في السابع من أيلول/ سبتمبر 1978 وقَّع السادات اتفاق كامب ديفيد مع
الإرهابي مناحيم بيغن. إثنتان وعشرون سنة مرت على ذلك التوقيع والتطبيع قبل أن
يولد
محمد صلاح إبراهيم في عام 2001 في شارع أحمد عصمت بمنطقة عين شمس شمال شرق
القاهرة.. وإثنتان وعشرون سنة كان عمر ذلك المُجند
المصري، محمد صلاح إبراهيم،
عندما كان يؤدي الخدمة العسكرية في الأمن المركزي المصري عند الكيلو 47 في منطقة
العوجة في سيناء فجر يوم السبت الثالث من حزيران/ يونيو 2023.. يوم ارتقى شهيداً
بإذن الله، في أثناء حراسته على الحدود مع كيان الإرهاب والعنصرية والاحتلال
"إسرائيل".
أربعٌ وأربعون سنة مرت بين التوقيع بالحبر على اتفاقية الاعتراف
والتطبيع في كامب ديفيد بين بيغن والسادات، والتوقيع بالدم الذي وقعه محمد صلاح
باسم مئة مليون من شعب مصر الأبي، تعبيراً عن رفضهم المستمر للاعتراف بالعدو
الصهيوني وتطبيع العلاقات معه، ذلك الرفض الذي ظهر في التعامل الشعبي والوجدان
الجمعي من دون انقطاع.
لم يكن هذا الشاب المصري المُتحدر من قرية العَمار في محافظة
القليوبية الذي انتصب قامة شامخة في سيناء، تحكي حقيقة الموقف والحس الشعبيين
للمصري النقي الذي لم تَشبه شوائب التطبيع، ولم ير يوماً في كيان الإرهاب الصهيوني
"إسرائيل" سوى العدو الأول لمصر والعروبة والإسلام والسلام. لم يكن بطل
معبر العوجة السيناوي " سياسياً ولا مثقفاً ولا جامعياً ولا حزبياً ولا
إسلامياً ولا متطرفاً ولا متعصباً.."، بشهادة من عرفوه وساكنوه منذ ولادته في
شارع أحمد عصمت في منطقة عين شمس.. بل كان مصرياً بسيطاً يعيل أسرته مع أخيه بعد
وفاة والدهما.. كان شاباً منتمياً لوطنه وشعبه وأمته، ومسلماً طيب القلب يسأل الله
تعالى أن يكتبه في الصالحين.
لقد قضى محمد صلاح إبرهيم نحبه في معبر العوجة، إثر مواجهة أُعلن
أنها كانت مع مهربي مخدرات لاحقهم عبر الحدود، وقالت "إسرائيل": "إن اثنين من جنودها قضوا في ملاحقة مهربي المُخدرات أولئك، ثم اعترفت لاحقاً بأن ذاك
المُجند في الأمن المركزي المصري
قتل ثلاثة من جنودها وجرح رابعاً، ونعتته
بالمُخرِّب.. ".
أربعٌ وأربعون سنة مرت بين التوقيع بالحبر على اتفاقية الاعتراف والتطبيع في كامب ديفيد بين بيغن والسادات، والتوقيع بالدم الذي وقعه محمد صلاح باسم مئة مليون من شعب مصر الأبي، تعبيراً عن رفضهم المستمر للاعتراف بالعدو الصهيوني وتطبيع العلاقات معه، ذلك الرفض الذي ظهر في التعامل الشعبي والوجدان الجمعي من دون انقطاع.
لقد استشهد محمد صلاح في المواجهة الثانية مع الجنود الإسرائيليين،
بعد مواجهة أولى معهم فجر أو صباح يوم السبت 3/6/2023 قَتَل خلالها ببندقيته
الطويلة إثنين منهم وجرح ثالثاً، وفي المواجهة الثانية بعد مرور وقت قصير من حدوث
المواجهة الأولى قتَل جندياً إسرائيلياً ثالثاً وجرح آخر برتبة عالية، وقتَلَه
العميد الإسرائيلي المسؤول عن الموقع، فارتقى شهيداً.. شهيداً بإذن الله.".
