مقالات مختارة

قيس سعيّد فوق الشجرة

محمد كريشان
كريشان قال إن سعيد استهدف المستثمرين والتجار والصناعيين والمزارعين ورجال الأعمال حين صورهم على أنهم مجموعة من الفاسدين- جيتي
كريشان قال إن سعيد استهدف المستثمرين والتجار والصناعيين والمزارعين ورجال الأعمال حين صورهم على أنهم مجموعة من الفاسدين- جيتي
يواصل الرئيس التونسي قيس سعيّد تسلق الشجرة الذي بدأه منذ عام ونصف، مصرا على الصعود أكثر كلما تعالت صيحات الخوف أو الاستهجان ممن يتابع المشهد بقلق بالغ.

الحقيقة أن سعيّد بدأ يحوم حول هذه الشجرة منذ بداية عهده، لكنه اكتفى وقتها بمحاولة تسلق جذعها ليس أكثر غير أنه وبعد 25 تموز/ يوليو قفز إليها قفزة واحدة ليصبح متنقلا بين أغصانها غير عابئ بجمهور المعجبين ولا الساخطين القابعين في ظلها، أو الناظرين إليها من بعيد. وكلما صعد من غصن إلى آخر إلا وركله مزمجرا وشاتما.

آخر تلك الأغصان «الاتحاد العام التونسي للشغل» المركزية النقابية الأبرز في البلاد التي لم يكتف سعيّد بانتقادها المبطن، وإنما مضى إلى اعتقال بعض قيادييها وإحالتهم إلى المحاكمة، وصولا إلى طرد ضيوفها من البلاد في سابقة أثارت انتقادا دوليا واسعا بين الاتحادات النقابية العالمية. ليس من السهل رفس هذا الغصن، الذي حاول في البداية مسايرة خطوات الرئيس دون فائدة، فهو جاهز للنزال، ليس فقط عبر تلك التجمعات العمالية التي قام بها مؤخرا في أكثر من محافظة، بل أيضا عبر تنظيم تجمع عمالي ضخم في تونس العاصمة في الرابع من الشهر المقبل تعقبه مسيرة تجوب أبرز شوارع وسط المدينة.

سعيّد، وهو يحث الخطى في صعوده المزهو المنفرد على هذه الشجرة، داس قبل ذلك أكثر من غصن، فإن لم يكسره بالكامل اكتفى بجعله يئن منحنيا وإلى السقوط هو أقرب، أو هكذا يعتقد.

داس الرجل غصن الأحزاب بتلويناتها المختلفة، مع تركيز أكثر على من كان مزعجا له أكثر من غيره، لكن هذه الأحزاب لم تنكسر هي الأخرى، مجتهدة في لملمة صفوفها والقيام بتحركات هنا أو هناك لإثبات الوجود وإسماع الصوت. وبعد أن قطع كل أغصان المؤسسات الدستورية ورمى بها أرضا، مضى يدوس في طريقه غصن المجتمع المدني وجمعياته المختلفة متجاهلا أن من بينها من سانده في البداية بشكل صادم لما عُرف عن بعضها تاريخيا من ماض نضالي مشرف.

داس سعيّد، في غمرة حماسته الشديدة غصن المستثمرين والتجار والصناعيين والمزارعين ورجال الأعمال حين صورهم، بشكل أو بآخر، على أنهم مجموعة من الفاسدين

داس الرجل أيضا غصن الشخصيات الوطنية من بينهم أكاديميون وسياسيون، زيّن له بعضهم رغبته الجامحة في اعتلاء الشجرة، لكنه سرعان ما أسقطهم من حساباته، ومنهم أيضا وزراء ورؤساء حكومات سابقون زج ببعضهم في السجن ولاحق البقية فلم ينج إلا من اختار المنفى مستقرا قد يطول، كما أنه لم ينس في هذا السياق رئيس البرلمان المنحل الملاحق في قضايا مختلفة، ذلك البرلمان الذي ما كان يحق له دستوريا حله أبدا.

داس الرجل غصن القضاة إذ شهر بهم مرارا عديدة قبل أن يحل مجلسهم الأعلى المنتخب ثم يعزل العشرات منهم الذين لم يشفع لهم اللجوء إلى المحكمة الإدارية التي علقت قرار عزلهم، وصولا حتى لوضع قاض شهير في مستشفى للأمراض العقلية في ظروف مريبة للغاية. هذا الغصن أصيب باعوجاج غير بسيط لكنه رفض هو الآخر الاستسلام فكابد الكثير من القضاة فعلا للحفاظ على استقلاليتهم وكرامتهم، حتى وإن تخاذل بعضهم خوفا أو طمعا.

