أكد نقيب
الصحفيين التونسيين، محمد ياسين الجلاصي، أنه "لا مجال للتراجع عن حرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان في تونس؛ فهي مكتسبات تحققت بفضل الثورة، ولن ينتزعها عنا أي حاكم مهما كانت شرعيته، سواء كان الرئيس قيس سعيّد أو غيره".
وأشار، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، إلى أنه لا يخشى
الاعتقال والتحقيق أو التنكيل به؛ فما يحدث بحقه "كلها محاولات للتخويف والترهيب، وهذا لن يخيفنا مطلقا، ولن يثنينا عن مواصلة طريقنا ونضالنا من أجل الدفاع عن حرية الصحافة والتعبير، والدفاع عن الديمقراطية؛ فهذا خيار ماضون فيه إلى النهاية، ولن نتراجع عنه أبدا مهما كانت التضحيات".
وكان الجلاصي قد أعلن، مؤخرا، الثلاثاء، أنه تلقى استدعاء كي تحقق النيابة معه، بتهمة الاعتداء على أفراد من الشرطة وتعطيل حركة المرور خلال وقفة احتجاجية في العاصمة.
ومنذ 11 شباط/ فبراير الماضي، بدأت السلطات التونسية حملة اعتقالات شملت سياسيين وإعلاميين ورجال أعمال من دون تهم واضحة، ما ينذر بتزايد القمع في بلد يواجه أزمة اقتصادية وسياسية منذ قرار الرئيس قيس سعيّد احتكار السلطات في العام 2021.
إظهار أخبار متعلقة
ولاحقا، اتهم سعيّد بعض المعتقلين مؤخرا بـ"التآمر على أمن الدولة والوقوف وراء أزمات توزيع السلع وارتفاع الأسعار"، على حد قوله.
وتعاني تونس حالة انقسام واستقطاب حادة، إذ تعتبر قوى سياسية ومجتمعية الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها سعيّد "تكريسا لحكم فردي مطلق"، بينما تراها قوى أخرى "تصحيحا لمسارة ثورة 2011"، التي أطاحت بالرئيس آنذاك زين العابدين بن علي (1987-2011).
أما سعيّد، الذي بدأ في عام 2019 فترة رئاسية تستمر 5 سنوات، فقال؛ إن إجراءاته "ضرورية وقانونية" لإنقاذ الدولة من "انهيار شامل"، وفق قوله.
وإلى نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
ما الجديد بخصوص ما تردد حول إحالتكم للتحقيق والمحاكمة؟
ليس هناك جديد حول التحقيق والمحاكمة، إلا ما تم الإعلان عنه سابقا، وهو أني مطلوب للتحقيق في تهم تتعلق بالتحريض على العصيان، وتعطيل حركة السير، والإساءة لموظف عمومي، وذلك على خلفية تغطيتي الصحفية لمظاهرة انطلقت في العاصمة تونس خلال شهر تموز/ يوليو 2022.
وما الأسباب الحقيقية التي دفعت السلطة للإقدام على هذه الخطوة؟
أعتقد أن الأسباب واضحة، وهي محاولة لاستهداف ومعاقبة نقابة الصحفيين على خلفية مواقفها المستقلة، ومواقفها المدافعة عن الحريات، وحرية الصحافة والتعبير بصفة عامة، بينما الاتهامات التي جرى الإعلان عنها، هي تهم كيدية وواهية.
كيف تابعت ردود الفعل التي أعقبت الإعلان عن تحريك دعوى قضائية ضدك؟
كانت ردود الفعل متضامنة وقوية؛ فقد صدرت من منظمات وطنية، ومن شخصيات عامة، ونشطاء، وأحزاب، وحركات شبابية، ومن مؤسسات صحفية في الداخل والخارج، وعلى رأسها الاتحاد الدولي للصحفيين، و"مراسلون بلا حدود" وغيرها، بالإضافة إلى النقابات العربية والأوروبية ومن كل العالم.
