وضع
الأطفال السودانين في ظل الحرب الدائرة في العاصمة الخرطوم وفي
مناطق من دار فور، وضعٌ مفجع، ويفوقه مأساوية وضع الأطفال في الصومال واليمن..
وهؤلاء وسواهم من ملايين الأطفال
العرب في مخيمات النزوح واللجوء، وفي أماكن
الحصار وانعدام الأمن والاستقرار في سوريا والعراق وليبيا ولبنان وفلسطين، يعيشون
في جحيم البؤس، فلا هم مع الأحياء ولا مع الأموات.. محرومون جميعاً من طفولتهم،
وبلا تعليم ولا مدارس تصلح للتعليم، ومنهم من يسحقه وأهلَه الفقرُ فيضطر للبحث عن
لقمة العيش في سوق عمل لا يرحم.. فأي مستقبل ينتظر هذه الأجيال، وأية مخارج لها من
حروب وصراعات وأزمات، ومن ممارسات حكمٍ وحُكام تراكم المآسي وتسبب الكوارث، وتهدد
مستقبلهم، مستقبل الأمة، فالأمة أجيالها؟!
الطفولة البريئة في أكثر أقطار وطن العرب تعيش الجوع والفقر والحرمان
والجهل، ويفترسها المرض والخوف، ويتغشَّاها الظلم والجور.. وترى ذويها ويراها
ذووها من أمهات وأخوات وجدات وآباء وأجداد في خضم البؤس واليأس، ينتظرون الفرج بعد
كل شدة فتأتيهم الشِّدة ولا يأتي الفرج.. يذرفون الدموع، ويذوبون حسرات، ويشعرون
بالعجز والقهر.. والكبار يرون ذراريهم بكاءً ودماءً وأشلاء، وأوطانهم خراباً
ودماراً، وحكَّامهم تناحراً وتفاخراً وطغياناً واستكباراً، وأنظمتهم تخبطاً
وفساداً وإفساداً، وأرضهم مُزَلْزَلَة، والآفاق من حولهم قاتمة مغلقة تومِضُ
بالمخاطر، ويجوس فيها الباغي والفاجر، ويَزْورُّ عنهم المأمولُ فيهم، لأن أولئك
يخافون ويعجزون حتى عن تقديم الابتسامة لهم.؟!
هؤلاء الصغار والكبار، المستلبون المستضعَفون المُحاصرون بالظلم
والرعب والضيق والتضييق، هم عرب منا وفينا، ومسلمون يعرفون أن الله هو العدل
المطلق، وأنه لا يظلم أحداً ولا يُظلَم عنده أحد، ولم يقضِ بأن تزر وازرة وزر
أخرى.؟!.. فكيف يتصورون أو يُصَوَّر لهم أن ما هم فيه من أحوال وأهوال يعجز عنها
الوصف، هي عقاب لهم من"الرحمن الرحيم" على جرائم لم يقترفوها، وأفعال
منكرة لم يأتوها، وآثام وخطايا لم يرتكبوها.؟! إنهم يدركون جيداً أن ما يصيبهم هو
فعل بشر من أشر البشر، أناسٌ لا يرعون لله حرمة، ولا يحترمون حقوق الإنسان وحق
المواطَنة، ولا يراعون للأخوة في الوطن والدين إلَّاً ولا ذمَّة، ويعيشون حالة
عدوان مطلق على الحق والإنسان.
يضطهدون البراءة ويتهمونها، والبراءة طهارة قلب ويد لا تأمر بالشر،
وأكفّ صغيرة تضرع إلى الله تعالى أن يعينها، ولا تكاد ترفع اللقمة إلى الفم إن هي
وجدتها.. لا تبطش، بل هي من الضعف بحيث لا ترد البطش عن نفسها.. فكيف تَخْطَأ
وتأثَم وتتهم وتلاحق؟!.. ولماذا تدفع ثمن الخطايا والآثام؟!
الطفولة البريئة في أكثر أقطار وطن العرب تعيش الجوع والفقر والحرمان والجهل، ويفترسها المرض والخوف، ويتغشَّاها الظلم والجور.. وترى ذويها ويراها ذووها من أمهات وأخوات وجدات وآباء وأجداد في خضم البؤس واليأس، ينتظرون الفرج بعد كل شدة فتأتيهم الشِّدة ولا يأتي الفرج..
إننا حيال وضع يتهدد أمتنا في مستقبلها، فأطفال أمة هم مستقبلها.
