قالت الباحثة الفرنسية، كريستيان داردي؛ إن "
المغرب فاز في بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022، لكنه قد يخسر في مجال حقوق الإنسان في ظل استمرار تردي الأوضاع الحقوقية خلال السنوات الماضية"، مضيفة: "حان الوقت ليصبح المغرب بطلا في مجال الحقوق والحريات أيضا".
وأضافت، في مقابلة خاصة مع "عربي21": "لنجعل من حقوق الإنسان، ومن حقوق المهاجرين بشمال المتوسط، محورا مهما لأي سياسة شراكة دولية، على النحو الذي تنص عليه الاتفاقيات الدولية والمبادئ التأسيسية للاتحاد الأوروبي".
وأشارت داردي، وهي باحثة في التنمية، إلى أن زوجها الحقوقي والمؤرخ المغربي معطي منجب، "لا زال يعانى من انتهاكات عديدة لأبسط حقوقه، خصوصا منذ عامي 2014 و2015"، مردفة؛ "إنه لم يعد رهن الاعتقال اليوم، لكنه في حرية ظاهرية وحسب، والسلطات تمارس عليه ضغوطا كبيرة لإسكاته وتثبيط تفكيره النقدي، إلا أن ذلك يأتي بنتائج عكسية تماما".
إظهار أخبار متعلقة
ونجح المغرب في كتابة تاريخ جديد للكرة العربية والأفريقية بعد تأهله للدور نصف نهائي في مونديال قطر 2022 عقب الفوز على البرتغال، بهدف أحرزه اللاعب يوسف النصيري.
وبات المغرب ثالث منتخب من خارج أوروبا وأمريكا الجنوبية يتأهل إلى المربع الذهبي في نهائيات كأس العالم بعد الولايات المتحدة عام 1930، وكوريا الجنوبية في عام 2002.
وإلى نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
ما هو تقييمك لوضع حقوق الإنسان وحرية الصحافة في المغرب؟
تشترك معظم الجمعيات والمنظمات غير الحكومية في تسجيل التدهور المستمر للحريات منذ ما يزيد على الثماني سنوات، في المغرب وفي بلدان أخرى بالمنطقة سواء تعلق الأمر بحرية الصحافة أو
الحريات العمومية والشخصية.
فلنتذكر أن المئات من الشباب الريفيين سُجنوا لمجرد أنهم أعربوا عن رغبتهم في الاستفادة من تحسين ظروفهم المعيشية، وأن قادتهم لا زالوا حتى هذه اللحظة يدفعون ثمنا باهظا بالسجن لفترات طويلة تصل إلى 15 و20 سنة.
كما حُكم على العديد من الصحفيين بأحكام قاسية تتراوح بين 5 و15 عاما في السجن، بما في ذلك عمر الراضي، الذي منحته منظمة "مراسلون بلا حدود" قبل أيام جائزتها العالمية لعام 2022.
وفي خريف عام 2022، حُكم على المدونة والشاعرة سعيدة العلمي بالسجن 3 سنوات نافذة، وفي نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، تم الحكم بالسجن على نقيب المحامين محمد زيان (80 عاما)، الذي شغل منصب وزير حقوق الإنسان الأسبق، تبعا لشكاية من وزارة الداخلية تشمل كمّا هائلا من التهم، تتجاوز العشر بما في ذلك الزنا والتحرش الجنسي. لقد تضاعفت حالات الاعتداء على حرية التعبير بالمغرب خلال السنوات الماضية. هنا يجب مع ذلك أن نتذكر أن دستور 2011 نص تقدمي يضمن الحريات وحقوق الإنسان، وقد مثّل تقدما هائلا في هذا المجال.
كيف هي أوضاع زوجكِ الحقوقي والمؤرخ المغربي معطي منجب داخل البلاد حاليا؟
عانى زوجي معطي منجب من انتهاكات عديدة لأبسط حقوقه، خصوصا منذ عامي 2014 و2015. وقبل ذلك عانى من المنفى والاعتقال على عهد الملك الراحل الحسن الثاني، ولم يرجع للبلاد إلا بعد أن غادر الملك السابق إلى دار البقاء. منذ سنوات، تتم مضايقة زوجي من جديد من قبل أجهزة الأمن المغربية، مثلا بالمتابعة اللصيقة للتجسس عليه بما في ذلك عن طريق برنامج بيغاسوس، وهو التطبيق الإسرائيلي الخطير؛ إذ كان زوجي أول ضحايا هذا التطبيق الخبيث بشمال أفريقيا، حسب ما أفاد مختبر منظمة العفو الدولية ببرلين.
