مقالات مختارة

كيف تقدمون العزاء للقاتل بضحايا الزلزال في سوريا؟

فيصل القاسم
عربي21
بينما كان مئات الألوف من السوريين إما تحت الأنقاض أو مشردين، في أسوأ أحوال جوية في العراء شمال سوريا وداخل المناطق التركية التي تعرضت لواحد من أسوأ الزلازل منذ عقود، وفي استهتار صبياني معيب بمآسي وآلام وفواجع الملايين، واستخفاف لا يليق بفداحة الموقف وخسارة أرواح ملايين الناس، أطل ما يسمى بـ«الرئيس السوري» عبر مجلس وزرائه الصوري الهزلي، وليس بالتوجه مباشرة للشعب الذي يأنف من التحدث والكلام له كعادته وعادة أبيه الديكتاتور المستبد، ولأول مرة منذ أشهر وهو يبتسم بشكل لافت، ودون أدنى مبالاة، وذلك في أثناء ترؤسه لاجتماع ما تسمى بالحكومة.

ولا أعتقد أن الصور التي تم توزيعها على وسائل الإعلام لطاغية الشام لم تكن مقصودة، بل إن القصر الجمهوري هو من اختارها ووزعها عمدا، وهي تكريس واستمرار لاستراتيجية ولنهج رئاسي من أيام المقبور، بمعاملة الشعب بعنجهية وغطرسة وفوقية واستعلاء. فهل يعقل أن يظهر رئيس جمهورية وهو يبتسم، بينما مئات الألوف من السوريين في تلك اللحظات كانوا يمرون بكارثة لم يسبق لها مثيل منذ عقود؟ إذا، العملية مقصودة، وهي بمنزلة شماتة وتشف بالضحايا الذين إما قضوا تحت الركام، أو يعانون أشد أنواع العذاب في ظروف جوية مرعبة بقساوتها.

ولا نستبعد مطلقا أن تكون ابتسامات طاغية الشام بشار محاولة لرش الملح على جروح ملايين السوريين الذين ثاروا ضده، ويقول لهم: هذا هو جزاء من يعارضني، ووجدها، اليوم، فرصة سانحة للتشفي والشماتة بهم وهم يواجهون أسوأ زلزال تشهده سوريا في تاريخها. ومثل هذا الاستهتار والتصرف الوحشي ليس جديدا على ما يسمى الرئيس السوري، فقد قالها بعظمة لسانه ذات مرة في أثناء أحد خطاباته الشهيرة؛ إنه سعيد جداً بأن سوريا تخلصت من الملايين من شعبها لتصبح «مجتمعا متجانسا».

هكذا قالها بالحرف، فهو يعتبر ملايين السوريين الذين يعارضون نظام حكمه الطاغوتي غير مرغوب بهم في سوريا، ولا بأس أن تأكلهم الأسماك والحيتان في البحار أو أن يرحلوا عن الأراضي السورية غير مأسوف عليهم. هو قال ذلك علنا ولم يرمش له جفن. كما قال أيضا: سوريا فقط لمن يدافع عن النظام ويؤيده، حتى لو كانت مليشيات أفغانية وباكستانية وإيرانية طائفية قذرة. لهذا لا عجب أبدا أن بدا بشار ضاحكا وهو يعقد اجتماعا مزعوما لحكومته، لتدارس وضع المنكوبين السوريين شمال سوريا وفي داخل تركيا.

لقد شعر ملايين السوريين أصلا بكم هائل من القرف والغثيان وهم يرون بشار يترأس اجتماعا من أجل المنكوبين. فعلا إنها نكتة صارخة. لماذا؟ لأن الجميع يعلم علم اليقين أن كل ضحايا الزلزال في شمال سوريا وداخل تركيا هم بالأصل ضحايا النظام الفاشي، فمن الذي شردهم من بيوتهم بالملايين ودمر منازلهم بالبراميل المتفجرة غيره وغير طائرات بوتين، التي لم تترك حتى المداجن والمشافي والمدارس والمساجد، إلا وقصفتها بمئات الأنواع من الأسلحة الروسية الجديدة باعتراف وزير الدفاع الروسي نفسه.

ولا ننسى مثلا أن منطقة كهرمان مرعش التركية التي كانت مركز الهزة الأرضية الرهيبة، يعيش فيها أكثر من مئين وخمسين ألف سوري في مخيمات بنتها تركيا عام ألفين واثني عشر، بعد أن اضطر ملايين السوريين إلى ترك مدنهم وقراهم في الشمال هربا من براميل بشار وعصابته.

