صحافة دولية

مسلسل "الوعد": قصة النكبة من منظور جندي بريطاني خدم بفلسطين

تدور أحداث المسلسل في فترة الانتداب البريطاني على فسلطين وقيام دولة الاحتلال - أرشيفية
تدور أحداث المسلسل في فترة الانتداب البريطاني على فسلطين وقيام دولة الاحتلال - أرشيفية
استعرض الصحفي البريطاني، أوسكار ريكيت، مسلسل "الوعد" البريطاني، الذي يتطرق إلى النكبة الفلسطينية من وجهة نظر جندي بريطاني خدم في فلسطين أيام الانتداب، ومن وجهة نظر حفيدته لاحقا، والتي زارت الأراضي المحتلة بعد ستة عقود.

ويحكي الكاتب في مقاله المنشور على موقع "ميدل إيست آي"، قصة المسلسل الذي أنتجته القناة الرابعة البريطانية عام 2011 عن جندي خدم في فلسطين نهاية الحرب العالمية الثانية، واقترح على هيئة الإذاعة البريطانية أن تبادر لعمل فيلم يتناول فترة وجوده في فلسطين.

اظهار أخبار متعلقة



وتحولت رسالة الجندي إلى واقع، بعد أن أعجب المقترح المسؤولة في التلفزيون، جين ترانتر، وحوله إلى مخرج مسلسل "المحاربون" بيتر كوسمينسكي، الذي اعتبر الأمر تحديا.

وبعد عقد من البحث أجرى خلاله كوسمينسكي مقابلات مع ما يزيد عن ثمانين عسكرياً سابقاً خدموا في فلسطين في عهد الانتداب البريطاني، تحولت الفكرة التي تضمنتها رسالة الجندي السابق إلى واقع.

وتاليا المقال كاملا كما ترجمته "عربي21":

في الرابع والعشرين من نوفمبر / تشرين الثاني 1999، كتب جندي بريطاني سابق خدم في فلسطين في نهاية الحرب العالمية الثانية خطاباً وأرسله إلى أحد المسؤولين في التلفزيون.

في خطابه، أعرب الجندي السابق عن إعجابه بالمسلسل الدرامي "المحاربون" الذي أنتجته قناة البي بي سي حول جنود حفظ السلام البريطانيين الذين خدموا في الحروب اليوغسلافية.

اقترح الجندي المسن، الذي كان يخدم ضمن كتيبة المظليين، أن تبادر قناة البي بي سي بإنتاج فيلم حول "وضع مشابه"، ألا وهو الوضع الذي عاشه طوال فترة وجوده في فلسطين.

فما كان من المسؤولة في التلفزيون، جين ترانتر، إلا أن حولت الخطاب إلى مخرج مسلسل "المحاربون" بيتر كوسمينسكي، الذي كان في مطلع الأربعينيات من العمر، واعتبر أن المقترح الذي وصله بمثابة تحد، وقال عن ذلك بعد مرور ما يقرب من خمسة وعشرين سنة: "أذكر أنني رأيت فيما اقترحه علينا نوعاً من التحدي."

بعد مرور ما يقرب من عقد من البحث، أجرى خلاله كوسمينسكي مقابلات مع ما يزيد عن ثمانين عسكرياً سابقاً خدموا في فلسطين في عهد الانتداب البريطاني، تحولت الفكرة التي تضمنتها رسالة الجندي السابق إلى واقع.

في شهر شباط/ فبراير من عام 2011، بثت القناة الرابعة في بريطانيا مسلسل "الوعد".

في الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة، ومع احتفال إسرائيل بذكرى إقامتها هذا الشهر، لم يزل المسلسل الدرامي المكون من أربعة أجزاء بنفس القوة اليوم وبنفس بعد النظر الذي كان عليه حينما ظهر على الشاشات التلفزيونية في المرة الأولى.

اظهار أخبار متعلقة



تحدث موقع ميدل إيست آي مع بيتر كوسمينسكي ومع بطل المسلسل كريستيان كوك حول صناعة هذا المسلسل الدرامي، وحول ما يرتبط به من تاريخ وسياسة، وحول الجدل الذي أثير حوله عندما بدأ بثه، لدرجة أن كوسمينسكي – والذي هو يهودي – وُصم من قبل الجماعات المؤيدة لإسرائيل بأنه معاد للسامية.

