ملفات وتقارير

كيف يؤثر الصراع بالسودان على أضاحي ملايين المصريين مع اقتراب العيد؟

أصبحت السوق المصرية صعبة أمام الإبل السودانية بسبب الحرب في السودان- جيتي
أصبحت السوق المصرية صعبة أمام الإبل السودانية بسبب الحرب في السودان- جيتي
اقترب موعد عيد الأضحى المبارك، وهي السنة المؤكدة التي يحرص عليها ملايين المصريين، في الوقت الذي تعرف فيه أسعار الأضاحي ارتفاعا بنسبة تقارب الـ80 بالمئة مقارنة بالعام الماضي بفعل أزمات شح الدولار وتفاقم أسعار الأعلاف والحبوب.

إلا أن المعارك العسكرية الجارية في السودان منذ 15 نيسان/ أبريل الماضي، ووفق تجار وجزارين ربما ستكون عقبة أكبر، وسببا جديدا في تفاقم أزمة استيراد اللحوم من البلد العربي الواقع جنوبي مصر، وخاصة لحوم الجمال الشهيرة بها، ما ينذر بموسم أضاح صعب وحرمان للمصريين من عاداتهم المفضلة في عيد الأضحى.

ووفق متحدثين لـ"عربي21"، فإنه وصل أقل سعر لكيلو اللحوم المذبوحة من اللحم البقري إلى 300 جنيه (حوالي 9.71 دولار) في مناطق ريفية وشعبية، وهو السعر الذي يزيد بمقادير متفاوتة في أحياء القاهرة والمدن، بينما يصل أقل سعر لكيلو اللحم الجملي إلى 240 جنيها (حوالي 7.77 دولار) ويزيد بنسب متفاوتة في المناطق الحضرية والراقية، فيما سجلت لحوم الضأن 150 جنيها.

"إلى تفاقم شديد"
"أبو محمد" (55 عاما)، هو تاجر جمال وجزار من محافظة الشرقية (شمال شرق البلاد)، قال إنه "خلال أكثر من 30 عاما يشتري الجمال طوال العام وقبل عيد الأضحى من مصدرين، الأول: سوق الجمال بمنطقة إمبابة بالجيزة الذي جرى نقله إلى منطقة البراجيل ثم إلى برقاش".

وفي حديثه لـ"عربي21"، لفت إلى أن "المصدر الثاني الذي يشتري منه الجمال: منطقتي شلاتين، الحدودية مع السودان أقصى الجنوب الشرقي لمصر، ومنطقة دراو شمالي مدينة أسوان، فيهما أكبر تجمعين لأسواق الجمال القادمة من السودان، ومنها يجري التوزيع لأنحاء مصر".

ويرى التاجر والجزار ومربي المواشي المصري أن "معارك السودان كارثة كبيرة لسوق اللحوم وخاصة مع عيد الأضحى"، مبينا أن "اللحوم في مصر بشكل عام تعاني من أزمة بالأسعار منذ أكثر من عام بسبب غلاء أسعار الذرة والأعلاف المستوردة"، معتقدا أن "معارك السودان ستزيد الأزمة".

وأشار إلى أن "أسعار الجمال منذ عيد الأضحى السابق زادت بمعدل 100 بالمئة، حيث إن الجمل الصغير أو القاعود كان بنحو 20 ألف جنيه، واليوم بنحو 40 ألف جنيه، وقبل العيد سعره مرشح للزيادة".

وأضاف: "سعر الجمل الكبير، كان العام الماضي بنحو 40 ألف جنيه، والآن بنحو 80 ألف جنيه، والجمل الذي كان ثمنه 50 ألفا الآن بـ100 ألف جنيه"، متوقعا أن تكون الزيادة خلال الشهرين المقبلين وحتى عيد الأضحي "خرافية، ولا يستطيع توقع نسبتها".

وأشار إلى أن "سعر اللحوم الجملية يحدد سعر لحوم البقر والعجول"، مبينا أن "أقل سعر لكيلو اللحم الجملي 240 جنيها في الريف ويزيد على ذلك بمناطق أخرى، بينما سجل أقل سعر لكيلو البقري 300 جنيه، بينما سعر الضأن دون تشفية بلغ 150 جنيها".

وحول أسباب ذلك، أكد أن "الجمال تقل بشكل يومي من أسواق محافظات الدلتا، وذلك بسبب الحرب التي أوقفت تصدير السودانيين للجمال ونقلها إلى مصر، وما يصل قليل لأنه يأتي بالتهريب عبر الدروب والجبال بين البلدين".

ولفت إلى أن "المصريين أمام أزمة تتزايد تعقيدا مع اللحوم"، موضحا أن "مصر تشهد منذ عام أزمة في الدواجن وخسرت صناعتها الكثير من حضورها وارتفعت أسعارها بسبب أزمة الدولار واستيراد الأعلاف والذرة والحرب الروسية الأوكرانية".

