كتاب عربي 21

بعد المونديال.. قطر والمغرب في قفص الاتهام

طارق أوشن
كايلي هي أبرز متهمة في القضية- حسابها على تويتر
كايلي هي أبرز متهمة في القضية- حسابها على تويتر
مخطئ من كان يعتقد أن الحملة المنظمة والهجمة الشرسة التي طالت دولة قطر قد هدأت، وهي على أبواب الإيفاء بوعدها بتنظيم كأس عالمية لكرة القدم، فقد أخرجتها بعض القوى الغربية، عن سابق إصرار وترصد، من سياقها الرياضي إلى ما هو سياسي واستراتيجي. لكنه النجاح المشهود في التنظيم والمستوى الراقي للمباريات، هو ما غطى على الأصوات الحاقدة التي لم تتوقف يوما عن النباح.

الآلة الدعائية الغربية، الأوروبية على الخصوص، ظلت تعمل بتنسيق تام وعينها على ما يتحقق من إنجاز تنظيمي وكروي، استطاع أن يهدد النظام العالمي الكروي كما هو مكرس في المخيال الأوروبي، بعد أن حول القارة العجوز إلى مجرد "هامش" على مستويي التنظيم والنتائج سواء بسواء. ولأن ما تحقق بالفعل طوال أيام المونديال شكل صدمة فعلية للذهنية الأوروبية المتعالية، كان لا بد من التشويش على النجاحات قبل المرور لمرحلة الابتزاز السياسي، وهي عملية يتقنها الأوروبيون ويتفننون فيها.
الآلة الدعائية الغربية، الأوروبية على الخصوص، ظلت تعمل بتنسيق تام وعينها على ما يتحقق من إنجاز تنظيمي وكروي استطاع أن يهدد النظام العالمي الكروي، كما هو مكرس في المخيال الأوروبي، بعد أن حول القارة العجوز إلى مجرد "هامش" على مستويي التنظيم والنتائج سواء بسواء

تنسيق وتعاون استخباراتيان داما لأكثر من عام كامل لتحديد شبهات فساد في البرلمان الأوروبي.. تلك كانت خلاصة بيان لوزارة العدل البلجيكية بخصوص ما أسمته "قضية كبرى"، وهي تعلق على المداهمات التي قامت بها أجهزة الشرطة في بروكسل لمقر البرلمان ومقرات سكن عدد من البرلمانيين الأوروبيين المتهمين بـ"الفساد والانتماء لمجموعة إجرامية وغسيل الأموال". اعتبرت المؤسسة التشريعية الأوروبية، عبر رئيستها، أن ما وقع "هجوم على الديمقراطية الأوروبية" من قبل أطراف ذات "دوافع مغرضة مرتبطة ببلدان عالمثالثية استبدادية".

المتهمة الأبرز كانت نائبة رئيسة البرلمان الأوروبي إيفا كايلي، أما الأطراف الأجنبية "المتورطة" فاقتصرت في البداية على دولة قطر بدعوى دفع رشاوى على شكل أموال سائلة تم العثور عليها في حقائب مليئة بأوراق نقدية، لم تستثن فئة العشرة والعشرين يورو. هي إذن "قضية كبرى" بأدوات رشوة غاية في الهواية، لا يمكن أن تصدر عن أجهزة دولة أو مخابرات.

إيفا كايلي كانت صرحت في الواحد والعشرين من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الأخير داخل أروقة البرلمان الأوروبي في بروكسل، أي بعد أيام قليلة من انطلاق مونديال 2022، أن قطر "دولة رائدة في مجال قانون العمل"، ودافعت عن تنظيم كأس العالم فيها باعتبار الديبلوماسية الرياضية وسيلة مهمة لتطوير البلدان. كايلي أدانت الدعوات العنصرية المنادية بمقاطعة التظاهرة العالمية، قبل أن تستنكر اتهام كل من يدافع عن قطر بالارتشاء. لم تمر إلا أسابيع حتى صارت نائبة البرلمان الأوروبي في دائرة الاتهام، بل سارع زملاؤها إلى تجريدها من كل مهامها في المؤسسة الأوروبية، دون انتظار نتائج التحقيق.

كايلي أدانت الدعوات العنصرية المنادية بمقاطعة التظاهرة العالمية، قبل أن تستنكر اتهام كل من يدافع عن قطر بالارتشاء. لم تمر إلا أسابيع حتى صارت نائبة البرلمان الأوروبي في دائرة الاتهام، بل سارع زملاؤها إلى تجريدها من كل مهامها في المؤسسة الأوروبية، دون انتظار نتائج التحقيق

ليس جديدا ما تتعرض له الدوحة من اتهامات بشراء ذمم المسؤولين الغربيين، فهي تهمة تناقلتها الألسن وتداولتها المنابر باستمرار، لكن الجديد في "القضية" الحالية، هو "استهدافها" للبرلمان الأوروبي الذي طالما تغنى بالشفافية واستخدم مفهوم مكافحة الفساد كورقة ضغط ناجحة ضد كثير من البلدان. والأهم كان اعتقال "المتهمين" وإطلاق عملية تحقيق جنائي بشكل ينقل المعركة لمستويات أخرى.