ومَن أجل أطفال أمتنا والذين يعانون من أبنائها المنكوبين بألف لون ولون من
النكبات، ومن أجلنا اليوم وغداً، نحن الواقفين على شفير الهاوية، ننظر ونبصر
وتقشعرُّ أبداننا مما نرى ونتصور.. من أجل
هذا وسواه ندعوا الذين تشغلهم مناصبهم ومراتبهم ومكاسبهم، ومَن تعميهم أحقادُهم
وشهواتُهم وثاراتهم وانتصاراتهم الشخصية ومصالحهم الخاصة، عن رؤية الواقع واستشراف
المستقبل.. ندعوهم إلى أن ينظروا إلى واقع الناس نظرة مسؤول ذي لب رقلب وضمير، وأن
يهتموا بالأطفال العرب، مستقبل الأمة، الذين يعانون ما يعانون وقد يصبحون ولا
يمسون، وإذا نجوا من الكوارث التي تحيق بهم قد يسقون الناس من الكأس التي شربوا
منها، فينقلب الوضع ضغثاً على إبَّالة.
ونناشدهم أن يفكروا في ما ينتظرهم وما ينتظر المجتمع والأمة من
مستقبل إن لم تعالج الأوضاع المأساوية للأجيال، وتتاح لهم فرص التعليم والتربية
والعناية الصحية ويوفَّر لهم ما يقيم شأن الإنسان من علم وخُلُق ومعرفة بإحسان..
لأنه إذا ما استمر أطفالنا في الأوضاع التي هم فيها، قضايا وضحايا ومشاريع خطر
وضرر، ونشئؤوا في مناقع الحروب والفتن
والفساد، وفي مستنقعات الأمية والجهل والفقر، واستبد بهم الظلم والطغيان والقهر
وألفوه وتلقفوه.. فإن الأمة كلها ستدفع الثمن الفادح: تخلفاً شاملاً مع ما يجلبه
التخلف ويسببه من نتائج ومصائب، وإفلاس خُلُقي وروحي وانحلال قد يأتي على الانتماء
والاعتقاد والهوية، ويحيي فتناً ومحناً ويجددها، ويزيد الخراب خراباً يشمل المادي
والمعنوي، ويأتي على العقول والأنفس.
لذا نسترعي نظر مَن يعنيه الكلام معنى ومبنى، ويعنيه العقل والفكر
والضمير والمصير، ويحرص على ما يرضي الله سبحانه ويقيم القيم ويبني الإنسان
وينفعه: إلى أن أجيالاً من أبناء الأمة في محنة وامتحان، والأجيال هي مستقبل
الأمم.. وأن خير الاستثمار هو في الإنسان، وما نستثمره في التعليم والتربية والصحة
الجسدية والعقلية والنفسية للناشئة نلقاه ازدهاراً وتقدماً وغلالاً وفيراً في كل
مجال من مجالات الحياة، وثمراً يانعاً في كل فصل من الفصول، وقوة ومنعة، وأمناً
وسلماً ومكانة بين الدول والأمم في العلم والتقانة والإبداع، وصوناً للشعب والوطن
والسيادة، وحرصاً على العقيدة والهوية والانتماء والقيم الخيرة، وعلى رأسها القيم
الأخلاقية والوطنية والقومية والإنسانية.. ونجده حباً للناس والوطن، وتضحية وبطولة
وقدوة حسنة.
إن ما يقيم الدول ويديمها، وما يبني الشعوب والأفراد والمجتمعات
ويسعدها هو: إقامة العدل، واحترام الإنسان، وسَعة أفق الحرية المسؤولة، وتكوين
المواطن الطموح المتفرِّد، المتحرر من الخوف والتبعية والحاجة ومن كل ما يعيقه عن
الاختراع والابتكار والإبداع. إن الظلم والقتل والاستبداد والاستعباد لا يبنى
مجتمعاً ودولة ولا يرفع أحداً قدوة.. وإن ما يُصلح المجتمع ويَصْلُح للحكم الرشيد،
وينفع الناس، ويبني الأوطان: هو العمل الذي يحيي الأنفُس، ويُشرع أبواب الأمل،
ويرفع من شأن الإنسان القيمة ومن قيمة الإنسان، وما يحفظ الحقوق كافة لأصحابها،
ويقيم المساواة بين الناس بعدل وإنصاف.. ويبقي ما تمليه تعاليم الأديان وشرائع
الإنسان مراجع وأسس حكم واحتكام ومآلات.