تتم مضايقته كذلك من خلال حملات القذف والسب المُمنهجة، ونشر معلومات زائفة عنه وعن أفراد عائلته، بل وعن طلبته كذلك من قِبل ما يسمى "بصحافة التشهير"، الموجّهة من قِبل الأجهزة المخزنية (الأمنية). وفي النهاية، تم تهديده. ولما لم يتوقف عن كتاباته وأنشطته الحقوقية، تم المرور لمرحلة الاضطهاد القضائي. هكذا تمت متابعته رسميا بـ "تقويض الأمن الداخلي للدولة " و"إضعاف ولاء المواطنين للدولة"، و"التعامل مع منظمات مُعادية للوطن"، وتهم كيدية أخرى. كان زوجي معطي منجب مُتابعا في البداية ضمن مجموعة من الصحفيين والنشطاء الآخرين، الذين لجأ أغلبهم إلى الخارج خصوصا لهولندا وفرنسا وغيرهما.
ما أزعج السلطة، هو أنشطته في تدريب الصحفيين الشباب حول تقنيات الصحافة الاستقصائية، ومشاركته في الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية في المغرب، وروحه أو نزعته النقدية التحررية المناهضة للاستبداد، وعمله في ميدان التقارب بين تيارات الرأي العام لتكوين قطب معارض موحد ضد الحكومة، يتأسس على وثيقة مرجعية تعددية حقوقية وديمقراطية. كان هذا الأمر الأخير، النقطة التي أفاضت كأس السلطة؛ إذ طفح الكيل لتتم متابعته إذن.
كما مُنع من السفر، وقد رُفع حظر السفر عنه في السابق بعد إضرابه عن الطعام الذي دام 24 يوما في تشرين الأول/ أكتوبر 2015. وقد أدى هذا الاضطهاد المتواصل طيلة 7 سنوات، إلى سوء أحواله البدنية والنفسية، ناهيك عن الجلسات المتكررة في محكمة الرباط، التي دائما ما تؤجل لعدم وجود أدلة ضده، ولا أريد الدخول في كل التفاصيل اليومية الأليمة التي تنتج عن اضطهاد الدولة للفرد.
في نهاية عام 2020، ازداد الضغط الإعلامي عليه، مع فتح تحقيق جديد يتهمه هذه المرة بـ "غسل الأموال". كانت ذريعة بليدة في محاولة لتبرير اعتقاله للرأي العام. تم اختطافه دون مذكرة توقيف من مطعم آيا روزا الشعبي بالعاصمة يوم 29 كانون الأول/ ديسمبر، وتم وضعه بسجن العرجات- رقم اثنان (بالقرب من مطار الرباط- سلا). ثم، في نهاية كانون الثاني/ يناير 2021، حكمت عليه المحكمة الابتدائية بالرباط حكما غيابيا بالسجن لمدة عام واحد، وغرامة قدرها حوالي 1000 يورو، بتهم كيدية عديدة أخطرها "تقويض الأمن الداخلي للدولة".
الغريب في الأمر، أن زوجي السجين حوكم غيابيا، بينما كان في الوقت نفسه حاضرا في غرفة أخرى ببناية المحكمة نفسها؛ للإجابة على أسئلة قاض آخر في إطار محاكمة أخرى. هذا اضطهاد غريب للغاية؛ فلا زوجي ولا محاميه أُبلغوا بهذه الجلسة الأخرى، وإلا لكانوا قد طلبوا المشاركة فيها، ولكن القضاء لم يجرؤ على ذلك لأن الملف فارغ تماما.
