مع تسبب رفع البنوك المركزية بغالبية دول العالم الفائدة عدة مرات خلال عام
2022 لمواجهة التضخم المرتفع، وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، تراجع أداء
المؤشرات الثلاثة للبورصة الأمريكية، حيث تراجع مؤشر داو جونز بنسبة 9 في المائة
وستاندرد آند بورز 500 بنسبة 20 في المائة، ومؤشر ناسداك المركب بتراجع 33 في
المائة، وهو الانخفاض الذي يحدث للمرة الأولى منذ عام 2018 ويعد الأكبر منذ عام
2008.
كذلك تراجعت الأسهم الأوروبية بنسبة 11.8 في المائة كأسوأ أداء منذ عام
2018، ونفس التراجع بمؤشر بورصة شنغهاي الصيني بنسبة 15 في المائة، ومؤشر هونج
كونج (هانج سنغ) بنسبة 15.3 في المائة، ومؤشر نيكي الياباني بنسبة 9 في المائة.
وفي المنطقة العربية تراجع مؤشر
البورصة السعودية بنسبة 7.1 في المائة، رغم
الزيادة الكبيرة التي لحقت بأسعار النفط، كما انخفضت البورصة القطرية بنسبة 8.1 في
المائة رغم ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي، وصفقات تصدير الغاز الطبيعي التي
عقدتها قطر مع عدة دول بعد الحظر الأوروبي للطاقة الروسية، وحدث استضافة قطر
لبطولة كأس العالم لكرة القدم وما حققته من إيرادات.
وعلى الجانب الآخر ارتفع مؤشر البورصة
المصرية الرئيس خلال العام الماضي
بنسبة 22.2 في المائة، متفوقة على نسب ارتفاع البورصات العربية والتي تشمل أبو ظبى
والأردن وسلطنة عمان والبحرين ودبى والكويت.
خروج 5 شركات من البورصة بالعام الماضي
وهو أمر غريب، حيث أنه من الطبيعي أن تكون البورصة مرآة لأوضاع
الاقتصاد،
وخاصة أحوال القطاع الخاص، حيث أن غالبية الشركات المقيدة بها شركات خاصة، وهو
القطاع الذي مر ولا يزال بظروف بالغة الصعوبة خلال عام 2022، بداية من تقييد الاستيراد
في شباط/ فبراير وما تلاه من صعوبات في الإفراج عن البضائع من الموانئ، ونقص
إمداد المصانع بالمواد الخام ومستلزمات الإنتاج وهي المشكلة التي لم تنته بعد، ونقص
الدولار في البنوك وعودة السوق السوداء للدولار لتقود سعر الصرف في المجتمع، وكلما
حاول البنك المركزي اللحاق بها تقدمت عنه بفارق كبير.
وصحب ذلك رفع للفائدة أربع مرات خلال العام بما مجموعه نسبة 8 في المائة،
وهو أمر ضار بالشركات المقيدة في البورصة، وضار بالتعامل في البورصة في أي بلد في العالم.
ولقد شهدنا كيف كان رفع الفائدة الأمريكية بنسبة 0.75 في المائة يصيب البورصة
الأمريكية بالانخفاض.
وواكب ذلك عزوف شركات القطاع الخاص عن القيد بالبورصة المصرية، فمن بين حوالي
سبعة آلاف شركة مساهمة لا توجد سوى 215 شركة مقيدة في البورصة، و27 شركة مقيدة ببورصة
النيل الخاصة بالشركات الصغيرة والمتوسطة، ويقل العدد الحالي المقيد عما كان عليه
قبل سنوات، حيث بلغ عدد الشركات المقيدة بعام 2018 نحو 220 شركة بالبورصة الرئيسية
و32 شركة ببورصة النيل.
