قال الصحفي الأمريكي،
سيمور هيرش، إن الولايات المتحدة
الأمريكية، خربت خط
الغاز الروسي إلى
أوروبا "
نورد ستريم" في عملية تمت
تحت غطاء تدريبات لحلف شمال الأطلسي روج لها على نطاق واسع باسم "بالتوبس
22".
وفي الجزء الأول من
التحقيق الاستقصائي، الذي ترجمته "عربي21"
أشار نقلا عن مصدر مطلع على التخطيط للعملية، إلى أن غواصي البحرية الأمريكية زرعوا
في حزيران/ يونيو الماضي متفجرات يتم تشغيلها عن بعد، دمرت بعد أشهر من ذلك
التاريخ خط أنابيب الغاز.
اظهار أخبار متعلقة
ولفت هيرش الحاصل على جائزة بولتزر للصحافة عام 1969 بعد
أن كشف عن مذبحة نفذتها القوات الأمريكية في فيتنام، إلى أن الرئيس الأمريكي جو
بايدن
يؤمن بأن نظيره الروسي فلاديمير
بوتين سيستخدم خط الأنابيب كسلاح لتحقيق طموحاته
العسكرية والسياسية، بعد الحرب على أوكرانيا.
ونفت الولايات المتحدة الأمريكية ضلوعها في تخريب خط الأنابيب.
وتاليا الجزء الأول من التحقيق:
وصفت صحيفة
نيويورك تايمز الأمر بأنه "أحجية" ولكن الولايات المتحدة نفذت عملية
بحرية سرية ظلت طي الكتمان حتى الآن
يمكن العثور
على مركز الغوص والإنقاذ التابع للبحرية الأمريكية في موقع لا يقل غموضاً عن اسمه
– في ناحية مما كان ذات يوم طريقاً ريفياً في باناما سيتي، التي غدت اليوم منتجعاً
مزدهراً في ذراع فلوريدا الممتدة في جنوب غرب الولاية، على بعد سبعين ميلاً إلى
الجنوب من حدود ألاباما. ومبنى المركز، مثله مثل موقعه، باهت لا شيء يميزه عن غيره
– فهو منشأة خرسانية شاحبة اللون تعود إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية،
تبدو شكلاً كما لو كانت مدرسة ثانوية مهنية كتلك التي توجد في الطرف الغربي من
مدينة شيكاغو. وعلى الجانب الآخر من الطريق المكون من أربعة مسارات، يوجد محل
لغسيل الملابس باستخدام غسالات تشتغل بالقطع النقدية ومدرسة للرقص.
منذ عقود
والمركز متخصص في تدريب غواصين على درجة عالية من المهارة في الغوص في الأعماق.
بمجرد إتمام فترة التدريب، يلتحق هؤلاء الغواصون بالوحدات العسكرية الأمريكية عبر
العالم، حيث تصبح لديهم القدرة على الغوص الفني لعمل الخير – باستخدام متفجرات سي4
لتنظيف الموانئ والشواطئ من الأنقاض والذخائر التي لم تنفجر – وكذلك لعمل الشر،
مثل تفجير حقول النفط الأجنبية، وتعطيل صمامات السحب لمحطات الطاقة في أعماق البحار،
وتدمير السدود (الأغلاق) في قنوات الملاحة الحيوية. كان مركز باناما سيتي، الذي
يتباهى بأن لديه ثاني أضخم بركة داخلية في أمريكا، هو المكان المثالي لتجنيد أفضل
الأشخاص وأشدهم تكتماً من خريجي مدرسة الغوص. وهؤلاء هم الذين قاموا بنجاح في
الصيف الماضي بتنفيذ المهمة التي أنيطت بهم على عمق 260 قدماً تحت سطح بحر البلطيق.
