مقالات مختارة

مخاطر تداعيات الحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل!

عبد الله الشايجي
جيتي
جيتي
علّقت في مقال الأسبوع الماضي في «القدس العربي» «حكومة نتنياهو الأكثر تطرفا تسقط جميع الأقنعة»، الأخطر في أجندة حكومة نتنياهو السادسة، هو «تبني مشروع توراتي ـ صهيوني معتق يلغي حق الفلسطينيين وفلسطين كدولة وكيان وشعب. وتفضح وجه إسرائيل الواقعي غير المستتر بتطرفه الصهيوني، خاصة مع تأكيد نتنياهو بنود وأولويات برنامج حكومته يتضمن: حق اليهود الحصري وبلا أي تشكيك بجميع أراضي إسرائيل (فلسطين)، ودعم وتوسيع وتطوير المستوطنات في الجليل والنقب والجولان ويهودا والسامرة (الضفة الغربية)!، وسنعزز أمن شعبنا ومحاربة الإرهاب والتطرف (التنكيل بالفلسطينيين)، ونواجه برنامج إيران النووي، ونعزز وضع ومكانة القدس، ونوسع دائرة السلام التطبيع مع مزيد من الدول العربية».
بقراءة تركيبة الحكومة الأكثر تطرفا وعنصرية وفاشية في تاريخ إسرائيل المكونة من 29 وزيرا، نصفهم من الحاخامات المتدينين العنصريين يشغلون حقائب سيادية ومهمة في حكومة نتنياهو، أبرزهم الشريك زعيم حزب اليهودية الدينية إيتمار بن غفير المدان بالعنصرية ضد الفلسطينيين، الذي تسلم وزارة الأمن القومي، والمعروف بتطرفه واقتحامه المتكرر للمسجد الأقصى وتهديد سكان حي الشيخ جراح، ويتعهد بتضييق الخناق على الفلسطينيين وإعادة عقوبة الإعدام. وترجم تطرفه باقتحام باحات المسجد الأقصى وهي ليست المرة الأولى، لكن هذه المرة بصفته مسؤولا وشريكا في حكومة متشددين، ما فجر غضبا عربيا وإسلاميا ودوليا رافضا لتدنيس بن غفير المسجد الأقصى، والمرة الأخيرة التي اقتحم مسؤول كبير باحات المسجد الأقصى، كان آرييل شارون الذي فجر تدنيسه الانتفاضة الثانية عام 2000.
الصادم لو أن حكومة عربية تشكلت بتركيبة مماثلة لحكومة نتنياهو من رجال دين وشيوخ متشددين ومتدينين، لتم إدانة الحكومة ووصفها بحكومة إرهابية! لكن لم نسمع أي انتقادات للتركيبة المتطرفة، بل سمعنا ترحيبا وتهنئة من الرئيس الأمريكي بايدن ومن قادة أوروبا، الذين هنأوا نتنياهو برغم التركيبة والسلوك والتصرفات والتصعيد، ودفع الصراع لحافة الهاوية ونسف كلي لحل الدولتين، الموقف الرسمي الذي تتبناه إدارة بايدن كإلادارت السابقة وكذلك الأوروبيون بدعم الأمم المتحدة.
وقد عبّر الرئيس بايدين عن تطلعه «للعمل مع نتنياهو معا لمواجهة التحديات وتحقيق الفرص التي تواجه منطقة الشرق الأوسط، بما فيه تهديدات إيران وتقدم عملية السلام في الشرق الأوسط»، وكان صادما برغم الإدانة الواسعة لاقتحام بني غفير ساحات المسجد الأقصى، عدم تنديد الولايات المتحدة الأمريكية بشكل علني وواضح الاقتحام وتدنيس المسجد الأقصى. علق الناطق باسم مجلس الأمن الوطني: «تؤيد الولايات المتحدة الحفاظ على الوضع الراهن. وتؤيد الولايات المتحدة الأمريكية بقوة الحفاظ على الوضع القائم في الأماكن المقدسة في القدس، وأي عمل أحادي يقوض الوضع الراهن. وتدعو الولايات المتحدة رئيس الوزراء نتنياهو الالتزام بالوضع القائم في الأماكن المقدسة. أما السفير الأمريكي في القدس، فدعا نتنياهو إلى الالتزام بتعهداته تجاه الوضع القائم للمواقع المقدسة. وتعارض إدارة بايدن أي خطوات قد تضر في الوضع القائم في المواقع المقدسة». وكان بيان الخارجية الأمريكية كعادتها الداعم الرئيسي، ويؤمن الغطاء لتجاوزات وجرائم إسرائيل، وعبّر الناطق باسم الخارجية الأمريكية ردا على قرار السلطة الفلسطينية: «نشعر بخيبة أمل من المبادرة الفلسطينية لتقديم طلب استشاري من محكمة العدل الدولية ضد الاحتلال الإسرائيلي».
