مقابلات

سعاد عبد الرحيم شيخة مدينة تونس في حوار شامل لـ"عربي21"

سعاد عبد الرحيم: أحرزت بصفتي رئيسة بلدية تونس جائزة أفضل رئيس بلدية في العالم العربي، وهي تحمل تسمية "جائزة التميز الحكومي العربي" (عربي21)
سعاد عبد الرحيم: أحرزت بصفتي رئيسة بلدية تونس جائزة أفضل رئيس بلدية في العالم العربي، وهي تحمل تسمية "جائزة التميز الحكومي العربي" (عربي21)
 قبل  5 أعوام أسفرت الانتخابات البلدية في تونس عن فوز الناشطة الحقوقية والنقابية والبرلمانية السابقة سعاد عبد الرحيم بلقب "شيخة مدينة تونس" وبرئاسة بلدية العاصمة التونسية التي تحتضن أغلب مؤسسات الدولة والإدارة المركزية للبلاد. وتستقبل "تونس الكبرى" في النهار حوالي 3 ملايين مواطن ومواطنة من المحافظات السبع المجاورة لها.

الإعلامي كمال بن يونس زار "الشيخة" سعاد عبد الرحيم في قصر البلدية في القصبة المجاور لقصر الحكومة، وحاورها خصيصا لـ "عربي21"، حول سر فوزها بجائزة الجامعة العربية والمؤسسة الإماراتية حول تجاربها المثيرة للجدل خلال السنوات الخمس الماضية.. فكان الحوار التالي:


                      سعاد عبد الرحيم رئيسة بلدية تونس تتحدث للزميل كمال بن يونس

س ـ  السيدة سعاد عبر الرحيم اهتم الإعلام العالمي من قبل بتعيينك رئيسة لبلدية العاصمة، في سابقة عربيا.. والآن تباينت ردود الفعل على فوزك بجائزة أحسن رئيسة بلدية في العالم العربي، "جائزة التميز الحكومي"، فما هي قصة هذه الجائزة؟ ولماذا أسندت إلى سعاد عبد الرحيم ومجلس بلدية تونس الحالي المنتخب في 2018؟

 ـ  أحرزت بصفتي رئيسة بلدية تونس جائزة أفضل رئيس بلدية في العالم العربي، وهي تحمل تسمية "جائزة التميز الحكومي العربي". وقد ترشحت لها وفق ملفات دقيقة مدعومة بالتقارير والصور والدراسات التقييمية التي طلبتها المؤسسة العربية المكلفة بهذه الجائزة الدولية.

وقد زار تونس ممثلو المؤسسة المنظمة وقيموا ملف ترشحنا ميدانيا وبدقة وعبروا عن تقديرهم لعملنا كفريق لبى شروط الجائزة، في مجال الخدمات البلدية والعمومية المسداة للموطنين ودعم مجلسنا.

وتسلّمت بصفتي رئيسة بلدية تونس، هذه الجائزة، خلال حفل نظم بمقر جامعة الدول العربية بالقاهرة، في الشقيقة مصر، تحت إشراف الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط وممثل لدولة الإمارات العربية المتحدة اللتين تنظمان المسابقة، بمشاركة عديد البلديات والمحافظات والوزارات من الدول العربية.

هذا التتويج تم في إطار الدورة الثانية لهذه الجائزة التي تؤثثها "المنظمة العربية للتنمية الإدارية" وهي إحدى المنظمات المتخصصة المنبثقة عن جامعة الدول العربية، بالتعاون مع دولة الإمارات العربية المتحدة.

وكنت ترشحت باسم بلدية تونس لمسابقة "جائزة التميز الحكومي العربي" في آذار (مارس) 2022، عبر رئاسة الحكومة التونسية وبالتنسيق مع وزارة الداخلية، على أساس ملف يبرز أهم إنجازات بلدية تونس، على الصعيدين الداخلي والخارجي.

وكانت المنظمة العربية للتنمية الإدارية أطلقت يوم 23 أيار (مايو) 2019، بالتعاون مع حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، "جائزة التميز الحكومي العربي" وهي الجائزة الأولى والأكبر من نوعها على مستوى العالم العربي، في مجال التطوير والتحسين والتميّز الإداري في المنطقة العربية.

وقد قررنا الترشح لأن هذه الجائزة تهدف إلى "إحداث حراك عربي جديد في مجال الإدارة يطبق أفضل الممارسات العالمية في مجال تميّز الأداء الحكومي، ويسلط الضوء على التجارب الإدارية الناجحة في المنطقة العربية، ويكرّم الكفاءات الحكومية العربية، ويخلق فكراً قيادياً إيجابياً لدى القطاعات الحكومية لتبنّي التميّز المؤسسي وتجديد العمليات والنظم القائمة باستخدام التقنيات الذكية، لتنفيذ الرؤى والاستراتيجيات الحكومية المستقبلية".