وخلال العام الماضي طلبت خمس شركات الشطب الاختياري من البورصة الرئيسية، وهي
بنك الكويت الوطني – مصر، ونايل سيتي للاستثمار، وأميرالد للاستثمار العقاري،
وأميرالد للتطوير وإدارة المشروعات، وأودن للاستثمار والتنمية، مقابل قيد ثلاث
شركات جديدة، منها شركتان حكوميتان جرى قيدهما تمهيدا لبيع جانب من أسهمهما
لصناديق سيادية خليجية، وهما شركة دمياط لتداول الحاويات وشركة بورسعيد لتداول
الحاويات.
أوضاع الاقتصاد لا تؤهل البورصة للارتفاع
أيضا يضاف للظروف المحيطة بالبورصة المصرية، حالة الركود المستمرة في الأسواق
منذ أكثر من عامين وتراجع القوى الشرائية، والتي أثرت على مبيعات الشركات وبالتالي
على أرباحها. كذلك ما لحق بعدد من رجال الأعمال الكبار من تعسف وتشهير وسجن،
واستمرار المنافسة غير العادلة للقطاع الخاص من قبل الشركات التابعة للجهات
السيادية، بما ينعكس على مناخ
الاستثمار سلبيا سواء للمصريين أو للأجانب.
وكذلك استمرار المشاكل الرئيسية للاقتصاد؛ من ارتفاع الدين الخارجي، وزيادة
الدين العام الداخلي الذي لا يعرف أحد حجمه منذ عامين ونصف، وزيادة عجز الموازنة
وكبر قيمة العجز في الميزان التجاري، وكذلك العجز في ميزان المعاملات الجارية، مع
تراجع قيمة تحويلات المصريين في الخارج وتسربها إلى جهات أخرى، والنظرة المستقبلية
السلبية لمصر من جانب كل من وكالتي فيتش وموديز للتصنيف الائتماني.
فكيف يمكن مع كل تلك المشاكل أن يرتفع مؤشر البورصة؟ إلا أن الأمر ليس سرا،
فالدولة المصرية تعاني من نقص حاد في العملات الأجنبية، حتى وصل ذلك العجز في الجهاز
المصرفي حتى تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي 22 مليار دولار، وبلغت قيمة أقساط وفوائد
الدين الخارجي متوسط وطويل الأجل خلال العام الحالي 20 مليار دولار، بخلاف أقساط
وفوائد الدين قصير الأجل الأكثر من حيث القيمة، والتي تجد صعوبة في طرح سندات
بالأسواق الدولية حاليا، كما يصعب عليها تلقي قدر من الأموال الساخنة حاليا، حيث
تعزف تلك الأموال عن الاتجاه للأسواق الناشئة، في ضوء استمرار البنوك المركزية في الدول
المتقدمة في رفع الفائدة خلال النصف الأول من العام الحالي على الأقل..
لم يجد النظام المصرى أمامه سوى بيع حصص من شركات مصرية لصناديق سيادية خليجية مقابل أقساط الديون المستحقة لها، وهذا البيع يحتاج إلى بورصة نشطة تساعد على البيع بأسعار جيدة
ومن هنا لم يجد النظام المصرى أمامه سوى بيع حصص من شركات مصرية لصناديق
سيادية خليجية مقابل أقساط الديون المستحقة لها، وهذا البيع يحتاج إلى بورصة نشطة تساعد
على البيع بأسعار جيدة، وعندما سافر رئيس البورصة المصرية للترويج للاستثمار بها في
أبو ظبي ودبي، كانت شكوى المستثمرين هناك من وجود عدد من العوائق؛ أبرزها سياسة
سعر الصرف ونقص العملة، وقلة الطروحات الحكومية وغير الحكومية، ووجود ضريبة على
الأرباح الرأسمالية في البورصة.
محافظ الجهات الحكومية وراء رفع البورصة
ولتجهيز البورصة للكم الكبير المنتظر من طرح الشركات الحكومية، كان الاتفاق
الحكومي على الدفع باستثمارات الجهات التابعة للحكومة للتوجه نحو البورصة، وبما
يزيد من الطلب، مما تسبب في رفع الأسعار، وهي محافظ ضخمة تتنوع ما بين محافظ البنوك
الحكومية ومحافظ هيئة التأمينات الاجتماعية وشركات التأمين الحكومية وهيئة البريد
وهيئة الأوقاف.
