صحافة دولية

كاتب أمريكي: أمريكا ترامب صدرت للبرازيل فكرة إنكار نتائج الانتخابات

روبنسون: وقوع هذه الأحداث الفظيعة في أكبر ديمقراطيتين في نصف الكرة الغربي أمر ينذر بالسوء
روبنسون: وقوع هذه الأحداث الفظيعة في أكبر ديمقراطيتين في نصف الكرة الغربي أمر ينذر بالسوء
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا للصحفي يوجين روبنسون، قال فيه إن ما يجعل أعمال العنف والدمار التي حدثت يوم الأحد في برازيليا مروعة للغاية هو أننا رأيناها هنا أولا. فبدلا من أن تكون بمثابة نموذج للديمقراطية، أعطت الولايات المتحدة للعالم دروسا في إنكار نتائج الانتخابات وإذكاء خيبة الأمل الشعبية في غضب عدمي.

وكان من المستحيل مشاهدة تدمير الكونغرس والقصر الرئاسي والمحكمة العليا في البرازيل وعدم التفكير على الفور في تمرد 6 كانون الثاني/ يناير 2021 في مبنى الكابيتول الأمريكي.

وجاءت الانتفاضتان عقب انتخابات رئاسية رفض فيها الشعبويون اليمينيون المتطرفون الاعتراف بهزائمهم. كلاهما ينطوي على التخطيط والتنظيم. وشهد كلاهما تدنيس المباني التي تعد رموزا مقدسة للهوية الوطنية والاعتزاز، وهجمات دموية شرسة ضد ضباط الشرطة الذين بذلوا جهدهم عبثا للحفاظ على السلم.

كانت هناك بعض الاختلافات. كان دونالد ترامب لا يزال رئيسا عندما دعا المؤمنين الحقيقيين بـ "انتخاباته المسروقة" إلى واشنطن وأرسلهم إلى مبنى الكابيتول. شاهد التمرد على شاشة التلفزيون من البيت الأبيض. كان جايير بولسونارو، الصورة البرازيلية المصغرة لترامب، خارج عمله كرئيس لمدة أسبوع -رفض حضور حفل تنصيب خليفته، وذهب إلى حد مغادرة البلاد- وكان مختبئا يوم الأحد بالقرب من أورلاندو، من بين جميع الأماكن، حيث كان قبل أيام. وتم تصويره وهو يأكل في محلات كنتاكي.

ولكن في كلتا الحالتين، كانت الوحشية غير المسبوقة مستوحاة من زعيم ساخر وعديم الضمير جمع أتباعه من خلال تأجيج مخاوف واستياء مؤيديه، الذين سعوا إلى عدم توحيد أمته بل تقسيمها، وكان على استعداد لاحترام الأعراف الديمقراطية، فقط عندما كانت نتائج الانتخابات لصالحه.

إن وقوع هذه الأحداث الفظيعة في أكبر ديمقراطيتين في نصف الكرة الغربي أمر ينذر بالسوء. قد يكون التخريب في برازيليا بمثابة تشنج أخير من الاستبداد الفاشستي المجاور الذي رسخ موطئ قدم في العديد من البلدان على مدى العقدين الماضيين. أو قد يكون نذيرا لما سيأتي.

كانت الاستجابة الأولية للديمقراطية البرازيلية واعدة. بحلول مساء الأحد، قامت الشرطة والقوات الفيدرالية بتطهير مثيري الشغب من المباني الحكومية التي غزوها. وبدلا من السماح لهم بالابتعاد ببساطة عن مسرح الأحداث، كما حدث في واشنطن قبل عامين، فقد احتجزت السلطات البرازيلية أكثر من 1200 شخص، وفككت مدينة من الخيام حيث كان منكرو الانتخابات يجلسون فيها منذ التصويت.

عاد الرئيس المنتخب حديثا لويز إيناسيو لولا دا سيلفا، والذي كان بعيدا في ساو باولو عندما بدأت أعمال الشغب، إلى برازيليا ليلة الأحد لتفقد الأضرار. يوم الاثنين، تعبيرا عن التضامن، التقطت له صورة مع قادة مجلسي الكونغرس البرازيلي ورئيس المحكمة العليا. وأصدر المسؤولون بيانا مشتركا وصفوا فيه أعمال العنف بأنها "أعمال إرهابية" واتهموا المشاغبين بمحاولة الانقلاب.

تمكن لولا من استضافة الاجتماع في مكتبه لأن مثيري الشغب الذين خربوا قصر بلانالتو فشلوا في محاولاتهم اقتحام الحرم الداخلي للرئيس.

سيكون أحد الأسئلة الواضحة للعدالة البرازيلية هو عن ما إذا كان بولسونارو يتحمل المسؤولية الجنائية.

مثل ترامب، بدأ يدعي حتى قبل الانتخابات -دون مبرر- أن التصويت سيتم تزويره ضده. مثل ترامب، رفض قبول النتيجة. لكن على عكس ترامب، كان بولسونارو صامتا في الغالب بين خسارته في تشرين الأول/ أكتوبر وتنصيب لولا في الأول من كانون الثاني/ يناير. حتى إنه حث أنصاره على التوقف عن إغلاق الطرق احتجاجا على نتيجة الانتخابات، وأمرهم بعدم اللجوء إلى العنف.

ولكن مثلما رفض ترامب لساعات إلغاء حشد الكابيتول في 6 كانون الثاني/ يناير 2021، رفض بولسونارو لمدة ثلاثة أشهر إخبار مؤيديه بضرورة احترام المعايير الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة. وقد أظهر الإعجاب مرارا وتكرارا بالدكتاتورية العسكرية الوحشية التي حكمت البلاد من عام 1964 إلى عام 1985، وشجع أتباعه على تذكر تلك الحقبة على أنها فترة "النظام والتقدم"، الشعار المُزين بالعلم البرازيلي.

ربما لم تكن الشرارة المشتركة أكثر تعقيدا من الطموحات الانفعالية والغرور الهش لرجلين، ترامب وبولسونارو. لكن النتيجة، أولا في الولايات المتحدة والآن في البرازيل، هي زيادة حادة في الاستقطاب السياسي وإضعاف القيم والتقاليد التي تربط المجتمعات الديمقراطية معا.

المباني التي شوهها مثيرو الشغب وألحقوا العار بها، والموجودة حول ساحة السلطات الثلاث، صممها أعظم مهندس معماري برازيلي، أوسكار نيماير. لقد كانت مظهرا من مظاهر إيمان البلد بنفسه ومصيره في العظمة. وكما يعلم الرئيس بايدن، وكما سيتعلم لولا، فإن من الأسهل بكثير إصلاح الهياكل المميزة من الإحساس بالأمة المشتركة التي من المفترض أن تمثلها.
التعليقات (0)