تصعيد
المستوطنين هجماتهم على
جبل صبيح جنوب مدينة نابلس وتتويجها قبل أيام بالمسيرة الاستيطانية الكبيرة التي قادها وزراء ورسميون في حكومة
الاحتلال ليس مفاجئا أو معزولا، بل يأتي في سياق سياسة ممنهجة للضم التدريجي للضفة الغربية.
ففي آذار من هذا العام صوت «الكنيست» على إلغاء قانون «فك الارتباط»، وهو القانون الذي سُن العام 2005، وتم في إطاره إخلاء المستوطنات من قطاع غزة، ومستوطنات شمال الضفة الغربية وهي «حومش»، «جانيم»، «كاديم»، و»سانور».
وهذا لا يعني فقط السماح بعودة المستوطنين إلى هذه المستوطنات الأربع الواقعة على أراض فلسطينية خاصة، إنما يعطي شرعية لمبدأ الاستيطان على كل الأرض الفلسطينية.
ومنذ حصول اليمين الأكثر تطرفا على الأغلبية في الانتخابات التشريعية الأخيرة، ونجاحه في تشكيل الحكومة الأكثر يمينية وصهيونية وتطرفا ربما في تاريخ دولة الاحتلال، أصبحت المناداة والإلحاح على الاعتراف الرسمي بالبؤر الاستيطانية، في إطار مسار رسمي شمولي معتمد، أحد عناوينه الرئيسة هو التوسع الاستيطاني بشكل عام.
وبالتأكيد، فإن شرعنة ما كان قائما من مستوطنات غير مشرعنة وهي كثيرة ومنها المسماة «أفيتار» المقامة على جبل صبيح وتقويتها وتوسيعها، تعبر عن صلب قناعات وفكر وسياسات أعضاء ومكونات حكومة دولة الاحتلال القائمة وأحزابها ومناصريها.
وهذه الحكومة تقوم بدورها بحماس وبكثير من الهمجية بتنفيذ برنامجها المتعلق بالتوسع الاستيطاني المتغول، وسلب أي حقوق لأصحاب البلاد في وطنهم، وصولا إلى محاولات التطهير العرقي. ولا تجد في تنفيذ برنامجها المذكور أي معارضة وازنة أو ممانعة داخلية تذكر.
أما خارج سياسة سلب الأرض وقتل الإنسان الفلسطيني، وخارج القوى المكونة للحكومة، فإنها تجد معارضة واسعة لسياساتها الداخلية من القوى والأحزاب الإسرائيلية الأخرى ومن جماهيرها، وتجد هذه المعارضة تعبيراتها في أكثر من مظهر، أهمها هو التظاهرات بعشرات -بل وتصل إلى مئات- الآلاف تملأ الشوارع وتستمر وتتواصل لأسابيع عديدة.
أما عناوين هذه المعارضة وشعارات ومطالب تظاهراتها، فإنها تتركز في قضايا داخلية على علاقة مباشرة بعناوين تعبر عن موضوعات ذات جوهر وطابع ديمقراطي، وأخرى تتعلق مباشرة برئيس الوزراء وسياساته المشككة بخلفياته ونواياه ومقاصده.
إن تواصل حركة المعارضة ضد سياسات معينة وداخلية بالدرجة الأولى، يثير جدلا حول طبيعة الكيان الصهيوني المحتل وحول ديمقراطيته، ويمتد الجدل إلى خارج حدود الكيان المحتل وإلى حلفائه التاريخيين، ويثير أسئلة موضوعية حول طبيعة الكيان وتماسك مجتمعه وعلاقته بالقواعد الديمقراطية.
ومؤخرا، فإن سقف المعارضة ارتفع من مطلب إلغاء تشريعات إصلاح القضاء إلى ضرورة صياغة دستور، وهو ما عبر عنه صراحة زعيم المعارضة، يائير لابيد، في تدوينة على فيسبوك، قال فيها: «لن نرتاح حتى يكون هناك دستور لدولة إسرائيل».
فمنذ العام 1948 عارض ديفيد بن غوريون، وضع دستورا لإسرائيل لما يمكن أن يشكله من خطر على هوية الدولة اليهودية الجديدة. حيث لم يكن هناك اتفاق على كيفية التعامل مع التعريف العام للدولة وهويتها.
وطرح هذا الموضوع الآن، سيقود إلى خلافات حادة وقاسية تهدد تماسك هذا الكيان، وقد تعرضه إلى حرب أهلية؛ فوجود الدستور يعني إقرار الحقوق والواجبات وضمان مبدأ المساواة بين المواطنين. وهو ما يصعب الاتفاق عليه في كيان منقسم فيه الكثير من التعقيدات السياسية، والثقافية، والأمنية، والاجتماعية، وبين فئات مختلفة العقائد والأصول العرقية والانتماءات الفكرية، ومختلفة حتى على حدود الكيان.
ومن ثم، فإن الحكومة الحالية في وضع صعب؛ إذ تواجه معارضة على المستوى الداخلي، وأما على الجانب الفلسطيني، فإن حكومة الاحتلال تواجه بمقاومة شعبية فلسطينية عارمة وعامة ومتوافقة، تغطي مساحة الوطن الفلسطيني وكل مناطقه وبكل الأشكال المقاومة المشروعة والمتاحة. وبالرغم من رد دولة الاحتلال على هذه المقاومة بأكثر الأساليب عدوانية ودموية تصل إلى ارتكابها المجازر وبأعداد عالية من الشهداء، لكن دون أن يقود ذلك سوى إلى زيادة قوة الصمود ومساحة انتشاره ومناطقه وتكامل أدائه، وزيادة المقاومة وأفعالها وتعبيراتها، وزيادة مناطق وساحات انتشارها وإصرارها، وعلى نوعية فعلها المقاوم ودرجة تأثيرها وزيادة الخسائر التي توقعها في صفوف العدو المحتل.
(عن صحيفة الأيام الفلسطينية)