الرد
الإسرائيلي على
القمة العربية وعلى البند المتعلق بقضية
فلسطين كان
سريعاً، بتخصيص ميزانية ضخمة لتوسيع الاستيطان في مدينة القدس، بعد قيادة الصهيوني
المتطرف بن غفير لمسيرة الأعلام بشكل استفزازي؛ أثناء التحضير لجلسات القمة
العربية وتحضير الوزراء العرب البيان الختامي والبند المتعلق بقضية فلسطين، وبجملته
الخادعة عن التمسك العربي "بالمبادرة العربية للسلام" وباعتبار القضية
الفلسطينية مركزية ومحورية، ثم انعقاد جلسة لحكومة بنيامين نتنياهو وائتلافه
الفاشي داخل نفق تحت حائط البراق التهويدي، إلى رصد ميزانية ضخمة (3 مليار شيكل)
تمتد على خمس سنوات لتوسيع الاستيطان في القدس ولجذب آلاف المستوطنين الشباب
وتهويد المدينة بالكامل للقضاء على الوجود العربي والمسلم في المدينة..
هذا الرد يُعطي انطباعا سريعا عن ثوابت عربية وفلسطينية شعبية بأن سياسات
المواجهة والرد العربي المتقاعس تمنح
الاحتلال ومشروعه الاستعماري مزيدا من الوقت
لتمرير العدوان، وأن كل ما قيل ويقال بألسنة عربية رسمية لا وزن ولا قيمة له، وأن
وقعه في نفس المؤسسة الإسرائيلية له وقع الطمأنينة، ووقعه في الشارع العربي
والفلسطيني يبعث على القلق على مصير القضايا العربية كلها.
كل قمة عربية وكل اجتماع عربي يتداعى لبحث لجم العدوان، يعني للمؤسسة الصهيونية والحكومات الإسرائيلية أن لا شيء يخشى منه المشروع الاستعماري الصهيوني ويهدده، سوى من يمارس صموده ونضاله فوق أرضه، وأن السياسات العربية تزعم حرصها على القضية وحقوق الشعب الفلسطيني من خلال المبادرة العربية للسلام التي لم تعد شروطها وبنودها وظروفها صالحة للتداول والطرح
فالحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ قمة بيروت في آذار/ مارس 2002، أدمنت
سماع ديباجة عربية عن المبادرة العربية للسلام، مع قائمة طويلة من قمم سابقة
ولاحقة عن فلسطين كقضية مركزية، وعن حرص العالم العربي على المقدسات والحقوق
الثابتة للشعب الفلسطيني برفضه للإجراءات الإسرائيلية.
وكل قمة عربية وكل اجتماع عربي يتداعى لبحث لجم العدوان، يعني للمؤسسة
الصهيونية والحكومات الإسرائيلية أن لا شيء يخشى منه المشروع الاستعماري الصهيوني
ويهدده، سوى من يمارس صموده ونضاله فوق أرضه، وأن السياسات العربية تزعم حرصها على
القضية وحقوق الشعب الفلسطيني من خلال المبادرة العربية للسلام التي لم تعد شروطها
وبنودها وظروفها صالحة للتداول والطرح، بعد انتفاضة الأقصى وإعادة احتلال الضفة
ومصادرة ما تبقى من الأراضي، والأهم أن الأنظمة المتمسكة بهذه المبادرة إلى جانب
الاحتلال، خرقت مبادئ الالتزام بها بالتطبيع معه في ظل تصعيد عدوانه وتوسيع رقعة
الاستيطان وتهويد مدينة القدس ووضع سياسات لطرد سكانها العرب، ومع وصول أقطاب
الفاشية الصهيونية لسدة الحكم في إسرائيل بزعامة نتنياهو حرصت بعض الأنظمة على
أفضل علاقاتها السياسية والأمنية والتجارية مع الاحتلال وأكسبته مزيدا من نقاط
القوة.
والسؤال الأزلي المطروح أمام سياسات عربية تمتهن الخداع والتضليل لشعوبها:
لماذا تغيب سياسة رصد الميزانيات العربية "الضخمة" على سبيل المثال لتمكين
المقدسيين من الصمود ودعمهم في المدينة التي تتهود شيئاً فشيئاً، على غرار
ميزانيات الاحتلال المرصودة لطمس هوية المدينة؟ إن كانت فعلاً هناك جديّة ومصداقية
في الحرص على عدم ضياع القدس وبقية الحقوق الفلسطينية، مع إدراك المؤسسة الصهيونية
لعدم امتلاك السياسة العربية جدية دعم الشعب الفلسطيني وقضيته، بطريقة تُلجم
العدوان عنه. وبحكم اختلاف الأداء العربي الرسمي في عقد الثورات العربية وتغيير
الأولويات والمرجعيات، اتسعت مساحة العدوان وتطورت، وتسلحت ببعض الفجور العربي
الرسمي المتحالف معها.