لم يذكر أيٌّ من الجيشين المصري والإسرائيلي أن مهرباً قد قُتل أو
أسر في تلك المواجهة هناك.. فكيف لاحق المُجند المصري والمجندون الصهاينة
المهربين، وقُتلوا هم ولم يُقتل مهرِّبٌ واحد؟! فهل كان المهربون الذين لاحقهم
مجند الأمن المركزي المصري هم مجندون صهاينة قتل منهم وقتلوه.. أم ماذا..؟!.
الواقعة المعلنة ذات الدلالة والرمزية في المكان/ سيناء، والزمان/ حزيران- يونيو، والانتماء للوطن والأمة/ مصر والعروبة، تؤكد أن محمد صلاح إبراهيم أرسل إلى
الجحيم ثلاثة إرهابيين عنصريين صهاينة مِن الذين يحتلون أرضاً مصرية في شبه جزيرة
سيناء، هم "ليا بن نون، أوري إيلوز، والرقيب أوهاد دهان، ويُقال في خبر لم
يتأكد بعد أن رابعاً لحقهم هو الجريح ذو الرتبة العالية.
لقد أعاد ذاك المُجنَّد الشهيد الكتابة بالدم المصري الطهور "أنه
ضد
الاحتلال، وأن كل شبر من سيناء هو مصري يجب أن يُحَرَّر".. ومن ذا الذي لا
يعرف أن سيناء مصرية، وأن وجود الصهاينة فيها احتلال، وأن ما أقيم فيها من وجود
وحدود لكيان الإرهاب والعنصرية الصهيوني " إسرائيل"، وما وقَّع عليه
السادات وبيغن من اعتراف وتطبيع، يرفضه الشعب المصري الأبي، ويجدد رفضه له
بالممارسة والدم منذ عشرات السنين.
يعتزُّ المصريون خاصة والعربُ عامة ببطل معبر العوجة الذي لم يكن
يخفي تعاطفه مع الفلسطينيين في غزة، وكانت تجيش في نفسه الانفعالات والعواطف
الوطنية والقومية كلما اعتدت عليهم "إسرائيل" في غزة.. ولطالما اعتدت
"إسرائيل"، فتاريخها ووجودها هو العدوان المستمر، وكم أزهقت من أرواح
ودمرت من عمران في مصر وسورية ولبنان والأردن والعراق وفي فلسطين عامة والقدس وغزة
خاصة.. وكم عانا أهلُ غزة من الاحتلال والقصف والحصار الصهيوني المفروض عليهم منذ
نَيِّفٍ وسبعة عشر عاماً.. وكم سأل نفسه شباب عرب من المحيط الأطلسي إلى الخليج
العربي، مثل ما سأل نفسه ذلك الشاب المصري الذي يمثل أجيالاً من شباب الأمة
العربية: إلى متى يستمر قتل الفلسطينيين في غزة والقدس والضفة الغربية، ويستمر
مسلسل اضطهادهم وإبادتهم المُمنهجة، وملاحقتهم في بيوتهم، وانتزاع أرضهم وأملاكهم
منهم، وتدنيس مقدساتهم، مقدسات العرب والمسلمين والمسيحيين، ويُزجُّون في
المعتقلات والسجون الصهيو ـ نازية لعشرات سنين، ويخرج كثيرون منهم من السجون
والمعتقلات إلى المُقابِر..؟! ويجري كل ذلك في ظل صمت عربي رسمي مُريب عَجيب
مُعيب، وهم جزء من الأمة العربية، ومتى تلتفت الحكومات العربية والعالم إلى
مأساتهم الرهيبة المزمنة التي تكرُج وتكبُر منذ خمسة وسبعين عاماً.؟!.
هل يفهم الصهاينة العنصريون والتلموديون الفاشيون، ومَن خلفهم مِن حَمَلَة الرسيس الصليبي والتابعين الخانعين.. أن القوة والغطرسة والفساد والإفساد، والممارسات الإرهابية وغيرها ضد أبناء الأمتين العربية والإسلامية لن تجعلهم مقبولين في المحيط العربي ـ الإسلامي؟
كان الإرهابيون الصهاينة الأوائل، من وايزمن إلى بن غورون ومن غولدا
مائير وبيغن إلى نتنياهو، ومَن وقف وراءهم
من الأمريكيين والأوروبيين والروس و.. و.. كانوا يقولون عن الشعب الفلسطيني، بعد
كذبة: أرض بلا شعب لشعب بلا أرض: "سيموت الكبارُ ويَنسى الصغار"!؟!..
