لا أحد يعرف
حقيقة ولا حتى طبيعة الصفقة التي ستنهي عقداً من التطلعات الجيوسياسية التركية بعد
اندفاعها لتشكيل شرق أوسط يتناسب مع رؤى النخبة الحاكمة، مستفيدة من ثورات شعبية
عارمة، ومن إعجاب كبير تكنّه الجماهير العربية للنموذج التركي، ومن حالة عدم وضوح استراتيجي
لدى اللاعبين الدوليين الكبار تجاه ما كان يجري في الشرق الأوسط عشية اشتعال
الربيع العربي.
تسير
تركيا بسرعة
تفوق المتوقع على طريق التطبيع
مع نظام الأسد، واللافت في الأمر، أنها لا تضع شركاءها،
والمقصود هنا المعارضة السورية، في صورة الوضع ولا طبيعة الأهداف التي تتوخاها
تركيا، ولا حتى مناقشة مصائرهم، رغم أنهم معنيون بدرجة كبيرة بالمسار الدبلوماسي
الذي تنخرط به تركيا مع روسيا ونظام
الأسد، الأمر الذي يثير السؤال عما إذا كانت
تركيا تستهتر فعلا بالسوريين وأزمتهم.
الغريب أن التفاهمات بين تركيا ونظام الأسد قطعت شوطا مهما، ووصلت إلى حد التفاهم على ترتيبات وتفاصيل عديدة، ما كان يستدعي أن تكون المعارضة في صورة هذه التفاهمات، بوصفها الطرف الذي سينفذ الجزء الأكبر من هذه التفاهمات، بما يعنيه ذلك من خسائر مؤكدة ستتحملها المعارضة، العسكرية والسياسية
حسنا، ثمة تفسير
سيطفو على السطح مباشرة من منطلق عقلاني، وهو أن تركيا توازن حساباتها وسط تحوّلات
دولية عميقة بوصفها لاعبا بمواصفات جيوسياسية كبيرة، ويدير علاقاته مع قوى متضاربة
ويحاول الاستفادة إلى أقصى درجة من التحولات الحاصلة. وهي بذلك تدير لعبة مع
لاعبين من أوزان ثقيلة وبحسابات دقيقة، وبالتالي من الطبيعي أن لا تكون المعارضة السورية
طرفا ملحوظا وسط ذلك، وطبيعي أن تتعامل معها بوصفها مسألة هامشية أدنى من أن ينشغل
بها صانع القرار التركي. وترجمة لذلك مثلا، لا نرى أي تنسيق بين تركيا والمعارضة
وحتى الاجتماع الذي جرى مؤخرا بين وزير الخارجية التركي والائتلاف جاء بطلب وإلحاح
من الأخير، ولم يسمع خلاله الوفد سوى كلام عام لم يوضح شيء.
الغريب أن
التفاهمات بين تركيا ونظام الأسد قطعت شوطا مهما، ووصلت إلى حد التفاهم على
ترتيبات وتفاصيل عديدة، ما كان يستدعي أن تكون المعارضة في صورة هذه التفاهمات،
بوصفها الطرف الذي سينفذ الجزء الأكبر من هذه التفاهمات، بما يعنيه ذلك من خسائر
مؤكدة ستتحملها المعارضة، العسكرية والسياسية، لتنفيذ مندرجات التفاهمات بين أنقرة
ونظام الأسد، والتي ستشمل تفكيك هياكلها وتسليم مناطق سيطرتها وإلغاء وجودها، أي
باختصار تسليمها لنظام الأسد ورعاته الروس والإيرانيين، دون وجود ضمانات حقيقية
سوى ما سيتعهد به هؤلاء من وعود تنتهي فعاليتها صباح اليوم الذي يستعيدون فيه
السيطرة على مناطق شمال
سوريا.
كيف تجري تركيا
حساباتها، هذا ما لا يعلمه أحد في المقلب السوري المعارض، لا بد أنها تدرك الكلف
الاجتماعية والسياسية التي يرتبها الاستمرار في مسارها التطبيعي مع نظام الأسد، وأنها
ستواجه اعتراضات عنيفة من قبل السوريين المعارضين، وهنا نحن نتحدث عن كتلة بشرية
يتجاوز تعدادها سبعة ملايين، هؤلاء لن يقبلوا أن يساقوا كالأغنام إلى مقصلة الأسد،
كما لن يقبلوا التصالح معه، وبين هؤلاء أكثر من 100 ألف مقاتل مسلح، وبينهم مئات
الآلاف من الناشطين السياسيين الذين تشكّل وعيهم السياسي في جو من الحرية وعلى
كراهية استبداد نظام الأسد، فكيف سيتم إخضاع هؤلاء؟
في خطابها الرسمي
تؤكد أنقرة أنها
لن تتخلى عن المعارضة السورية ولن تتجاوزها، بل تذهب أبعد من ذلك
بأنها تسعى إلى التوصل إلى حل سياسي يستند للقرارات الدولية. لكن هذا منطق إما
مبالغ في التفاؤل وإما أنه ذر للرماد في العيونـ فأي حل سياسي سيقبل به الأسد، أو
حتى روسيا وإيران؟ وأي عودة للاجئين تلك التي سيقبل بها نظام أعلن أن طرده
للسوريين من مناطقهم هدفه الوصول إلى حالة انسجام وطني، الأمر الذي صرفت إيران لأجله
أموالا طائلة للوصول إلى الإخلال بالميزان الديمغرافي ليتناسب مع مشروعها في
المنطقة؟ حتى روسيا نفسها لن تكون مرحبة بعودة ملايين السوريين الذين قد يؤثرون
بشكل كبير بميزان القوى ويدعّمون التيار المناهض لروسيا.
الأرجح أن السوريين لن يوافقوا على الخطة التركية، وأنهم سيقاتلون كما لم يقاتلوا من قبل، الفارق أنه قبل ذلك كان هناك هامش أمامهم، بالإضافة إلى أن تجربة المقاومة الأوكرانية باتت محفزا قويا لحركة التحرّر السورية
ثم ماذا لو أعلن
السوريون في الشمال تحديهم للخطة التركية، هل ستواجههم تركيا بالسلاح؟ أي تكاليف
ستترتب حينها على أنقرة؟ وهل ستنخرط فعلا بهذا الصراع، أم أنها ستقوم بسحب قواتها
وإغلاق حدودها وترك السوريين يواجهون أقدارهم بمواجهة آلة الموت الروسية؟ تتذرع
تركيا بانخراطها في مسار التطبيع بالقول إن السياسات المتبعة على مدار سنوات لم
تؤد لأي نتيجةَ، فهل ستؤدي سياساتها التطبيعية مع الأسد إلى نتائج مغايرة؟ وكيف لو
لم تكن على اطلاع دائم على أسباب عدم حصول تطورات فعلية في العملية السياسية، حيث
رفض الأسد كل الطرق والمقاربات للوصول إلى حل سياسي منطقي؟ فهل باتت أنقرة ترى في
منح الأسد فرصة لتدمير المعارضة السورية الطريق المتبقي للوصول إلى نتائج؟
الأرجح أن
السوريين لن يوافقوا على الخطة التركية، وأنهم سيقاتلون كما لم يقاتلوا من قبل،
الفارق أنه قبل ذلك كان هناك هامش أمامهم، بالإضافة إلى أن تجربة المقاومة
الأوكرانية باتت محفزا قويا لحركة التحرّر السورية، وثمّة أطراف دولية تنتظر
الفرصة لاستنزاف روسيا في سوريا لتخفيف الضغط على أوكرانيا.
twitter.com/ghazidahman1