سُجن إذن معطي منجب وحُرم من حقوقه، وواجه إنكارا فاضحا للعدالة، وفي عز هذا الغبن اضطر للدخول في إضراب مفتوح عن الطعام لمدة 20 يوما. انتهى هذا الإضراب الجديد بإطلاق سراحه في 23 آذار/ مارس 2021، وهو مصاب بمرض السكري ويعاني من مشاكل في القلب. تم الحصول على هذا الإفراج أيضا بفضل ضغوط من المنظمات غير الحكومية الدولية للدفاع عن حقوق الإنسان وحرية الصحافة كمنظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، ومراسلون بلا حدود، والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، وغيرهم، ولكن أيضا من لجان الدعم التي تكوّنت بعد اعتقاله في المغرب وفرنسا والولايات المتحدة. نجحت هذه اللجان والمنظمات في حشد عدد من المواطنين والشخصيات للمطالبة بالإفراج عنه وإسقاط التهم غير المؤسسة ضده.
لكن حرية زوجي الآن ظاهرية فقط، حيث تتم مراقبة جميع أفعاله وإيماءاته باستمرار (جسديا، والتنصت على الهاتف). بالإضافة إلى ذلك، تم تجميد أصوله وحسابه البنكي منذ بداية عام 2021، وتم منعه باستمرار من مغادرة المغرب منذ أكثر من سنتين، وهو أمر غير قانوني؛ فالمسطرة الجنائية تؤكد أن حظر مغادرة البلاد لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتجاوز الشهرين، مع تجديد لخمس مرات كحد أقصى.
في الواقع، لا يمكنه القدوم إلى فرنسا حيث نسكن الآن ولا يعالج نفسه، لذلك ساءت حالته، ويعانى من اضطراب ضربات القلب، ويجب بالضرورة إجراء فحوصات في المؤسسة الصحية الاعتيادية بفرنسا، التي تتابع حالته وتعالجه منذ عام 2004، وهو أمر غير ممكن في المغرب. عدت شخصيا إلى فرنسا في عام 2020، بعد الضغط الذي استهدفني كذلك، ولم تبقَ لدينا حياة أسرية منذ نحو عامين وأربعة أشهر.
وأخيرا، ومنذ أيلول/ سبتمبر الماضي، تم حرمانه من عمله كأستاذ للتاريخ السياسي بجامعة محمد الخامس بالعاصمة الرباط، وهو ما يرقى إلى الفصل التعسفي غير القانوني، ولكنه سيلجأ للقضاء خلال الفترة المقبلة.
أكثر من سنتين من حرية منقوصة، وتحت المراقبة الشديدة، وعدم احترام أبسط حقوقه، ومنها السفر والعمل والعلاج والعيش مع أسرته، كما ضغطت السلطات على جريدتين كان يعمل بهما بشكل منتظم. وضعت هاتان المؤسستان الكبيرتان حدّا للتعاون مع زوجي في الوقت نفسه، وتخلّتا عن خدماته وكتاباته، ولهذا لم يبقَ له أي دخل الآن.
إن جلسات الاستماع إليه قضائيا تؤجل باستمرار، وهو أمر مرهق نفسيا وإنسانيا؛ فالجلسة 33 مُقررة في 29 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، أي يوم الذكرى الثانية لاعتقاله قبل عامين.
كل هذه الضغوطات والسب العلني أحيانا بالتلفزة نفسها، وفي الغالب بصحافة المخزن ومواقعه الإعلامية، والتشهير الدائم والمتابعة بالشارع وبالسيارة والتهديدات العلنية والحرمان من حقوقه، تعزّز الضغط اليومي عليه، وهذا نوع من التعذيب القاسي.
ولماذا تُصرّ السلطات المغربية على مضايقته والتنكيل به من وجهة نظركم؟
لم يعد معطي منجب رهن الاعتقال، لكنه في حرية ظاهرية وحسب. لذلك، تزداد صعوبة المطالبة بالعدالة واستعادة حقوقه من خلال استخدام الآليات والمؤسسات القانونية. من الواضح أن هذا الاضطهاد وهذه العوائق تهدف -كما قلت-، إلى ممارسة ضغوط كبيرة عليه لإسكاته وتثبيط تفكيره النقدي، إلا أن ذلك يأتي بنتائج عكسية تماما.
