أكد فوز المنتخب
المغربي لكرة القدم وتأهله إلى نصف نهائي
كأس العالم كأول فريق عربي وأفريقي، بعدما كان أول عربي ورابع أفريقي يصل إلى دور ربع النهائي للمسابقة الدولية المرموقة، عمق العلاقة بين المغرب وفلسطين؛ التي تضرب بجذورها عميقا في التاريخ، وليس من السهولة بمكان التأثير عليها أو تجاهلها تحت غبار
التطبيع الذي أثارته الموجة الجديدة بين الأنظمة العربية وإسرائيل؛ بحجة أنها ستكون مختلفة عن تلك القديمة، وأنها ستشهد تطبيعا شعبيا دافئا لا رسميا وباردا فقط بين الأنظمة.
إذن، احتفل المنتخب
المغربي بالتأهل التاريخي مع الجماهير العربية التي وقفت خلفه بعلمي
فلسطين والمغرب،
بينما كان يرفرف في الخلفية علم فلسطيني عملاق آخر، حيث بدا المشهد لافتا ومعبرا وعاطفيا ومؤثرا جدا، خاصة مع انتشار الأعلام الفلسطينية والمغربية في المدرجات
من قبل عشرات الآلاف من الجماهير العربية، التي واكبت فوز المغرب على البرتغال في ربع
نهائي
مونديال قطر.
عندما وجدت الجماهير العربية المساحة والحرية للتعبير عن عقلها ومزاجها الجمعي، أظهرت عاطفتها تجاه القضية الفلسطينية المتجذرة في وجدانها، وأن مركزيتها عربيا وإسلاميا لم تكن مجرد شعار فقط، بما في ذلك رفض التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، وهذا كان واضحا وملموسا من الجماهير العربية على اختلاف جنسياتها
بداية ومنهجيا، عندما
وجدت الجماهير العربية المساحة والحرية للتعبير عن عقلها ومزاجها الجمعي، أظهرت
عاطفتها تجاه القضية الفلسطينية المتجذرة في وجدانها، وأن مركزيتها عربيا وإسلاميا لم تكن مجرد شعار فقط، بما في ذلك رفض التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، وهذا كان واضحا وملموسا من الجماهير العربية على اختلاف جنسياتها، بمن فيها مواطنو الدول المطبّعة
أو تلك المنفتحة على التطبيع، وتترك بابا مواربا أمامه.
إلى ذلك، تكمن أهمية
الحدث بالحالة المغربية تحديدا في ضوء الخطاب الرسمي للنظام المهرول بل المندفع نحو
التطبيع مع إسرائيل، بزعم أن ذلك يحقق مصلحة البلاد، وأنه يتمتع بتأييد شعبي أيضا.
كانت محاولة يائسة أيضا من قبل النظام والناطقين باسمه للتأصيل الوهمي
للتطبيع والعلاقة كلها، وإعطائها بُعدا تاريخيا؛ بزعم أنها ممتدة لعقود، ومرتبطة
بوجود جالية كبيرة من أصل مغربي في إسرائيل، كما وجود مواطنين يهود كاملي المواطنة
والحقوق في المغرب.
يتبدى التناقض
هنا كونه يعطي الحق لمواطنين مغاربة بالارتباط بالدولة العبرية الاستعمارية والعنصرية، التي ارتكبت ولا تزال جرائم موصوفة بحق الشعب الفلسطيني، كذلك خاصة أن الجالية
المغربية المزعومة عانت فيها ولا تزال من تمييز وفصل عنصري، كما كان الوضع مثلا مع رئيس حزب العمل والوزير السابق عمير بيرتس وأسرته.
هنا، لا بد من تأكيد حقيقة أن العلاقة الأصيلة والتاريخية المتجذرة هي
بين المغرب وفلسطين لا إسرائيل -البدعة المستحدثة-، التي تمتد إلى أكثر من ألف عام مع مشاركة مجاهدين مغاربة، بقيادة صلاح الدين الأيوبي، في تحرير القدس وفلسطين من
الغزاة الصليبيين، وتكريم
صلاح الدين لهم ببناء حيّ لهم في المدينة "حارة المغاربة"، إضافة إلى تسمية
أحد أبواب المسجد الأقصى (باب المغاربة) باسمهم أيضا.
احتفال لاعبي المنتخب المغربي مع الجماهير العربية بعلم فلسطين التي حضرت قضيتها في المونديال برغم أن المنتخب الفلسطيني نفسه لم يشارك، قابله احتفال فلسطيني في القدس وباب العامود مقابل باب المغاربة والحارة التي دمّرتها إسرائيل بمجرد احتلالها المدينة
إذن، يبدو الحضور
المغربي متجذرا في فلسطين عبر الحارة العريقة وباب المسجد الأقصى، وهنا تكاد الحاجة
عائشة المصلوحي تختصر القصة كلها، فهي ولدت في حارة المغاربة لأب مغربي وأم
فلسطينية مقدسية، وبقيت في المدينة المقدسة بعد احتلالها، وباتت اليوم إحدى أبرز
المرابطات في المسجد الأقصى، ثم كان احتفالها اللافت والرائع مع عائلتها وأحفادها بفوز
المنتخب المغربي، وتأهله التاريخي إلى نصف نهائي المونديال، معبرا أيضا عن العلاقة
بتاريخها وحاضرها ومستقبلها.
