أثارت عودة المجموعة الاقتصادية في
مصر لسياسات سابقة اعترفت بأنها فاشلة وأضرت بالبلاد رغم تأكيدها أنها لن تعود إلى تكرار نفس الأخطاء، الجدل والغضب من الإصرار على ذات النهج والتوجهات التي أوصلت البلاد لحافة الإفلاس، وفق مراقبين.
والاثنين الماضي، أعلن البنك المركزي المصري، عن عمليات دخول مستثمرين أجانب للسوق المصرية بمبالغ تخطت الـ925 مليون دولار أمريكي، في عودة جديدة للأموال الساخنة بعد نحو 11 شهرا من هروبها من السوق المصرية بعد رفع الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة العام الماضي 6 مرات.
بيان المركزي المصري، أكد أن القطاع المصرفي المحلي قام بتغطية أكثر من ملياري دولار من طلبات المستوردين المصريين خلال الثلاثة أيام الماضية، بخلاف تغطية طلبات أخرى لعملاء البنوك المصرية.
"فجوة تميل وأزمات"
وذلك في إشارة لاحتمالات حل جزء من الأزمة المالية التي تعاني منها البلاد، والإفراج عن ملايين الأطنان من البضائع المحتجزة بالموانئ المصرية، مع قدوم تلك الأموال، وسط محاولات حكومية لتقليص فجوة التمويل الخارجي للبلاد المقدرة بنحو 17 مليار.
ويرى مراقبون، أن عودة التدفقات الأجنبية إلى سوق الصرف المحلية جاءت عقب التخفيض الأخير لقيمة
الجنيه مقابل العملات الأجنبية، الشهر الجاري، ومواصلة الجنيه سلسلة تراجعاته البالغة 70 بالمئة في نحو 10 أشهر، وفقا لـ"فرانس برس".
وشهد سعر الصرف في مصر استقرار العملة المحلية أمام
الدولار، بعد انهيارات ثلاثة شهدها العام الماضي ومطلع العام الحالي، حيث تراجع الدولار رسميا من 32 جنيها مقابل الجنيه، إلى نحو 29.5 جنيه للدولار، بعد وصول تدفقات دولارية خليجية لشراء سندات مصرية.
"عودة مبررة.. ولكن"
وفي ظل تحول الحكومة المصرية إلى نظام سعر صرف مرن بشكل دائم، كجزء من اتفاق قرض صندوق النقد الدولي البالغ قيمته 3 مليارات دولار، قد يكون مبررا عودتها لاستقبال
الأموال الساخنة وسط ما تعانيه من شح بالعملة الأجنبية.
لكن، قبول الحكومة المصرية بعودة المال الساخن مجددا بعد اعترافها بدوره السلبي على اقتصاد البلاد، دفع مراقبين ومتحدثين لـ"
عربي21"، للتخوف من النتائج، وعدم استيعاب درس خروج الأموال الساخنة، محذرين من تكرار السيناريو.
وأشار البعض إلى حديث وزير المالية المصري محمد معيط، السابق، وقوله: "لقد تعلمنا الدرس ولن نعود لجذب الأموال الساخنة مرة أخرى".
وفي 28 حزيران/ يونيو الماضي، أكد معيط، أن حكومة بلاده لم يعد يمكنها الاعتماد على المشتريات الأجنبية لأذون وسندات الخزانة لتمويل ميزانيتها، وأنه يجب العمل على تعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر.
وقال أمام غرفة التجارة الأمريكية، إن "الدرس الذي تعلمناه هو أنك لا يمكنك الاعتماد على هذا النوع من الاستثمار، إنه يأتي فقط للحصول على عوائد مرتفعة، وما إن تحدث صدمة فإنه يغادر البلاد".
وأعلن أن 15 مليار دولار من الأموال الساخنة غادرت مصر بأزمة الأسواق الناشئة عام 2018، وحوالي 20 مليار دولار غادرت عند تفشي جائحة "كورونا" في 2020، مع نزوح للمحافظ الاستثمارية بنحو 20 مليار دولار إثر الغزو الروسي لأوكرانيا.
وهنا يثار التساؤل عن دلالات عودة المستثمرين الأجانب للسوق المصرية؟ هل تلك العودة مؤشرا على استقرار الأوضاع المالية والاقتصادية في البلاد وعودتها إلى نقطة ما قبل الحرب الروسية الأوكرانية؟
أم إن تلك العودة يحفها الكثير من المخاطر، كهروب تلك الأموال مجددا وتعريض البلاد لأخطار أكبر خاصة بعد هروب نحو 20 مليار دولار في الربع الأول من العام الماضي؟
الخبير الاقتصادي والمستشار الأممي السابق إبراهيم نوار، ألمح إلى صورة سلبية محتملة للاقتصاد المصري مع عودة تلك الأموال إلى السوق المحلية.
وقال لـ"
عربي21"، إن "رجوع المستثمر الأجنبي لمصر بسبب رفع سعر الفائدة فقط"، لافتا لرفع المركزي المصري في 22 كانون الأول/ ديسمبر الماضي أسعار الفائدة بمقدار 300 نقطة أساس، وزيادتها بنسبة 8 بالمئة العام الماضي.