حكايات مخفية

يحكي مسلسل الوعد، الذي كتبه وأخرجه كوسمينسكي، قصصاً مترابطة عبر الزمن. بينما كان جدها يرقد في المستشفى في مرض موته، قامت حفيدته التي تبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً، واسمها إيرين (التي تقوم بتمثيل دورها كلير فوي)، بالسفر من بريطانيا إلى إسرائيل برفقة صديقة لها اسمها إيليزا (التي تمثل دورها بيرديتا ويكس)، التي تعود إلى موطن عائلتها من أجل أداء الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي.

تأخذ إيرين معها دفتر مذكرات جدها، والذي انتقل بعد المشاركة في تحرير معسكر الإبادة الجماعية في بيرغين بيلسن إلى فلسطين، حيث ظل متواجداً هناك ضمن ما يقرب من مائة ألف جندي بريطاني حتى نهاية انتداب القوة الاستعمارية على فلسطين في الرابع عشر من مايو / أيار 1948.

أثناء تنقلها من مكان إلى آخر داخل إسرائيل، وكذلك في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين، تؤدي إيرين دوراً أشبه ما يكون بدور المرشد السياحي بالنسبة للمشاهدين.

ومن خلالها نتعرف على شقيق إيليزا، واسمه بول (ويقوم بدوره إيتاي تيران) وعلى صديقه عمر (الذي يمثل دوره هآز سليمان)، وهو عضو سابق في المجموعة الفلسطينية المسلحة كتائب شهداء الأقصى.

كما نتعرف على والدي بول الثريين. والده جنرال سابق غدا الآن زعيماً ليبرالياً يعيش هو وزوجته في منزل كبير يطل على ساحل البحر المتوسط. ونشاهد انتحارياً فلسطينياً، ومستوطنين إسرائيليين ينعقون في وجه الفلسطينيين داخل مدينة الخليل، وإجراءات الجيش الإسرائيلي عند نقاط التفتيش، وهدم منزل عائلة فلسطينية في غزة.

طوال ذلك الوقت تقرأ إيرين ما دونه جدها، لين، في دفتر مذكراته، فتكتشف شخصية ذلك الجندي الشاب الذي غدا الآن شيخاً مريضاً في المستشفى، والذي لم يعرف عنه في حياته إظهار شيء من مشاعر الود تجاه عائلته.

بمجرد أن يصل لين (الذي يمثل دوره كريستيان كوك) إلى فلسطين يجد نفسه ملقى في القلب المظلم للصراع الدائر على الأرض، بين اللاجئين اليهود الفارين من الفظائع التي ترتكب في أوروبا، والسكان العرب من أهل فلسطين، والمليشيات الصهيونية المدربة من قبل بريطانيا، وهي ميليشيات كل همها التخلص من السكان الحاليين للبلاد وكذلك من البريطانيين الذين كانوا حتى وقت قريب سنداً لها.

تفضي الحكاية لا محالة إلى النكبة، تلك الكارثة التي نجمت عن ممارسة المليشيات الصهيونية للتطهير العرقي ضد الفلسطينيين لتمهيد السبيل نحو إقامة دولة إسرائيل في عام 1948.

في عام 2005، تكتشف إيرين، التي تمثل دورها كلير فوي، والتي وجدت مفتاحاً داخل دفتر مذكرات جدها، أن الماضي الذي كان هو أسيراً له لم يمت بعد، بل وتكتشف أيضاً أنه ليس من الماضي، ولذلك تبدأ في السعي من أجل أن تحقق أخيراً وعداً كان قد قطعه لين على نفسه لأحد الفلسطينيين وأسرته.

ظل كوسمينسكي لعدد من السنين بعد قراءته لرسالة الجندي السابق يعمل في المشروع منفرداً، وكان يطلق عليه ببساطة اسم "فلسطين". تشكل المشروع بداية في رحم البي بي سي ولكن بعد أن جبنت القناة عن المضي قدماً فيه هاجر به إلى القناة الرابعة حيث رأى النور.