تجهيز البورصة للكم الكبير المنتظر من طرح الشركات الحكومية، كان الاتفاق الحكومي على الدفع باستثمارات الجهات التابعة للحكومة للتوجه نحو البورصة، وبما يزيد من الطلب، مما تسبب في رفع الأسعار، وهي محافظ ضخمة تتنوع ما بين محافظ البنوك الحكومية ومحافظ هيئة التأمينات الاجتماعية وشركات التأمين الحكومية وهيئة البريد وهيئة الأوقاف
وها هي محفظة استثمارات هيئة التأمينات الاجتماعية قد بلغت في منتصف عام
2021 في الأوراق المالية والصكوك على الخزانة 344 مليار جنيه، ومحفظة استثمارات
هيئة البريد في نفس التاريخ وبنفس الأدوات 98 مليار جنيه، بينما بلغ متوسط قيمة
التعامل اليومي في البورصة خلال العام الماضي 1.418 مليار جنيه، بما يعادل 57
مليون دولار موزعة على 215 شركة مقيدة، بما يعني سهولة التأثير على أسعار أسهم تلك
الشركات.
وكان برنامج طرح 23 شركة حكومية من خلال البورصة، الذي تم إعلانه في آذار/
مارس 2018، قد تعطل عدة مرات بسبب عدم ملاءمة ظروف البورصة للطرح، ولم يتم منه سوى
بيع نسبة بسيطة من شركتي الشرقية للدخان وأبو قير للأسمدة ببيعها لمستثمر استراتيجي،
وليس من خلال الطرح للجمهور في البورصة.
وكانت النتيجة للدفع بأموال المؤسسات الحكومية لمساندة البورصة، أن مؤشر
البورصة الرئيس الذي كان متراجعا بنسبة 39 في المائة خلال النصف الأول من العام الماضي،
اتجه للصعود بنسبة 26.2 في المائة خلال النصف الثاني من العام الماضي، مع تركز
الصعود خلال الربع الأخير من العام، والذي زاد فيه المؤشر بنسبة 48.6 في المائة
مقابل نمو 6.5 في المائة بالربع الثالث من العام.
وزاد نصيب المؤسسات من التعامل خلال العام الماضي من إجمالي التعامل إلى 47
في المائة مقابل نسبة 32 في المائة بالعام الأسبق. وتشير البيانات الفصلية لصافي
تعاملات المؤسسات خلال العام الماضي إلى صافي شراء للمؤسسات العربية خلال الفصول
الأربعة، بينما اتجهت المؤسسات الأجنبية إلى صافي بيع خلال فصول العام الأربعة،
وخلال الربع الأخير من العام كان صافي تعاملات المؤسسات المصرية بالشراء خاصة للشركات
الحكومية ومحافظ الجهات الحكومية.
ولعل ما حدث يوم الرابع من الشهر الحالي، حين أعلن كل من بنكي الأهلي
المصري ومصر الحكوميين عن طرح شهادات إيداع بفائدة 25 في المئة، خير دليل، حيث
تسبب خبر تلك الشهادات في تراجع مؤشر البورصة المصرية الرئيس بنسبة 3 في المائة مع
بدايات التعامل، وهو أمر طبيعي مع وجود ربح كبير بلا مخاطر يمثل منافسة للاستثمار بالبورصة،
لكن محافظ الجهات الحكومية تدخلت لمساندة البورصة لتنتهي جلسة التعامل بارتفاع
المؤشر الرئيس بنسبة 3.2 في المائة.
وذلك لتهيئة المجال لطرح عدد من الشركات الحكومية خلال الربع الأول من
العام الحالي، على رأسها بنك القاهرة الذي طالب صندوق النقد بخصخصته منذ عام 2007،
ومصر لتأمينات الحياة التي كان مقررا خصخصتها عام 2018، وشركة الحفر المصرية
والشركة المصرية لإنتاج الألكيل بنزين الخطي (إيلاب).
twitter.com/mamdouh_alwaly