تحت غطاء
تدريبات لحلف شمال الأطلسي روج لها على نطاق واسع وتعرف باسم بالتوبس22، زرع غواصو
البحرية الأمريكية في شهر حزيران/ يونيو الماضي متفجرات تنطلق بالتشغيل عن بعد لكي
تدمر بعد ثلاثة أشهر من ذلك التاريخ ثلاثة من الأنابيب الأربعة التي تشكل خط
أنابيب نورد ستريم، وذلك بحسب ما صرح به مصدر على معرفة مباشرة بالتخطيط
العملياتي.
كان اثنان من
هذه الأنابيب، يعرفان معاً باسم نورد ستريم 1، يزودان ألمانيا وكثيراً من
بلدان أوروبا الغربية منذ أكثر من عقد من الزمن بالغاز الطبيعي الروسي الرخيص.
وهناك زوجان آخران من الأنابيب، يعرفان معاً باسم نورد ستريم 2، تم إنشاؤهما، ولكن
لم يبدأ تشغيلهما بعد. والآن، أما وقد احتشدت القوات الروسية على الحدود
الأوكرانية، وبدأت تلوح في الأفق أمارات واحدة من أشد الحروب دموية في أوروبا منذ
عام 1945، فقد رأى الرئيس جوزيف بايدن في خط الأنابيب وسيلة يستخدمها فلاديمير
بوتين لتحويل الغاز الطبيعي إلى سلاح يتمكن به من تحقيق طموحاته السياسية
والعسكرية.
عندما طُلب
منه التعليق على الخبر، فإن أدريان واتسون، أحد الناطقين باسم البيت الأبيض، بعث برسالة إيميل يقول فيها: "هذا باطل وخيال مطلق.". أما تامي ثورب، أحد
الناطقين باسم وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) فكتب يقول: "هذا الزعم
باطل تماماً وعار عن الصحة".
جاء قرار
بايدن بتخريب خط الأنابيب بعد أكثر من تسعة أشهر من نقاش سري، يروح ويغدو، داخل
دوائر الأمن القومي في واشنطن حول أفضل السبل لتحقيق هذه الغاية. وطوال معظم ذلك
الوقت لم يكن السؤال عن ما إذا كانت المهمة ستتم أم لا، وإنما حول كيف سيتم تنفيذها
دون ترك أي دليل واضح يشير إلى الجهة المسؤولة عنها.
كان هناك سبب
بيروقراطي ملح للاعتماد على خريجي مدرسة الغوص التابعة للمركز في بنما سيتي. كان
الغواصون تابعين للبحرية الأمريكية فقط، ولم يكونوا من العناصر التابعة لقيادة
العمليات الخاصة الأمريكية، والتي يجب تقديم تقارير عن عملياتها للكونغرس، ويجب
كذلك إحاطة قيادتي مجلس الشيوخ ومجلس النواب سلفاً بها – وهو ما يشار إليه بعصابة
الثمانية. كانت إدارة بايدن تفعل كل ما هو ممكن لتجنب حدوث أي تسريبات بينما كان
التخطيط للعملية جار في أواخر عام 2021 وفي الشهور الأولى من عام 2022.
لم يزل الرئيس
بايدن وفريق السياسة الخارجية الذي يعمل معه – مستشار الأمن القومي جيك سوليفان
ووزير الخارجية طوني بلينكن ووكيلة وزارة الخارجية لشؤون السياسة فيكتوريا نولاند –
يعربون صراحة عن عدائهم المستمر لخطي الأنابيب، وكلاهما يمتدان جنباً إلى جنب لما
يقرب من 750 ميلاً تحت بحر البلطيق، انطلاقاً من ميناءين مختلفين في شمال شرقي
روسيا بالقرب من الحدود مع إستونيا، مروراً بمحاذات جزيرة بورنهولم الدنماركية قبل
الانتهاء في شمال ألمانيا.
عاد هذا
المسار المباشر، والذي يتجنب أي حاجة للعبور من خلال أوكرانيا، بنعمة كبيرة على
الاقتصاد الألماني، والذي تمتع بوفرة من الغاز الطبيعي الروسي الرخيص – بما يكفي
لتشغيل مصانع البلاد وتدفئة منازلها، وفي نفس الوقت تمكين الموزعين الألمان من بيع
الغاز الفائض عن حاجة ألمانيا في مختلف أرجاء أوروبا الغربية وجني ربح مقابل ذلك.
