هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يبدو واضحا الجهة التي تسببت بنشوب الحرب الأهلية السورية، والتي ما زالت مستمرة منذ 12 عامًا. ويعد رد النظام الوحشي وشدته المفرطة التي مارسها على الشعب السوري، الذي طالب بحريته واحترام حقوقه وكرامته أمرًا ليس منفصلاً عن التسبب بهذه الحرب.
رأى العالم منذ البداية أن رد فعل النظام على هذه الثورة الشعبية غير مقبول من الناحية الإنسانية. واعترف العالم بالمعارضين بوصفهم ممثلاً شرعياً لسوريا على أساس أن هذا النظام فقد شرعيته.
وأدت إطالة أمد الأزمة إلى تحويل هذا الوضع الجديد إلى وضع بحكم الأمر الواقع. لقد تحولت سوريا بحكم الأمر الواقع إلى بلد لا يمثله النظام فقط، بل أيضًا المعارضة. وحقيقة أن النظام يسيطر بحكم الأمر الواقع في بعض المناطق اليوم، لا يعني أن الوضع في مناطق أخرى هادئ وآمن بالنسبة له. على العكس من ذلك، فإن سوريا حاليًا تنقسم إلى ثلاثة أجزاء على الأقل وتحكمها ثلاث إدارات منفصلة.
والنظام السوري اليوم ليس له سيطرة ولا يستطيع التدخل في المناطق التي تسيطر عليها الولايات المتحدة. ولم تسأل أية دولة غير تركيا عما يفعله تنظيم بي كي كي/واي بي جي الإرهابي المدعوم من الولايات المتحدة هناك. لا إيران ولا النظام ولا حتى روسيا تسأل. لقد قبلوا فعليا الاحتلال الأمريكي.
لقد سيطر النظام السوري على بعض المناطق عن طريق إخلائها من سكانها. وكان على الملاك الحقيقيين لهذه المناطق أن يحتموا بتركيا ولبنان والأردن وأوروبا من أجل إنقاذ حياتهم في مواجهة الغارات الجوية ومجازر الشبيحة وما يسمى الدفاع الوطني. من الواضح أنه لا يمكن إيجاد حل في سوريا بتجاهل وضع هؤلاء اللاجئين وجعله أمراً واقعياً.
المشكلة في سوريا ليست مشكلة بين النظام السوري وتركيا. تعد مشكلة تركيا منذ البداية مشكلة غير مباشرة نتيجة انعكاسات المجازر المرتكبة داخل سوريا على تركيا. ما يحدث في سوريا لا يمكن تجاهله بحجة أنه من الشؤون السورية الداخلية، ولا يمكن التغاضي عنه ولا عن عشرات الآلاف من الناس المتضررين جراء الحرب، ولجؤوا إلى تركيا. ولم تتمكن تركيا من إيقاف تدفق اللاجئين إلا من خلال إنشاء منطقة آمنة للشعب السوري داخل سوريا. وهذا هو الحل الذي أظهرته تركيا ومهد الطريق لحل المشكلة. وبفضل هذا الحل نجد اليوم أن المناطق الخارجة عن سيطرة الولايات المتحدة والنظام السوري تحت حماية تركيا.
وتعد المنطقة الآمنة هي الحل الفعلي الأكثر منطقية، وإن كان مؤقتًا، ليس فقط لتركيا والشعب السوري فحسب، بل لأوروبا أيضا التي تعاني من مشكلة اللاجئين. لأنه منذ اللحظة التي دخل فيها هذا الحل حيز التنفيذ، لم نشهد موجة لجوء كبرى، بل على العكس، عاد قرابة 600 ألف لاجئ من تركيا إلى المناطق الآمنة في سوريا.
في هذه المرحلة، أكرر أن المشكلة في سوريا ليست في الواقع مشكلة بين النظام السوري وتركيا. وبغض النظر عن نوع التقارب المحتمل بين تركيا وسوريا فإن هذا في حد ذاته لن يكون كافياً لإنهاء المشكلة في سوريا. لأن المشكلة بين النظام السوري وشعبه ولا يمكن حلها دون مقترحات وضمانات وخطط معقولة قابلة للتنفيذ.
لن يكون وجود تركيا دائما في المناطق التي تسيطر عليها حاليا في سوريا، لا سيما أنها تؤكد باستمرار أن هذه المناطق هي ملك للشعب السوري ووحدة أراضيه.
اليوم، ونتيجة للأزمة المستمرة منذ 12 عاما، وفي المرحلة التي وصلت إلى طريق مسدود، تؤكد أنقرة احترامها وحدة الأراضي السورية في المفاوضات التي أجرتها تركيا عبر مبادرتها.
ومع ذلك، هناك حاجة لمرحلة انتقالية يتم فيها إعطاء ضمانات معينة تُمكن العملية الجارية من إعطاء الأمل والاهتمام في مستقبل الشعب السوري بأكمله واللاجئين السوريين، بدلاً من توليد المخاوف والقلق. قلت سابقا إنه لا يمكن للنظام ولا لإيران وروسيا الشريكتين في ارتكاب المجازر، تقديم هذه الضمانات. حتى لو فعلت روسيا وإيران ذلك وقدمت الضمانات، فإن الشعب السوري لا يثق بهما. وفي هذه المرحلة قلت أن الحل الأكثر منطقية هو تحرير حلب من قبضة النظام وميليشيات الشبيحة بشكل مؤقت ووضعها تحت سيطرة تركيا، وذلك من أجل عودة حلب إلى أهلها. ذكرت سابقا أن هذه الفكرة يتحدث السوريين عنها بين بعضهم وقد ذكرها لأول مرة الكاتب والمفكر المحترم محمد مختار الشنقيطي.
يبدو الأمر كما لو أن الأسد لم يكن له يد في حدوث كل هذا، وأن اللاجئين الذين نجوا من الموت هم المجرمون، حتى تركيا كانت بنظرهم الجاني. لم تذكر هذه الاعتراضات والانتقادات من قبل السوريين، بل من قبل أنصار الأسد. كما أن الدوائر، التي كانت تعبر بحماس عن عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم في كل فرصة تسنح لها، كان رد فعلها على مثل الاقتراح غريبًا. تقول هذه الدوائر دعونا لا نزعج الأسد ولا نخرب العملية أثناء بدء المحادثات. ولجعل كل شيء كما يريد الأسد، لم ينظروا إلى أي حادث من وجهة نظر اللاجئين، بل نظروا إلى كل شيء من خلال عيون الأسد ورجاله لمدة 12 عاما.
وربما يكون مثل هذا الاقتراح معقولا للأسد وللجميع. ولكن لماذا ترفضون، نيابة عن الأسد، مثل هذا الاحتمال المعقول للتوصل إلى حل؟
هل لديكم مكاسب من استمرار سفك الدماء؟
(عن صحيفة يني شفق)