قضايا وآراء

جهود خفض التصعيد لن تنهي الاحتلال

نزار السهلي
إدانة لصواريخ المقاومة دون اعتداءات الاحتلال- جيتي
إدانة لصواريخ المقاومة دون اعتداءات الاحتلال- جيتي
رشقة الصواريخ الأخيرة التي أطلقت على مستوطنات شمال فلسطين المحتلة من الجنوب اللبناني، أعادت انتباه المنددين بها وبصواريخ المقاومة من غزة، لمسألة الحفاظ على الوضع الراهن في الأراضي المحتلة، وبضرورة الالتزام بالقرار الدولي 1701 لبنانيا، وتحميل المقاومة الفلسطينية مسؤولية توتير الأجواء فلسطينيا؛ الأمر الذي يُقلق فقط المجتمع الدولي، ولا يسترعي منه إدانة واضحة للجرائم الإسرائيلية اليومية بحق الفلسطينيين. واستدعاء عبارات التنديد برشقة الصواريخ دون الإشارة لمسؤولية الاحتلال عن هذا التصعيد وجرائم اقتحام المسجد الأقصى والاعتداء على المصلين، يعيدنا مجدداً لمسألة النفاق الدولي وازدواجية المعايير المطبقة على الضحايا الفلسطينيين منذ نكبتهم حتى الآن.

ردود الفعل الأوروبية والأمريكية التي أتت على شكل إدانة واضحة لصواريخ الجنوب اللبناني والفلسطيني، حملت في مجملها قدرا من الهستيريا الأمنية والسياسية على الاحتلال الإسرائيلي، التي عبر عنها البيان الأمريكي الصادر عن البيت الأبيض بعبارة أن واشنطن "تعترف بحق إسرائيل المشروع في حماية مواطنيها وأراضيها من أي نوع من العدوان"، معتبرة أن "من يستخدم لبنان قاعدة لإطلاق الصواريخ على إسرائيل، يعرض الشعب اللبناني للخطر ويزيد من احتمالات زعزعة الاستقرار في البلاد، كما تدعو الولايات المتحدة كل الأطراف إلى تفادي المزيد من التصعيد"، مؤكدة "التزامها بأمن إسرائيل".

ردود الفعل الأوروبية والأمريكية التي أتت على شكل إدانة واضحة لصواريخ الجنوب اللبناني والفلسطيني، حملت في مجملها قدرا من الهستيريا الأمنية والسياسية على الاحتلال الإسرائيلي

المقتطف من البيان الأمريكي وبقية البيانات الأوروبية المتعلقة بأمن إسرائيل منسوخة منذ عقود بنفس الطريقة المرتهنة للوضع الأمني للاحتلال الإسرائيلي، أما بالنسبة لمن هم تحت الاحتلال وما يتعرضون له، فيتم حشو عبارة عدم التصعيد، فالقضية التي يتم الترويج لها هي لوسائل مقاومة الفلسطينيين لهذا الاحتلال وتحديد شكلها. والضخ بمسألة صواريخ وقذائف المقاومة الفلسطينية ليس بجديد بعد التراجع الدولي والعربي عن مسألة إنهاء الاحتلال ووجوده، الذي يمثل منبعا لإرهاب المشروع الاستعماري في فلسطين.

ولأن شروط التكيف والانحكام للمتطلبات الأمنية للاحتلال يشكل هاجس العلاقة التي بني عليها "السلام" في أوسلو وما تبعها من تطبيع عربي إسرائيلي لم يحقق الغايات العربية والفلسطينية، فإن أكمام العنصرية الصهيونية الفضفاضة أسست لديناميات عنصرية جديدة في حكومة بنيامين نتنياهو وائتلافه الفاشي الذي لا يخفي خططه وبرامجه، التي بدأها بتكثيف عمليات القتل والاستيطان والتهويد والحصار والاقتحامات للمسجد الأقصى، وتهديد وقمع لسكان فلسطين 48، مع انسحاب وتنصل من اتفاق أوسلو، دونما النظر للتصعيد الحاصل أساسا منذ ثلاثة عقود.

