قامت
الدنيا ولم تقعد بسبب تصريح مدير
المسرح القومي عن رغبته في تقديم عرض مسرحي عن
فضيلة الشيخ محمد متولي
الشعراوي، فقد ثارت حفيظة "التنويريين" على تقديم
مثل هذا العرض المسرحي الذي يعد بمثابة تكريم غير مباشر من الدولة، وفي نظرهم أنه
تكريم غير مستحق، فكان هناك فريق يرى أن الشعراوي، مع حفظ الألقاب، شكر الله على
هزيمتنا في يونيو 1967، أي أنه شمت في شهدائنا ولم تطرف له عين أمام دماء شهدائنا
الذين روت دماؤهم الزكية صحراء سيناء الغالية.
وذهب
فريق آخر إلى أن حالة الشعراوي كانت استخداما ذكيا من السادات، للسيطرة على وعي
الناس الجمعي بالدين أمام مد الفكر الشيوعي والناصري وقتذاك. وقد بولغ في هذا أكثر
في عهد مبارك لدرجة وصلت إلى تقديس شخصية الشعراوي نفسه.
وذهب
فريق آخر إلى أن الشعراوي يعد بمثابة البوابة الرجعية المتزمتة لتفسير صحيح الدين.
ولهذا،
رأت هذه الفرق تكفير الشعراوي بالمدنية والحضارة، وأنه لا يليق بمؤسسة عريقة
كالمسرح القومي أن تقدم على ذاك الفعل المشين!
ولكنني،
ومن وجهة نظري، أرى أن كل الآراء كانت مع أو ضد مخطئة، لسبب بسيط هو انعدام فرضية
مكان العرض من الأساس؛ فالمسرح القومي هو أحد مسارح هيئة المسرح، ومنوط به تقديم
الأعمال الكلاسيكية أو ذات الصبغة المحلية الرصينة، وهو ليس من اختصاصه أو برنامجه
أو وظيفته أن يقدم عرضا مسرحيا لتكريم أحد الرموز الدينية، لأنها ببساطة وظيفة
وزارة الأوقاف ومراكز الشباب وقصور الثقافة، هذا من ناحية.
لماذا الآن ينقسمون على ذواتهم، وعلى ما يؤمنون به، وعلى ما ينادون به؟ لماذا التشنج والصراخ في منع عرض لرمز ديني مهما كانت وجهة نظرهم؟ فالأجدى والأكثر تحضرا هو فتح النوافذ، وإتاحة التعبير للجميع
ومن
ناحية أخرى، إذا سلمنا بالأماكن المخصصة لتقديم هذا التكريم الديني أو لنقل تقديم عرض
للرمز الديني "المثير للجدل"، فهل هذا يعطي لنا أو يعطي لـ"التنويريين"
المصادرة والمنع والشطب بدعوى رجعية وتخلف أفكاره كما يرددون؟ أليس هذا تأسيسا
لفاشية يقولون هم إنهم يقاومونها ويقفون ضدها..؟!
أليست
القاعدة هي الحرية في كل شيء.. وحرية التعبير هي ركن من أركانها؟ لماذا الآن ينقسمون
على ذواتهم، وعلى ما يؤمنون به، وعلى ما ينادون به؟ لماذا التشنج والصراخ في منع
عرض لرمز ديني مهما كانت وجهة نظرهم؟ فالأجدى والأكثر تحضرا هو فتح النوافذ،
وإتاحة التعبير للجميع.
فحرية
التعبير هي حرية الاختلاف مع الآخر مهما كان تقبلنا لأفكاره أو اختلافنا أو حتى
رفضنا لها.. دون ذلك أعتقد أننا نؤسس لفاشية جديدة، بالتأكيد هي غير مرحب بها، فضلا عن أنها مرفوضة بالإجماع.. أليس كذلك؟!