في الخامس والعشرين من نيسان/ أبريل من كل عام، تحتفل
مصر بعيد تحرير
سيناء، وهو بلا شك مناسبة عزيزة على القلب، لكن السؤال الذي يحق
لكل وطني مصري طرحه الآن: أين سيناء من المعادلة المصرية؟ وما هي مساحة إسهامها الوطني
في شؤون الاقتصاد؟ وما هو موقعها السياسي والديموغرافي؟ وهل ستستمر إلى الأبد في
زاوية معالجات الإرهاب الضيقة؟
التحولات التي طرأت على سيناء في العقد الأخير وبالأحرى
عقب ثورة يناير، تسترعي الانتباه بشأن تبعية سيناء، ومستقبلها، وأمور أخرى لا تقل أهمية
في مقدمتها مدى استفادة الدولة المصرية من خيراتها، وهي أمور تقدم بطبيعة الحال
إجابات على مثل هكذا أسئلة.
المجلس العسكري والتنمية المتكاملة لشبه جزيرة سيناء
التحولات التي طرأت على سيناء في العقد الأخير وبالأحرى عقب ثورة يناير، تسترعي الانتباه بشأن تبعية سيناء، ومستقبلها، وأمور أخرى لا تقل أهمية في مقدمتها مدى استفادة الدولة المصرية من خيراتها
في كانون الثاني/ يناير 2012 أصدر المشير طنطاوي، رئيس
المجلس الأعلى للقوات المسلحة، مرسوماً بقانون "بشأن التنمية المتكاملة في
شبه جزيرة سيناء"، كان القانون وما زال على درجة كبيرة من الأهمية
والخطورة، حدد النطاق الجغرافي لشبه جزيرة سيناء لتضم محافظتي شمال وجنوب سيناء وبعض
المناطق الواقعة داخل الحدود الإدارية لمحافظات السويس والإسماعيلية وبور سعيد،
كما يشمل الجزر الداخلة في مياهها الإقليمية ومنطقة امتدادها القاري ومنطقتها
الاقتصادية الخالصة والمناطق المتاخمة التي يحددها وزير الدفاع.
القانون قرر جملة من
القيود، أبرزها، أنه قصر التملك على
المصريين وحظره على الأجانب، ووضع شروطا للانتفاع والاستغلال والتصرف، ومنح الحق
لرئيس الجمهورية استثناءات في معاملة أصحاب الجنسيات العربية معاملة المصريين، وأوجب
موافقة مجلس إدارة الجهاز الوطني لتنمية شبه جزيرة سيناء ووزارتي الدفاع والداخلية
والمخابرات العامة على كافة التصرفات التي تتم في الأراضي الخاضعة لهذا القانون.
بموجب القانون أصبحت الكلمة العليا في كافة اختصاصات
التنمية والتملك والتعمير لجهاز تنمية شبه جزيرة سيناء، وهو هيئة عامة اقتصادية لها
مجلس إدارة يضم ممثلين لأغلب الوزارات والهيئات ذات الاختصاص.
غيّر القانون من طبيعة تصرفات "وضع اليد" التي
كانت تميز تلك المنطقة ذات الطابع البدوي السيناوي المعتمد على حيازة مساحات الرعي
واعتبار الجغرافيا دليلا على السيادة القبلية، حيث وضع قيودا صارمة تسمح بإزالة وضع
اليد الأهلي بالقوة، في ذات الوقت استثنى تصرفات القوات المسلحة من هذه القيود.
شمل القانون اختصاصات واضحة لرئيس مجلس الوزراء في تعيين
مجلس إدارة الجهاز، ووضع نظامه الأساسي وإصدار لائحة القانون التنفيذية.
وضعيات جديدة واستثناءات مرنة
فيما بعد 2013، تم تعديل القانون في مناسبتين، الأولى في
آب/ أغسطس 2015، والثانية في آب/ أغسطس 2020، منحت التعديلات في المرة الأولى رئيس
الجمهورية سلطات استثنائية أفرغت القانون من قيوده الصارمة التي وُضعت بالأساس
لمنع تسرب ملكية أراضي سيناء لغير المصريين، وكان قد قيّد مشروعات
الاستثمار
والتنمية للأجانب بضرورة تملك المصريين نسب مشاركة لا تقل عن 55 في المئة من أسهم
شركات المساهمة، لكن التعديل الذي تم إجراؤه في 2015 منح رئيس الجمهورية (ولأسباب
يقدرها) سلطة الاستثناء من نسبة مشاركة المصريين في الشركات الأجنبية، وهو ما يمنح
الأجانب حق الإدارة كاملاً وحيازة نسب الإدارة المطلقة بما يجاوز 50 في المئة، وهو
ما يتصادم مع فلسفة القانون وأسباب القيود بما يعمل على تسييلها والالتفاف عليها.