أي عمل يمكن تعقب آثاره إلى الإدارة الأمريكية سوف يمثل انتهاكاً لتعهدات الولايات
المتحدة بتقليص الصراع المباشر مع روسيا ما أمكنها ذلك. ولذلك كانت السرية أمراً
في غاية الأهمية.
منذ أيامه
الأولى، اعتبر نورد ستريم 1 من قبل واشنطن وشركائها خصوم روسيا في حلف شمال
الأطلسي (الناتو) تهديداً للهيمنة الغربية. تأسست الشركة القابضة التي تقف من وراء
المشروع، واسمها نورد ستريم إيه جي، في سويسرا في عام 2005 بالشراكة مع غازبروم،
وهي شركة روسية مساهمة عامة تعود على المساهمين فيها بأرباح ضخمة، ويهيمن على
هؤلاء المساهمين مجموعة من الإوليغاركيين الذين يشتهرون بأنهم من الموالين لبوتين.
تتحكم غازبروم بواحد وخمسين بالمائة من الشركة وتشترك في التسعة والأربعين بالمائة
الباقية أربع شركات طاقة أوروبية – واحدة في فرنسا، وواحدة في هولندا، واثنتان في
ألمانيا. تملك هذه الشركات الأربع حق التحكم بمبيعات ما يصل عبر خط الأنابيب من
غاز طبيعي رخيص إلى موزعين محليين في ألمانيا وفي أوروبا الغربية. تشارك الحكومة
الروسية في جني الأرباح من غازبروم، وفي بعض السنين قدرت عوائد الدولة من الغاز
والنفط بأنها تشكل ما يصل إلى 45 بالمائة من الميزانية السنوية لروسيا.
مخاوف أمريكا
السياسية كانت حقيقية، وذلك أن بوتين سوف يتوفر لديه الآن مصدر إضافي رئيسي من
الدخل هو في أمس الحاجة إليه، بينما تدمن ألمانيا وغيرها من البلدان في أوروبا
الغربية على الغاز الطبيعي منخفض التكلفة الذي تزودهم به روسيا – وبذلك يتقلص
الاعتماد الأوروبي على أمريكا. وذلك هو ما حصل بالفعل. فكثير من الألمان رأوا في
نورد ستريم 1 جزءاً من الخلاص الذي عبرت عنه نظرية أوستبوليتيك (السياسة الشرقية) التي وضعها المستشار
الألماني السابق ويلي براندت، والتي تتيح لألمانيا في حقبة ما بعد الحرب إعادة
تأهيل نفسها والبلدان الأوروبية الأخرى التي دمرت في الحرب العالمية الثانية عبر،
من بين مبادرات أخرى، استغلال الغاز الروسي الرخيص لتوفير الطاقة التي تلزم من أجل
إقامة سوق واقتصاد تجاري مزدهر في أوروبا الغربية.
كان نورد
ستريم 1 خطراً بما يكفي في أعين واشنطن والناتو، أما نورد ستريم 2، الذي تم
الانتهاء من إنشائه في أيلول/ سبتمبر من عام 2021، فكان – فيما لو حظي بموافقة
السلطات المختصة بتنظيم قطاع الطاقة في ألمانيا – سيضاعف كمية الغاز الرخيص
المتوفر لكل من ألمانيا وأوروبا الغربية. فخط الأنابيب الثاني أيضاً سيزود ألمانيا
بما يكفي من الغاز لتغطية احتياجات ما يزيد عن خمسين بالمائة من الاستهلاك السنوي
في البلاد. ولئن كانت التوترات في تصاعد مستمر بين روسيا والناتو، فقد فاقمت من
ذلك السياسة الخارجية الشرسة التي تنتهجها إدارة بايدن.
