لم تعد اعتداءات
الاحتلال بحق
القدس والأقصى مقتصرة على الأعياد الدينية،
بل امتدت لتشمل المناسبات الوطنيّة الإسرائيلية وحتى الأعياد الهامشية، ويعدّ يوم
"توحيد القدس" واحدةً من المحطات ذات البعد "الوطني"
الإسرائيلي، والتي رسّختها أذرع الاحتلال الاستيطانية، لفرض المزيد من
التهويد على
القدس والأقصى، إذ توظفها "منظمات المعبد" لحشد أكبر أعدادٍ ممكنة من المستوطنين
لاقتحام
الأقصى، وتسعى بشكلٍ مضطرد إلى رفع أعدادهم.
ولم تقتصر جهود
أذرع الاحتلال على اقتحام المسجد فقط، إذ تشهد هذه الذكرى تنظيم مسيرة الأعلام
الاستيطانية الضخمة، لإبراز سيطرة الاحتلال وأذرعه على القدس. وفي سياق
تسليط الضوء على هذين الاعتداءين وكيف تحاول أذرع الاحتلال الاستفادة من الذكرى
لتصعيدهما، نسلط الضوء في هذا المقال على المناسبة التي ستحلّ يوم الجمعة في 19 أيار/
مايو 2023 في مقالين، الأول يتناول
اقتحامات الأقصى، أما الثاني سيتناول مسيرة
الأعلام.
يوم "توحيد القدس" محاولة لتنفيذ
اقتحامات حاشدة ومتصاعدة
تشكل ذكرى
"توحيد القدس" وهو اليوم الذي فرضت فيه قوّات الاحتلال الإسرائيليّ
سيطرتها على كامل مدينة القدس، على أثر احتلال الشطرِ الشرقيّ من المدينة الذي
يضمّ المسجد الأقصى المبارك، محطةً لفرض المزيد من السيطرة على المدينة المحتلة
وتهويدها، وهي محاولات تصاعدت بشكلٍ متنامٍ عاماً بعد آخر. ومن أبرز الاعتداءات
التي تقوم بها أذرع الاحتلال هي اقتحامات المسجد الأقصى، التي شهدت سعياً مضطرداً
من قبل "منظمات المعبد" إلى رفع أعداد المشاركين فيها عاماً بعد آخر،
وفي النقاط الآتية تغيّر أعداد مقتحمي المسجد ما بين عامي 2015 و2022:
- في عام 2015 اقتحم الأقصى 280 مستوطناً (بحسب معطيات الاحتلال).
- عام 2016
اقتحم الأقصى 307 مستوطنين (بحسب معطيات الاحتلال).
- في عام
2017 اقتحم الأقصى 995 مستوطناً (بحسب معطيات الاحتلال).
- في عام
2018 اقتحم الأقصى 1620 مستوطناً.
- في عام
2019 اقتحم الأقصى 1179 مستوطناً.
- في عام
2020 كان المسجد مغلقاً بسبب إجراءات كورونا.
- في عام
2021 أفشل المعتكفون في الأقصى مخططات المنظمات المتطرفة لتنظيم اقتحامات حاشدة،
وأدت المواجهات في الأقصى والاعتداء على المصلين داخله إلى اندلاع معركة "سيف
القدس".
- في عام 2022 اقتحم الأقصى 1687 مستوطناً.
تُشير المعطيات
السابقة بأن المنظمات المتطرفة سعت إلى رفع أعداد مقتحمي الأقصى، إلا أن هناك
تضخيماً في أعداد المقتحمين، ففي عام 2018 على سبيل المثال أعلنت مصادر الاحتلال
أن 2084 مستوطناً اقتحموا المسجد، بينما رصدت الجهات الفلسطينية اقتحام 1620
مستوطناً في ذكرى "توحيد القدس" في ذلك العام، في سياق محاولة إظهار
قدرتها على الحشد وكسر إرادة المقدسيين.
الاقتحام في "يوم القدس" شرارة
معركة "سيف القدس"
على أثر قرار منع
الاقتحامات ضمن تدابير مواجهة "كورونا" في عام 2020، ووقوع "يوم
القدس" ضمن الأيام التي كان فيها المسجد الأقصى مغلقاً، شكلت المناسبة في عام
2021 محطة بالغة الأهمية لأذرع الاحتلال، فقد أطلقت الاستعداد إليها بشكلٍ مبكر،
وأعلنت عن مشاركة حاخامات وشخصيات من المنظمات المتطرفة، إلا أن الصمود البطولي للمعتكفين
في الأقصى، ومواجهتهم لقوات الاحتلال التي أرادت تأمين الاقتحامات التي تزامنت مع
يوم 28 من رمضان، ومن ثم تدخل المقاومة الفلسطينية على خط الأحداث واندلاع معركة
"سيف القدس"، فلم تستطع قوات الاحتلال إدخال المستوطنين إلى الأقصى، ما
فاقم من الانتكاسة التي منيت بها أذرع الاحتلال. وهو ما دفعها إلى تصعيد الحشد في
العام التالي، والإصرار على المضي في الاقتحام في عام 2022.