سلطة أخرى منحتها التعديلات لرئيس الجمهورية (ولأسباب
يقدرها)، تمكنه أيضا من استثناء مدينة أو جزء منها أو المناطق الشاطئية وغيرها من
الخضوع لأحكام قانون التنمية المتكاملة، وهو ما يعني تعطيلا كاملا للقانون بقرار منفرد
من رئيس الجمهورية.
بموجب تلك السلطات أصدر السيسي سلسلة من القرارات الجمهورية
استثنت شركات أجنبية من نسبة تملك المصريين، أبرزها شركتا "عيون موسى
لتوليد الطاقة" و"عيون موسى للبنية الأساسية والخدمات اللوجستية"،
وشركة "فيجاس شرق لاجيا المتحدة للبترول"، وشركة "سي دي
إم سميث كونسالت" التي تنفذ مشروع أنفاق أسفل قناة السويس، كما صدرت
قرارات أخرى باستثناء مناطق جغرافية كاملة من تطبيق قانون التنمية المتكاملة،
أبرزها، قرار استثناء المنطقة الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة بشبه جزيرة سيناء،
وقرار باستثناء مدينتي شرم الشيخ ودهب وقطاع خليج العقبة بمحافظة جنوب
سيناء من الخضوع لقانون التنمية المتكاملة.
اللافت أيضاً، أن التعديلات في نسختها الأخيرة التي
أجريت في 2020 قد حسنت من وضعية وزارة الدفاع، حيث حلت بشكل كامل محل رئاسة
الوزراء، فوزير الدفاع حل محل رئيس مجلس الوزراء في تعيين رئيس مجلس إدارة الجهاز،
كما يحدد بقرار منفرد منه نسب عضوية الوزارات والمؤسسات العامة في تشكيل مجلس
الإدارة، ولوزير الدفاع وحده حق دعوة المجلس للانعقاد ويرأس الجلسات حال حضورها، كما
أوجب على الوزراء تمثيل وزاراتهم (وعدم الاكتفاء بممثلي الوزارات الدائمين) حال رئاسة
وزير الدفاع إحدى جلسات المجلس. وبالجملة، قررت التعديلات استبدال عبارة
"وزير الدفاع" بعبارة "رئيس مجلس الوزراء" أينما وردت بقانون
التنمية المتكاملة.
واقع التضارب بين هذه الضوابط والقيود التي يبدو من إقرارها الحفاظ على الثروة السيناوية وإعمال المصلحة العليا للدولة وطبيعة الاستثناءات المستحدثة، يسبب للمتابعين للشأن السيناوي بعض الحيرة، حيث لم تمنع الطبيعة القانونية الصارمة لقانون التنمية المتكاملة تمرير اتفاق تيران وصنافير الذي نقل ملكيتها للمملكة العربية السعودية
القانون وتعديلاته، وما شمله من قيود صارمة ثم استثناءات
مرنة ووضعيات مريحة لمؤسسة الرئاسة والجيش، أضاف غموضا إلى غموض الملف السيناوي،
الذي تدثر طوال عهدي السادات ومبارك بضرورات الحفاظ على اتفاقية السلام مع
إسرائيل، وفيما بعد الثورة والانقلاب اختبأ خلف ضرورات مكافحة الإرهاب.
لكن واقع التضارب بين هذه الضوابط والقيود التي يبدو من
إقرارها الحفاظ على الثروة السيناوية وإعمال المصلحة العليا للدولة وطبيعة
الاستثناءات المستحدثة، يسبب للمتابعين للشأن السيناوي بعض الحيرة، حيث لم تمنع
الطبيعة القانونية الصارمة لقانون التنمية المتكاملة تمرير اتفاق تيران وصنافير الذي نقل ملكيتها للمملكة العربية السعودية، كما لم يمنع من صدور قرار رئيس مجلس
الوزراء عام 2020 بتعديل حدود المحمية الطبيعية بسانت كاترين واستيلاء القوات
المسلحة على مساحات معتبرة داخلها، أضف لذلك تحرر مشروعات القوات المسلحة في سيناء من أي قيد، وهي مشاريع تتمتع بميزانيات ضخمة وصلاحيات كبيرة؛ في مشروعات الإنشاءات
كطريق شرم الشيخ وإنشاء جامعات الملك سلمان الثلاث بالطور وشرم الشيخ ورأس سدر،
أو مشروعات السياحة والموانئ في الجلالة والأدبية والعريش والطور.
في النهاية، فإن البيئة العسكرية التي نشأ فيها القانون
ونطاق تعديلاته واتجاهات تطبيقاته والمستفيدين من استثناءاته، أمور تحدد اتجاه
البوصلة وتجيب على السؤال الأكبر: هل تحررت سيناء بالفعل؟