قضايا وآراء

الخراب الفلسطيني لا يصد العدوان

نزار السهلي
الاحتلال في جنين- جيتي
الاحتلال في جنين- جيتي
اتضحت منذ زمن بعيد أبعاد المواجهة بين الشعب الفلسطيني والمؤسسة الصهيونية، ومن ثوابتها ما يجري من مخططات بأطماع تستهدف الأرض والشعب، وصلت ذروتها بالإعلان عن بدء ضم الضفة المحتلة ووضع برامج ضخمة للاستيطان وتهويد الأماكن المقدسة، وتنفيذ عمليات القتل والعدوان المتكرر على المدن والقرى الفلسطينية وارتقاء الشهداء وسقوط الجرحى، وهدم البيوت.. إلى آخر فصل من فصول العدوان على جنين أمس ودعوة وزير مالية الاحتلال سموتريتش، لبدء عملية عدوان واسعة على المدن الفلسطينية، ومنح تسهيلات لتكثيف الاستيطان، وتأكيد نتنياهو على أن جيش الاحتلال يتدرب على محاربة الشعب الفلسطيني في أرضه التاريخية المحتلة عام 48 في حال اندلاع مواجهة شاملة.

كل ذلك يوضح بعض جوانب التحديات التي يقف أمامها الشعب الفلسطيني وقياداته السياسية، بعد اكتمال ملامح وسمات التوجه الرسمي لحكومة الاحتلال بزعامة نتنياهو وفريقه الفاشي المستند لأيديولوجيا صهيونية عنصرية؛ اكتسبت شكلها ووسائلها في طرق شتى من الأفكار والقوانين والسياسات القاضية بكسر شوكة الشعب الفلسطيني وإرغامه على الاستسلام.
بعض جوانب التحديات التي يقف أمامها الشعب الفلسطيني وقياداته السياسية، بعد اكتمال ملامح وسمات التوجه الرسمي لحكومة الاحتلال بزعامة نتنياهو وفريقه الفاشي المستند لأيديولوجيا صهيونية عنصرية؛ اكتسبت شكلها ووسائلها في طرق شتى من الأفكار والقوانين والسياسات القاضية بكسر شوكة الشعب الفلسطيني وإرغامه على الاستسلام

وبموازاة ذلك، هناك توجه سياسي فلسطيني وعربي لبقاء علاقة مع إسرائيل تنطلق من افتراض أن ثمة ما يمكن تغييره في سلوك وسياسات الاحتلال منذ مدريد 1991 وأوسلو 1993 ووادي عربة 1994، إلى اتفاقات التطبيع الأخيرة 2020، التي انضمت إليها عواصم عربية من أبو ظبي والرباط والمنامة، إلى تلك التي تنتظر فرصة مؤاتية للإعلان عن تحالف مع المؤسسة الصهيونية..

هذا الأمر أحدث خللاً في نسق المواجهة المفترض حدوثها لمكافحة السياسة الإسرائيلية وعدوانها ولجم برامجها العنصرية والفاشية، والتي ترعرعت بفضل هذا الجو المختل فلسطينيا وعربياً، بإصرار على تقديم التمنيات بأن يُحسن العقل الصهيوني معاملته لضحاياه، متناسياً أن هذا العقل المُشكل للمجتمع الصهيوني هو نتاج أيديولوجيا ترتكز على طبيعة ممارسة الإرهاب ضد "الأغيار"، الشعب الفلسطيني، واقتلاعه من أرضه، وتحتوي على قسط كبير من الأوهـام التلمودية بتزييف التاريخ والتراث والأرض.

مقابل هذا النسق، يفترض أن يكون هناك نسق عربي وفلسطيني له سمات فهم ووعي عميق، لتجنب الانزلاق أكثر في أفخاخ الأوهام الداعية بأمنيات ومطالب "السلام"، ويفترض أن هناك عوامل عمّقت نفي وطرد الأوهام بعد الخراب الذي طال البنية الفكرية والسياسية للجانب الرسمي الفلسطيني والعربي، على عكس هذا النسق يجري القفز يومياً نحو الانشغال بصيغ ماتت فعلياً، ولا يمكن البناء عليها إلا لتصب في خانة المصلحة الاستعمارية لإسرائيل.