وتيرة العدوان الإسرائيلي لم تتوقف، ولن تتوقف في المستقبل القريب، ومطالبة الفلسطينيين بالانضباط والانحكام لإيقاعات هستيريا صهيونية فاشية، لن تفلح إلا في خلق نمط أبارتايد جديد. وعليه، فإن الأنظمة العربية ومعها السلطة الفلسطينية مطالبة بأن تتصالح مع هذه الوقائع ومواجهتها لا الإصرار على خلط الواقع بالوهم؛ ذلك أنهم يرون فقط تصعيد الاحتلال لعدوانه على المسجد الأقصى في رمضان والاعتداء على المصلين، بينما خطط اقتحامات المستوطنين وتهويد المدينة جارٍ على قدم وساق، ويسمعون جهارا نهارا من بن غفير وسموتريتش ونتنياهو مزامير السطو والقتل والتهويد والاستيطان، وأنه لا عودة لحدود 67، والقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، ولا إقامة لدولة فلسطينية على الأرض.

إلى الآن رياح العدوان الإسرائيلي عصفت بكل أوراق أوسلو وبأوهام السلام المزعوم، وما يدركه الاحتلال الإسرائيلي أن مقاومة الشعب الفلسطيني لن تحقق هزيمة عسكرية بإسرائيل، لكنه يدرك بذات الوقت أنه لن يستطيع فرض الاستسلام عليها، وأنها لن تعدم الإرادة والوسائل لتوجيه ضربات مؤلمة ونوعية لخاصرة الاحتلال، برغم الظروف العسيرة التي تقاوم بها.

جذور الصراع ومسبباته قائمة ومعروفة، وكل حديث ودعوة لخفض التصعيد في الأراضي المحتلة أو الحفاظ على الوضع القائم لحفظ الأمن والاستقرار الدولي والإقليمي، دون الاقتراب من جذر إنهاء الاحتلال ورحيله، هو عبث. لكن، يبقى السؤال: من يجبر الاحتلال عن التوقف عن العدوان؟ هل هو تكرار رجالات السلطة الفلسطينية عن جرائم الاستيطان والقتل والحصار والتهويد، أم الصراخ العربي المتكرر عن دعم الحقوق الفلسطينية، ومطالبة الإدارة الأمريكية بالضغط على إسرائيل للاعتراف بالحقوق الفلسطينية؟

جذور الصراع ومسبباته قائمة ومعروفة، وكل حديث ودعوة لخفض التصعيد في الأراضي المحتلة أو الحفاظ على الوضع القائم لحفظ الأمن والاستقرار الدولي والإقليمي، دون الاقتراب من جذر إنهاء الاحتلال ورحيله، هو عبث.

كل هذه الأسئلة لم تجعل الشعب الفلسطيني يستكين لأحزان التطبيع العربي وخذلانه، ولا للخطط المعادية لحقوقه. جرب الشعب الفلسطيني النظر لأسلحة النظام العربي والسلطة الفلسطينية الرديئة في الحرص على مصالحه وحمايتها المزعومة، لكن يبقى النظر إلى الذات ولمكامن القوة بجهود مقاومة الاحتلال التي تمنع تمدده وتتصدى لمخططاته، وتقود لإنهاء الاحتلال بعد انكشاف وانهيار السياسة العربية والفلسطينية في محطات فاصلة من التعاطي مع الاحتلال وجرائمه.

وأخيرا، يبقى مؤشر التعاطي مع جرائم الاحتلال فلسطينيا يتكرر منذ أكثر من عقد ونصف عن استعادة الوحدة الفلسطينية وإصلاح مؤسسات المنظمة ووقف التنسيق الأمني، وغيرها من مطالبات ومناشدات تعني ترميم البيت الفلسطيني، لكن لم يتحقق منها شيء سوى بقاء الباب مشرعا لمزيد من التصعيد والعدوان، تكرار لن يكون بمقدوره إنهاء الاحتلال على ما بني من أوهام سابقة ترددها ألسنة عربية وفلسطينية عن السلام والمقاومة، والتمسك بالحقوق دون فاعلية على الأرض.

twitter.com/nizar_sahli
التعليقات (0)