ارتفعت حدة
المعارضة لمشروع نورد ستريم 2 عشية تنصيب بايدن في شهر يناير من عام 2021، عندما
قام أعضاء جمهوريون من مجلس الشيوخ، يقودهم في ذلك تيد كروز من ولاية تكساس،
مراراً وتكراراً بإثارة مسألة التهديد السياسي الذي يشكله الغاز الروسي الرخيص
أثناء جلسة الاستماع لإقرار تعيين وزير الخارجية بلينكن. بحلول ذلك الوقت كان مجلس
الشيوخ الموحد قد نجح في سن تشريع قال عنه كروز موجهاً حديثه لبلينكن إنه
"أوقف مشروع خط الأنابيب قبل أن يدخل الخدمة." ثم توالت الضغوط السياسية
والاقتصادية من قبل الحكومة الألمانية، التي كانت تترأسها حينذاك أنغيلا ميركل،
لإتمام مشروع خط الأنابيب وإدخاله الخدمة.
هل سيقف بايدن
في وجه الألمان؟ أجاب بلينكن بـ نعم. ولكنه أضاف أنه لم يناقش التفاصيل المتعلقة
برؤية الرئيس الجديد. وقال: "أعلم أن لديه اعتقاد جازم بأن نورد ستريم 2 فكرة
سيئة. وأعلم أنه سيجعلنا نمارس كل وسائل الضغط المتوفرة لدينا لإقناع أصدقائنا
وشركائنا، بما في ذلك ألمانيا، بعدم المضي قدماً في المشروع."
بعد بضعة أشهر، وبينما كان إنشاء خط الأنابيب الثاني يقترب من الاكتمال، رمش بايدن. في نفس
ذلك الشهر من أيار/ مايو ، وفي خطوة من التراجع المذهل، رفعت الإدارة العقوبات
المفروضة على شركة نورد ستريم إيه جي، وأقر مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية بأن
السعي لإيقاف خط الأنابيب من خلال العقوبات والتحركات الدبلوماسية "كان دوماً
أمراً بعيد المنال."، ومن خلف الكواليس، حث المسؤولون في الإدارة الأمريكية
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي كان حينذاك يواجه تهديداً بغزو روسي
وشيك، على عدم توجيه نقد لتلك الخطوة.
كانت هناك
تداعيات سريعة، حيث أعلن الجمهوريون في مجلس الشيوخ بزعامة تيد كروز عن سد الباب
في وجه جميع ترشيحات بايدن لمناصب السياسة الخارجية وأخروا تمرير مشروع قانون
الدفاع السنوي لأشهر امتدت حتى الخريف. فيما بعد وصفت صحيفة بوليتيكو تراجع بايدن
بشأن خط الأنابيب الروسي الثاني قائلة إنه "القرار الذي يمكن أن يقال عنه إنه
تفوق على قرار الانسحاب العسكري الفوضوي من أفغانستان من حيث تعريضه أجندة بايدن للخطر."
كانت الإدارة
تتخبط، وذلك بالرغم من حصولها على قرار بالإرجاء بشأن الأزمة في منتصف تشرين
الثاني/ نوفمبر، عندما علق منظمو قطاع الطاقة في ألمانيا موافقتهم على خط أنابيب
نورد ستريم الثاني. فارتفعت أسعار الغاز بنسبة 8 بالمائة خلال أيام، في خضم مخاوف
سرت في ألمانيا وأوروبا من أن يؤدي تعليق مشروع خط الأنابيب، إضافة إلى الاحتمال
المتزايد باندلاع حرب بين روسيا وأوكرانيا، إلى شتاء بارد هم في غنى شديد عنه. لم
يكن واضحاً لدى واشنطن ما هو الموقف الذي يتبناه إزاء كل ذلك أولاف شولتز،
المستشار الألماني المعين حديثاً. وكان أولاف شولتز قبل ذلك بشهور، بعد سقوط
أفغانستان، قد أعلن على الملأ موافقته على مطالبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون
بانتهاج سياسة خارجية أوروبية أكثر استقلالاً، وذلك في خطاب ألقاه في براغ – والذي
فهم منه بوضوح الرغبة في تقليص الاعتماد على واشنطن وعلى إجراءاتها المتقلبة
المزاج.