ومما كرس هذا التوجه فقدان السياسة الفلسطينية والعربية مصداقية الفعل المضاد لمواجهة كل فصل من فصول العدوان التي جعلت من المستحيل على الاحتلال تنفيذ أياً من مطالب السلام المزعوم، أو الرضوخ لأية مطالب تتصل بتنفيذ القوانين والمواثيق الدولية المتعلقة بمسؤوليتها كقوة احتلال على الأرض، ولعل هذا ما يفسر حالة التراجع العربي والفلسطيني التي حرمت الفلسطينيين من قوة التضامن معهم بسياسة مستمرة تتساوق مع الألاعيب والأكاذيب الاسرائيلية

لا يمكن الاكتفاء بإحصاء أعداد الضحايا، ومراقبة جرائم الاحتلال على الأرض والبشر والتي تكبر وتتسع كل يوم، ولا بإطلاق تهديدات جوفاء باللجوء لأساليب يُدرك الاحتلال عدم جديتها سواء بوقف التنسيق الأمني أو بوقف الاجتماعات مع الاحتلال، ولا المطلوب أن يتجهز الفلسطينيون استعدادا لمواجهة كبرى، فقط جدية ودافع حقيقي للوقوف أمام الذات بشكل صادق لإنهاء عبث الشرذمة والانقسام الذي أحدثت ثقوبه برامج عمل لأجندات مخابرات عربية تَصب في المصلحة الاسرائيلية أيضاً
فلسطينياً، لا يمكن الاكتفاء بإحصاء أعداد الضحايا، ومراقبة جرائم الاحتلال على الأرض والبشر والتي تكبر وتتسع كل يوم، ولا بإطلاق تهديدات جوفاء باللجوء لأساليب يُدرك الاحتلال عدم جديتها سواء بوقف التنسيق الأمني أو بوقف الاجتماعات مع الاحتلال، ولا المطلوب أن يتجهز الفلسطينيون استعدادا لمواجهة كبرى، فقط جدية ودافع حقيقي للوقوف أمام الذات بشكل صادق لإنهاء عبث الشرذمة والانقسام الذي أحدثت ثقوبه برامج عمل لأجندات مخابرات عربية تَصب في المصلحة الاسرائيلية أيضاً، لأن المعركة التي يخوضها الشعب الفلسطيني لن تحسم غداً أو بعد غد بهذا الخراب الذي يقود نضال وتضحيات شعب تحت الاحتلال.

لا يختلف الأمر كثيراً في العمق العربي الرسمي، بما يخص فلسطين والقضية ومواجهة سيل العدوان، فالثقوب نفسها والخراب مضاعف بقوة أولويات الطغيان والاستبداد بمواجهة الشعوب العربية وثوراتها، لا لصد العدوان ومواجهته والوقوف بحزم وقوة خلف ضحايا المشروع الصهيوني. وإذا كانت البوصلة الباقية في وجدان الشارع العربي هي فلسطين، فإن من أولويات السياسة الفلسطينية كنس الخراب حتى تكون العافية متبادلة في رؤية فلسطينية ثابتة وقديمة لعافية عمقها العربي في الحرية والكرامة والمواطنة.

والفرص الضائعة فلسطينياً وعربياً في محاولة هزيمة الثورات وقعها مؤلم صحيح، لكنها ليست نهاية التاريخ، بل من أهم التجارب التي عاشها الشعب الفلسطيني والعربي في العصر الحديث وفي السنوات الأخيرة.

وقد يكون من المفيد أخيراً أن ننظر لمقاومة الشعب الفلسطيني في مدنه وقراه من جنين شمالاً إلى الخليل جنوباً ومن القدس إلى المثلث والنقب والجليل وغزة، وأن هناك أدلة كافية لبدائل الخراب وبث اليأس وإشاعة الهزيمة الزائفة من فلسطين لبقية العواصم لمن لا يريد أن يكون مكتوف اليدين أمام العدوان والاحتلال والاستبداد. ومن المفيد أيضاً أن نتذكر جيداً أن إشاعة كل هذا الانحطاط السياسي العربي والفلسطيني بمستوياته القهرية والقمعية، إدراك للبعد العميق لمخاطر الحرية للشعب الفلسطيني والعربي على من يرعى الخراب.

twitter.com/nizar_sahli
التعليقات (0)