في ظل أزمة ارتفاع
الدولار الأمريكي
أمام الدينار
العراقي، اتخذت حكومة محمد شياع السوداني، الثلاثاء، قرارا بخفض سعر
العملة الصعبة بما يعادل 1300 دينار مقابل الدولار الواحد، وذلك بعدما لامس سعره
في السوق المحلية 1750 دينارا للدولار.
وبعد القرار مباشرة انخفض سعر الصرف
إلى 1495 دينارا مقابل كل دولار، وذلك قبل يوم مع زيارة وفد عراقي برئاسة وزير
الخارجية ومحافظ البنك المركزي إلى واشنطن، الأربعاء، للقاء مسؤولي البنك
الفيدرالي ووزارة الخزانة الأمريكية للتباحث في الأزمة ذاتها.
وعلى ضوء خفض سعر الدولار أمام
الدينار، برزت تساؤلات عدة عن مدى الإصرار الحكومي على إنهاء أزمة ارتفاع أسعار السلع في
الأسواق المحلية، والسيطرة على المضاربات بالعملة التي تصاعدت عقب تطبيق الولايات
المتحدة نظام "سويفت" في العراق لمنع تهريب الدولار.
"أبعاد القرار"
تعليقا على ذلك، قال الخبير الاقتصادي
العراقي، نبيل العملي لـ"عربي21" إن "خطوة الحكومة الحالية في خفض
سعر الدولار الأمريكي مقابل
الدينار العراقي تحمل أكثر من هدف، الأول أنها تمثل
إيفاء بوعد انتخابي لبعض القوى السياسية المشاركة حاليا في الحكومة".
وأضاف العلي: "الأمر الثاني، تهدف
الخطوة إلى خفض التضخم الناتج عن ارتفاع أسعار صرف الدولار، على اعتبار أن السلع
المنتشرة في السوق العراقية أغلبها مستوردة ومرتبطة بالدولار. الأمر الثالث هو جر
سعر السوق الموازية للدولار إلى الانخفاض".
وأشار إلى أن "الإجراء الحكومة
الذي جاء بناء على توصية من البنك المركزي العراقي، لم يحل الأزمة، لأنها الأزمة المحلية
حاليا تتعلق بالحوالات المالية، لذلك فإن العراق بحاجة إلى الامتثال للمعايير الدولية
لإعادة جريان الحوالات".
وأوضح الخبير العراقي أن
"اجتماعات الوفد العراقي في واشنطن خلال اليومين المقبلين ستحدد طبيعة
الإجراءات للبنك الفيدرالي الأمريكي، فمن الممكن أن يمنح البنك المركزي العراقي
مرونة في التعامل مع البيئة التجارية في العراق، لأنها بدائية نوعا ما".
وتابع: "في الوقت الحاضر فإن من
المحتمل أن تنخفض الفجوة بين سعر الدولار الرسمي مع السعر المتداول في السوق
الموازية، وذلك تبعا للسعر الرسمي، لذلك فإنه إذا لم يكن هناك حل فإن هذه الفجوة ستبقى
موجودة، وإذا وضع الحل فإن بالإمكان أن يصبح سعر الدولار في السوق قريبا من السعر
الرسمي".
اظهار أخبار متعلقة
من جهته، قال الباحث في الشأن العراقي،
وحيد عباس، إن "قرار الحكومة ربما فيه بعد سياسي وانتخابي، بأنهم أصغوا إلى
مطالب الاحتجاجات التي خرجت قبل أيام تطالب بخفض الدولار، وبهذا تكون قد امتصت
الغضب الشعبي، إضافة إلى أنها حققت كذلك وعدا انتخابيا سابقا للإطار التنسيقي
الشيعي".
وأضاف عباس لـ"عربي21" أن
"الدينار العراقي قيمته متدنية كونه غير مستند على أرضية اقتصادية صلبة،
وإنما فقط على بيع النفط، ويجري تثبيت سعره من خلال ضخ كميات كبيرة من الدولار في
السوق عبر نافذة مزاد العملة التابعة للبنك المركزي".