وإليكم النتيجة بعد ثمانية عقود من التآمر والحروب والقتل والنكبات والكوارث..
النتيجة: أن الشعب الفلسطيني منزرعٌ في وطنه، والشباب الفلسطيني جيلاً بعد جيل
يقاوم ويحمل راية التحرير في القدس وجنين ونابلس وغزة، ويقوم بالبطولات ويقدم
التضحيات، وأن جيلاً من شباب الأمة العربية في أقطارها يحمل راية فلسطين ويرفعها
قضية شعبها قضيته الأولى، ويكتب باسمها آيات الحرية والتحرير.. ولم يكون ولن لن
يكون محمد صلاح إبراهيم، بطل معبر العوجة الذي جدد الوجدان الشعبي المصري العزيز
المُعِز، وجلا ما لحق بصورته من غبار الزمن، سوى طليعة متجددة ورمز يضاف إلى
الرموز من أجيال عربية تعلن عن أصالتها وانتمائها لأمتها، وعن أن فلسطين قضيتها،
وأنه بعد كل هذه السنين من التطبيع الرسمي مع كيان الإرهاب "إسرائيل"،
تستمر المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني باللحم والدم والإرادة والعزم، وبما يتوفر
ويُصْنَع من السلاح.. وأن الشهداء مشاعل تضيئ الدروب، ويُرفعون أبطالاً وقدوة
ورموزاً.. وأن رسالتهم الموجهة للأنظمة العربية المطبعة والتابعة والمُتماهية مع
العدو في "برهمة" لا صلة لها بإبراهيم الخليل، ولا أساس لها ولا شرعية
ولا مستقبل.. فـ "إسرائيل" كيان عنصرية وإرهاب وتلمودية فاشية.
إن الشهيد بإذن الله، محمد صلاح إبراهيم، يوجه رسالة باسمه واسم من سبقه
إلى الشهادة من أبطال المقاومة الفلسطينية في فلسطين تقول: "إن الشعب في مصر
وفي غيرها من أقطار الوطن العربي، وعلى رأسه جيل الشباب، يرفض الاعتراف بالعدو
الصهيوني ويرفض التطبيع معه، ويقاوم وسيقاوم حتى تحرير فلسطين، واسترداد الشعب
الفلسطيني لوطنه التاريخي فلسطين.. وأن كيان الصهاينة العنصري الإرهابي المغتصب
المحتل إلى زوال.".
فهل يفهم الصهاينة العنصريون والتلموديون الفاشيون، ومَن خلفهم مِن
حَمَلَة الرئيس الصليبي والتابعين الخانعين.. أن القوة والغطرسة والفساد والإفساد،
والممارسات الإرهابية وغيرها ضد أبناء الأمتين العربية والإسلامية لن تجعلهم
مقبولين في المحيط العربي ـ الإسلامي، وأن أبناء الشعب في الوطن العربي لم ينسوا
ما عانوه من الصهيونية الفاشية والغرب الاستعماري، وأنهم لن يتخلوا عن هويتهم
وانتمائهم ودينهم وقضاياهم العادلة، ولن يقبلوا أنظمة عربية تتخلى عن شعبها
وقضاياه وتتواطأ مع أعدائه ضده.. وأن الأعداء مهما بلغوا من القوة والتجبر
والتطرف، ومهما استقووا وطغوا وأفسدوا سيهزمون.؟! وهل يفهمون يا تُرى معنى أن
يرفضهم الشعب العربي، وأن تختار أجياله الشابة خيار المقاومة وترفض الاعتراف
والتطبيع والتنازل والاستسلام.. وأنه جيلاً بعد جيل ستبقى القدس ويبقى المسجد
الأقصى وقضية فلسطين في وجدان أبناء الأمة، ويبقى الهدف الأسمى هو تحرير الأرض
وتحرير الإنسان.
نعرف أن لذلك ثمناً وربما يكون فادحاً، ونعرف أنه يحتاج إلى وقت
وإعداد واستعداد ونضال طويل وصبر كثير، وأنه خيارٌ مُكلف.. ولكنه السبيل الوحيد
لحماية الحقوق والوجود، ولتحرير الأرض والإنسان، وللعيش بحرية وكرامة في الوطن
التاريخي للأمة العربية المجيدة.