داس الرجل كذلك غصن المحاماة حين قرر إحالة العديد منهم إلى التحقيق لا سيما وأن عميد المحامين الحالي بدا مختلفا عن سابقه الذي كان مسايرا له، متبرعا بتطويع كامل لقطاع المحامين، الذين نرى أغلبهم اليوم أكثر إصرارا على الانتصار للقانون سواء في الدفاع عن أنفسهم أو عن الموقوفين في قضايا سياسية عديدة ومفتعلة.

داس الرجل كذلك، وهو يتسلق الشجرة أكثر وأكثر، غصن الصحافيين بعد أن ضاق ذرعا بانتقاداتهم وبحرصهم على عدم التراجع عن المكاسب التي حققوها منذ 2011، ما جعل هذا الغصن عصيا على الانحناء حتى مع الترهيب المتواصل بسن قوانين زجرية، واعتقال مدير إذاعة خاصة، وتحويل التلفزيون العمومي إلى جهاز دعاية مثل ما كان سائدا لعقود ما قبل الثورة.

داس الرجل، في غمرة حماسته الشديدة ولهفته إلى مزيد من الصعود، غصن المستثمرين والتجار والصناعيين والمزارعين ورجال الأعمال أيضا حين صورهم، بشكل أو بآخر، على أنهم مجموعة من الفاسدين أو المحتكرين فانكفأ الكثير منهم خائفين وباتوا أعجز من أن يساهموا في محاولة نهوض البلاد من كبوتها المالية والاقتصادية.

لم يكتف الرجل بما سبق بل ركل كذلك في صعوده أغصان الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمنظمات الدولية الكبرى صارخا فيهم جميعا أن تونس دولة مستقلة وذات سيادة.

شارفت أغصان الشجرة الباسقة على الانتهاء، وما من فرصة لبلوغ الرجل «علوا شاهقا» أكثر مما فعل. المشكل الآن أنه بات غير قادر على النزول لأن تلك الأغصان لم تعد قادرة على حمله، فيما هو يرفض أي سُــلّم مُد إليه، أما من تجمهر تحت الشجرة طمعا في أن يرمي لهم صاحبهم ببعض ثمارها فسيقفلون عائدين لبيوتهم بعد يأسهم الكامل من ذلك، فيما سيستمر الغاضبون في هزها بعنف على أمل أن يسقط، دون أن يفقدوا الأمل في أن رياحا عاتية قد تتكفل هي بذلك.
التعليقات (2)
ابوعمر
الأربعاء، 22-02-2023 11:04 ص
قيس سعيد (تكعبلت) رجليه وهو في بيت الخلاء اعزكم الله واكرمكم...فسقط على ................................اعزكم الله..وخوفا من التعليقات لازم البيت بيت الخلاء طبعا اعزكم الله..يستنشق ما شاء له من عطور فواحة اوي اوي اوي
محمد غازى
الأربعاء، 22-02-2023 05:28 ص
ياألله ما أروعك ياأستاذ محمد كريشان بوصفك لهذا ألمخلوق ألمفترى ألذى غيرت إسمه من قيس سعيد، إلى تيس إتعيس. دمر تونس، ألإنسان والمكانة والسمعة ألطيبة! دائما أتساءل، من ألذى يمكنه من ألقيام بكل هذه ألأعمال ألجهنمية؟ والله عتاة ألدكتاتوريين لم يقوموا بما قام به! من يسانده؟ هل هو ألجيش، أم ألأجهزة ألأمنية؟! كنت دائما أعتب على ألشعب ألتونسى سكوتهم على تصرفات هذا ألمخلوق، ألتى لا أعتقد أن هتلر قام بها ولا حتى منتحل إسم عرفات، ألذى كان يقول بالقلم ده، أشيل أى واحد يعصى أمرى!!! ( كان يعشق أللهجة ألمصرية ألتى تعلمها فى حارة أليهود فى مصر، حارة ألسكاكينى) أبتهل إلى ألله سبحانه وتعالى أن يخلص ألتونسيين من هذا ألمفترى ألأرعن تيس إتعيس، كما خلص ألفلسطينيين من عرفات وقريبا من عباس وعصابته. إنه على كل شىء قدير.............