وأردف: "لذلك فإن القرار الحكومي
الحالي لن يحل الأزمة إلا بإصلاح الوضع الاقتصادي للبلد، لأنه لا يستطيع كما كان
في السابق بيع كميات كبيرة من الدولار بسبب التقييد الأمريكي عبر تطبيق نظام
سويفت".
"نصف الحل"
وعلى الصعيد ذاته، قال الخبير
الاقتصادي العراقي، محمود داغر في مقابلة تلفزيونية، الثلاثاء، إن "نتائج
القرار الحكومي بخفض سعر الدولار إذا انعكست في اقتراب السعر السوقي من السعر
الرسمي، فإن هذا يعتبر إنجازا، لكن باعتقادي فإن هذا يتطلب وقتا وجهدا".
وأضاف داغر أن "المشكلة الآن، هي أن سعر الدولار في السوق يفرق عن السعر الرسمي بسبب تدني قدرة البنك المركزي
العراقي في عرض الدولار لأغراض الاستيراد، لأن نافذة بيع العملة تعمل منذ ثلاثة أشهر
بأقل من الطاقة التي يحتاجها البلد من أجل سحب الدينار المحلي من السوق".
ولفت إلى أنه "بشكل عام.. أي حل
نقدي لتصحيح الاقتصاد العراقي لن يؤتي أكله، بمعنى أننا إذا بقينا نركز فقط على قرارات
نقدية صرفة وعلى سعر الصرف كحل للاقتصاد فلن يتحقق ذلك، إلا بإصلاح هشاشة الاقتصاد
من خلال تفعيل نواتج القطاعات الحقيقية (زراعة، صناعة، تجارة)".
وعلى الوتيرة ذاتها، قال الإعلامي
العراقي، حسام الحاج في تغريدة عبر "تويتر" إن "الحكومة مضت بنصف
الحل وخفضت سعر الصرف، لكن الصعوبة تكمن في نصف الحل الآخر".
وأوضح الحاج أن "الأمر يتطلب إقناع
الخزانة والفيدرالي (الأمريكي)، بأن العراق بات بيئة آمنة لتدفق العملة الصعبة،
ووجودها لا يشكل خطر تمويل الإرهاب أو غسيل الأموال، وأن النصف الآخر من الحل هو
الأصعب وفيه يكمن النجاح".
اظهار أخبار متعلقة
من جانبه، قال المحلل السياسي العراقي،
عصام حسين عبر "تويتر" إن "سبب اتخاذ الحكومة قرار نزول سعر الصرف
هو المواطن المحتج الذي أقلق حكومة الإطار (التنسيقي) طوال الأزمة".
وأردف حسين قائلا: "نحتاج إلى ضغط
أكبر من أجل إيقاف الفساد والتهريب، لأن قرار النزول اقتصادي بحت.. سيكلف العراق
خسائر عشرات التريليونات، وربما يضر بالاقتصاد إذا بقي الفساد والتهريب على
حاله".
وأصدر البنك المركزي العراقي، مساء
الجمعة، حزمة تسهيلات تلبية للطلب على الدولار، في جانبي النقد والتحويلات
الخارجية، وأكد أنه بصدد إطلاق إجراءات جديدة في سياق معالجة الأزمة الحالية.
جاء ذلك بعد إعلان البنك المركزي
العراقي، الجمعة، أن الخزانة الأمريكية أبدت استعدادها للمرونة اللازمة لتحقيق
"الأهداف المشتركة"، والاتفاق على مواصلة التنسيق والتعاون خلال
الاجتماعات المزمع عقدها في العاصمة واشنطن قبل منتصف الشهر الجاري.
وكان محافظ البنك المركزي العراقي، علي
محسن العلاق، والوفد المرافق قد اجتمع في تركيا، الجمعة، مع مساعد وزير الخزانة
الأمريكية براين نيلسون، وناقشوا معه موضوع "مكافحة تبييض الأموال في العراق
وتهريبها الى مجاميع إرهابية".