يواصل رئيس النظام
المصري عبدالفتاح
السيسي، منذ العام 2018، سياسة التفريط وبيع الأصول والشركات الحكومية وطرحها في
البورصة وللمستثمرين العرب والأجانب، إلا أنه خلال تلك السنوات لم يفرط في أي من
شركات
الجيش المصري.
لكن السيسي، فاجأ الجميع الخميس،
بإعلانه الاستعداد لطرح جميع شركات الجيش، وذلك بعد يوم واحد من إعلان رئيس وزرائه
مصطفى مدبولي، طرح 32 شركة حكومية بالبورصة وأمام المستثمرين، في قائمة شملت
شركتين للجيش لأول مرة بشكل رسمي.
وخلال افتتاحه توسعات مصنع "سايلو
فوودز" للمواد الغذائية التابع لـ"جهاز مشروعات الخدمة الوطنية"
الذراع الاقتصادية للجيش، أعلن السيسي استعداد حكومته لضم المزيد من شركات الجيش
إلى برنامج الطروحات.
وقال إن الحكومة "مستعدة"
لإضافة كل الشركات التابعة للقوات المسلحة إلى برنامج الطروحات الحكومية، سواء
بقيد حصص في البورصة المصرية أو بالشراكة مع القطاع الخاص.
ونفى السيسي عن شركات الجيش ما يطالها
من اتهامات بالإعفاء من الضرائب والجمارك وغيرها من الالتزامات، قائلا إن
"شركات جهاز مشروعات الخدمة الوطنية تقوم بسداد التزاماتها تجاه الدولة ولا
تحصل على مزايا تفضيلية عن القطاع الخاص، كما يعتقد البعض".
"هل يسمح الجيش؟"
هو السؤال الذي طرحته
"عربي21"، على أحد ضباط الجيش السابقين، وأحد العاملين في إحدى مشروعات
الجيش بعد التقاعد، ليجيب بقوله إن "وضع أي قائد عسكري في الجيش لا يختلف عن
أي عسكري يؤدي الخدمة".
وأوضح لـ"عربي21"، أن
"كليهما ينفذان تعليمات القيادة العليا، والأوامر والقوانين العسكرية دون
اعتراض، فهذا ليس من حقه، وهو الأمر الذي تربى عليه منذ اللحظة الأولى لارتداء
البدلة الميري".
ويرى أن "اعتراض أي قائد على بيع
شركات الجيش، يعني انتهاء حياته العسكرية"، مؤكدا أن "حلم كل قائد يتمثل
في الوصول للرتبة الأعلى وهي اللواء، ثم الخروج بهدوء للتقاعد، والحصول على وظيفة
مرموقة في شركات الجيش، أو وظيفة قيادية مدنية".
وقال: "لا أحد يعنيه بيع أو شراء،
أو مكسب أو خسارة"، مبينا أن "بعض المشروعات التي يعمل بها تخسر بشكل
مريب، -رفض ذكرها- رغم ما تم صرفه على إنشائها، وذلك لأنه يتم إدارتها بالأمر
العسكري، وجميعها معرض لخسائر أكبر مستقبلا".
اظهار أخبار متعلقة
"عجز مالي"
ويأتي إعلان السيسي، استعداد حكومته لطرح كامل شركات الجيش، بالتزامن مع إعلانه عن حاجة مصر لاستثمارات بقيمة 100 مليار
دولار خلال 5 سنوات لسد فجوتها الدولارية، البالغة وفق بعض التقديرات نحو 30 مليار
دولار.
كما يأتي ذلك الإعلان غير المسبوق بهذا
النص وتلك الصيغة، وسط ما يعانيه اقتصاد البلاد من أزمات تراكم أقساط وفوائد
الديون الخارجية، وهروب المستثمرين الأجانب بنحو 22 مليار دولار من الأموال
الساخنة وسحب استثماراتهم في أدوات الدين الحكومية، بالربع الأول من العام الماضي.
وفي ظل معاناة البلاد تلك وحاجتها
للعملات الأجنبية لتعويض فجوة تمويلية مقدرة بـ16 مليار دولار، وفق تقدير صندوق
النقد الدولي، تواصل الحكومة سياستها بطرح الشركات الحكومية أمام المستثمرين والتي
كان آخرها إعلان طرح 32 شركة خلال عام.
"عكس المتوقع"
لكن المثير في الأمر، أن السيسي، خالف
الكثير من التوقعات، التي تقول بعدم قدرته على بيع شركات الجيش، كما فعل ويفعل مع
شركات الحكومة، وهو ما أكده الباحث في مركز "كارنيجي" للسلام يزيد صايغ،
في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
وتحدث صايغ عن عدم قدرة حكومة السيسي، على
الحد من تدخل المؤسسة العسكرية في الاقتصاد، وطرحها شركتين أو 4 على أقصى تقدير من
نحو 72 شركة تابعة للجيش وبحصص غير معلومة.