كان الاحتجاج دوليا على اقتحام بن غفير واسعا، حتى إن دولة الإمارات العربية التي طبعت مع إسرائيل والعضو غير الدائم الذي يمثل المجموعة العربية في مجلس الأمن، والمطبعة مع إسرائيل، دعت مع الصين لجلسة طارئة لمجلس الأمن لمناقشة اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى. شدد أعضاء مجلس الأمن الدولي، على ضرورة الحفاظ على الوضع القائم في المسجد الأقصى والقدس، في اجتماعه الطارئ بعد اقتحام إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي في الحكومة الإسرائيلية لساحات المسجد الأقصى. وقد أجل رئيس الوزراء نتنياهو زيارة كان مخططا لها إلى أبوظبي. فيما أصدرت كثير من وزارات الخارجية العربية بيانات شجب ورفض وتنديد بالاقتحام.
ردت إسرائيل بالانتقام من السلطة الفلسطينية بعد مشروع قرار المندوب الفلسطيني، الذي أيده 87 دولة من 193 دولة في الجمعية العام للأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية، إبداء الرأي القانوني بشأن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية. أيد القرار 87 دولة، وعارضه 26 دولة، على رأسها أكثر دولتين داعمتين لقيام ودعم الاحتلال، بريطانيا والولايات المتحدة. انتقمت إسرائيل من السلطة الفلسطينية بوقف تحويل أموال الضرائب المستحقة للسلطة الفلسطينية، وفي خطوة غير مسبوقة ومستفزة، قررت حكومة نتنياهو المتطرفة فرض مزيد من العقوبات على السلطة الفلسطينية بمصادرة المزيد من الضرائب 39 مليون دولار للسلطة، «لتمويل ضحايا العنف الفلسطيني»! ما سيقوض السلطة الفلسطينية. ووصف رئيس الوزراء نتنياهو الغاضب والمستاء مشروع القرار بوقاحة: «الإسرائيليون ليسوا محتلين لأرضهم وعاصمتهم... ولن يلزم مشروع القرار إسرائيل، وكالقرارات الأخرى المشوهة».
دون وقفة جادة ورادعة من المجتمع الدولي والدول المؤثرة وعلى رأسهم الولايات المتحدة المطالبة بأخذ موقف يردع ويوقف جنون التطرف، فإن القادم أسوأ وأكثر خطورة على الوضع الأمني على القضية الفلسطينية وعلى الشرق الأوسط ككل.
خاصة أن حكومة نتنياهو المتطرفة أسقطت الأقنعة وكشفت وجه إسرائيل القبيح المتطرف الحقيقي. وهناك مخاوف حقيقية من تفجر انتفاضة ثالثة، ردا على التصعيد المستمر والقبضة الحديدية والقرارات العنصرية والتضييق، وتوسعة الاستيطان وهدم المنازل والممتلكات، ورفض منح رخص بناء ومصادرة أملاك، كل هذا أشبه بإعلان حرب مفتوحة. يضاف لذلك الانقسام السياسي والمجتمعي داخل الكيان الإسرائيلي نفسه، والصراع السياسي الداخلي بين المتشددين والليبراليين الذين يرفضون التحول لكيان ديني متطرف، ما سيوحد المعارضة لإسقاط حكومة نتنياهو، ما سيدفع المنطقة لحافة الهاوية بتداعيات كارثية! وهذه نتيجة التواطؤ والرضوخ للتكسب السياسي في أمريكا والغرب.

(القدس العربي)
التعليقات (0)