طوال ذلك
الوقت كانت القوات الروسية تحتشد بالتدريج وبشكل ينذر بشر مستطير على الحدود
الأوكرانية، وبنهاية ديسمبر كان قد انتشر أكثر من مائة ألف جندي في مواقع داخل
بيلاروس وشبه جزيرة القرم استعداداً للانطلاق. كان الذعر يتنامى داخل واشنطن، بما
في ذلك تقييم من بلينكن يفيد بأن أعداد القوات يمكن أن "تتضاعف خلال وقت
قصير".
عادت الإدارة
الأمريكية لتركز اهتمامها على نورد ستريم. فطالما بقيت أوروبا معتمدة على خطوط
الأنابيب التي تأتيها بالغاز الطبيعي الرخيص، كانت واشنطن تخشى من أن بلداناً مثل
ألمانيا سوف تتردد في تزويد أوكرانيا بالمال والسلاح الذي تحتاجه للتغلب على
روسيا.
في تلك اللحظة
القلقة، خولت إدارة بايدن جيك سوليفان بتشكيل فريق من الخبراء من مختلف الوكالات
للخروج بخطة ما.
كل الخيارات
كانت ستوضع على الطاولة، إلا أن خياراً واحداً فقط هو الذي سيجد طريقه إلى
التنفيذ.
التخطيط
في كانون
الأول/ ديسمبر من عام 2021، قبل شهرين اثنين من ترك الدبابات الروسية الأولى إلى
داخل أوكرانيا، عقد جيك سوليفان اجتماعاً لفريق المهمات الذي تشكل حديثاً – رجال
ونساء من هيئة الأركان المشتركة ووكالة المخابرات المركزية ووزارة الخارجية ووزارة
الخزانة – وطلب منهم توصيات حول كيفية الرد على غزو بوتين الوشيك لأوكرانيا.
كان ذلك أول
لقاء في سلسلة من الاجتماعات فائقة السرية، عقدت داخل غرفة منعزلة وآمنة في الطابق
العلوي من مبنى المكتب التنفيذي القديم، بمحاذاة البيت الأبيض، والذي كان أيضاً
مقراً للمجلس الاستشاري للاستخبارات الخارجية التابع للرئيس. حصل ما هو معتاد من
تبادل للرأي ذهاباً وإياباً، وبرز من ذلك تساؤل أولي مهم: هل ينبغي أن يكون
الإجراء الذي توصي به المجموعة للرئيس من النوع الذي يمكن التراجع عنه – مثل أن يكون
طبقة من العقوبات والتقييدات المالية أم من النوع الذي لا يمكن التراجع عنه – مثل
أن يكون إجراء حركياً لا يمكن إبطاله؟
ما غدا جلياً
للمشاركين، طبقاً للمصدر الذي لديه معلومات مباشرة عن العملية، هو أن سوليفان أراد
أن تخرج المجموعة بخطة لتدمير خطي أنابيب نورد ستريم الاثنين – وأنه إنما كان يطلب
ذلك منهم بناء على رغبات الرئيس نفسه.
ناقش
المشاركون على مدى العديد من الاجتماعات التي عقدت فيما بعد الخيارات المتعلقة بشن
هجوم. فاقترح سلاح البحرية استخدام غواصة دخلت الخدمة حديثاً لمهاجمة خط الأنابيب
بشكل مباشر. بينما ناقش سلاح الجو فكرة إسقاط قنابل مزودة بمؤقتات يمكن أن تُشغل
عن بعد. وقالت وكالة المخابرات المركزية إنه أياً كان الفعل، فلابد أن يظل طي
الكتمان. أدرك كل من كانت له علاقة بالأمر المخاطر الكامنة. قال المصدر: "هذه
ليست واحدة من لعب الأطفال." وذلك أنه إذا ما أمكن تقفي آثار الهجوم إلى
الولايات المتحدة فسوف يعتبر ذلك "عملاً من أعمال الحرب."