وهنا يمكن للمرء تخيل أو تصور القواعد التي يتسلح بها النظام العربي
بالنسبة للقضية الفلسطينية مستقبلاً، في ظل وقائع تجيب عنها السياسة الإسرائيلية
كل يوم في كل المدن والقرى الفلسطينية، وقائع تراكمت في استباحة كل شيء أمام عجز
فلسطيني وعربي يتخذان من الأوهام بوصلة وشعارا لا فائدة وفاعلية منهما لمواجهة
العدوان.
لا شيء يمتلكه النظام العربي في سياسته وقوته يخيف أو يمنع المحتل من المضي في عدوانه؛ إلا في رفع السطوة والقمع الداخلي عن مجتمعات عربية، ولو كان غير ذلك، لما استمرت النكبة خمسة وسبعين عاما
إثارة نوع من الأسئلة المتعلقة بوزن ومصداقية سياسة عربية بالقضية
الفلسطينية يثير سخرية، لأن لدينا قناعة راسخة بأن الاحتلال الإسرائيلي عمل على
توظيف هذه البيانات والسياسة العربية الجوفاء، لانتزاع مزيد من الحقوق والأرض
الفلسطينية منذ مؤتمر مدريد 1991 وإلى اليوم. وما تخلل هذه التواريخ من تكويع
فلسطيني كبّل السلطة في أوسلو ثم الانزلاق العربي اليوم نحو الاستبداد والقمع
الداخلي، يوضحان أن الزعم العربي بمركزية القضية أو التمسك بدعمها بشكل رسمي، لا
يعني الدفاع عن الفلسطينيين مباشرةً أثناء تعرضهم للعدوان، أو الالتزام بحماية
مقدساتهم المنتهكة بالتهويد والطمس والأسرلة.
ولا شيء يمتلكه النظام العربي في سياسته وقوته يخيف أو يمنع المحتل من
المضي في عدوانه؛ إلا في رفع السطوة والقمع الداخلي عن مجتمعات عربية، ولو كان غير
ذلك، لما استمرت النكبة خمسة وسبعين عاما. ومن اتخذ تقويماً آخر لقضية فلسطين منذ
العام 1967، ويأمل قيام الدولة الفلسطينية عليها بعاصمتها القدس الشرقية، تُكذبه
الوقائع القاطعة لكل الأوهام التي يصر على التمسك بها الطرف العربي والفلسطيني.
وعليه تبدو السياسة العربية بعد قمة جدة صفرية بكل المقاييس، بعد هدر
إمكانيات عربية وفلسطينية وتسخيرها مع أصفار سياسية عربية في مشاريع قادت حتماً
لتطبيق الحصار الفعلي والمادي على النضال الفلسطيني.
ديباجة منع التصعيد بما يخص الاحتلال وسياسته، ومطالبته بالكلام لوقف التصعيد والعدوان والالتزام بالمواثيق والأعراف الدولية المتعلقة بقضية فلسطين، استعادة لنغمة ومعزوفة يرددها العرب في قممهم واجتماعاتهم ومنابرهم بهدف تبرير الرضوخ الذي أطاح بثوابت وحقوق عربية وفلسطينية
واليوم، كل ما يحيط بالعالم العربي بعد قمة جدة يبعث على الخوف عربياً
وفلسطينياً، لرغبة عربية فجّة باستتباب الأمن والعمل على هدوء الأوضاع في المنطقة
ولو بشكل دموي، وتخصيص مليارات لقيادة الانقلاب على الشعوب وتسليح أنظمة القمع
العربي لبعضها بالقسوة الرهيبة والتواطؤ الشامل، بالتأكيد لن تخصص مثلها لدعم
قضيتهم المركزية أو منع تهويد القدس.
وديباجة منع التصعيد بما يخص الاحتلال وسياسته، ومطالبته بالكلام لوقف
التصعيد والعدوان والالتزام بالمواثيق والأعراف الدولية المتعلقة بقضية فلسطين،
استعادة لنغمة ومعزوفة يرددها العرب في قممهم واجتماعاتهم ومنابرهم بهدف تبرير
الرضوخ الذي أطاح بثوابت وحقوق عربية وفلسطينية؛ لا يمكن استردادها إلا بجهد جماعي
منسق يتفق على الأساسيات التي خاضتها الشعوب العربية منذ أكثر من عقد للمرة
الأولى.
twitter.com/nizar_sahli