اظهار أخبار متعلقة
"إرضاء للصندوق والخليج"
ويرى الباحث في الشؤون الأمنية أحمد
مولانا في حديثه لـ"عربي21"، أن تصريح السيسي، قد يكون رسالة إلى صندوق النقد
الدولي الذي يطالب بتقليص حصة الدولة والجيش في الاقتصاد، وفتح الباب أمام
الاستثمارات الخاصة.
وطالب صندوق النقد الدولي مصر بإدراج
الشركات العسكرية لشركات القطاع العام في تموز/ يوليو 2021، وتركيز أملاك الدولة
بكيان واحد، فيما طالب في 10 كانون الثاني/ يناير الماضي، بتقليص دور الجيش في
اقتصاد البلاد.
ويعتقد الباحث في الشؤون الأمنية أن
حديث السيسي، قد يكون رسالة لشركائه الإقليميين والدوليين -بينهم الإمارات
والسعودية- والذين يضعون أعينهم بشكل خاص على بعض الأصول الهامة والمملوك بعضها
للجيش.
وخلال السنوات الماضية تتبارى الصناديق
السيادية الإماراتية، والسعودية، في الاستحواذ على الأصول المصرية.
ودائما ما يوجه مراقبون مصريون،
انتقادات واسعة لعمليات طرح الشركات المملوكة للدولة المصرية، معلنين عن مخاوفهم
من تقديرات أقل من القيم السوقية، وعمليات فساد محتملة في توقيتات الطرح، وغيرها
من الإجراءات التي تثير الشك والريبة.
وأطلق السيسي، فكرة طرح حصص للشركات
العسكرية بالبورصة في آب/ أغسطس 2018، والتزم صندوق مصر السيادي، في شباط/ فبراير
2020، بتجهيز 10 شركات عسكرية للتسويق والاستثمار.
وتواتر الحديث عن عرض محطات الوقود
التابعة لشركة "وطنية" للبترول، و"صافي لتعبئة المياه المعدنية،
وشركة "سايلو مصر" للصناعات الغذائية، وكذلك، مصنع العريش للأسمنت،
وشركة السويس للصلب، المملوكين للجيش، منذ عام 2018.
إلا أنه مؤخرا زاد الحديث عن احتمالات
رفض الجيش لهذا الأمر وعدم التفريط في إمبراطوريته الاقتصادية أو ما أسماه أحد
القادة سابقا بـ"عرق الجيش".
وفي 27 آذار/ مارس 2012، قال مساعد
وزير الدفاع للشئون المالية وعضو المجلس العسكري اللواء محمود نصر، عن مشروعات
الجيش الاقتصادية إن "هذه ليست أموال الدولة وإنما عرق وزارة الدفاع من عائد
مشروعاتها".
اظهار أخبار متعلقة
"رسالتا طمأنة"
وفي قراءته لدلالات إعلان السيسي،
إمكانية طرح جميع شركات الجيش بقيد حصص في البورصة أو لمستثمرين استراتيجيين، قال
مولانا: "أظن أن الأمر مرتبط برسالة طمأنة لدول الخليج والمؤسسات
الدولية".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أوضح
أن ظنه هذا يأتي "في ظل اشتراطهم تحجيم دور الجيش في الاقتصاد، باعتبار أنه
أحد أبرز أسباب الأزمة الاقتصادية، وضعف الاستثمار الأجنبي، وحتى خوف المستثمرين
ورجال الأعمال في مصر".
وأضاف: "ولذلك رأينا قبل أيام
قرارا بالإفراج عن رجل الأعمال صفوان ثابت صاحب شركة (جهينة)، بعد حبسه عامين،
ورفع اسمه من قوائم الإرهاب، وكذلك طرح 32 شركة للدولة منهم وطنية وصافي في
البورصة أو لمستثمرين استراتيجيين".
ويعتقد، الباحث المصري، أن "هذا
توجه لطمأنه الأطراف الدولية والإقليمية من أجل مواصلة سياسة الإقراض لمصر وتلقيها
المساعدات المالية، وأيضا بيع أصولها".
وحول احتمال أن يكون هناك اتفاق بين
السيسي مع المؤسسة العسكرية على هذا الأمر المرفوض سابقا من قادة الجيش، واحتمالات
الصدام بينهما بشأن هذا الأمر، أكد مولانا أن "جزئية أن يكون هناك صدام حاد
مع الجيش مستبعد".
وتابع: "كما أن تصريح (عرق الجيش)
كان بالعام 2012، بعد ثورة يناير 2011، وقبل شهرين من تولي الرئيس الراحل محمد
مرسي، ومع نهاية فترة حكم المجلس العسكري".
وفي المقابل، أكد أن "السيسي له
نفوذه داخل المؤسسة العسكرية وله هيمنة عليها بشكل كبير، وقد يكون هناك اعتراض
هادئ أو تحفظ، كما رأينا حديث الفريق مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس السابق
والمستشار الحالي للسيسي بخصوص صندوق استثمار هيئة قناة السويس".