ولا ننسى أيضا مدينة غازي عينتاب التركية المنكوبة بالزلزال ،التي لا تبعد عن حلب سوى تسعين كيلو مترا، وتحولت إلى مسكن لعشرات الألوف من السوريين الهاربين من المناطق السورية المجاورة من جحيم الأسد. وقد اعترفت الهيئات الإغاثية بأن حوالي نصف ضحايا الزلزال في شمال سوريا وتركيا هم أصلا من السوريين الهاربين من جحيم الحرب.

بعبارة أخرى، فإن الزلزال لم يصب مناطق النظام كما أصاب مناطق المعارضة والمناطق التركية التي يسكنها اللاجئون السوريون. ومن ثم: كيف يقدم بعض القادة العرب والأجانب واجب العزاء لرأس النظام السوري، وهو أصلا المسؤول الأول والأخير عن محنة وكارثة السوريين في الشمال أو في المخيمات أو المدن التركية؟ مضحك جدا ومثير للسخرية في آن معا، أن يعزّوا بشار بالذين كان هو شخصيا وراء تهجيرهم وتدمير بيوتهم وتعفيش ممتلكاتهم في شمال سوريا، فاضطروا إلى اللجوء إلى المناطق المحررة، أو دخلوا الأراضي التركية هربا من براميل النظام، التي دخلت التاريخ بوحشيتها وبشاعتها وفظاعتها.

لقد أرسلت بعض الدول كالجزائر مثلا طائرات محملة بالمساعدات إلى مطار حلب الذي يسيطر عليه النظام الآن. والسؤال: هل تتوقعون من العصابة الحاكمة أن ترسل المساعدات للسوريين في المناطق المحررة أو إلى السوريين المنكوبين داخل الأراضي التركية، في ظل عجزه التام وتقصيره التاريخي وغياب أية آليات مهنية وخبرة لديه في المجال الإنساني والإغاثي، وجل تخصصه بالقتل والإجرام وارتكاب الفظائع والإبادات الجماعية والمجازر الكيماوية، فكيف سيتحول نظام مجرم قاتل إلى «ممرض» وملاك رحمة وحمامة سلام بين ليلة وضحاها؟ فعلا عجيب.

مستحيل طبعا، فكيف تتوقعون ممن قتل السوريين وشردهم ودمر بيوتهم ونهب ممتلكاتهم أن يعطف عليهم في محنتهم الرهيبة؟ ولا ننسى أن النظام وعصابته كان يعبث أصلا بالمساعدات الدولية التي تصل إليه كي يوزعها على مؤيديه، وقد ظهرت تقارير كثيرة تقول؛ إن حيتان القصر البراميلي وسيدته كانوا يبيعون المساعدات الدولية بالسوق السوداء، بدل توزيعها على ملايين السوريين المؤيدين الذين يعيشون اليوم تحت خط الفقر بمراحل. فإذا كانت العصابة الحاكمة لا ترأف بحال المؤيدين داخل سوريا، الذين قدموا للنظام الغالي والنفيس وضحوا من أجله بفلذات أكبادهم، ثم وجدوا أنفسهم جائعين مقهورين منبوذين، فما بالك أن يرسل النظام المساعدات القادمة إلى مناطق المعارضة في الشمال وتركيا إلى مستحقيها؟ مستحيل.

إن إرسال معونات للنظام كي يوزعها على مناطق المعارضة المنكوبة، كمن يرسل معونات لإسرائيل كي توزعها على سكان غزة. لهذا؛ فإن أي جهة أو دولة ترسل مساعدات للمنكوبين بالزلزال عبر النظام، فهي تبذر أموالها وتهبها هباء؛ لأن النظام إما سيبيع المعونات ويقبض ثمنها لصالحه الخاص كما يفعل اليوم بالنفط ومشتقاته والكهرباء، أو أنه سيعطيها لعصابته ولن يصل منها شيء لا للمؤيدين المنكوبين أو المعارضين. والأهم من ذلك أن المناطق المنكوبة خارج سيطرة النظام أصلا.