وتابع: "هو الأمر الذي أصاب قطاع الثروة الحيوانية من الأبقار والجاموس"، مشيرا إلى أن "الكثير من المربين تخلوا عن آلاف الماشية لديهم لعجزهم عن إطعامها"، ملمحا إلى أن "الحرب في السودان تأتي لتصيب سوق اللحوم بأزمة أكبر".

ويرى أن "الحل في توفير الأعلاف والذرة الصفراء للمربين، فهنا ستتوفر اللحوم ويزيد إنتاجها ويقل السعر، وإلا فإن الأزمة إلى تفاقم شديد"،  مبينا أن "سعر طن الذرة سجل العام الماضي نحو 10 آلاف جنيه للطن، وهو اليوم يتعدى سعره الـ20 ألفا".

"جذور الأزمة"
ومع تأزم الأوضاع الاقتصادية المصرية وهروب نحو 20 مليار دولار من الأموال الساخنة من السوق المصرية بالربع الأول من العام الماضي مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وتفاقم أزمة الديون المصرية وشح الدولار، فقد تفجرت أزمة غير مسبوقة في أسعار جميع السلع وبينها اللحوم.

ما دفع المصريين لتقليل استهلاكهم من اللحوم، وهو ما أكده تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي)، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، حيث خفض 93.1 بالمئة من الأسر المصرية استهلاك اللحوم والطيور.

وأظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في نيسان/ أبريل الماضي، ارتفاع التضخم إلى 32.7 بالمئة في آذار/ مارس الماضي، فيما زادت أسعار اللحوم والدواجن بنسبة 91.5 بالمئة، على أساس سنوي.

اظهار أخبار متعلقة


"صدمة وذهول"
"الحاج عبدالله" (45 عاما)، تاجر جمال وجزار ، آخر، قال لـ"عربي21"، إن "ما وصله من معلومات من كبار التجار في الأسواق أن المربين السودانيين يطلقون جمالهم في الصحاري وفي المراعي البعيدة عن المواجهات العسكرية".

وأضاف أن "السودانيين يخافون على جمالهم من الموت أو التعرض للسلب والسرقة في طريقها لمصر، ولذا فإن تلك التجارة القديمة جدا توقفت، وتوقف نقل الجمال للحدود المصرية، خاصة بعد تعرض عدد منها للقتل بقذائف، ما أثر بشكل سريع على سوق الجمال في مصر".

وأوضح أن "سوقا فرعية في محافظته تحمل اسم سوق (براش) يجري عقدها يوم الجمعة، ويكون فيها ما بين 800 و1000 جمل، وأنه ذهب لشراء عدد من الأضاحي جرى الاتفاق عليها مع زبائن، ولكنه وجد في السوق 50 جملا فقط".

وأوضح أن "الأسعار الآن وصلت للضعف عنها في العام الماضي"، مبينا أن "سعر الكيلو من الجملي سجل نحو 130 جنيها في موسم العام الماضي، ويسجل الآن وقبل العيد بنحو شهرين 250 جنيها للكيلو".

وأكد أن "الجمل زنة 400 كيلو كان سعره العام الماضي نحو 30 ألف جنيه وهو الآن بنحو 60 ألفا، ورغم ارتفاعه فإنه لا يحقق أي مكسب للجزارين"، متوقعا زيادة من 60 ألف جنيه للجمل الكبير إلى 65 ألفا مع اقتراب العيد".

ويعتقد أن "تلك الأسعار تزيد مع مواصلة الحرب في السودان ومع قرب عيد الأضحى وزيادة الطلب على الأضاحي واللحوم، وسط قلة المعروض منها من الجملي، ومن غيره".

وطالب التاجر المصري بـ"إيجاد بديل للسوق السوداني من أي دول مثل تشاد والصومال"، مشيرا إلى "وجود أزمة عدم ثقة كبيرة بين التاجر والجزار من ناحية، وبين الجزار والزبائن من ناحية أخرى، حيث إن الجميع في صدمة وذهول من تلك الأسعار".

اظهار أخبار متعلقة


"رحلة تاريخية"
رحلة سفينة الصحراء من مراعي دارفور بأقصى الجزء الغربي من السودان، وكردفان إحدى ولايات السودان الوسطى، والفاشر غرب السودان، تمر عبر معبر أرقين الحدودي بين مصر والسودان غربي نهر النيل، إلى أسواق مصر  في "شلاتين"، و"دراو"، و"إمبابة" غربي القاهرة، امتدت لعشرات السنين.

ويحتاج المصريون إلى نحو 1.3 مليون طن لحوم حمراء هي حجم استهلاكهم السنوي، يجري استيراد 40 بالمئة منها ما بين ما هو حي ولحوم مجمدة، فيما وصل عدد رؤوس الثروة الحيوانية إلى 7.5 مليون رأس ماشية بنهاية 2022، وفق بيانات وزارة الزراعة المصرية.