كان يدير
وكالة المخابرات المركزية في ذلك الوقت وليام بيرنز، وهو شخص دمث عمل في السابق
سفيراً للولايات المتحدة لدى روسيا، وشغل أيضاً منصب نائب وزير الخارجية في إدارة
أوباما. أمر بيرنز سريعاً بتشكيل مجموعة عمل تابعة للوكالة كان من بين أعضائها
الذي اختيروا لهذا الغرض – مصادفة – شخص على معرفة بقدرات غواصي الأعماق التابعين
لسلاح البحرية في بنما سيتي. على مدى الأسابيع القليلة التالية، بدأ عناصر من
مجموعة العمل التابعة لوكالة المخابرات المركزية برسم خطة لعملية سرية تستخدم
غواصي مياه البحر العميقة لإحداث تفجير على امتداد خط الأنابيب.
تم القيام
بعمل مثل هذا من قبل. ففي عام 1971، علمت أوساط المخابرات الأمريكية من مصادر
مازال لم يُكشف عنها حتى الآن أن وحدتين مهمتين من البحرية الروسية كانتا تتواصلان
عبر كابل يمتد تحت البحر مدفون في بحر أخوتسك على الساحل الروسي في الشرق الأقصى.
كان الكابل يربط قيادة سلاح البحر الإقليمية بالمقر الرئيسي في فلاديفوستوك.
تم بعناية
اختيار فريق مشكل من عناصر من وكالة المخابرات المركزية ووكالة الأمن الوطني،
جمعوا في مكان ما في منطقة واشنطن، تحت غطاء كثيف من السرية، حيث عملوا على رسم خطة
لاستخدام غواصي سلاح البحرية وغواصات محورة وعربة إنقاذ غواصة للمياه العميقة.
تمكن الفريق بعد الكثير من التجربة والخطأ من تحديد موقع الكابل الروسي، فنزل إليه
الغواصون وتمكنوا من زرع جهاز رصد صوتي بالغ التعقيد فوق الكابل نجح في اعتراض
الاتصالات الروسية التي تم تسجيلها على أشرطة.
علمت وكالة
الأمن الوطني أن كبار ضباط البحرية الروس، الذين كانوا على ثقة تامة بأن خط
الاتصال فيما بينهم كان آمناً، راحوا يتبادلون الحديث مع أقرانهم بدون تشفير. كان
لابد من استبدال جهاز التسجيل وشريطه كل شهر. استمر هذا المشروع لعدة عقود إلى أن
كشفه فني مدني يعمل في وكالة الأمن الوطني يبلغ من العمر أربعة وأربعين عاماً اسمه
رونالد بلتون، والذي كان يتحدث الروسية بطلاقة. خُدع بلتون من قبل روسي منشق في
عام 1985 وانتهى أمره إلى السجن. لم يتقاض سوى خمسة آلاف دولار مقابل كشفه
للعملية، بالإضافة إلى خمسة وثلاثين ألف دولار دفعت له مقابل بيانات عملياتية
روسية قدمها لهم ولم يتم الكشف عنها منذ ذلك الحين.
كان ذلك
النجاح للعملية التي نفذت تحت المياه، وأطلق عليها اسم آيفي بيلز، إبداعياً
وخطيراً، ونجم عنه توفير معلومات استخباراتية ذات قيمة عالية جداً حول نوايا
ومخططات سلاح البحرية الروسي.
ومع ذلك كانت
المجموعة المشكلة من عناصر من مختلف الوكالات تساورها في البداية شكوك حول مدى
حماس وكالة المخابرات المركزية لشن هجوم سري في أعماق البحر. كما كانت هناك أسئلة
كثيرة بدون إجابات. فمياه بحر البلطيق تخضع لرقابة مكثفة تقوم بها دوريات سلاح
البحرية الروسي، ناهيك عن أنه لا تتواجد فيه منصات نفطية يمكن أن تستخدم كستار
لعمليات الغوص. هل كان سيتوجب على الغواصين الذهاب إلى إستونيا مقابل الحدود، حيث
تتواجد موانئ تحميل الغاز الطبيعي الروسي، من أجل التدرب على المهمة؟ قيل للوكالة
حينها إن ذلك سيكون بمثابة مجازفة كبيرة.
