كتاب عربي 21

المواطن العدو.. مفاهيم ملتبسة (47)

سيف الدين عبد الفتاح
حول النظام الجنسية المصرية لعقوبة
حول النظام الجنسية المصرية لعقوبة
تحدثت في المقالة السابقة عن المواطَنة البكماء، وعن ذلك المواطن الذي يروق لنظام الثالث من يوليو، ويحدد مفهوم المواطنة الصالحة كما يراها، لكنها في حقيقة الأمر ليست بمواطنة وليست بالصالحة، لأنها في نهاية الأمر تحاول أن تجعل من المواطن في مركزه القانوني والمجتمعي مجرد عبد يتحكم فيه، ويتحكم في مواقفه وإرادته.

ونتحدث في هذه المقالة عن المواطن الذي اتخذت منه منظومة الثالث من يوليو عدوا، واعتبرته من أهل الشر الذي تحذر منه وتحذر من كل أمر يتعلق به، هذه المواطنة التي اتخذت منها شكلا من أشكال المواطنة تحت التهديد. إن تعامل نظام الثالث من يوليو مع المواطن المصري وفقاً لهذه الصياغة الجديدة لم تعرفها في حقيقة الأمر والواقع النظم أو الدول من قبل، ولا تعرفها كتب السياسة منذ أن جعلت مفهوم المواطنة مفصلاً جوهرياً في صياغة الظاهرة السياسية، وإن بلوغ هذه الصيغة والصياغة للمواطنة يمكن أن يستدرج هذا النظام إلى درجة من العداوة لمواطنيه فيجعل من الجنسية ذاتها عقوبة. وهذا لعمري موقف شديد الظلم والظلمة، وشديد التعقيد والتركيب، فيصير فيها المواطن شخصا غير مرغوب به أو فيه، بل ويتسرب إلى البنية التشريعية ذاتها، أو الممارسات القضائية والإدارية فيضعه في خانة العدو.

وربما هذا يجد شاهداً في أحد أهم مؤشراته من أن خطاب قائد هذا النظام والمتحكم فيه وبه لطالما ينادي الشعب المصري بـ"المصريين"، وكأنهم آخر بالنسبة له، أو غائب عن تفكيره وذهنه، مكيلاً كل الانتقادات لذلك المواطن البسيط بكونه المسؤول عن كافة المفاسد وكافة الأزمات التي تحيق بذلك النظام، بل هو ضمن تفكيره- الجاهل ببواطن الأمور والغافل عن مصلحة البلد وأمنها، وأنه لا يفهم أو يتفهم معنى الاستقرار وفوائده، حتى لو وصل الأمر إلى انتهاك حقوقه الأساسية والتأسيسية، بل وأن يخلع عليه صفة القن أو العبد الذي لا يملك من إرادته أي شيء.

هكذا يتضح أن نظام الثالث من يوليو يرى في ذلك المواطن المصري ويحذر منه حتى يراه كالعدو، سواء كنا نتلمس ذلك على مستوى الخطاب، أو على مستوى القرارات والمؤسسات والإجراءات، وهو أمر في الحقيقة لم يكن مستغرباً عن هذا النظام منذ يومه الأول في الاستيلاء على سدة الحكم غصباً

هكذا اتخذت منظومة الثالث من يوليو جملة من الترتيبات والقرارات والإجراءات التي ترسخ لذلك الأمر وتقره وتمكن له. تأملت هذا الوضع بعد قراءة لما صدر مؤخراً من استثناء الأتراك من أصول مصرية من دخول تركيا إلا بعد موافقة أمنية؛ فقد أصدرت وزارة الداخلية المصرية بتاريخ ١٦ نيسان/ أبريل من العام الجاري قرارا بالسماح لجميع الأتراك بدخول البلاد من منافذ الوصول المختلفة من دون الحصول على موافقة أمنية مسبقة للفئة العمرية من ١٨ إلى ٤٥ عاما، واستثنى القرار الأتراك من ذوي الأصول المصرية من الحصول على التأشيرة الاضطرارية حال وصولهم إلى البلاد من دونها، وإلزامهم بالحصول على موافقة أمنية مسبقة.

