العربي كقضية تحرر ومقاومة لهذا المشروع.
القيم والمعايير الغربية المتغلغلة
بما يخص النظرة للعربي، عن الرياضة والمجتمع والسياسة والاقتصاد، أثرت بعمق في المكونات
الاجتماعية الغربية ونظرتها العنصرية تجاه العربي. وبغض النظر عن مثالب الرياضة الاستعلائية
ومحاولة النفاذ منها للسياسة واجتزاء القضايا المتعلقة بالتأثير على مشاعر ومعتقدات
البشر، يتصف المعيار الأخلاقي الإنساني العادل بهذه المنزلة الكبرى لتراث وإرث القضية
الفلسطينية في العالم العربي، وبمعايير البحث عن قواعد نافعة تميل للاستثمار بمكاسب
العدالة والحق، ومواجهة مشكلات المجتمعات العربية المعوضة تمردها على الواقع بإظهار
الفرح بمكاسب رياضية عربية.
يبقى السؤال العربي الدائم عن تحقيق حاجات إنسانية ضرورية كالمواطنة والحرية والديمقراطية، كمدخل لدوام فرح مرتبط بإنجازات على هذا الصعيد، كالتحرر من الاستبداد، أو الانخراط في عملية بناء مواطنة قائمة على الحرية
ويبقى السؤال العربي الدائم
عن تحقيق حاجات إنسانية ضرورية كالمواطنة والحرية والديمقراطية، كمدخل لدوام فرح مرتبط
بإنجازات على هذا الصعيد، كالتحرر من الاستبداد، أو الانخراط في عملية بناء مواطنة
قائمة على الحرية تشكل الهيكل الرئيس لأنظمة ومجتمعات عربية بمقدورها تحقيق نجاحات
غير رياضية يمكنها إدخال فرحة عربية، كتلك التي اهتز لها الوجدان العربي في الرياضة،
من حيث المكانة والأهمية أيضاً، ويمكن لأي عربي أن يتخيل انتصاراً مشابهاً يتحقق في
أي مضمار حيوي وأساسي في نهضته ورفعته وتحرره.
لذلك، أن يكون الفرح عربياً في
مونديال كأس العالم في قطر، فذلك مرتبط بما تنشده النفوس والعقول في عالم العرب ومصالح
الغالبية العظمى في تسجيل انتصارات صنفت دوماً لغيرهم في شتى المجالات. أخيراً، الانتقال
من حقبة الفرح الرياضي إلى حقبة عصر مقوماته وخصائصه تؤثر تماماً في نهضة وتحرر ومواطنة
وحرية وديمقراطية؛ تُكمل دائرة السعادة من المغرب حتى المشرق.
twitter.com/nizar_sahl