يقول المصدر
إنه في خضم كل هذه التخطيطات كان بعض الأشخاص الذين يعملون في وكالة المخابرات
المركزية وفي وزارة الخارجية يقولون "لا تفعلوا ذلك. فهذا غباء وسوف يفضي إلى
كابوس سياسي لو تسربت أخباره."
ومع ذلك، في
مطلع عام 2022، عادت مجموعة العمل التابعة لوكالة المخابرات المركزية إلى المجموعة
التي شكلها سوليفان من مختلف الوكالات لتقول: "لدينا طريقة لتفجير خطوط
الأنابيب."
ما حدث بعد
ذلك كان صاعقاً. ففي السابع من شباط/ فبراير، قبل أقل من ثلاثة أسابيع من بدء
الغزو الروسي اجتمع بايدن في مكتبه داخل البيت الأبيض بالمستشار الألماني أولاف
شولتز الذي انتهى به الأمر بعد بعض من التردد ضمن الفريق الأمريكي. ولذلك أعلن
بايدن في المؤتمر الصحفي الذي تلا الاجتماع قائلاً: "إذا غزا الروس ... لن
يعود هناك نورد ستريم 2. سوف نضع حداً له."
بعد ذلك
بعشرين يوماً، بلغت وكيلة الوزارة نولاند نفس الرسالة خلال إحاطة داخل وزارة
الخارجية لم تحظ بكثير من التغطية الإعلامية، حيث قالت في إجابة على سؤال وجه
إليها: "أريد أن أكون في غاية الوضوح معكم اليوم. فيما لو غزا الروس أوكرانيا،
فبطريقة أو بأخرى لن يمضي نورد ستريم 2 قدماً."
شعر بالامتعاض
العديد ممن كانوا ضالعين بالتخطيط لمهمة خط الأنابيب حيث ساءهم ما رأوا أنه إشارة
غير مباشرة للهجوم.
وعن ذلك يقول
المصدر: "كان ذلك أشبه بوضع القنبلة النووية على الأرض في طوكيو ثم إخبار
اليابانيين بأننا سنقوم بتفجيرها. كانت الخطة تقضى بأن الخيارات ستنفذ ما بعد
الغزو لا أن تتم الدعاية لها على الملأ. بكل بساطة، بايدن لم يستوعب الأمر أو ربما
قصد أن يتجاهله."
لربما أحس بعض
المشاركين في التخطيط بالإحباط بسبب ما بدا لهم طيشاً وسفهاً من قبل بايدن
ونولاند. ولكنه وفر فرصة كذلك. فحسبما يقول المصدر، خلص بعض كبار المسؤولين في
وكالة المخابرات المركزية إلى أن تفجير خط الأنابيب "لم يعد من الممكن
اعتباره خياراً سرياً لأن الرئيس أعلن لتوه أننا نعرف كيف نفعل ذلك."
وفجأة تم
تخفيض خطة تفجير نورد ستريم 1 ونورد ستريم 2 من عملية سرية تتطلب إعلام الكونغرس
بها إلى ما يعتبر عملية استخباراتية غاية في السرية يتم تنفيذها بمساندة من الجيش
الأمريكي. يبين المصدر أنه طبقاً للقانون "لم يعد هناك متطلب قانوني لإعلام
الكونغرس بالعملية. كل ما يلزم فعله الآن هو فقط القيام بالتنفيذ – ولكن كان لابد
من بقاء الأمر سراً. فالروس يبالغون في رصدهم ومراقبتهم لبحر البلطيق".
لم يكن لأعضاء
مجموعة العمل التابعة للوكالة اتصال مباشر مع البيت الأبيض، وكان لديهم شغف بمعرفة
ما إذا كان الرئيس يقصد ما قاله – أي ما إذا كانت هناك نية للمضي قدماً بتنفيذ
المهمة. يتذكر المصدر ذلك ويقول: "يعود بيل بيرنز ليقول: قوموا بها".