انتصبت ذات يوم على تل رملي يشرف على مساحات واسعة إلى الشرق والشمال
والجنوب من أراضي
فلسطين، فيما تواجه تلا مرتفعا إلى الغرب، وترتبط بالقدس بطريق
معبدة، ويمر بها خط سكة حديد القنطرة-حيفا.
وكان يضم هذا التل البقايا المتراكمة لعدة بلدات سابقة تحمل اسم
إسدود الذي اشتق من بلدة قديمة يرجع تاريخها، كما دلت الحفريات الأثرية، إلى القرن
السابع عشر قبل الميلاد، وسكانها الأولون هم العناقيون، وهم من القبائل الكنعانية
التي سكنت الساحل الفلسطيني وجنوب فلسطين في العصور القديمة، وقد أطلق العناقيون
على المدينة اسم إشدود بمعنى الحصن أو القوة.
صورة لمدينة إسدود ١٨٨٠
وجاء في التوراة أنها كانت إحدى مدن الفلسطينيين الخمس الكبرى. ويجب
التمييز بينها وبين الثغر البحري الذي كان بلدة تعرف في العصور القديمة باسم أزوتس
باراليوس، أي الواقعة على البحر.
وكان يفصل هذه البلدة عن إسدود كثبان من الرمال عرضها 5 كيلومترات،
وفي إثر التخريب الذي أنزله المكابيون بالبلدة في القرن الثاني قبل الميلاد فقد أعيد
بناؤها كمدينة رومانية، وخلال الفترة البيزنطية أصبحت بلدة الميناء أهم من البلدة
الأم ذاتها.
وفي القرن السابع للميلاد دخلت إسدود في الحكم الإسلامي، وأشار
الجغرافي ابن خرداذبة إليها باسم أزدود في كتابه "في المسالك
والممالك"، وقال إنها إحدى محطات البريد بين الرملة وغزة.
وفي عام 1596 كانت إسدود قرية في ناحية غزة (لواء غزة) وفيها 413
نسمة، وكانت تدفع الضرائب على عدد من الغلال كالقمح والشعير والسمسم والفاكهة
بالإضافة إلى عناصر أخرى من الإنتاج كالماعز وخلايا النحل، وقد ذكر الرحالة المصري
والمتصوف مصطفى أسعد اللقيمي أنه زار إسدود في عام 1730 بعد مغادرته غزة.
وكانت منازلها مبنية بالطوب، وقبل الحرب العالمية الأولى قدر عدد
سكانها بنحو 5000 نسمة، وهو تعداد سكاني كبير وقتها.
وكان في القرية مسجدان وثلاثة مقامات لشخصيات إسلامية تاريخية
ودينية، وكان سكانها يعتقدون أن أحد هذه المقامات هو مقام الصحابي الجليل سلمان
الفارسي. وأقيمت مدرستان ابتدائيتان في إسدود، أحداهما للبنين في عام 1922،
والأخرى للبنات في عام 1942 وكان في القرية مجلس بلدي.
كانت الزراعة عماد اقتصاد القرية، وكانت محاصيلها الأساسية الحمضيات
والعنب والتين والحبوب، وبالإضافة إلى الزراعة كان سكانها يعملون في التجارة، وكان
في إسدود عدد من المتاجر وسوق أسبوعية تعقد كل يوم أربعاء وتستقطب سكان القرى
المجاورة، وقد سهلت التجارة محطة القطار في إسدود التي كانت جزءا من خط سكة الحديد
الساحلي.
كان في جوار إسدود تسع خرب تضم تشكيلة واسعة من الآثار منها بقايا
فخارية وأرضية من الفسيفساء وصهاريج ومعصرة زيتون قديمة. وقد كشفت التنقيبات
الأثرية في
الموقع أنه بقي آهلا بصورة مستمرة تقريبا حتى نكبة فلسطين عام 1948 .
وعندما دخلت القوات المصرية
فلسطين في 15 أيار/ مايو 1948 كان من أهدافها التمركز في إسدود وقد أنيطت هذه
المهمة بالكتيبة المصرية، وكانت القوات الإسرائيلية قطعت الطريق بين المجدل وإسدود
فترة وجيزة إلا إن المصريين نجحوا في إزاحة تلك القوات عنها واستعادوا بالتالي
خطوط إمداداتهم وكان ذلك في أثناء تنفيذ الجيش الإسرائيلي عملية براك.