سياسيا، تبنى البرلمانيون الأوروبيون سلسلة قرارات تقيد من وصول البعثة القطرية لأروقة مقرهم، ومعها تعليق جميع الأعمال التشريعية المتعلقة بها. وكان منتظرا التصويت على منح القطريين حق دخول منطقة شينغن دونما حاجة إلى تأشيرة، وفتح الأجواء بين الفضاء الأوروبي والدوحة دون قيود.

محامي كايلي تحدث عن دعوة كانت مرتقبة للشيخ تميم بن حمد لإلقاء كلمة بالبرلمان، للتأكيد أن "شراء النفوذ" لا يحتاج لرشوة برلمانيين. وللدوحة أسلحتها، وهي التي يعول عليها الأوروبيون لحل الأزمة الطاقية التي يعانون منها على وقع الحرب بأوكرانيا. وفي ظل الأزمة التي تلوح في الأفق اشتدادا، لا ينسى الفرنسيون حجم الاستثمارات القطرية التي تقارب العشرين مليار يورو، وهي أرقام لا تختلف كثيرا عن بقية البلدان بالقياس إلى حجم اقتصاداتها. ويبقى السؤال مطروحا عمّا قد يدفع الأوروبيين لاتهام الدوحة بعملية "رشوة" بدائية لشراء نفوذ تتمتع به بالفعل وعلى الأرض، ووفق كل الإحصائيات الاقتصادية والأهمية الاستراتيجية التي عظمتها وأكدتها في مختلف الأزمات الدولية، التي وقف الغربيون في مواجهتها عاجزين.
يبقى السؤال مطروحا عمّا قد يدفع الأوروبيين لاتهام الدوحة بعملية "رشوة" بدائية لشراء نفوذ تتمتع به بالفعل وعلى الأرض، ووفق كل الإحصائيات الاقتصادية والأهمية الاستراتيجية التي عظمتها وأكدتها في مختلف الأزمات الدولية، التي وقف الغربيون في مواجهتها عاجزين

قد تساعدنا العودة إلى ملعب الثمامة القطري، يوم السابع والعشرين من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، لفهم ما يعتمل داخل العقل الأوروبي. يومها، كان الملعب يحتضن مباراة كرة قدم جمعت المغرب ببلجيكا. لا تهم النتيجة، فقد صارت معلومة للقاصي والداني، ما يهمنا هنا هو الظهور العلني في الملعب، دون مناسبة معلومة، لياسين المنصوري وهو مدير الإدارة العامة للدراسات والمستندات (المخابرات الخارجية المغربية)، وبجانبه عبد اللطيف الحموشي وهو مدير المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (المخابرات الداخلية المغربية)، والمدير العام للمديرية العامة للأمن الوطني. خبر تنقل المسؤولين الأمنيين المغربيين إلى الدوحة لمشاهدة مباراة كرة القدم أمر يحيد عن المعقول، وإن قبلنا بالأمر، فظهورهما بالشكل الذي رأيناه في الملعب يحمل رسائل سياسية وأمنية، لا يمكن إلا أن تكون عن سابق ترصد وإصرار. وإذا كان مفهوما توجيه الاتهامات للمغرب وأجهزته الأمنية بمحاولة اختراق المؤسسات الأوروبية، والتنصت على المسؤولين السياسيين هناك (اتهامات بيغاسوس نموذجا)، فإن تسريب معلومات تتعلق باعترافات أحد الموقوفين في قضية "الرشوة"، يدعي فيها كونه جزءا من "منظمة تستخدمها قطر والمغرب للتدخل في شؤون الاتحاد الأوروبي"، تدعم فرضية محاولة توريط البلدين وابتزازهما.

محاولة تكريس وجود تنسيق مالي واستخباراتي مغربي قطري لـ"ضرب الديمقراطية الأوروبية" ليس بالأمر العبثي، فإذا انطلقت التحقيقات بتسريبات قضية "الرشوة" التي تم إلصاقها بالقطريين، فالبرامج التلفزيونية الفرنسية، على سبيل المثال، عادت للحديث مجددا، ودونما مناسبة تستدعي التذكير، عن "التجاوزات الأمنية" المغربية في حق "المعارضين" والصحفيين المسجونين، لدرجة أن صحفيا في القناة الفرنسية الخامسة (قناة عمومية)، أظهر صورة لعبد اللطيف الحموشي نفسه، وباسمه تحتها، باعتباره صحفيا معتقلا بجانب توفيق بوعشرين وعمر الراضي وسليمان الريسوني.