 حصيلة 5 أعوام

س ـ بعد حوالي 5 أعوام عن انتخابك على رأس بلدية تونس العاصمة في منطقة تؤوي تقريبا ربع سكان البلاد، ما هو تقييمك لتجربتك الإدارية والسياسية، التي جاءت بعد عقود من العمل النقابي والسياسي والبرلماني؟

 ـ أولا أسجل أني اخترت الاستقلالية واستقلت من كل نشاط حزبي ومن حركة "النهضة" منذ انتخابي رئيسة لبلدية العاصمة في 2018. وكان انتخابي أول "شيخة لبلدية العاصمة" لقي ترحابا وطنيا ودوليا.

واعتبر هذا الانتخاب من قبل آلاف الحقوقيين والحقوقيات تكريما للمرأة التونسية ولنساء تونس العاملات في كل القطاعات والمساهمات في تحسين أوضاع الأسرة والمرأة والمواطن عموما..

ثانيا، أعتز بالأعوام الخمسة التي قضيتها في خدمة بلدي وشعبي والعمل البلدي.. كانت تجربة ممتازة عموما على كل المستويات..

لم أهمل أي مؤسسة وأي قطاع.. نجحنا كفريق في إنجاز مشاريع طموحة جدا وفتحنا ملفات لم تفتح منذ ثلاثة عقود..

س ـ مثلا؟

 ـ من بين قصص النجاح التي جلبت لنا التقدير داخل تونس وعربيا ودوليا ملف التسويات العقارية وإسناد قطع أرض وفق عقود سابقة للمواطنين في مناطق شعبية جدا مثل الجبل الأمر والسيجومي  والكبارية..

كما فتحنا بنجاح ملف كراءات التمليك.. لأننا اكتشفنا أن عددا كبيرا من متسوغي عقارات البلدية لم يقوموا بتسديد الإيجار منذ أكثر من عشرين عاما.. بدأنا تسوية الوضعيات واحترام التزامات المجالس البلدية السابقة.. ثم بادرنا بتحيين موارد البلدية والأكرية والعقود.. كما تواصلنا مع شاغلي هذه الأملاك البلدية التي كانت "مبعثرة" أو مهملة..

وأحصينا الأملاك البلدية التي كانت مبعثرة بين عدة دفاتر.. ونظمناها في سياق مشروع تعاون دولي.. بدعم من مؤسسات لديها خبرة دولية..

اليوم وقعت رقمنة كل وثائق البلدية وممتلكاتها ليقع ضبطها وتثمينها.. وهذه الخطوة كانت مهمة جدا لأن الأملاك البلدية مهمة ولديها دور اجتماعي واقتصادي وطني.. وهي منتشرة في عدد كبير من المواقع في العاصمة..

أكبر الصفقات في تاريخ تونس

 س ـ هل شعر سكان العاصمة بالإصلاحات والخدمات التي قدمتموها لهم.. في قطاعات الطرقات والحدائق العمومية والثقافة والرياضة مثلا؟

 ـ في مجال الطرقات قامت بلدية تونس منذ 2018 و2019 و2020 بأكبر الصفقات في تاريخها.. والمواطن في تونس أكبر مستفيد.. لأن النتيجة كانت عمليات واسعة لصيانة الطرقات وتوسيعها وتحسين أوضاعها.. كما طورنا شبكات المياه المستعملة وشبكات صرف مياه الأمطار والصيانة..

وأنجزنا إصلاحات حقيقية في الحدائق العمومية وما يسمى بـ "المساحات الخضراء".. كما قمنا بتنويرها فزاد إقبال سكان العاصمة عليها.. وقد زادت حاجة المواطن لها في مرحلة وباء كورونا..

س ـ لكن بعض الحدائق بدون تنوير منذ أعوام؟

 ـ حديقة شارع الحبيب ثامر، "الباساج"، في قلب العاصمة تونس كانت منذ 25 عاما بدون تنوير قمنا بتنويرها.. فأصبحت قبلة الشباب والمواطنين والعائلات.. بقية الحدائق البلدية عممنا فيها الإنارة وأشغال الصيانة فيها. جهزنا بعضها بمكتبة ووسائل تثقيف وترفيه للأطفال والعائلات..