احتفال لاعبي المنتخب
المغربي مع الجماهير العربية بعلم فلسطين التي حضرت قضيتها في المونديال برغم أن المنتخب
الفلسطيني نفسه لم يشارك، قابله احتفال فلسطيني في القدس وباب العامود مقابل باب
المغاربة والحارة التي دمّرتها إسرائيل بمجرد احتلالها المدينة خلال النكبة الثانية
في حزيران/ يونيو 1967؛ لأهداف عدة سياسية وأمنية وديموغرافية، تتجاوز رمزية الاسم
والمكانة والبُعد التاريخي كله.
اللافت أن جيش الاحتلال
فهم أيضا المغزى الرمزي لاحتفالات المقدسين بإنجاز المنتخب المغربي، فبادر إلى
قمعها بوحشية معتادة، وإضافة إلى رغبته بل هوسه في فرض سيطرته، وفق القاعدة
الاستعمارية "الأمر لي"، سعى كذلك إلى قطع الرابط بين القدس والمغرب في محاولة
يائسة لاحتكاره، كما رأينا في التغريدة البائسة واليائسة والمتبجحة التي كتبها الناطق
باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي.
الاحتفالات
الفلسطينية وعلى أهميتها لم تقتصر على القدس فقط، وإنما امتدت إلى رام الله وغزة، علما أنها أكبر احتفالات وربما الوحيدة الجامعة العربية خارج المغرب وقطر. وليس ذلك فقط،
بل كانت احتفالات عامة أيضا في الأراضي المحتلة عام 1948 (الناصرة وقلنسوة والنقب)؛ تعبيرا عن المزاج الشعبي الفلسطيني العربي العام، بينما نشرت الشرطة الإسرائيلية قوات
إضافية الأربعاء؛ تحسبا لاحتفالات مماثلة بعد مباراة المغرب وفرنسا في نصف نهائي
المونديال.
تجاهل أو تكذيب كل ما قيل عن التطبيع بين الأنظمة العربية والدولة العبرية، كون أن للشعوب مزاجها المختلف تماما. وبالعموم، لم يكن الشعب الفلسطيني ليصدق الحرب النفسية الإسرائيلية عن التطبيع الجديد، التي نسفها مونديال قطر
وبالعموم رأينا
تعبيرا فلسطينيا عن الأخوة العربية والإسلامية والشعور بالانتماء إلى الأمة العريقة،
وأن كل ما يقال عن أن الأشقاء نسوا قضيتهم غير صحيح أبدا، كما كان رد جميل للمنتخب
الذي حمل معه علم فلسطين طوال المونديال، وفي السياق تجاهل أو تكذيب كل ما قيل عن التطبيع
بين الأنظمة العربية والدولة العبرية، كون أن للشعوب مزاجها المختلف تماما. وبالعموم،
لم يكن الشعب الفلسطيني ليصدق الحرب النفسية الإسرائيلية عن التطبيع الجديد التي نسفها
مونديال قطر، كما تابعنا في مشهد المواطن السعودي مع المراسل الإسرائيل،ي والعزلة
الخانقة التي واجهها وعاشها هذا الأخير وزملاؤه في مونديال فلسطين والعرب بقطر.
إلى ذلك، لا بد من
الإشارة الى استطلاع الرأي الأخير الذي نشره المركز الفلسطيني للبحوث المسحية
والسياسية الثلاثاء؛ عن تأثير المونديال وإعلان غالبية ساحقة جدا من الفلسطينيين أنها
وجدت في مونديال قطر تعبيرا عن تجذر القضية في الوجدان العربي، كما الوحدة
العربية التي لم تمُت وهي حية باقية؛ كونها تاريخية أصيلة وجدية وحتى واقعية وشعبية
جدا، كما رأينا في تلاحم الجماهير العربية في أثناء المونديال من المحيط إلى الخليج،
ومن مراكش إلى البحرين.
في النهاية،
باختصار وتركيز، تبدت المعطيات السابقة كلها، في اتهام الصحافة الألمانية اليائس
والمتغطرس للمنتخب المغرب بمعاداة السامية، لرفعه العلم الفلسطيني في احتفاله
بالتأهل التاريخي في الدوحة، بينما أقر المؤرخ الإسرائيلي إيال زيسر باليأس من إمكانية
التطبيع مع الشعوب العربية، مطالبا قادة الدولة العبرية بالاكتفاء
بالعلاقة الرسمية مع الأنظمة العربية، إثر إقرار وقبول هذه الأخيرة بالتعاطي معها.