رحبتِ بصعود المنتخب المغربي إلى المركز الرابع في مونديال قطر، هل يمكن أن ينعكس ذلك على وضع حقوق الإنسان في المغرب؟
أنا "متشائلة" أحيانا حسب التعبير الجميل للشاعر الفلسطيني الكبير إيميل حبيبي، إلا أنه يجب أن نتبع دائما بصيص الأمل، أن يكون للمكانة والدرجة الممتازة التي حصل عليها المنتخب المغربي البطل خلال كأس العالم لكرة القدم في قطر تداعيات على المستوى الاجتماعي والسياسي في البلاد؛ لأنه ثبت أن هناك روابط بين تنمية المهارات الرياضية وقدرات التنمية في بلد ما، ومن ثم قدرتها على إحداث التغيير في المجالات المختلفة، وليس فقط في مجال الرياضة وكرة القدم.
ولكن هناك العديد من العوامل الأخرى التي تؤدي دورا إيجابيا أو سلبيا، ولا سيما العوامل الجيوستراتيجية، التي تؤثر على المدى المتوسط؛ فتموضع البلاد تجاه جيرانها كالاتحاد الأوروبي الذي هو الشريك الاستراتيجي للمغرب، وتجاه فرنسا له وقع.
والسياق الحالي الوطني ذو المنحى الإيجابي والموقع الجيوسياسي، يمكن أن يؤثرا على الديناميكيات الداخلية لصالح احترام حقوق الإنسان. وأعتقد أنه حان الوقت ليصبح المغرب بطلا في مجال الحقوق والحريات أيضا.
كيف ترين موقف فرنسا والمجتمع الدولي من حقوق الإنسان في المغرب؟
يحتل المغرب مكانة استراتيجية، بسبب موقعه الجغرافي في شمال غرب أفريقيا وعلى أبواب إسبانيا وأوروبا، وفي الغرب يمتد ساحل المحيط الأطلسي الطويل، ومن الجنوب جوار البلدان الأفريقية. المغرب شريك مميز للاتحاد الأوروبي في مختلف المجالات، ولا سيما الاقتصادية، وعلى سبيل المثال في إطار الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الصيد أو تصدير المنتجات الزراعية نحو الاتحاد الأوروبي، والتحكم في تدفقات الهجرة نحو الاتحاد الأوروبي، وسياسيا من خلال التعاون في محاربة العنف والتطرف.
وفرنسا تحديدا شريك رئيسي للمغرب، عبر مؤسساتها الاقتصادية وشركاتها في البلاد، وشبكتها التعليمية والثقافية، فضلا عن سياستها الداعمة للتنمية. في الواقع، العلاقات بين البلدين وثيقة للغاية بالنظر إلى الماضي التاريخي. هذه العلاقات لها أبعاد متعددة وتستند إلى المصالح المشتركة.
إلا أن فرنسا كدولة مستعمرة سابقا، يصعب عليها بلا شك ممارسة نفوذها فيما يتعلق باحترام حقوق الإنسان، ولكن إذا كنّا نرغب في إقامة علاقات بين أنداد في إطار شراكة متجددة، كما بدا الأمر في الأيام القليلة الماضية، يصبح من الطبيعي الإشارة إلى القيم الإنسانية الأساسية المشتركة بين المجتمعين والحضارتين. هذا دون الشعور بالذنب لا من هذه الجهة ولا من الأخرى، بل على العكس؛ فالتعبير عن القلق عنوان الصدق والصداقة. لنجعل من حقوق الإنسان ومن حقوق المهاجرين بشمال المتوسط محورا مهما لأي سياسة شراكة، على النحو الذي تنص عليه الاتفاقيات الدولية والمبادئ التأسيسية للاتحاد الأوروبي.
برأيكِ، كيف يمكن وقف تدهور أوضاع حقوق الإنسان في المغرب؟
هذا السؤال يتجاوزني بكثير؛ فهذا يعتمد على القوى الداخلية في البلاد، وصناع القرار السياسي على أعلى مستوى في الدولة، والمؤسسات الوسيطة، والفاعلين الاجتماعيين والمجتمع المدني والمواطنين عموما. ولكن خارجيا الأمر مهم أيضا؛ فهيئات الأمم المتحدة التي هي ضامنة لاحترام مبادئ حقوق الإنسان تؤدي دورا إيجابيا في إطار احترام القيم المشتركة والاتفاقيات المصادق عليها من قِبل المغرب، وكذلك مؤسسات الاتحاد الأوروبي المعنية، في إطار احترام سيادة البلاد.