كتاب عربي 21

خليفة حفتر والحرب السودانية

السنوسي بسيكري
تلقت قوات الدعم السريع دعما عبر الجنوب الليبي- سي إن إن
تلقت قوات الدعم السريع دعما عبر الجنوب الليبي- سي إن إن
منذ الأيام الأولى لاندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع كانت ليبيا حاضرة، وذلك بعد أن تحدثت مصادر صحفية عدة عن دعم وصل لقوات الدعم السريع من أحد أطراف الأزمة الليبية. فبالإضافة إلى تقارير نشرتها صحف عالمية مشهورة حول دعم قدمه خليفة حفتر لقوات الدعم، نشر مقطع يبدو أن مصدره مخابراتي يصور مسار طائرة مرت عبر الأراضي الليبية لتحط في أحد المطارات السودانية محملة بسلاح وذخيرة.

وبغض النظر عن الجديد في التواصل بين قائد عام الجيش التابع لمجلس النواب الليبي وقائد قوات الدعم السرع السودانية، فإن علاقة تربطهما تعود لسنوات، كما أن مركزية الدور الإماراتي في التواصل معهما يؤكد أن مصالح مشتركة قربت بينهما في فترات سابقة.

المفارقة هي كيف ينحاز حفتر الداعم للجيوش والمؤمن بأن لها الكلمة العليا في إدارة الشأن العام؛ ويقف في صف مجموعة هي أقرب للمليشيات منها للمؤسسة العسكرية وضد جيش هو من أعرق الجيوش التقليدية في المنطقة العربية؟!

والجواب هو أن السياسة والمصالح عندما تكون هي البوصلة والمحرك تتراجع أمامها القيم والمبادئ، ولقد كانت هذه المعطيات في مقدمة تراجع الثقة في الجيش الذي يقوده حفتر والذي منحته جموع غفيرة الدعم المطلق وذلك حتى العام 2019م، ثم تغير الموقف نسبيا بعدما رأوا أن الحسابات المصلحية طغت على العقيدة العسكرية السليمة وأن السياسة صارت هي المحرك للجيش.

نفت القيادة العامة المعلومات التي تحدثت عنها صحف أمريكية وبريطانية وتحدث عنها نشطاء ومراقبون عرب وليبيون، والتي تؤكد تورط حفتر في الحرب السودانية وضد الجيش السوداني، غير أن سياق التعاطي مع الحدث اتجه إلى محاولة تفسير وتعليل انحياز حفتر إلى حميدتي أو قائد القوات المسلحة السودانية وليس فرضية الصحة والبطلان، وتحدثت تقارير عن بعدين رئيسيين في تأطير موقف حفتر هما: المصالح الاقتصادية والتجارية المشتركة بين الجيش الليبي وقوات الدعم السريع، والموقف الاقليمي الدولي الذي تمثله أبو ظبي وروسيا.

المشكلة التي تواجه هذا التحليل هو أنه يجعل حفتر يختار اختيارا تعسفيا يخالف المنطق الذي يوجه القرار والسياسة التي تحكم المنطقة، ذلك أن حفتر سيكون في مواجهة حليف إقليمي مهم جدا هو مصر، وطرف دولي وازن هو الولايات المتحدة.

القبول بمناقضة حفتر لحقائق قوية من أهمها مصادمته للسياسة المصرية واقترابه أكثر من التوجهات الروسية في المنطقة لا يكون إلا في حال إقناعه من قبل أنصار حميدتي الدوليين والإقليميين بأن الانقلاب مضمون وسريع، وأن قوات الدعم قادرة على حسم الموقف لصالحها في أيام قليلة، وأن الجميع سيقبل بالتغيير عاجلا أم أجلا.

هذا وحده ما يفسر رواية الصحف الأجنبية والمصادر العربية من دعم حفتر لحميدتي، ويعلل ما يمكن اعتباره تراجعا لحفتر عن موقفه الأول بعد بطلان فريضة الحسم السريع ونفيه ما نسب إليه من تهم، وطرحه مبادرة وساطة بين الطرفين المتحاربين.

التحدي أمام حفتر لا يقف عند قبول الأطراف المؤيدة للجيش السوداني لتصريحاته بخصوص نفيه التورط في دعم حميدتي، فالجيش السوداني اتجه في خطابه إلى تصنيف قوات الدعم السريع كمليشيا متمردة، ويمكن أن يكون هذا هو الموقف المصري، غير أن إطلاق مبادرة الوساطة من قبل حفتر تضعه بعيدا عن موقف الجيش السوداني والجيش المصري، وتجعله في وضع مرتبك، ذلك أن الأقرب للمنطق أن يكون انحياز قائد عام الجيش الليبي للجيش السوداني في مواجهته لقوات الدعم السريع التي هي أقرب للمليشيا منها للجيش.

موقف حفتر تجاه الحرب في السودان سيتأثر باتجاه الصراع وتطور مواقف الفواعل الإقليمية والدولية المعنية بالأزمة السودانية، غير أن تبني سياسة حكيمة ونافعة تجاه الأزمة السوادنية سيكون تحديا حقيقيا أمام حفتر، ومن الممكن القول إن النتائج لن تكون في صالحه.
التعليقات (0)