قناة فرنسية عمومية أخرى اختارت أكل الثوم بلسان أستاذة جامعية من أصل مغربي، دأبت على الحضور في برنامج "ثقافي" على القناة الإخبارية فرانس إنفو، للحديث بشكل مباشر عن حضور المسؤولين الأمنيين في ملعب الثمامة، باعتبار أن أعتى الديكتاتوريات لم تجرؤ على إتيان مثل ذلك الفعل، قبل التذكير بهويات اللاعبين المغاربة الذين ينتمي أغلبهم لمنطقة (الريف) المعروفة تاريخيا بمواجهة السلطة المركزية لـ"المخزن المغربي"، في بلد ادعت ألا انتخابات تنظم فيها.
قطر متهمة على الدوام بتمويل أنشطة الجماعات المرتبطة بفكر الإخوان المسلمين في أوروبا، والمغرب متهم بمحاولة اختراق المؤسسات استخباراتيا

قطر متهمة على الدوام بتمويل أنشطة الجماعات المرتبطة بفكر الإخوان المسلمين في أوروبا، والمغرب متهم بمحاولة اختراق المؤسسات استخباراتيا، وجمع الاثنين في جملة واحدة مقصود، خصوصا بعد الملحمة التي شهدها المونديال من البلدين.

هاتان دولتان عربيتان تحققان الإنجاز بمعزل عن الدعم والمواكبة الغربيين. ما تحقق ليس بالأمر اليسير، وأعين القوى الاستعمارية لن تنام حتى تشكك فيه أو تقلل من قيمته في أعين أبناء البلدين، وما يمثلانه من عقيدة وحضارة وقيّم شهد العالم على نقائها. الوقيعة بين الدوحة والرباط وأجهزتهما ليست مستبعدة، ولو اقتضى الأمر تسخير أبنائهما أو مؤسساتهما الصحفية والأمنية بعضا ضد بعض داخل الملعب أو خارجه، بتسريبات أو أكاذيب أو حوارات موجهة أو كتابات.
التعليقات (3)
غزاوي
السبت، 24-12-2022 07:01 م
مجرد تساؤل. ما هذا الاستخفاف !!!؟؟؟ أرحموا عقولنا يرحمكم الله. أحيانا كثيرة يصعب عليَّ فهم ما تخطه بعض الأقلام. اللهم إذا كان أصحابها يستهدفون المداويخ الذين يبتلعون بسهولة فائقة كل ما يُقال لهم، ولو "معراج" محمد الخامس إلى القمر، أو اكتشاف البترول والغاز في تالسينت. المقال يريد أن يُقنعنا أن البرلمان الأوروبي وأعضاؤه اتهموا أنفسهم واعترفوا بأفظع جريمة يُمكن أن يتهم به مسؤول، فقط للنيل من انجازات المغرب وقطر. قال ميخائيل نعيمة: " كَم من أناس صرفوا العمرَ في إتقانِ فنّ الكتابة..ليذيعوا جهلَهُم لا غَير!".
إيزم
السبت، 24-12-2022 02:25 م
البارحة پيگاسوس و اليوم رشوة مفترضة لنائب و غدا "مالك مزغّب" (كما في الموروث الشعبي المغربي) لا يمكن ابدا للغرب عموما و لاوروبا بالخصوص المسكونين بجنون العظمة و النرجسية و تضخم الأنا و انتفاخ الذات و النظر الى الدول العالمثالثية و افريقيا بالأخص من علياء ان تسمح لدولة كالمغرب أن يتحرر كليا و يتملك قراراته و يصبح فاعلا مؤثرا في رقعة الشطرنج الدولية حتى و لو تطلب الأمر تجييش "الأخوة" و "الاصدقاء" ضده و إعلان حرب التأشيرات ... الخ حرب طاحنة في الخفاء و اساليب اسخباراتية نظيفة او قذرة لا يهم و سياسة الارض المحروقة رغم المصافحات و الابتسامات في العلن .. تلكم ضريبة الحرية
احمد
السبت، 24-12-2022 10:44 ص
لا غرابه في تصرفات الاتحاد الاوربي فلقد سيطرت عليه مافيات اليمين المتطرف فهاهو بوريل يصف شعوب العالم بالاعشاب الضاره التي يجب منعها من دخول حديقه الاتحاد الاوربي !!! تصريح مثل هذا كان يجب على الاتحاد ايقاف صاحبه لكن كما هي عاده الغربيين يدعون بان المقابل لم يفهم قصدهم و هذه اهانه اخرى حين يتهمونه بالغباء .. مشكله العجرفه الغربيه لا يمكن لها ان تتوقف الا عندما يتم عقاب كل تصرف لا أخلاقي من قبلهم بالعقاب الفوري و هنا نسـأل قطر لماذا هذا الجبن و التخاذل و انتم اقوياء بكل بساطه تعلنون وقف امدادات الغاز و العمل على سحب الاستثمارات من الاتحاد الاوربي و منع دخول رعاياه دون تأشيره .. المشكله ليست في الغرب و انما بحكامنا الجبناء