المساكن الاجتماعية

س ـ  وكيف تعاملتم مع برامج العائلات الفقيرة والسكن الاجتماعي والمؤسسات الثقافية والرياضية؟

 ـ خلال العشرين عاما الماضية كانت أغلب المساكن الاجتماعية في وضعية غير قانونية وهشة.. أغلبها لم تكن مسندة لأصحابها في المدينة وباب سويقة وغيرها.. أخذنا قرارات إخلاء وإعادة توزيعها على مستحقيها.. في المجال الثقافي أحدثنا أول مركز ثقافي دائم في المدينة تابع للبلدية في نهج جامع الزيتونة.. وفضاءات لتلاقي الأهالي وفضاء خاصا بالنساء بطلب من مجموعات من المواطنات.. وفضاء ثقافيا في باب سويقة.. وفي ساحة الباساج..

كما أحدثنا 20 ملعبا بلديا رياضيا وبادرنا بتهيئة ملاعب الأحياء في كل الدوائر البلدية بما فيها المناطق الشعبية.. وصيانة الملاعب القديمة في الأحياء الشعبية جدا مثل حي الخضراء وحي التحرير والحرايرية والملاسين وقاعة رياضة في المدينة القديمة.. وتوسعة ملعب في حي الزهور وإضافة مركب صحي للتقريب مع الأطفال وهي فرصة لتوظيف أشغال..

ورغم التعقيدات أعدنا فتح ملعب كرة القدم الكبير التاريخي في العاصمة (ملعب الشاذلي زويتن) وبدأنا مسار إعادة فتح مسبح البلفدير المغلق منذ ثلاثين عاما.. رغم التعقيدات. وفي منتزه وحديقة البلفدير قمنا بتوسعة لجناحي الأسود والنمور وجناح للتماسيح.. هناك متطوعون لتوفير التماسيح والمسالك الصحية في البلفدير ...

علاقات مع البلديات الأوربية والكندية

س ـ هل لديكم شراكات مع بلديات العواصم العالمية ومع الاتحاد الأوربي وهيئات دولية؟

 ـ الأهم هو أن تكون لدينا رؤية.. تعاونا مع بلدية برشلونة  و"ماد سيتي" فيما يتجاوز التدخلات الحينية لتكون مدينة العاصمة آمنة يستطاب فيها العيش..

وقد اعتمدنا خطة لتكريس انفتاح مدينة تونس على البحر.. وتمديد الشارع الرئيسي ليصل بحيرة تونس لهدف إدخال ديناميكية جديدة على العاصمة. ولدينا برامج تعاون مع مؤسسات وطنية ودولية لتحسين ظروف النقل والمرور إلى الطاقة النظيفة وتطوير النقل العمومي..

شركاؤنا 38 بلدية في منطقة تونس الكبرى وكل الوزارات والمتدخلين بما في ذلك شارع الحبيب بورقيبة لتمديده وإيصاله إلى البحيرة.. لإدخال ديناميكية جديدة على العاصمة..

معضلة الأسواق الفوضوية

س ـ لكن بعض الشوارع التي تؤوي الأسواق الفوضوية والتي أصبحت مركزا للنفايات والأوساخ.. كيف ستتعاملون معها؟

 ـ   في الأسواق الشعبية وشوارع العاصمة هناك متدخلون كثيرون وليس بلدية تونس وحدها.. في التدخلات اليومية نقوم بمجهود كبير مع شركائنا لتحسين منسوب النظافة.. رغم الصعوبات بسبب تهرم الأعوان والتجهيزات وارتفاع كتلة الأجور.. وقد اشترينا معدات جديدة للأسطول.. لدينا تدخلات يومية لكل المسالك لكن كثيرا من المواطنين لا يحترمون قواعد النظافة ومواعيد مرور الشاحنة..

عموما نحن نقوم بجهود مع شركائنا في تونس وفي البلديات الفرنكفونية والكندية بالرغم من تواضع مواردنا المالية..

ميزانية البلدية في حدود 220 مليون دينار فقط (أي حوالي 65 مليون دولار) بينها 80 بالمائة موارد ذاتية، وهذه الميزانية متواضعة نسبيا بسبب كثرة المصاريف وارتفاع كتلة الأجور..

في الأثناء نسعى لتنويع شراكاتنا وفرص تمويل البلدية ذاتيا وعبر شراكات دولية مع بلديات كيبيك الكندية وبرشلونة الإسبانية وبلديات فرنسية ومنظمات عالمية من بينها الجمعية الفرنكفونية لمجالس البلديات ورئيستها رئيسة بلدية باريس.. كما انخرطنا في اتفاقيات شراكة وتعاون مع منظمات أوربية وأممية لتشجيع الفلاحة الحضرية.. هدفنا إرضاء الناس لكن رضاء الناس غاية لا تدرك..
التعليقات (0)