لم يكن الكاتب يعلم شيئاً عن تلك الفترة التي كان البريطانيون يحاولون أثناءها الحفاظ على السلام، وعن ذلك يقول: "بشكل عام، لم أكن أعرف الكثير عن ذلك الموضوع. ولكن كانت لدي معرفة بأحوال الجنود البريطانيين." وبناء على ذلك، يقول إنه من خلال البحث المكثف والواسع قام بتأليف الحكايات "من وجهة نظر مراقب من الخارج."

من خلال مقابلات أجراها مع ثمانين عسكرياً سابقاً خدموا في الانتداب البريطاني، برز موضوعان اثنان. وعن ذلك يقول كوسمينسكي في مقابلة مع موقع ميدل إيست آي: "إن الذي كتبته هو ما حصلت عليه من قدماء المحاربين."

يقول الكاتب والمخرج في نفس الوقت إن الموضوع الأول هو أنه "كان هناك شعور عام بأنه لا يوجد أحد في بريطانيا يود سماع شيء عن القضية. وذلك أن انتصاراً عظيماً كان قد تحقق في الحرب العالمية الثانية، ولكن كان لدينا مائة ألف رجل تحت السلاح في فلسطين ما لبثوا أن طردوا على يد تشكيلة من المليشيات، فكان ذلك أمراً مذلاً ومخزياً."

اظهار أخبار متعلقة



"عندما عاد الجنود إلى ديارهم شعروا بأنهم منسيون تماماً وبأنه قد تم التخلي عنهم. فلا أحد كان يريد الحديث عن ذلك."

ذلك الشعور بأنك بت منسياً – والإحساس بالعار جراء الانسحاب الإمبريالي وكل الظلام الذي رافقه – يعشعش في الخلفية. في وقت مبكر من المسلسل، نكتشف أن لين تغير أثناء وجوده في فلسطين حتى لم يعد يمكن التعرف عليه، وينتابنا شعور بأنه لربما لم يعد قادراً على الحديث عن الأمر.

مثله مثل الشخصية التي يجسدها، ينحدر كريستيان من مدينة ليدز، وما كان متاحاً من خيارات أمام معظم الشباب من الطبقة العاملة في ذلك الوقت – إما أن يذهبوا للعمل في المناجم أو أن ينخرطوا في الجيش – كان جزءاً من الخلفية التي تم حبكها لبطل المسلسل لين.

في سن 22 عاماً حينذاك، اختير كوك ليمثل دور أعز أصدقاء لين، ولكن انتهى به الأمر وقد أسند إليه دور البطولة في المسلسل بدلاً من جيمز ماكفوي الذي كان من المقرر في الأصل أن يمثل دور البطل. كان ذلك أكبر شيء يقوم به كوك، الأمر الذي جعل الممثل الشاب يشعر بعدم الأمان إذ يسند إليه دور البطولة بدلاً من نجم من نجوم هوليوود المعروفين.

فراح يبحث بجد ويقرأ الكتب، وكان من ضمن ما قرأه كتاب "التطويق والبحث"، وهو عبارة عن سيرة ذاتية لأحد المحاربين القدامى في كتيبة المظليين، يروي فيها تجربته حينما كان يخدم في فلسطين. ثم تحدث مع والد صديق له خدم هناك أيضاً. وفي معسكر تدريبي لمدة أسبوعين مع المستشارين العسكريين لمسلسل "الوعد" في سوريا، تقمص كوك شخصية دانيال داي لويس بالكامل وراح يسأل زملاءه الجنود عما إذا كان بإمكانهم الجلوس معاً "والتحدث حول الحرب التي خضناها لتونا."

كان ذلك يعني بالنسبة للممثل سلسلة من المعارك المختلفة، ولكن كان يعني أيضاً، وبشكل أساسي، تحرير بيرغين بيلسين، حيث قتل النازيون ما لا يقل عن سبعين ألف نزيل.

نشاهد في مسلسل الوعد مادة أرشيفية من معركة التحرير تلك، حيث وجد الجنود البريطانيون ستين ألف سجين يكاد المرض يفتك بهم، واكتشفوا آلاف الجثث غير المدفونة متناثرة هنا وهناك داخل المعسكر.