لقد تضامن معي أنصار الحرية في العالم، وهذا يثبت أن الحرية باقية ما دام هناك مَن يدافع عنها دائما.
هل ستمتثل للمحاكمة حينما يصل إليكم استدعاء بشكل رسمي؟
نحن نحترم مؤسسات الدولة وسنمثل للتحقيقات مع التمسك ببراءتنا، والتمسك بحقنا في حرية العمل الصحفي، والتأكيد أن ما يحدث هو استهداف للمهنة، واستهداف لنقابة الصحفيين، واستهداف للحرية، وأن الحرية ليست كما يصورونها تهدف لتعطيل المصالح والعصيان، وسنحترم الإجراءات، وسندافع عن أنفسنا وسنثبت براءتنا إن شاء الله.
إلى أي مدى تخشى التنكيل بكم أو اعتقالكم على غرار ما حدث مع العديد من الشخصيات التونسية خلال الفترة الماضية؟
نحن لا نخشى الإيقاف والتحقيق أو التنكيل؛ فهذه كلها محاولات للتخويف والترهيب وهذا لن يخيفنا مطلقا، ولن يثنينا عن مواصلة طريقنا ونضالنا من أجل الدفاع عن حرية الصحافة والتعبير، والدفاع عن الديمقراطية، وحقوق المواطنين والمواطنات، والدفاع عن كل مكتسبات الثورة؛ فهذا خيار ماضون فيه إلى النهاية، ولن نتراجع عنه أبدا مهما كانت التضحيات.
هل دفاعكم عن حرية الرأي والتعبير سيتراجع في أعقاب هذه الخطوة؟
أكدنا في العديد من المناسبات أننا مواصلون في هذا المسار، ومن الضروري على الصحافة التونسية، ومكونات المجتمع المدني، وكل المنظمات التي تعمل في الصحافة، أن تواصل المعركة مهما كانت السياقات، باعتبار أن حرية الصحافة مكسب حققته الثورة بفضل دماء الشهداء، وبفضل تضحيات أجيال من المناضلات والمناضلين، وبفضل تمسك الشعب التونسي وقواه الحيّة بهذه المبادئ والمكتسبات المتعلقة بالحريات العامة والفردية، وحرية الرأي والتعبير، فهو مسار وطريق سيتواصل ولن تعطله المحاكمات ولا التهديدات ولا عمليات التنكيل.
الاتحاد الدولي للصحفيين التونسيين أعلن أنه يدرس تقديم شكوى إلى منظمة العمل الدولية ضد حكومة بلاده لاتهامها بانتهاك الحق في التظاهر.. هل هناك جديد في هذا الصدد؟
نعم الاتحاد بصدد تقديم هذه الشكوى، وهو موضوع يخص الاتحاد الدولي للصحفيين، وأعتقد أن الأمين العام ورئيس الاتحاد بصدد إعداد هذه الشكوى الآن ومتابعتها، وذلك باعتبار أن على تونس التزامات دولية ويجب عليها احترامها، وهي التزامات متعلقة بحرية التعبير، والحق النقابي، واستقلالية العمل الصحفي.
البعض يرى أن مستوى حرية التعبير في تونس وصل إلى أدنى مستوياته.. ما مدى صحة ذلك؟
هناك تهديد جدي وخطير، وهناك تراجع واضح في حرية الصحافة والتعبير، ولكن هناك في المقابل مقاومة كبيرة من الجسم الصحفي، ومن بعض المؤسسات العالمية، ومن المجتمع المدني، وهناك تمسك كبير بحرية الرأي والتعبير، وبحقوق الإنسان والحريات العامة والفردية، وهذا يعني أنه لا مجال للتراجع عنه في تونس؛ فهي مكتسبات تحققت بفضل الثورة، ولن ينتزعها عنا أي حاكم مهما كانت شرعيته، سواء كان الرئيس قيس سعيّد أو غيره.