ومع التصعيد الأخير الذي أطلقته حكومة الاحتلال فجر الثلاثاء في 9 أيار/
مايو 2023، من المتوقع أن تنعكس التطورات في غزة على الاقتحام المزمع في 19 أيار/
مايو 2023، خاصة أن تدخّل المقاومة المحدود بالتزامن مع عيد "الفصح" أثّر
على مستوى الاعتداء الذي أرادت تحقيقه أذرع الاحتلال، وهو ما يمكن أن يتكرر في هذا
اليوم، في حال تصاعدت وتيرة رد المقاومة، خاصة أن المجزرة البشعة التي ارتكبتها
حكومة الاحتلال في قطاع غزة تتحضر المقاومة للرد عليها خلال لحظة كتابة هذه
المادة.
من الصلوات
العلنية إلى رفع علم الاحتلال
نتيجة طبيعة
المناسبة واحتفاء الاحتلال بها، تشهد اقتحامات الأقصى نوعين من الاعتداءات، الأول
مشترك مع الاقتحامات شبه اليومية، وهو أداء الصلوات اليهوديّة العلنية في ساحات
المسجد الشرقية، وخاصة قرب مصلى باب الرحمة، بمشاركة أعدادٍ كبيرة. أما النوع
الثاني فهو ما يتصل بطبيعة هذه المناسبة "الوطنية"، وكونها ذكرى اليوم
الذي شهد احتلال كامل مدينة القدس، وتتركز هذه الاعتداءات برفع علم الاحتلال داخل
الأقصى، وغناء "الهاتيكفاه" وارتداء ملابس عليها صور العلم الإسرائيلي،
إضافةً إلى اقتحام المسجد من قبل قوات الاحتلال والاعتداء على المصلين والمرابطين
داخله، ومحاولة إخراجهم من المسجد بالقوة، لإفراغ المسجد من العنصر البشري
الإسلامي قبيل بداية الاقتحامات.
ويمكن تسليط
الضوء على اقتحام المسجد في 29 أيار/ مايو 2022، كنموذج لهذه الاعتداءات جميعاً، ففي
هذا اليوم شهد المسجد الأقصى اعتداءات عدة، فإلى جانب اقتحام المسجد من قبل نحو
1687 مستوطناً، فقد أدى عشرات المستوطنين صلوات يهوديّة جماعية، وكشفت مقاطع مصورة
أداء أعدادٍ كبيرة منهم "السجود الملحمي" الكامل في ساحات الأقصى الشرقية،
وتخلل الاقتحام رفع المستوطنين علم الاحتلال داخل الأقصى، وأدى آخرون رقصاتٍ
استفزازية وهتافات تدعو إلى بناء "المعبد"، إضافةً إلى أداء نشيد
"الهاتيكفاه" بشكلٍ جماعيّ.
انطلاق
الاستعدادات لاقتحام الأقصى في عام 2023
على غرار الأعوام
السابقة أطلقت المنظمات المتطرفة استعداداتها لتنفيذ اقتحامات حاشدة للأقصى
بالتزامن مع "يوم القدس"، فقد بدأت هذه المنظمات بالترويج لاقتحام
المسجد بهذه المناسبة، ولكونها ستحل هذا العام في 19 أيار/مايو 2023، وسيكون يوم
الجمعة، وهو اليوم الذي لا يشهد فيه الأقصى اقتحامات عادة، وهو ما دفع المنظمات
المتطرفة إلى دعوة أنصارها إلى اقتحام المسجد الأقصى في اليوم الذي يسبقه، (الخميس،
18 أيار/ مايو 2023)، وتطلق "منظمات المعبد" عداً تنازلياً حتى حلول هذه
المناسبة. ومن المتوقع أن تستمر الاستعدادات في الأيام القادمة، مع إطلاق المنظمات
المتطرفة المزيد من الدعوات إلى جمهورها على غرار السنوات الماضية.
أخيراً، تُظهر
استعدادات أذرع الاحتلال لاقتحام الأقصى أو مسيرة الأعلام، إلى تصاعدٍ مستمر في
الاعتداء على القدس والأقصى، وأن مواجهة هذا التغول هو الخطوة الأساسية لردع
الاحتلال وكف يده على غرار ما جرى في شهر رمضان الماضي بالتزامن مع اقتحامات
الأقصى في "عيد الفصح"، وتدخّل المقاومة الذي أربك الاحتلال ودفعه إلى
التراجع بعض الشيء، وهو تدخل سيكون أسهل في حال تطورت الأوضاع في غزة، خلال الأيام
القادمة. وهي عوامل -بطبيعة الحال- تستدعي جهداً استثنائياً، لمواجهة المخاطر داخل
فلسطين، ولحشد المزيد من التفاعل في خارجها.