هكذا يتضح أن نظام الثالث من يوليو يرى في ذلك المواطن المصري ويحذر منه حتى يراه كالعدو، سواء كنا نتلمس ذلك على مستوى الخطاب، أو على مستوى القرارات والمؤسسات والإجراءات، وهو أمر في الحقيقة لم يكن مستغرباً عن هذا النظام منذ يومه الأول في الاستيلاء على سدة الحكم غصباً، وفي تصنيفاته الغريبة والعجيبة للمواطنين ضمن جعلهم شِيَعاً وفِرَقاً ضمن مقولة أساسية اتخذت شعاراً "انتوا شعب وإحنا شعب".

وفقا لرؤية بنيوية في تفكير هذا النظام فإن "الجنسية عقوبة"، الأمر الذي يعني ضمن ما يعني اعتبار أن المواطن لكونه مصرياً يجب عليه أن يتحمل كل صنوف ظلمه، وكل أحوال ضيق معاشه من غير أن يتفوه أو يشكو؛ فعليه أن يكون خانعاً خاضعاً، لا ينبس ببنت شفة عن آلامه أو آماله.

وبدا هذا المفهوم جلياً ضمن التعبير الشهير الذي لخص الأزمة، والذي ورد على لسان والدة الطالب الإيطالي جوليو ريجيني "قتلوه كأنه مصري". وربما كانت هذه الكلمات تعبر ببلاغة عن ذلك الوضع الذي يتعلق بالمصرية كجنسية، وكانت صادقة تماماً في ذلك حينما صدقت وزارة الداخلية بالرواية والفعل الآثم الذي قتلت فيه خمسة مواطنين مصريين لتعزيز روايتها المتهافتة والمزعومة حول عدم مسؤوليتها عن قتل ريجيني. فالمصري لا قيمة له عند هذا النظام الذي يراه عبئاً في حين، ويراه سد خانة مستخفاً به في أحيان أخرى، وهو فقط عندما يستشعر قيمته فإنه لا يتذكره إلا سلبا حينما يستخدمه لتهديد الدول الأخرى في الغرب من خطر هجرته غير الشرعية، أو هو ذلك الفقير العاجز (فقرا أوي).. ذلك هو المواطن في عرف هذا النظام ومسؤوليه في خطابه الفاضح الواضح.

مثل هذه المؤشرات تشكل رؤية هذا النظام لمصر وللمصريين، فهو يحطم الحاضر، ويدمر المستقبل، ويمكّن لمعنى المواطنة الخاضعة والمذعنة، فإن لم تكن هذه المظاهر والمؤشرات تدل على عداوة النظام للمصريين فعلى ماذا تدل؟!

إن كشف النظام عن عداوته للمصريين له العديد من الشواهد والمظاهر والمؤشرات والوقائع اليومية الدالة عليه؛ فالعقاب على الجنسية، والقتل البطيء في السجون، وإهدار الموارد ومقدرات الأمن القومي، وبيع مشروعات الوطن الناجحة للأجانب، والقروض التي وصلت إلى درجة خطيرة وتهدد ليس فقط حاضر الوطن ولكن تهدد مستقبله لأجيال عديدة، وتوريط الجيش في الاقتصاد والأمور الداخلية وحرفه عن مساره إنما يسهم في تغيير عقيدته؛ إلى الدرجة التي يتخلى فيها عن "عناصره" -هكذا وصف قائد الانقلاب- أبناء الجيش المصري ورجاله الذين وقعوا أسرى في أيدي قوات الدعم السريع في السودان، على خلفية الصراع السوداني في الداخل الذي انفجر مؤخراً.

فمثل هذه المؤشرات تشكل رؤية هذا النظام لمصر وللمصريين، فهو يحطم الحاضر، ويدمر المستقبل، ويمكّن لمعنى المواطنة الخاضعة والمذعنة، فإن لم تكن هذه المظاهر والمؤشرات تدل على عداوة النظام للمصريين فعلى ماذا تدل؟! ماذا ترك النظام من أساليب ووسائل تصطنع هذه العداوة وتغذيها إلا وارتكبها بوجه ساخر ومتبجح، محملاً المصريين كل المصائب والأزمات التي أوقعها فوق رؤوسهم، مستخفا بهم، وشامتا فيهم "انتوا فقرا أوي.. فقرا أوي.. أمة العوز"؟!