ويجري توفير جزء كبير من احتياجات المصريين من اللحوم الحمراء عبر السودان، حيث يمثل الجمل السوداني المورد الأساسي للجمل البلدي الذي يجري تربيته في مصر، إلى جانب تصديره للذبح في أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان، فيما يفوق لحمه وسعره الجمل الصومالي، وفق متابعين.

آلاف الجمال السودانية بمختلف أنواعها يتم نقلها من مراعي دارفور وكردفان والفاشر، لتتجمع في "دنقلة" أو (دنقلا) الواقعة غربي النيل شمال السودان، ومنها إلى معبر أرقين حيث يتم الكشف عليها بالحجر الصحي، ودفع المبالغ المقررة عليها من الجمارك المصرية.

تدخل الجمال مصر على أقدامها سيرا لنحو 100 كيلومتر حتى "أبوسمبل"، ثم إلى سوق "دراو" الأشهر في مصر لبيع الجمال الذي يعقد يومي السبت والثلاثاء بمعدل 10 آلاف جمل، ويأتيه آلاف التجار والجزارين من محافظات الدلتا والقاهرة.

وذلك إلى جانب دخول مدينة شلاتين عبر درب الأربعين حيث تستغرق رحلتها 40 يوما لمصر، ومنهما إلى المركز الأهم في شمال البلاد غربي محافظة القاهرة، حيث يقع سوق "برقاش"، التي تعقد كل جمعة ومنها يجري توزيع الجمال لباقي محافظات الشمال وإلى أسواقها الصغيرة لبيع الجمال.

ووفق تقدير خبير الثروة الحيوانية السوداني سيد بشير أبوجيب، في حديثه لموقع "الوطن" القطري، فإن حجم ثروة السودان من الإبل يبلغ نحو 4.7 مليون رأس، تضع السودان بالمرتبة الثانية من حيث الإنتاج بعد الصومال التي تمتلك 8 ملايين رأس.

وأكد أن 90 بالمئة من صادرات الجمال السودانية تتجه للسوق المصرية بنحو من 150 إلى 250 ألف رأس سنويا.

وبلغ حجم التبادل التجاري بين مصر والسودان خلال عام 2021 نحو مليار و165 مليون دولار، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فيما بلغت قيمة الواردات المصرية من السودان 336.7 مليون دولار.

اظهار أخبار متعلقة


"هذا هو الحل"
وفي رؤيته لحجم الأزمة مع تفجر المعارك العسكرية بالسودان واقتراب عيد الأضحى، قال القيادي بحزب التحالف الشعبي، والمهندس الزراعي فؤاد سراج الدين: "سجل معدل استهلاك اللحوم الحمراء بعيد الأضحى الماضي 400 ألف طن بتكلفة بلغت 5.4 مليار جنيه، وكان سعر الكيلو بين 160 إلى 180 جنيها".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف أنه "بينما هذا العام سوف تتضاعف التكلفة بعد وصول سعر الكيلو إلى حوالي 300 جنيه"، مشيرا إلى وجود "فجوة بين إنتاج اللحوم واستهلاكها في مصر ويتم تخطيها بالاستيراد".

وأكد أنه "لو نظرنا للأسواق العالمية، فيصعب تدبير حاجة مصر من السودان بسبب المعارك العسكرية"، مبينا أن "ثمن كيلو اللحم قائم من السودان يكلف نحو 190 جنيه، وهو سعر مرتفع ويماثل سعر المستورد من تشاد والصومال".

ولفت إلى أن أسواق أخرى يمكن التعويض منها فجوة اللحوم في مصر، موضحا أن "أسواق أخرى مثل إسبانيا سعر الكيلو منها يكلف 152 جنيها، ومن أوروغواي الكيلو يبلغ 145 جنيها، ومن أستراليا يصل الكيلو إلى 140 جنيها، بينما أرخص سعر من البرازيل وهو نحو 120 جنيها تقريبا".

سراج الدين، يرى أن سعر اللحوم البرازيلية "قريب جدا من سعر البقر المصري القائم"، مشيرا إلى أن "سعر كيلو اللحوم الجملي المصري قائم يبلغ من 180 إلى 200 جنيه، ويقترب من سعر الضان".

وفي نهاية حديثه ينصح السياسي والخبير الزراعي المصري، "بتعويض النقص من البرازيل وأستراليا، كونها الأقل سعرا"، معربا عن أمله بتحقيق الاكتفاء الذاتي من اللحوم الذي وصل عام 2011، إلى 83 بالمئة، ثم تراجع، ما يعني قدرتنا على تحقيق نسبة مماثلة مستقبلا".
التعليقات (0)