الأسبوع الماضي، حلت الذكرى العاشرة لمقتل 20 طفلاً صغيراً وستة من معلميهم في مدرسة «ساندي هوك» الابتدائية في نيوتاون بولاية كونيتيكت. لقد تعرضنا لإطلاق نار جماعي من قبل، لكن هذه المرة شعرنا أنها مختلفة.
كان الضحايا صغاراً جداً وكثيرين جداً، وبكى الرئيس باراك أوباما وعبر ببلاغة عن حزن الأمة الجماعي، قائلاً إن «قلوبنا انفطرت» مرات كثيرة ويجب القيام بشيء ما لإنهاء القتل. وعكف أعضاء لوبي السلاح القوي (الاتحاد القومي للأسلحة) يعملون، وبعد فترة قصيرة، رفض مجلس «الشيوخ» مشروع قانون متواضع لإصلاح السلاح بمعارضة 60 صوتاً مقابل موافقة 40 صوتاً.
والأرقام منذ «ساندي هوك» مذهلة وتتزايد بمعدل ينذر بالخطر. وفي العقود الأربعة التي سبقت «ساندي هوك»، وقع 1094 حادث إطلاق نار في المدارس. لكن خلال العقد الماضي ضاعفنا هذا العدد تقريباً بوقوع 948 حادث إطلاق نار في المدارس، منها أكثر من 109 عمليات إطلاق نار جماعي، التي يلقى حتفه فيها أربع ضحايا أو أكثر. لكن حوادث إطلاق النار في المدارس ليست سوى جزء من القصة.
فهناك 81 مليون أميركي يمتلكون الآن 415 مليون بندقية. وهذه الأسلحة نستخدمها بانتظام ضد بعضنا البعض.
وشهدت كل سنة من السنوات الثلاث الماضية أكثر من 600 عملية إطلاق نار جماعي. والعام الماضي سجل أعلى معدل بواقع 690 عملية إطلاق نار، أي أكثر من ضعف عدد عمليات إطلاق النار الجماعية كل عام من العقد السابق. وفي هذا العام وحده، شهدنا 43 حالة وفاة مرتبطة بالأسلحة النارية، مقسمة بالتساوي تقريباً بين جرائم القتل والانتحار. وكل يوم في أميركا يموت 12 طفلاً في المتوسط من جراء إطلاق النار.
ويصاب 32 آخرون بالرصاص. وفي الواقع، تعتبر البنادق السبب الرئيسي للوفاة بين الأطفال والمراهقين في
الولايات المتحدة. فالبنادق تقتلنا حرفياً، ولا نفعل شيئاً حيال ذلك. فقد أصبح إطلاق النار الجماعي من الأمور المألوفة. ولم يروعنا ويوقع الهول في قلوبنا إلا الأحداث مذهلة الرعب مثل «ساندي هوك» أو كولومبين أو باركلاند أو أوفالدي. وحين وقعت مذبحة للأطفال قبل عقد من الزمن، ظننا أن التغيير الحقيقي قادم.
والآن، تلاشى هذا الظن. ونحن نوافق على إصلاحات طفيفة لا تؤدي إلا إلى تعديل آلة القتل. ولم نعد نجرؤ حتى على التشبث بأمل حظر الأسلحة الهجومية، أو تنظيم مبيعات الأسلحة، أو أن تتمكن التجمعات السكانية من حظر أسلحة الحرب في إطار سلطانها القضائي. وفي مواجهة وباء العنف المسلح، يجب تنفيذ مثل هذه الإجراءات المنطقية. لكن لأن المحافظين في الكونجرس والمحاكم لديهم تفسير أيديولوجي غريب للدستور، أو هوس مرضي بالبنادق، أو كلاهما معاً، لم يعد إنقاذ أطفالنا يمثل أولوية.
وفي عيد الميلاد الماضي، أُرسل عدد قليل من الأعضاء الجمهوريين «المسيحيين» في الكونجرس بطاقات تصور عائلاتهم أمام شجيراتهم لعيد الميلاد وكل فرد من الأسرة (بما في ذلك الأطفال الصغار) يحمل باعتزاز أسلحة هجومية. وحمل أحدهم بطاقة تحث سانتا كلوز على «إحضار الذخيرة». وكما أشرت من قبل، فإن مشكلة العنف المسلح متأصلة بعمق في ثقافتنا.
ومن الموروث الأسطوري للغرب القديم إلى إضفاء صورة رومانسية على رجال العصابات في عشرينيات القرن الماضي، إلى ألعاب الفيديو اليوم، نحن مرضى. ونغذي مرضنا بمزيد من الأسلحة والاعتقاد الخاطئ بأنها تجعلنا أقوياء وآمنين. وبعد جريمة قتل جماعي وحشية في إحدى دور السينما في لويزيانا، جادل أحد الأشخاص الذين استضافتهم شبكة (سي.إن.إن) التلفزيونية بأنه لو كان أحد المشرفين على دار السينما مسلحاً، لكان بإمكانه ردع الجاني. وقد سمعت الشيء نفسه بعد اختطاف طائرة.
إنه كابوس وليس حلاً أن نفكر في نشر عدد من حاملي السلاح في مسرح مظلم أو في طائرة على ارتفاع 30 ألف قدم. ويجب فرض حظر على الأسلحة الهجومية، والمطالبة بتدقيق شامل لسجل مشتري السلاح.
وبالتأكيد يتعين علينا إبعاد الأسلحة عن أيدي الأطفال ومن يعانون أمراضاً عقلية. لكن يجب علينا أيضا بذل جهد مخلص وبعزيمة قوية لمعالجة الأسباب الجذرية لهوسنا المرضي بالأسلحة، وتجاه قوة لوبي السلاح الذي يعيق الإصلاح، ويجب مداواة الثقافة الشعبية التي تتقبل القتل بالبنادق.
ويتعين علينا أن نرفع دوماً أمام «لوبي البنادق» وأنصارهم وجوه الأطفال الذين لقوا حتفهم، وأن نعلن أسماء ونلحق الخزي بالذين تسمح أفعالهم وتقاعسهم عن الفعل استمرار القتل. فجناية هؤلاء لا تقل عن الذين يطلقون النار ويجب أن يشعروا بالمسؤولية عن نسيان ضحايا «ساندي هوك» و«كولومبين» و«ستونهام دوجلاس» و«أوفالدي»، وجميع المذابح الأخرى التي وقعت في ظل إشرافهم.
(
الاتحاد الإماراتية)