وزاد في الطنبور نغما، وتعبيرا عن الحقد المتأصل في دواخل هذا النظام الدخيل على السوريين، أن وزير الخارجية، صرّح يوم الأربعاء، لإحدى القنوات التي تتاجر بالممانعة، وللغرابة ومحاكاة التابع للسيد، أنه كان، كمعلمه بشار، غاية بالانشراح والفرح وبابتسامة هوليوودية عريضة، مقررا بأن هؤلاء الضحايا والمنكوبين هم من الإرهابيين، ولذلك فهو لن يسمح بوصول المساعدات لهم ولا يستحقونها، وكأنه لم تشبعه ولم تكفِه، لا هو ولا معلمه القابع في وكره الجمهوري تحت حراب وحماية فاغنر والملالي، كل تلك البراميل المتفجرة التي ألقاها على بيوت وأجساد السوريين، ولم تشف غليله كل تلك الجرعات القاتلة والسامة التي أذاقها لهم خلال سنين الحرب، ليكشر اليوم عن أنيابه ويـُمعن بقتلهم جوعا وحرمانا وموتا بطيئا، تحت أنقاض المباني التي تداعت فوق رؤوسهم وهم نيام آمنون.

القدس العربي
التعليقات (4)
ناقد لا حاقد الى رائد عبيدو
السبت، 11-02-2023 11:58 م
هههه مضحك تعليقك ....اشم رائحة الممانعة الاسدية
رائد عبيدو
السبت، 11-02-2023 06:14 م
التهاني تقدم لسفاحين كثيرين، ويقدم لهم العزاء، ويقدم لأهاليهم وخلفائهم بعد موتهم. وربما يعلم ضيوفك الإرهابيون كم تلقى نتنياهو من رسائل التعزية والتهنئة، وربما لديهم بعض الطرق التي تفيدك لتقديم العزاء للقاتل. ليس مستغربا ولا غريبا عن واقع اليوم أن يروج شخص للتخلص من مجرمين بالاستعانة بمجرمين آخرين وبالأعداء -بل وبالشياطين- وهو معتاد على استقبال صهاينة وترويج أكاذيبهم ثم يتحدث عن الأخلاق أو المبادئ. فمجرمو الحرب يتصارعون ويتصالحون، ويتنافسون في صناعة أشد الأسلحة فتكا، ويستعبدون الشعوب ويسفكون دماءها ويسرقون ثرواتها، ويحتكرون الأدوية والأغذية، وهم يتحدثون عن حقوق الإنسان والبيئة والقانون، ويحاولون غسل جرائمهم وزيادة شعبيتهم بالخداع والنفاق وشراء الذمم. ومن يريد إنقاذ بعض البشر بمدح أحد هؤلاء يساعد في بقائه وتمكينه من قتل آخرين، فالصهاينة وأنصارهم بدءا من النظام التركي وقنوات التطبيع القطرية والسفاحون العرب والعجم وأنصارهم كلهم -المتظاهر منهم بالاكتراث أحيانا والمتمادي في الاستخفاف دائما- لا يؤتمنون على حياة الناس ولا أموالهم ولا عقولهم. وما زادتهم هذه الكوارث إلا ظلما وفجورا، (وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون).
ناقد لا حاقد
السبت، 11-02-2023 11:33 ص
نعم النظام العسكري الجزائري يشبه كثيرا النظام السوري و ربما الحرب القذرة في الجزائر تم اعادتها و تنفيذها في سوريا ....لأنه ربما حتى البراميل المتفجرة هو ابتكار جزائري تم تجريبه في فترة التسعينات ...النظام الجزائري غير شرعي و لم يأتي عن طريق الانتخابات و الشعب للأسف اكثريته يتم الضحك عليه من خلال الكلام العاطفي و الشعارات الرنانة بعض الأعمال المنافقة....هؤلاء لا يمثلون الشعب و لا ارادته ....و نحن مع الشعب السوري المنكوب و لتسقط كل انظمة العار و القتل و الارهاب
احمد
السبت، 11-02-2023 07:58 ص
يا اخ فيصل ان كانت السلطه الجزائريه تريد مساعده كل السوريين لاشترطت على بشار ان ترسل نصف مساعدتها و فرق انقاذها الى مناطق المعارضه و هي الاكثر تضررا لكنها تؤيد نظام الجزار ولا ترى بمناطق المعارضه الا متمردون لا يستحقون الحياه منذ شهور حاولت الجزائر اعاده نظام البراميل المتفجره الى الجامعه العربيه و لولا الاصرار السعودي لحصل ..