وعلى الرغم من ذلك يأتي من يتحدث عن الإنجازات وعن مصر التي حماها هذا النظام وأنقذها من الضياع ومن مشروع حرب أهلية، هكذا تقول سرديته المزعومة عن أهل الشهر، عن أي مصر يتحدثون؟! وأي إنقاذ يقصدون؟! وإلى أي مواطن يشيرون؟! في حقيقة الأمر أن المواطن بحكم مواطنيته ومصريته هو من يدفع الثمن مرتين، مرة بما يقع عليه جراء هذه السياسات وتلك القرارات الظالمة المجحفة، ومرة أخرى بما يصدره هذا النظام من خطابات متكررة، وسياسات فاشلة تستهدف المواطن حصاراً وإفقاراً وسجناً وإبعاداً وقتلاً، أو ترويعاً وإذعاناً.

هكذا يصنف نظام الثالث من يوليو المواطن؛ باعتباره العدو، والشرير، أو غير المرغوب فيه، أو تحت التهديد، أو موضعاً للتحذير، وموضعاً للحظر من دخول وطنه، بينما يسمح للكافة بالدخول والخروج، إلا المصري فوجب عليه أن يتبع التعليمات ويستوفي الإجراءات، ضمن حالة من العبودية المغلفة، وضمن سياسات الاستبداد الفاجر بالوطن والمواطن

إن الكشف عن مثل هذه السياسات قد تقع عند البعض وفي أذهانهم موقع التعجب وادعاء المبالغة وهم معذرون في ذلك فتوقع مثل هذه السلوكيات من الحاكم مهما بلغت درجة فساده لا يمكن أن تصل إلى هذا المستوى، ولكن النظام الحالي الذي يزاوج بين الفساد والاستبداد وأحواله الطغيانية يمارس في الحقيقة سياسة الأرض المحروقة بلا سقف، وكأنه في يومه الأول من استيلائه على السلطة اغتصاباً وقطع الطريق على مسار ديمقراطي؛ إنما يمارس هذه السياسات وتلك الاستراتيجيات باعتبارها حتماً مقضياً، وأمراً مفروضاً.

ولدينا من الأدلة والبراهين التي تثبت ذلك وتؤكده، فعلى سبيل المثال ماذا فعل النظام مع محمد سلطان، ورامي شعث، وآية حجازي؟! وكيف أجبرهم جميعاً على التنازل عن الجنسية المصرية في مقابل تحريرهم من السجون المصرية، وكأن المصري فقط هو الذي يقبع في سجونه، وأن طلب الحرية قرين بالتخلي عن الجنسية المصرية؟ ولماذا أسقط النظام الجنسية عن السيدة غادة نجيب؟ وكيف يمنع آلاف المصريين في الغربة من تجديد أوراقهم الثبوتية، أو استخراج شهادات ميلاد أطفالهم الذين ولدوا في الغربة، أو حتى عمل توكيلات قانونية؟ هذا النظام يقبع في قراره نفسه أن المواطن عدواً وخصماً يجب مواجهته ومنازلته.

هكذا يصنف نظام الثالث من يوليو المواطن؛ باعتباره العدو، والشرير، أو غير المرغوب فيه، أو تحت التهديد، أو موضعاً للتحذير، وموضعاً للحظر من دخول وطنه، بينما يسمح للكافة بالدخول والخروج، إلا المصري فوجب عليه أن يتبع التعليمات ويستوفي الإجراءات، ضمن حالة من العبودية المغلفة، وضمن سياسات الاستبداد الفاجر بالوطن والمواطن.

twitter.com/Saif_abdelfatah
التعليقات (1)
أبو فهمي
الخميس، 27-04-2023 06:58 ص
في العصر الحالي """"""""""" حميع المواطنين """"""""""" شرقا وغربا شمالا وجنوبا أي على الكرة الأرضية قاطبة هم """"""" أعداء """""""" النظام الحاكم تحت """"" جميع التسميات """"" وبتفاوت بسيط جدا يضحكون به على عقول المواطنين بأنهم """" أي الحكام """" يؤمنون لهم المأكل والمشرب ويجب """" عبادتهم لهذا العمل الجبار """" الذين يقومون به. أي على المواطن أن يكون """" سميع مطيع مطوبز """" وهو ما تخطط له مستقبلا الحكومة العالمية - اذا شافت النور - للسيطرة على الشعوب كلها لتكون """" عبيدا """" لها بكل معنى الكلمة لصالح طبقة واحدة هي """" النخبة """".