كما نرى أيضاً ما جرى لبعض أولئك اللاجئين اليهود عندما جاءوا إلى فلسطين، والذين سيقوا إلى أماكن تجميع لا تختلف كثيراً عن تلك المعسكرات التي جاءوا منها. كان البريطانيون حينها يحاولون فرض حد على الهجرة اليهودية إلى المستعمرة، الأمر الذي وضعهم على خط المواجهة المباشرة مع الحركة الصهيونية.

الموضوع الآخر في مقابلات كوسمينسكي مع المحاربين القدامى البريطانيين برز مما يلي، كما يقول كوسمينسكي: "كان الشيء الآخر الذي ذكروه جميعهم هو أنه في البداية ذهبوا جميعاً إلى فلسطين وهم منحازون إلى صف اليهود بسبب المحرقة وبسبب ما شهدوه جميعاً أثناء الحرب."

تجدر الإشارة إلى أن كوسمينسكي نفسه يهودي، كانت والدته قد أتت إلى بريطانيا من فيينا ضمن عمليات إنقاذ وترحيل الأطفال إلى مناطق آمنة.

ويضيف كوسمينسكي: "كان بإمكانهم استيعاب لماذا احتاج اليهود إلى وطن خاص بهم، فكانوا يظنون إن ذلك أمر عظيم. ولكن عندما بدأوا يتعرضون لهجمات واعتداءات المليشيات الصهيونية بدأت مواقفهم تتغير. وعدد غير قليل منهم صادقوا العرب. وبنهاية الحرب، كان جميع الجنود البريطانيين الذين تكلمنا معهم قد بدلوا مواقفهم وانحازوا إلى الجانب العربي."

ونرى ذلك واضحاً في حالة لين، الذي كان بادئ ذي بدء على علاقة مع كلارا (التي تقوم بدورها في المسلسل كاثارينا شتلر)، عميلة المخابرات التابعة للإرغون، تلك المجموعة الصهيونية شبه العسكرية، ثم انتهى به الأمر وهو يشهد ارتكاب نفس هذه المليشيا لمذبحة قتل فيها ما يزيد عن مائة فلسطيني في دير ياسين.

يصاب لين بالصدمة ويتملكه الغضب إزاء ما تفعله المجموعات الصهيونية، ولكنه في نفس الوقت يشعر بإحباط شديد بسبب الإخفاق البريطاني في عمل أي شيء للحيلولة دون ذلك. وعن ذلك يقول كوك: "هذا سلوك معتاد من بريطانيا، التي تستعمر البلدان، ثم تولي الدبر عندما لا يعود الأمر مناسباً أو مريحاً لها."

معاناة الجد المؤلمة

ذلك الإحباط الشديد الذي يشعر به لين بسبب عدم السماح له بحماية الفلسطينيين هو واحد من الأمور التي تربطه كجد بحفيدته. وهذا الارتباط وتلك الأحاسيس المتوازية بين الشخصيتين، والتي تنتقل عبر الزمن، هي جوهر الحكاية التي يرويها مسلسل "الوعد".

وعن ذلك يقول كوسمينسكي: "كنت مهتماً جداً بتصوير علاقة تربط بين فتاة صغيرة وشخص أكبر منها بكثير. أردت أن أروي كيف أن فتاة في الثامنة عشرة من عمرها ترى تقاطر الشعور بالحرج ثم تصل إلى حالة ترى فيها الشاب الذي في الداخل ... من الناحية الدرامية، ذلك كان الدافع الرئيسي لي، ألا وهو أن أروي كيف وقعت الفتاة الشابة في حب جدها."

اظهار أخبار متعلقة



من خلال بعث الحياة في جدها، نرى كيف أن إيرين يدرك مدى المعاناة المؤلمة التي ظل أسيراً لها. يقول كوسمينسكي إن العمل الدرامي كله يتعلق بالآثار المترتبة على تلك المعاناة المؤلمة." إنها المعاناة المؤلمة التي يشعر بها جندي بريطاني شارك في الحرب وكان شاهداً على نهاية الإمبراطورية. إنها المعاناة المؤلمة التي تطارد وجود إسرائيل ذاته.