وتوقع نوار، هروب جديد للأموال الساخنة من مصر، قائلا: "في حال انخفض سعر الفائدة سيهرب مرة أخرى".
وعن عودة الحكومة المصرية لسياساتها السابقة واستقبال المال الساخن، رغم اعترافها بأضراره، واحتمالات نجاح ذلك المال في حل أزماتها، أكد، أنه " لا جديد، والحكومة المصرية تعرف ذلك، والمستثمر الأجنبي يعرف، أيضا".
"بيع السندات"
بالتزامن، مع عودة الأموال الساخنة لمصر حتى ولو بقدر يسير في بادئ الأمر، فإن الحكومة المصرية عادت مرة أخرى إلى بيع السندات الحكومية، كأداة مكملة للأذون الحكومية التي تستخدم الحكومة حصيلتها في تمويل الميزانية.
وبعد توقف مؤقت عن إصدارها منذ مطلع العام الجاري، حصلت حكومة القاهرة على استثمارات بقيمة 3.2 مليار جنيه، عبر بيع سندات لأجل 3 سنوات بمتوسط عائد للمستثمرين بلغ 20.95 بالمئة.
وسندات لأجل 5 سنوات بقيمة أقل بلغت 7.8 مليون جنيه فقط، من أصل إصدار بقيمة 500 مليون جنيه، فيما يبلغ متوسط العائد للمستثمرين الأجانب والمصريين حوالي 19.05 بالمئة.
وبذلك تكون الحكومة المصرية قد عادت لنفس السياسات بإصدار وبيع السندات وأذون الخزانة، والأموال الساخنة، مع قروض صندوق النقد الدولي، وباقي مؤسسات التمويل الدولية، ما وصفه مراقبون بأنها "ديون تتفاقم فوق الديون".
"مقلب كبير"
وفي رؤيته، تحدث الخبير الاقتصادي والأكاديمي المصري مصطفى شاهين، أولا عن عودة الأجانب للسوق المصرية، مؤكدا لـ"
عربي21"، أنه "حتى هذه اللحظة لا نستطيع القول بأن الأجانب عادوا إلى السوق المصرية".
أستاذ الاقتصاد بكلية أوكلاند الأمريكية، أوضح أن "المبلغ الذي أعلن عنه البنك المركزي المصري زهيد جدا -أقل من مليار دولار-"، مشيرا إلى أن "رؤس الأموال الساخنة قبل جائحة (كورونا) بلغت 21 مليار دولار ، ما يعنى أنها لم تعد بعد".
ولفت، إلى أن "الاقتصاد المصري غير مهيأ من الأساس لاستقبال هذا المال الساخن، لأنه يجب تحقيق 3 شروط، الأول: أن يكون لديك سعر موحد لسوق الصرف العملات الأجنبية لا أن يكون هناك سعر رسمي وآخر بالسوق السوداء".
وثانيا، أكد شاهين، على "ضرورة وجود حرية في دخول وخروج تلك الأموال، وبأن يلبي البنك المركزي طلب أي مستثمر برد أمواله"، مبينا أن "هذا أمر مهم لدخول تلك الأموال إلى أي سوق".
وأشار ثالثا، إلى أهمية أن "يكون العائد المحلي مرتفع عن المستوى العالمي"، موضحا أنه "حتى الآن توجد فقط الشهادة بعائد 25 بالمئة هي المغرية، ولكن دون استقرار أو العوامل الثلاثة مجتمعين، لا يمكن لهذه الأموال أن تستقر لديك".
ولفت إلى أن "الحرب الروسية الأوكرانية لم تكن العامل الحاسم في هروب الأموال الساخنة من مصر، ولكنها أضرت البلاد مع تراجع معدل التدفقات السياحية من موسكو وكييف، وزيادة أسعار استيراد سلع استراتيجية كالقمح والزيوت".
وأكد أن "الحكومة المصرية لم تتعلم الدرس من هذه الأزمة، وكان عليها زيادة حركة الإنتاج الداخلي، وخاصة من القمح، لكنها للأسف لم تفعل".
وبشكل عام، يرى شاهين، أن عودة الأموال الساخنة لمصر يحفها الكثير من المخاطر، مشيرا لاحتمالات هروب تلك الأموال مجددا وتعريض البلاد لأخطار أكبر، مبينا أن الأموال الساخنة مثلت لمصر، "مقلبا كبيرا جدا".
اظهار أخبار متعلقة
وقال: "لقد حذرت من خطورة تلك الأموال على اقتصاد أي بلد قبل 10 سنوات، ومازلت أؤكد أنها لم تكن أبدا حلا لأزمات الاقتصاد المصري، ولن تكون"، لافتا إلى "تناقض الأمر مع تصريحات وزير المالية المصري السابقة".
وعبر صفحته على "فيسبوك"، انتقد الخبير الاقتصادي أحمد خزيم، عودة مصر إلى الاعتماد على الأموال الساخنة، محملا الحكومة المصرية المسؤولية، قائلا: "من يخلق الأزمة لا يحلها"، ساخرا بقوله: "ويعودون إلى المال الساخن مرة أخرى".