إن الشعب هو القوة والمنعة، هو الذي يُنتج ويبني ويحمي ويضحي، وهو الذي يكتوي بنار الحروب، ويدفع ثمن الصراعات وتكاليف الأزمات.. وأنه في هذا الزمن العربي فقد الكثير الكثير مما يبقيه قيمة وقوة ومصدر سلطة، وبإضعافه أضعف الدول والحكام والأمة، وفقد الكثير مما يبقي أفراده على قيد الحياة، ويوفر لهم الرزق والكرامة التي منحهم الله إياها
ونقول للذين تعنيهم إرادة الشعب ولا يلغون وجوده أو يصادرون إرادته:
إن الشعب هو القوة والمنعة، هو الذي يُنتج ويبني ويحمي ويضحي، وهو الذي يكتوي بنار
الحروب، ويدفع ثمن الصراعات وتكاليف الأزمات.. وأنه في هذا الزمن العربي فقد
الكثير الكثير مما يبقيه قيمة وقوة ومصدر سلطة، وبإضعافه أضعف الدول والحكام
والأمة، وفقد الكثير مما يبقي أفراده على قيد الحياة، ويوفر لهم الرزق والكرامة
التي منحهم الله إياها، " إنَّا كرَّمنا بني آدم"، والكثير مما يعنيه
الوطن للإنسان، وما يبني الوطن ويبقيه مستقراً ودار أمن وأمان ومصدر فخر وافتخار..
وها هو يفقد القدرة على حماية نفسه وأطفاله ومستقبله.. فأنقذوه بإبعاد ظلالكم
الكثيفة عن شمسه التي تمنح الحياة، ليرى ويتعافى ويسير رافعاً الرأس بين الشعوب.
إنه شعب عريق كريم معطاء ومطالبه عادلة وليست كثيرة ولا كبيرة: إنه
يريد أن: يتوقف القتل والإرهاب والاستثمار في الإرهاب، والإرهاب باسم مكافحة
الإرهاب. وأن تتوقف عواصف الرعب وصواعق الظلم وفظائع المتحكمين برقاب العباد.. وأن
تنتهي حروب الآخرين " دولاً وأمماً" به وعليه، وصراعاتها في وطنه، وأن
يحمي وجوده.. يريد أن يَستتبَّ الأمن، ويُستَنبَت الأملُ في الأنفس بعد تنظيفها من
الدِّمن وممن ينشرون الدمن والفتن ويستثمرون فيها، وأن يُلجَمَ الفتنويون
والمفتونون بالقوة والفتنة، وأن يُحجَر على المصابين بجنون الحروب، وجنون
العَظَمَة، وتسلط السلطة، وشهوة الثروة، والمصابين بلوثات أخرى تكون أرواح الناس
وأسباب عيشهم واستقرارهم في ديارهم رهناً بها وثمناً لها.. وأن ينتهي التطرف
والعنف والتسلط والطغيان، وينحسر الفكر الذي يغذيه وينميه، وأن تُعالج الأسباب
التي تجعل له حواضن اجتماعية وسياسية وجذوراً عقائدية وعنصرية..
ويريد الشعب أن يكشف الستار عن كل ما هو خيانة وفساد وإفساد وعيب
وعار، ليتعرى من يتخفى وراء ذلك كله ويستثمر فيه ويغذيه، ويستنزف الأمة وطاقاتها
وثرواتها وقدرة أبنائها ليقضي على قدراتها ومستقبلها بالقضاء على أجيالها.. يريد
ذلك لكي يوضَع حدٌ لمن يعملون على تدمير بلدان العرب بلداً بعد بلد، وعلى تعطيل نبض
قلب الشعب فيها، ونقض معمار هويتها والانتماء والإيمان في الأمتين العربية
والإسلامية. يريد ذلك لكي يعيش بأمن وسلم واستقرار، ويدحض عنه العدوان والمخطط
الإجرامي العنصري - الاستعماري الذي يستهدفه ويرمي إلى تدميره خدمة للصهاينة
العنصريين وحلفائهم ومشروعهم، ومن يلوذ بهم وبحلفائهم من متآمرين ومتاجرين بالوطن
والشعب والتاريخ، ليبقوا من ذلك على ما يتماهى مع وجودهم ويحْمي مصالحهم وينفذ
مشاريعهم في أرض العرب والمسلمين.
ونسأل الله تعالى لأمتنا وأطفالها كل خير.