يقول كوسمينسكي: "كنت أحاول فهم كيف أن الناس الذين تعرضوا لبعض من أسوأ الفظائع والإساءات عبر التاريخ يمكن أن ينكلوا هم أنفسهم بغيرهم ويمارسوا ضدهم الفظائع." وهو بذلك يشير إلى المحرقة وما تمخض عنها من قيام دولة إسرائيل على ممارسة العنف، وذلك الأمر، بلا شك، يذكر بما اشتهر عن إدوارد سعيد قوله: "لا يجوز لك أن تجعل من شخص ما ضحية لأنك كنت أنت ذات يوم ضحية – لابد من وجود حد."

ومن أجل فهم أفضل لذلك، بادر كوسمينسكي – الذي فقدت والدته جميع أفراد عائلتها في المحرقة – ومعه زملاؤه بإجراء مقابلات مع قيادات مجموعة الإرغون، وكذلك مع أكاديميين إسرائيليين، ومع فتيان وفتيات جندوا للخدمة في جيش إسرائيل الموجود حالياً.

تم تصوير المسلسل بالكامل في إسرائيل وتم التنفيذ باستخدام فريق عمل إسرائيلي. كوسمينسكي وكوك كلاهما يقولان إن ذلك كان أصعب عمل قاما به على الإطلاق. ويقولان إنهما اكتشفا أن الفلسطينيين والإسرائيليين الذين عملوا معهم كان كل واحد منهم يروي حكاياته الخاصة عبر مسلسل "الوعد" – سعياً منهم، بطريقة أو بأخرى، للتعامل مع معاناتهم وما يحملونه من ذكريات أليمة.

من المشاهد التي يتضمنها المسلسل مشهد تذهب فيه إيرين إلى منزل عمر، المقاتل الفلسطيني الذي تحول إلى ناشط من نشطاء السلام. يعيش عمر في أبو ديس، بمحاذاة الجدار الذي يمتد على مسافة تصل إلى ما يقرب من 700 كيلومتر، والذي يفصل إسرائيل عن الضفة الغربية المحتلة ونجم عنه تقطيع أوصال المجتمع الفلسطيني.

قام طاقم العمل بعملية بحث واستكشاف مكثفة في المنطقة فوجدوا أن أحد الأشخاص يملك منزلاً يصلح سطحه لتصوير أحد المشاهد من فوقه.

يقول كوسمينسكي: "عندما حضرنا في الصباح لكي نبدأ بالتصوير، خرج إلينا صاحب البيت ليخبرنا بأن مسؤولين من الجيش الإسرائيلي زاروه وقالوا له إنه فيما لو سمح لنا بتصوير المشهد فإن أموراً سيئة ستحصل له." نظراً لأن كل دقيقة تمر تزيد من التكاليف المالية للإنتاج، لم يكن أمام الطاقم من مفر سوى البحث سريعاً عن موقع بديل.

يمضي كوسمينسكي ليقول: "تبين لنا أن ما كنا نقوم به عمل أكثر راديكالية مما كنا نظن."

في أحد المشاهد، وهو تجسيد لما كان قد ورد في مقطع فيديو لحدث حقيقي وقع في الخليل، يصرخ مستوطن إسرائيلي في وجه امرأة فلسطينية ويكيل لها الشتائم.

بعد التصوير، طلب الممثلان التقاط صورة لهما وذراعاهما ملتفان حول بعضهما البعض. توجهت الممثلة اليهودية نحو كوسمينسكي وقالت مازحة وهي ماتزال ممسكة بذراع نظيرها الفلسطيني: "هذه الصورة التي لن تراها أبداً في مسلسل الوعد. فنحن لا نفعل ذلك في حياتنا العادية، ولئن فعلنا مثل هذا الأمر فيكون في العادة بين يهود يمثل بعضهم دور العرب."

عبر مسارها الطويل في مهنة التمثيل في إسرائيل، كانت تلك هي المرة الأولى التي تمثل فيها مع "فلسطيني حقيقي".

وفي مشهد آخر جرى تصويره لتمثيل واقعة في غزة، تستخدم وحدة من الجيش الإسرائيلي إيرين وفتاة فلسطينية صغيرة دروعاً بشرية، لكي تتمكن من الوصول إلى منزل العائلة ودخوله وإخلائه من انتحاري كان في داخله قبل المباشرة بهدمه. عندما كان كوسمينسكي يصور المشهد غدا واضحاً له أن الممثل الذي يقوم بدور القائد العسكري الإسرائيلي كانت لديه خبرة عسكرية حديثة.

بعد الانتهاء من تصوير المشهد، سأل كوسمينسكي الممثل قائلاً: "هل أنت بخير؟" فأجابه الممثل: "حقيقة لا، لست بخير." فسأله: "لماذا؟" فأجاب: "لأنني ضابط احتياط، ويتوجب علي القيام بمثل هذه الأمور." بكى الممثل، فسأله المخرج لماذا وافق على القيام بتمثيل ذلك الدور، فأجاب: "لأن هذه الأشياء تحدث. ونحن بحاجة إلى مواجهتها." في المقابل، كانت إحدى الممثلات الفلسطينيات في ذلك المشهد هي نفسها قد تعرضت لعملية إخلاء منزلي. وعن ذلك قالت مخاطبة المخرج: "ليس صعباً تمثيل ذلك الدور. فهكذا هي حياتنا."

كما وجد كوك فناً يجسد الحياة، فالوعد الذي تقوم عليه فكرة المسلسل كان قد قطعه لين على نفسه لمحمد (الذي يمثل دوره علي سليمان)، والذي يعمل خادماً لدى البريطانيين. تعرف الرجلان على بعضهما البعض ثم تعرف لين على عائلة محمد وزارها، وقابل أفراد أسرته بما في ذلك ابنه الأصغر حسن.

نشأت بين كوك والممثل الفلسطيني علي سليمان علاقة صداقة، ويتحدث كوك بإعجاب شديد عن الأفلام التي شارك فيها علي سليمان، ومنها فيلم "الجنة الآن" (2005) وفيلم "شجرة الليمون" (2008). يقول كوك: "كنت أصور مشهداً مع علي سليمان، وهو المشهد الذي يسلم فيه ابنه المفتاح، وأنا على وشك المغادرة. كنت بين المقاطع التي نصورها أجلس في الطريق، فقلت لعلي، الذي تأثر كثيراً بالمشهد، هل أنت بخير؟ فقال لي: إن معي مفتاح بيت والدي. ما كنا نقوم به أكبر بكثير منا. فقد كان هذا الممثل يسرد تارة أخرى تاريخ عائلته. كان ذلك مؤثراً جداً، ولا يفارق الموقف ذاكرتي."

التهديد بالموت والقوالب الجاهزة

ولد بيتر كوسمينسكي في لندن لأبوين يهوديين، ومع ذلك اتهم بعد صدور مسلسل الوعد بأنه معاد للسامية، ولم يسلم المسلسل من الهجمات الشديدة والانتقادات اللاذعة الصادرة عن المجموعات اليهودية والشخصيات اليهودية العامة.

فقد صرح مجلس المندوبين اليهود في بريطانيا بما يلي: "مسلسل الوعد يشيطن اليهود باستمرار مستخدماً قوالب جاهزة غير مستساغة، بل إنه يقارن أفعال النازيين أثناء المحرقة بتلك التي كانت تصدر عن اليهود أثناء الانتداب البريطاني على فلسطين."

وكتب المؤلف البريطاني اليهودي هوارد جيكبسون يقول: "لا يعنيني إطلاقاً كون مؤلف / مخرج مسلسل الوعد يهودياً. فثمة تجارب طويلة مع يهود يقعون في مثل هذا التوصيف لليهود به بل وفي تحقير كل ما هو يهودي."

وفي أستراليا تم استدعاء مدير محطة إس بي إس التي بثت مسلسل الوعد إلى جلسة استماع داخل البرلمان. وفي باريس وجهت تهديدات بالقتل لكوسمينسكي من قبل جماعات مناصرة لإسرائيل، مما استدعى ملازمة حارسين ضخمين له طوال الوقت بينما كان يقوم بجولة ترويج للفيلم.

عندما يُسأل اليوم عن رده على منتقديه، يقول كوسمينسكي: "أقول لهم عار عليكم، فكيف تجرؤون على التهوين من شأن العنصرية، لأن العنصرية مسألة بالغة الخطورة، وعائلتي بإمكانها أن تشهد على ذلك. ولذا، ما كان ينبغي رشق الناس بتهمة العنصرية بهذه الخفة وبتلك السهولة."

ويقول: "كم يؤذيني أن أتهم بمعاداة السامية، فأنا فخور جداً بكوني يهوديا. ليس كل اليهود يعيشون في إسرائيل، وليس كل اليهود يدعمون كل ما تقوم به إسرائيل."

على كل حال، يظل مسلسل الوعد مصدر فخر لمن عملوا في إنتاجه. وعن ذلك يقول كريستيان كوك: "إنه أهم عمل درامي شاركت فيه على الإطلاق."

ويضيف: "لقد كان بالفعل في غاية القوة، فهو يسرد حكاية مهمة. ولا أعتقد أن الناس يدركون الآن تفاصيل ذلك التاريخ، تاريخ فلسطين وتاريخ الدور البريطاني، الذي ماتزال آثاره واضحة للعيان حتى اليوم. وإنه لأمر مدهش بالفعل أن يتم إنتاج عمل درامي حول تلك اللحظة المفصلية من تاريخ فلسطين."

بعد ستة شهور تقريباً من انتهاء التصوير، وجد كوك نفسه في حفل في لوس أنجيليس مع الممثل الويلزي أيوان غرافود، الذي عمل مع كوسمينسكيفي مسلسل "المحاربون".

دار بينهما حديث، فقال كوك لغرافود إنه انتهى للتو من العمل مع مخرج مسلسل "الوعد". فاستدار غرافود وقال له: "تهاني الحارة، لسوف يكون هذا أفضل عمل قمت به على الإطلاق."
التعليقات (2)
محمد غازى
الأربعاء، 31-05-2023 09:00 م
ألسؤال ألكبير أليوم، متى ستعترف بريطانيا رسميا بجريمتها ألكبرى ألتى إرتكبتها بحق ألعرب والفلسطينيون خصوصا، بما قامت به إبتداء بوعد بلفور، وقيامها بتحضير فلسطين لتكون دولة لشذاذ ألآفاق أليهود. وما قامت به من تنكيل وإعتقال بحق ألفلسطينيين حتى لو وجدت فى بيت ألفلسطينى رصاصة أو مسدس، وكيف مكنت أليهود من ألإستتيلاء على البلاد ألفلسطينية، وما حل بعدها من تهجير للبلاد ألمجاوره وما لاقاه ألفلسطينيون من ظلم ذوى ألقربى ألذين وصلوا لبلادهم !!! لا أدرى ماذا أقول، حتى يومنا ألحاضر لا زال ألعرب يقيمون أفضل ألعلاقات مع بريطانيا ألتى أجرمت بحق ألإنسانية والعروبة ولا زالت!! ألذى يحزننى أيضا أنه لا زال بعض ألعرب يقيمون أفضل ألعلاقات مع بريطانيا، ألتجارية وبعضهم يشترى ألقصور هناك. لم يبق لى إلا ألقول، ياأمة ألعرب ياأمة ضحكت من جهلها ألأمم............
مصري
الأربعاء، 31-05-2023 06:14 م
تعليقا على العنوان و بعيدا عن المقال من لاحظ ؟ ! ! ! ان بريطانيا سلمت فلسطين للصهاينة و ايضا سلمت البلاد العربية للعسكر مثلما حدث في مصر فكانت النتيجة اكثر خرابا و افسادا لاننا محتلون بجيشنا و شرطتنا و مؤسساتنا التي اخذت مكان الاحتلال و اصبح التحرر صعبا لانه لم يعد امامك عسكري انجليزي مقاومته واجبه بل جيش مصري تحول لمافيا بمعنى الكلمة و الان عندما تقاومه فانك خاين