لربما
يتعجب القارئ حينما أتحدث عن
الأمن القومي العربي الذي جاء نتاجا لظهور القومية
العربية مع نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، والتي ظهرت كبديل سابق
التجهيز للانتماء الأممي -الخلافة الإسلامية نموذجا- مثل القومية التركية على أيدي
مجموعة الاتحاد والترقي، ومثل القومية العربية التي
سايرت القوة السياسية المحركة للشعوب في مصر وسوريا والعراق، وقد تولى كِبرها مُنظِّرون
وخطباء وساسة وحكام كالمفكر السوري ميشيل عفلق، مُلهِم حزب البعث في سوريا
والعراق، وكجمال عبد الناصر في مصر، حتى أُعلنت وفاتها إكلينيكيا عقب هزيمة عام
1967 على يد خطيبها الجَهْوَريّ الذي لم يعرف نصراً واحداً في تاريخه؛ جمال عبد الناصر!
وبوفاة
القومية العربية بات الأمن القومي العربي في مهب الريح تتقاذفه الأعاصير حيناً، ويتلاعب
به المقامرون على طاولات النخاسة السياسية حينا آخر.
وحينما
نقول بأن الأمن القومي العربي في خطر متجدد لا نعني بذلك استمرارية المخاطر وحدها بل
وتوحشها بحيث طورت القوى المعادية المخطط التاريخي الشهير لسايكس بيكو بتقسيم ذلك الوطن
الناطق بالعربية ما انتهى إلى انشطار لُحمة دوله الممتد من المحيط إلى الخليج، بل وبدأنا
في مرحلة تفكيك الدولة القطرية الواحدة! بالتقسيم إلى دويلات مختلفة الإثنيات
والأعراق كما حدث في العراق واليمن وليبيا، والآن يصوبون جهودهم تجاه سوريا
والسودان، وسيأتي الدور على السعودية ومصر والجزائر، فملفات التقسيم جاهزة، ومفردات
الصدام بين الطوائف والأعراق ساخنة! والزمن وحده هو من يؤخرهم، والفرصة متى كانت
سانحة التقطوها دون تأخير!
حينما نقول بأن الأمن القومي العربي في خطر متجدد لا نعني بذلك استمرارية المخاطر وحدها بل وتوحشها بحيث طورت القوى المعادية المخطط التاريخي الشهير لسايكس بيكو بتقسيم ذلك الوطن الناطق بالعربية ما انتهى إلى إنشطار لُحمة دوله الممتد من المحيط إلى الخليج، بل وبدأنا في مرحلة تفكيك الدولة القطرية الواحدة!
والحقيقة
التي لا تحتاج لطول شرح أن ذلك لم يكن ليتحقق بمجرد وجود الرعاية الغربية مع الحضور
الرسمي للممثل الشرعي في قلب عالمنا ومحيطنا ("إسرائيل")، لكنهم ومع ذلك
كانوا بحاجة إلى وكلاء يساعدونهم في تنفيذ المهمة طويلة الأمد، فوجدوا ضالتهم في
المماليك الجدد! ممن حازوا مقاليد الحكم وسيطروا على القوة العسكرية في بلادنا
وأوطاننا، كما هو الحال للأسف في
السودان المسكين! مقامرين -كعادة المماليك- على مر
التاريخ بسلامة الدولة، مفرطين في حماية أمنها الداخلي والخارجي من أجل مصالحهم في
السيطرة على السلطة والثروة وتوريثها لأبنائهم وأحفادهم.
والمهم
ذكره أن ثمّة وكيلا في المنطقة العربية من بني جلدتها يتفوق في عمله على الممثل
الرسمي، ابتلى الله به الأمتين العربية والإسلامية بانتمائه الزائف لها! ينفق
بسخاء على أعمال التقسيم والتخريب، تجتمع لديه خطط العمل وأجندته، تخرج من عنده
السرايا والبعوث السياسية والعسكرية، حاضرٌ بقوة في كل مصائب الشعوب العربية، مُعادٍ
لحرياتها وكرامتها.
الكرة
في ملعب الشعوب!
لم يبق الرهان إلا على وعي الشعوب العربية للتحرك من أجل استنقاذ الأوطان من براثن الطامعين والمقامرين، ولتفويت الفرصة على الوكلاء
مع الاستعراض
الموجز للمخاطر الكبيرة وللمخططات التي تحاك لتفكيك الدول العربية التي كانت جزءاً
من خلافة وإمبراطورية عظيمة ذات مهابة في عيون وقلوب الجميع، تذوب فيها الاختلافات
الإثنية والعرقية وتتوحد جميعها تحت راية واحدة، تم الانتقال إلى مرحلة التقسيم
للدولة القُطرية الواحدة بتغذية
الصراعات والخلافات الأيديولوجية ما بين سنة وشيعة،
وعرب وأكراد، وشعوب عربية وأقليات أمازيغية، والضرب المستمر على وتر الحقوق
الضائعة لتلك الأقليات! والذي ساعد عليه حماقة المماليك من حكام المنطقة، وتبعية
القائمين على الإعلام فيها، وبراعة الواقفين خلف تلك المخططات في استمالة تيار دون
آخر سياسيا وإعلاميا.
لم
يبق الرهان إلا على وعي الشعوب العربية للتحرك من أجل استنقاذ الأوطان من براثن
الطامعين والمقامرين، ولتفويت الفرصة على الوكلاء، ولنستحضر معا تعليق الأمير
وليام ولي عهد بريطانيا حينما اشتدت الأزمة الروسية-الأوكرانية الحديثة، وتوالت
أعداد المهاجرين الأوكران إلى عواصم ومدن أوروبا ومنها بريطانيا؛ قال حينها: "إننا
لم نعهد ذلك التشريد والتهجير والقتال إلا في منطقة الشرق الأوسط (العربية)"!