وقال: "لكن أن تتطور الأمور أكثر
من هذا أستبعد ذلك تماما، نظرا لخوف القيادات العسكرية التي ستبدي اعتراضها من أن
يستبدلهم السيسي بقادة آخرين".
ويرى أنه "قد يكون هناك تحفظ ويتم
التوافق في النهاية كون السيسي ابن المؤسسة العسكرية، وحريص على مصالحها، وسيُوجد
مسارات للالتفاف حول هذه الضغوط بشكل ما".
وختم مولانا، حديثه بالقول: "إنما
لابد أن يكون هناك بعض النقاط ليرضي بها السيسي، المؤسسات الدولية والأطراف
الإقليمية، كالسعودية".
"إمبراطورية ضخمة"
ومنذ انقلاب قائد الجيش عبدالفتاح
السيسي على الرئيس الراحل محمد مرسي 3 يوليو/ تموز 2013، شارك الجيش بقوة في جميع
قطاعات الدولة وجرى استثناؤه من الكثير من الضرائب والجمارك والقيود الحكومية على
أعماله التي لا تخضع لمراجعات الأجهزة الرقابية، كما أنه لا يتم نشر أي أرقام
رسمية حول أعمال الجيش ووضعه المالي.
حصة المؤسسة العسكرية في الاقتصاد
المصري واسعة، وتتمثل في إنتاج السلع كالحديد والأسمنت ومواد البناء والمحاجر،
والسلع الاستهلاكية المعمرة والملابس، والمواد، والأغذية والمشروبات والتبغ،
والسيارات وقطع الغيار، والبيع بالتجزئة.
وكذلك الإعلام والترفيه، وأشباه
الموصّلات ومعدّات أنظمة النقل الذكية، والمعدّات الصلبة والتجهيزات التكنولوجية،
وذلك وفقا لتقرير أصدره البنك الدولي، في كانون الأول/ ديسمبر 2020.
ويمتلك الجيش 3 كيانات عسكرية تعمل
بالمجالين العسكري والمدني، هي وزارة الإنتاج الحربي ولديها 20 مصنعا، والهيئة
العربية للتصنيع، ولديها 12 مصنعا، وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية ويدير 13 مصنعا،
وفق مواقع الهيئات العسكرية على الإنترنت.
ويعمل آلاف الضباط واللواءات
المتقاعدين، بشركات ومصانع الجيش لتصنيع الإلكترونيات، والأجهزة المنزلية،
والسيارات، واللحوم والدواجن، والأسماك، والمواد الغذائية والطرق والإسمنت،
والمقاولات، والسكك الحديد، وقطاع التعدين، والاستصلاح الزراعي، وغيرها.
وتتمتع مشروعات الجيش بإعفاء من ضريبة
القيمة المضافة التي تم فرضها بقانون عام 2016، ومن الضريبة العقارية بقرار وزير
الدفاع عام 2015، ومن ضريبة الدخل حسب قانون بعام 2005، ومن رسوم الاستيراد وفقا
لقانون بعام 1986.
وكان السيسي قد أكد في كانون الأول/
ديسمبر 2016، أن مشاركة الجيش بالاقتصاد تتراوح بين 1.5 بالمئة و 2 بالمئة،
نافيا ما يقال عن سيطرته على 50 بالمئة من اقتصاد مصر، معربا عن أمنيته أن
"يصل إلى 50 بالمئة".
وذلك برغم أنه في آذار/ مارس 2014،
كشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أن الجيش المصري يسيطر على 60
بالمئة من اقتصاد البلاد، وأنه يتمتع بميزانية سرية، وإعفاء أعماله من الضرائب، مع
العمالة الرخيصة وشبه المجانية.
ولشركات الجيش المعلن عن طرحها سابقا
قيمة اقتصادية عالية، وبحسب موقع شركة "وطنية" عبر الإنترنت، فإن الشركة
تعمل منذ 29 عاما بسوق الوقود المحلي.
إذ أنشئت عام 1993م بهدف إنشاء وإدارة
محطات خدمة وتموين السيارات وتسويق المنتجات البترولية والزيوت والشحومات،
ولمنتجاتها جودة عالية وسمعة طيبة بين المستهلكين.
وتمتلك 255 محطة تموين وقود، وتحت
الإنشاء 20 أخرى ومخطط وصولها إلى 300 محطة، تقدم أعمال التأمين الفني للسيارات،
وتضم سلسلة من منافذ البيع المحلية الشهيرة.
وعن شركة "صافي"، فإن لها نحو
26 عاما من العمل بالسوق المحلية، إذ أنشئت عام 1996 بواحة سيوة بغرب البلاد، وتضم
3 مصانع اثنان لإنتاج المياه الطبيعية المعبأة، ومصنع لإنتاج وتعبئة زيت الزيتون،
بجانب مصنع إنتاج وتعبئة المخللات، ونحو 24 منفذا للبيع بالقاهرة الكبرى.