كانت العمليات العسكرية الإسرائيلية تقضي بهجوم على المجدل وإسدود
ويبنة، وقد شن الهجوم من جهات ثلاث في حزيران/ يونيو وأدى إلى فرار الألوف من
السكان المحليين بحسب ما روى المؤرخ الإسرائيلي بني موريس، ثم شن هجوم إسرائيلي
آخر بعد ذلك بأيام معدودة، وفي اليوم التالي دخلت الهدنة حيز التنفيذ.
ولم يتم احتلال بلدة إسدود إلا عند نهاية الهدنة الثانية من الحرب في
تشرين الأول/ أكتوبر عام 1948 فقد قصفت بحرا وجوا في بداية عملية "يوآف"
وسقطت في يد الإسرائيليين في المرحلة الأخيرة من هذه العملية.
وبات المصريون مهددين بالحصار والعزل فانسحبوا على الطريق الساحلي في
اتجاه الجنوب. أما معظم من بقي من السكان فقد فر مع الطوابير المصرية قبل دخول
الإسرائيليين في 28 تشرين الأول/ أكتوبر. ويذكر موريس أن نحو 300 من سكان البلدة
بقوا فيها رافعين الأعلام البيض وطردوا فورا نحو الجنوب، ومع ذلك فقد زعم بلاغ
عسكري إسرائيلي صدر يوم احتلال إسدود أن القوات الإسرائيلية دخلت البلدة بناء على
طلب وفد من السكان العرب المحليين.
وقبل أن يحدث ذلك بفترة وجيزة، كان المئات من سكان القرى المجاورة
يأتون إلى إسدود حاملين معهم قصصا مروعة حول المجازر التي شاهدوها في أماكن عدة
مثل قبيا وبشيت ودير ياسين ومسجد دهمش. وعندما لم يعودوا بمأمن من اعتداءات
المجموعات اليهودية، ومع انسحاب الجيش المصري من المنطقة، فقد غادر نحو 3000 من السكان
القرية حيث ساروا على أقدامهم لعدة أيام إلى أن وصلوا إلى مكان آمن إلى حد ما.
ودمر معظم المنازل وغطت الحشائش والأشواك الدمار. وثمة إلى الجنوب
مسجد كبير خرب لا تزال أعمدته المتداعية قائمة ولا تزال أبوابه ونوافذه المقوسة
تحتفظ بأشكالها المميزة، وثمة مدرستان مهجورتان، ومقام مهجور بالقرب منهما
إلى الجنوب. وثمة بناء كبير غير مستعمل لا يزال قائما في الجانب الشرقي. وتنتشر أشجار
النخيل والدوم والسرو على أطراف الموقع. وقد غرس شجر الأفوكاتو في بستان على طول
الطرف الشمالي للموقع الذي تمتد في موازاة طرفه الجنوبي حقول احتلت وهي مزروعة.
وفي عام 1950 أقيمت مستعمرتا "سدي عزياهو" و"شتولم" على أراضي القرية إلى الشرق من موقعها. أما
متسعمرتا "بني دروم" و"غان
هدروم" فقد أسستا فيها إلى الشمال من موقع القرية لكن على أراضي قرية إسدود.
المصادر
ـ نبذة تاريخية عن قرية إسدود (قضاء غزة)، من كتاب "كي لا
ننسى"، الدكتور وليد الخالدي.
ـ إسدود، كتاب "بلادنا
فلسطين"، مصطفى مراد الدباغ.
ـ معارك نقبا وإسدود وبيروت، النكبة
الفلسطينية والفردوس المفقود، عارف العارف.
ـ أهل العلم والحكم في ريف فلسطين، أحمد
سامح الخالدي.
ـ معلومات عامة عن قرية إسدود/ اشدود-
قضاء غزة، موسوعة القرى الفلسطينية.
ـ "أتمني أن أدفن في بلدتي، إسدود"، المركز الفلسطيني
لحقوق الإنسان.
ـ ساهر غزاوي، إسدود الفلسطينية..المدينة
التي كانت تعج بالحياة في كل المجالات كيف سيطر عليها الغزاة!؟، موقع موطني48،
1/6/2019.
ـ قرى غزة (إسدود)، وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا).