قال نائب الرئيس
العراقي الأسبق،
طارق الهاشمي، إن "هناك شعورا بالحاجة للإصلاح والتغيير، ونحن لدينا فرصة في هذا الصدد، والظروف مواتية لذلك، لكنها تصطدم بالمتنفذين (لم يسمّهم) الذين باتوا أقوى من
الدولة، وأعلى من القانون".
وأكد، في مقابلة خاصة مع "
عربي21"، أن من يصفهم بـ"المتنفذين" قادرون على "إسكات كل صوت يدعو للتغيير، وإجهاض كل فرصة أو محاولة للإصلاح قد تلوح في الأفق، ومن مصلحتهم أن لا يتعافى العراق"، مؤكدا أن الأدوات الديمقراطية في بلاده "فقدت فاعليتها".
وعن تقييمه لموقف حكومة محمد شياع
السوداني من مطالب المكوّن السُني، والتي على أساسها تشكّلت حكومته، علّق الهاشمي بقوله: "ثمانية أشهر مضت من عمر هذه الحكومة، نفذ فيها السوداني العديد من الإجراءات وغيّر الكثير من السياسات، باستثناء ما يتعلق بالمظالم التي وقعت على العرب السُنّة، ونحن نسمع جعجعة ولا نرى طحينا".
وأضاف: "على الحكومة أن تقرن الفعل بالقول، وتحترم التزاماتها تجاه المكون السُنّي تأكيدا لمصداقيتها. من مصلحتها، وتحسينا لسمعتها محليا وإقليميا ودوليا، أن تنصف كل مَن وقع عليه ظلم وتميّز نفسها عن الحكومات السابقة. هم يتحدثون عن عهد جديد، وعن عراق مختلف، بينما الأوضاع لم تتغير إلى الآن".
وانتقد الهاشمي التأخير في إقرار الموازنة لعام 2023، والذي اعتبره مؤشرا سلبيا على كفاءة الأجهزة التنفيذية ودليلا على غياب التفاهم والانسجام بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، مضيفا أنه "ما كان ينبغي أن تخضع الموازنة إلى تجاذبات الطبقة السياسية وأغراضها النفعية".
وبينما شدّد نائب الرئيس العراقي الأسبق، على وجود تحفظات عديدة لديه على الموازنة، فإنه طالب بإعادة النظر في العديد من بنودها، لافتا إلى أنه "لم يكن ينبغي إحياء الخلاف مع إقليم كردستان في هذا الوقت بالذات بعد أن تم الاتفاق على الحصة وتسوية الخلافات المالية بين المركز والإقليم".
وكان من المقرر تشريع قانون الموازنة لعام 2023 الاثنين الماضي، لكن ذلك لم يحصل ونشأ خلاف على حصة إقليم كردستان بالموازنة، وانقضى نصف العام دون موازنة حتى الآن.
ووجّه الهاشمي الشكر للسياسيين الذين أعادوا، مؤخرا، طرح قضيته في وسائل الإعلام العراقية من أجل المطالبة بعودته للبلاد، مشيرا إلى أنهم "حرّكوا مياها راكدة، وأعادوا مظلمة وطنية إلى السطح مرة أخرى، وتبقى الكرة في ملعب أصحاب القرار، وبالنسبة لي فقد أكدت مرارا استعدادي للمثول أمام القضاء، تمهيدا لعودتي لخدمة وطني" .
واستطرد قائلا إن "رفع المظالم التي وقعت عليّ -أو على غيري من السياسيين- يصب في الصالح الوطني، ويعمل بالتأكيد على خدمة سمعة حكومة محمد شياع السوداني في الداخل والخارج".
وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
كيف تقيّمون الانتخابات التركية الأخيرة؟
ممارسة فريدة، فازت فيها تركيا وترسخت فيها ديمقراطية حقيقية، كما فاز فيها الشعب التركي، حيث شارك بكثافة وعبّر عن حقه في اختيار مَن يحكمه باستقلالية وحرية، كما أنه تعامل مع النتائج بطريقة حضارية. من جهة أخرى، فاز الرئيس أردوغان لحكمته ومهارته وحزمه، ولأنه الأفضل.
كانت الانتخابات بمثابة تجربة ديمقراطية راقية فاز فيها الجميع، شارك فيها الجميع، قَبَل نتائجها الجميع، وأدارتها هيئة مستقلة أثبتت مهنيتها العالية ونزاهتها. مبروك للشعب التركي، ومبروك للرئيس أردوغان.
هل من دروس لتلك الانتخابات يمكن الاستفادة منها؟
نعم هناك الكثير، ومنها: لا ديمقراطية دون ديمقراطيين، وأن وعي الناخب وإيمانه بقيمة صوته الانتخابي هو الذي يحدد مستوى المشاركة، وثقافة الناخب هي التي تحصنه من تأثيرات التدخل الخارجي بحيث يمارس حريته في انتخاب مَن يرغب، ولا مصداقية للنتائج دون هيئة انتخابات مهنية ومستقلة وفعّالة.
كما أن من بين الدروس المستفادة: دون شفافية لا ضمانة بنزاهة الانتخابات، وأنه في مجتمع واع، مَن يفوز هو الذي يخدم أكثر لا مَن يعد أكثر.
ملف اللاجئين احتل مكانا بارزا في السجال الانتخابي بين أردوغان وكليتشدار أوغلو، وشمل النقاش الجالية العراقية أيضا.. فهل تشعر الجالية العراقية بتركيا بالاطمئنان الآن؟
بالتأكيد كانت جميع الجاليات، ومن بينها الجالية العراقية، تشعر بقلق بالغ على الرغم من أن الحديث كان يدور حول الجالية السورية، ونعم فإن الجميع شعر أن كابوسا قد زال بفوز الرئيس أردوغان، والذي تعامل مع الملف بناءً على القانون العالمي الإنساني الذي يحترم حق اللجوء للمضطهدين والفارين من الموت والعذاب ويمنع ترحيلهم، وهو حال أغلب الجاليات المقيمة في تركيا، والتي وجدت فيها الملاذ الآمن والحياة الكريمة.
بل أكثر من ذلك، أنه كان فوز الرئيس أردوغان بمثابة خبر سعيد لجميع الشرائح الضعيفة والمُستهدفة حول العالم.
البعض يرى أن الاتحاد الأوروبي تدخل سياسيا وإعلاميا في الانتخابات التركية بشكل ملفت للنظر.. ما تعليقكم على ذلك؟
تدخل معيب في شؤون داخلية لدولة مستقلة اختارت الديمقراطية نظاما للحكم والتبادل السلمي للسلطة من خلال صناديق الاقتراع، وكان على دول الاتحاد الأوروبي احترام إرادة الناخب التركي ولا تملي عليه ما تشاء، ولا تتدخل في شأن داخلي لا علاقة لها به، لكن الموقف ليس غريبا على دول الغرب عموما، والتي دأبت على التعايش والتماهي مع الأنظمة الشمولية والاستبدادية حول العالم.
هذه الدول سقطت عنها ورقة التوت وبان عيبها لكل ذي بصيرة، بزيف إعلامها ونفاق مواقفها، وتناقض سياساتها المبنية على معايير مزدوجة.
لم يلق الشعب التركي آذانا صاغية لافتراءات وأكاذيب الإعلام الغربي وصوّت لمَن يريد باستقلالية فريدة، أما نسبة ما حصل عليه الفائز المرشح أردوغان 52.15% فكان بمثابة صفعة على الوجه، برأته من تهم الاستبداد، حيث اعتاد المستبدون الحصول على أرقام لا تقل عن 99.9% في أي انتخابات تجري في ظل حكمهم الشمولي، والشواهد كثيرة.
اظهار أخبار متعلقة
على ذكر الديمقراطية التركية، كيف تقيّمون التجربة الديمقراطية بالعراق بعد مرور عشرين سنة عن الغزو الأمريكي؟
أوضاعنا لا تسر، وبحاجة لتصويب. دستوريا، العراق دولة مدنية يحكمها نظام ديمقراطي برلماني، وتعمل بمبدأ الفصل بين السلطات وما إلى ذلك، لكن حقيقةً وبمنتهى الصراحة نحن نواجه أزمة حكم، وبعد مضي عقدين من الزمن فإننا ما زلنا نتطلع للنظام الديمقراطي، وإذا سألت عن الانتخابات فإن عزوف الناخب العراقي دليل صارخ على تدنّي جودة النظام الانتخابي. أزيدك من الشعر بيت.. عدد الناخبين الكلي 27 مليون ناخب، وعدد المُسجلين بيومتريا يزيد على الـ17 مليون ناخب، ما يعني أن أكثر من 9 ملايين ناخب غير مُسجلين، أي أن ما يزيد على الـ44% من الناخبين سيُحرمون من التصويت.
ما معوقات وأسباب تأجيل تشريع قانون الموازنة لعام 2023؟
التأخير في إقرار الموازنة أصبح كأنه عرف في ظل الحكومات المتعاقبة، وهو مؤشر سلبي على كفاءة الأجهزة التنفيذية من جهة ودليل كذلك على غياب التفاهم والانسجام بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في ما يتعلق بمسألة حيوية كالموازنة. لا شك أن غرض الموازنة تلبية حاجة المواطن، وتطوير مستوى معيشته من جهة، إلى جانب تحقيق نقلات نوعية في التنمية والإعمار لعموم العراق من جهة أخرى، وما كان ينبغي أن تخضع إلى تجاذبات الطبقة السياسية وأغراضها النفعية.
لدي تحفظات عديدة على الموازنة، وأطالب بإعادة النظر في العديد من بنودها، ومع ذلك فإنه ما كان ينبغي إحياء الخلاف مع إقليم كردستان، وفي هذا الوقت بالذات بعد أن تم الاتفاق على الحصة وتسوية الخلافات المالية بين المركز والإقليم.
"السُنّة" يطالبون الاستعجال بتشريع قانون العفو العام باعتباره أحد بنود الاتفاق السياسي الذي مهد لتشكيل حكومة السوداني الحالية، لكن لم يحدث أي شيء.. لماذا؟
ثمانية أشهر مضت من عمر الحكومة، اتخذ فيها السوداني العديد من الإجراءات، وغيّر الكثير من السياسات، باستثناء ما يتعلق برفع المظالم التي وقعت على العرب السُنّة، ونحن نسمع جعجعة ولا نرى طحينا.
على حكومة محمد شياع السوداني أن تقرن الفعل بالقول، وتحترم التزاماتها تجاه المكون تأكيدا لمصداقيتها، وكما وردت في الاتفاق الذي مهّد لتشكيل الحكومة.
من مصلحة الحكومة، وتحسينا لسمعتها محليا وإقليميا ودوليا، أن تنصف كل مَن وقع عليه ظلم وتميّز نفسها عن الحكومات السابقة، ليس فقط قانون العفو هو الذي لم يشرع، بل إنه ما زال ملف المهجرين، والمغيبين قسريا، والمُستهدفين سياسيا، والتوازن والإعمار، وخروج المليشيات من المدن، والتجاوزات على أوقاف السنة.. هذه وغيرها كثير ما زالت مُعلقة حتى الآن. يتحدثون عن عهد جديد، وعن عراق مختلف، بينما الأوضاع لم تتغير إلى الآن.
اظهار أخبار متعلقة
العراق يواجه ظاهرة الجفاف والتصحر.. فكيف يدير العراق هذا التهديد الخطير؟
ظاهرة التغيّر المناخي مشكلة عالمية، لكن العراق المتضرر الأكبر، وقد تأخر كثيرا في إدارة هذا الملف الحيوي، وهو اليوم يواجه المشكلة دون رؤية أو حلول أو بدائل. المطلوب استعادة حقوقه المائية وفق القانون الدولي بالجلوس مع الجارتين تركيا وإيران، وإذا كان الحديث أن حصة العراق تقلصت بسبب السدود التي أقامتها تركيا على نهري دجلة والفرات، فإن إيران قطعت أو حوّلت للداخل الإيراني عشرات الأنهر التي كانت تصب في الأراضي العراقية، ومع ذلك فإن الإعلام يركز على موقف تركيا ويتجاهل المشاكل المائية الخطيرة مع إيران.
وأفضل مقترح -في تصوري- لضمان حصة عادلة مُستدامة في نهري دجلة والفرات هو الدخول بمشروع اقتصادي زراعي صناعي مع تركيا لإنتاج المواد الغذائية، بحيث تكون الأرض والأيدي العاملة من العراق والمياه من تركيا، بينما رأس المال مشترك.
من جهة أخرى، فإن الحل لا يكمن في تعظيم حصة العراق الحالية فحسب، بل في ترشيد استخدام المياه التي تعودنا على هدرها دون فائدة، وهي تصب في الخليج العربي وعلى مدى عقود من الزمن.
وفي هذه المناسبة لا بد من الإشارة إلى أن المياه الجوفية، والتي يمكن توظيفها كمخزون استراتيجي، تعوض عن النقص الحاصل، والموضوع بحاجة إلى استراتيجية مائية جديدة تُعظّم الموارد وتُرشّد الاستخدام.
ما هو الحل في تصورك لتحقيق الاستقرار في سعر الصرف الذي يتعرض لتقلبات كثيرة ما يؤثر سلبا على الاقتصاد العراقي؟
الحل القصير الأمد داخليا يتمثل في تقليص الطلب على الدولار، وتعظيم الطلب على الدينار العراقي، وحسنا فعلت حكومة السوداني مؤخرا في منع التعامل داخليا بالدولار، أما الخطوة المركزية المنتظرة فتكمن في إيقاف مزاد العملة، وحصر توفير الدولار بأغراض التجارة الخارجية، والسفر، والبعثات الدراسية، والصحة، عن طريق البنك المركزي.. إلخ. بمعنى العودة للسياسة النقدية التي اعتمدها العراق منذ العهد الملكي حين كان الدينار أقوى من الدولار.
أما الحل في الأمدين المتوسط والبعيد، فيكمن في إصلاح السياسات الاقتصادية، المالية والنقدية، والحديث هنا يطول. ويبقى الأمل في تحول الاقتصاد من ريعي إلى إنتاجي صناعي زراعي خدمي.
كيف تقيّمون نهج حكومة السوداني في العمل على دعم الاقتصاد وإطلاق عجلة التنمية؟
بالتأكيد، أنا أتفق مع هذا النهج وأؤيده. يبدو أن الحكومة جادة في هذا المجال، وقد خصصت 49 تريليون دينار (نحو 152.1 مليار دولار) في مشروع الموازنة لعام 2023 مُسجلة زيادة كبيرة عن موازنة 2021، والبالغة 13.3 تريليون دينار.
لكن هذا لا يكفي إن لم يرافقه تخطيط واع لدعم الإنتاج الصناعي والزراعي بحيث تؤول هذه الأموال لصالح تمويل مشاريع جديدة، كثيفة بالعمل من أجل معالجة البطالة، ومن خلال صحيفتكم أطالب بالعودة إلى نظام الخطة الخمسية الاستثمارية، وكنت اقترحت ذلك في عام 2009.
من جهة أخرى، لا بد من ضوابط صارمة وشفافة على الصرف من أجل تحصين هذه الأموال من الفساد المستشري، وضمان توجيه آخر دينار للصرف على المشاريع ذات الصلة بدلا من أن يذهب في جيوب الفاسدين.
اظهار أخبار متعلقة
أعلنت حكومة السوداني عن مشروع إنشاء طريق التنمية داخل العراق.. ما هو تقييمكم لهذا المشروع؟
على العموم، فإن العراق بحاجة إلى مثل هذه المشاريع لتطوير النقل الداخلي، وتوسيع التبادل التجاري من خلال ربط المناطق الإنتاجية بأسواق الاستهلاك. هذا المشروع قد يُشكّل بوابة للتكامل الاقتصادي الإقليمي بين العراق والدول الإقليمية كما أنه ينشط من حركة التجارة البينية، لهذا فإن أهميته استراتيجية بشرط أن يُنفذ ويُدار بطريقة مهنية تلتزم بنظم ومعايير النقل الدولي.
قضيتك عادت بقوة في الإعلام العراقي وهناك مطالبات من سياسيين بعودتك إلى العراق وممارسة دورك في العملية سياسية.. فمتى تتحقق تلك العودة؟
أشكر السياسيين الذين حرّكوا مياها راكدة، وأعادوا مظلمة وطنية إلى السطح مرة أخرى، وتبقى الكرة في ملعب أصحاب القرار، وبالنسبة لي فقد أكدت مرارا استعدادي للمثول أمام القضاء، تمهيدا لعودتي لخدمة وطني.
إن رفع المظالم التي وقعت عليّ أو على غيري من السياسيين يصب في الصالح الوطني، ويعمل بالتأكيد على خدمة سمعة حكومة السوداني في الداخل والخارج.
بعد مرور عشرين سنة على غزو العراق، متى في تصورك يمكن أن يتعافى العراق؟
الأعراض المرضية معلومة للجميع، والعلاج معروف ومتيسّر ولا يختلف عليه أحد، وهناك رغبة وطنية لتغيير الحال للأفضل، وهناك شعور طاغ بالحاجة للإصلاح والتغيير، ونحن لدينا فرصة في هذا الصدد، والظروف مواتية، لكن الإرادة معطلة، والأدوات الديمقراطية فقدت فاعليتها، والمتنفذون باتوا أقوى من الدولة، وأعلى من القانون، وهم قادرون على إسكات كل صوت يدعو للتغيير، وإجهاض كل فرصة أو محاولة للإصلاح قد تلوح في الأفق، ومن مصلحتهم أن لا يتعافى العراق، سوف يتواصل هذا الحال لأجل، لكن سنة الله ماضية لأن بقاء الحال من المُحال.
وأنا أرى أن العدالة هي مفتاح كل شيء؛ فإذا ااستعيدت العدالة الغائبة اليوم فإن أمراض العراق ستنتهي، وسيصبح بالإمكان حل جميع المشاكل التي تواجهنا في الوقت الحاضر.
بالعدالة يمكن أن نبني دولة واعدة، دولة قانون، ودولة حقوق إنسان، وعدالة اجتماعية، وعندما تعود العدالة، ويعمل الجميع في إطار هذا المعيار النبيل فستنتهي جميع المشكلات بلا شك.