تعيش
تونس، خلال السنوات القليلة الماضية، على وقع "تفاقم" عدّة تحديات إنسانية وسياسية واقتصادية، على رأسها ملف
الهجرة غير النظامية، الذي كُلّما راوح مكانه، عاد من جديد إلى الواجهة، بأحداث مُتتالية، لتُصبح تونس، إثر ذلك بلدا للعبور الرئيسي لأشخاص راغبين في تحقيق طموحهم في العبور نحو الدول الأوروبية، على متن القوارب خاصة.
وفي تعليقه على الأحداث الأخيرة، التي تعيشها محافظة صفاقس الواقعة في جنوب شرق تونس، إثر "الاشتباكات" التي شبّت بين سكان عدّة أحياء شعبية ومجموعات من المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء، وصلت إلى مقتل شاب تونسي، قبل يومين على يد بعض المهاجرين غير النظاميين، قال الرئيس التونسي، قيس سعيد، مساء السبت الماضي، إن "قوات الأمن التونسية قامت بحماية من يريدون الاستقرار بها عكس ما يشاع".
وفي السياق نفسه، أكد القيادي في
"حركة الشعب" التونسية، هيكل المكي، في تصريحات لوسائل إعلام محلية، أن
ما يحدث في تونس "ليس عفوياً خصوصا بعد بث خطابات تدعو إلى العنف، منها ما تم
بثه في إذاعات وتدعو إلى تصفية أمنيين أصلاً" مشيرا إلى أنه "مهما كان
حجم المأساة بوفاة شاب تونسي، فإن هذا لا يشرعن تجريم مؤسسة أمنية بأكملها،
المسؤول عن إطلاق النار أو قتل الشاب يتحمل مسؤوليته سواء كان أمنياً أم لا، لكن
تهديد أمن البلاد برمته أمر غير معقول".
من
جانبه، دعا حزب "التيار الديمقراطي" التونسي المعارض، في بيان له، إلى
"نبذ العنصرية وضبط النفس في صفاقس وخارجها وعدم الانسياق وراء الخطابات
المجرمة قانونياً" مدينا ما وصفه بـ"التصرفات العنصرية المروعة التي أقدم
عليها عدد من التونسيين حيال المهاجرين على مرأى ومسمع من السلطات الأمنية"،
مشيرا إلى عدد من المشاهد التي انتشرت كالنار في الهشيم على مواقع التواصل
الاجتماعي.
وبحسب
المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، السبت، فإن قوات خفر السواحل
أوقفت في الفترة الأخيرة، ما يُناهز الـ33 ألف شخص، كانوا يحاولون الوصول إلى أوروبا
عبر قوارب، فيما بلغ عدد المفقودين والمتوفين في حوادث غرق قبالة السواحل التونسية 608 أشخاص، ما بات يُنذر بأيام "عصيبة" عُنوانها الرئيس هو "تجدد
الاشتباكات بين الشرطة ومحتجين في تونس" بحسب جُملة من التغريدات والمنشورات
على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يُطالب مُتداولون بحل "سريع وحاسم لتفادي
المزيد من الكوارث داخل البلاد".
مُحاولات تونسية ليبية للتصدي للهجرة
ومن أجل كبح الأثر المُتنامي للهجرة
غير النظامية، وتبنّي سياسة مُشتركة للتصدي للظاهرة، فقد اتفق وزير الداخلية التونسي كمال الفقي، مع نظيره الليبي عماد الطرابلسي، خلال اتصال هاتفي، السبت الماضي،
على "ضرورة تضافر جهود البلدين". وذلك بحسب بيان صادر عن وزارة الداخلية
التونسية.
اظهار أخبار متعلقة
وأكّد البيان، الذي وصل إلى "عربي21" نسخة منه، أن الطرفين عبّرا عن رغبتهما في "العمل على توطيد العلاقات الثنائية، والدفع بها إلى أرقى المستويات بما يعكس
علاقات الأخوّة، وخدمة لمصلحة الشعبين الشقيقين” مستعرضين "واقع وآفاق علاقات
التعاون بين وزارتي داخلية البلدين".
إلى ذلك، تعيش الدولة التونسية، منذ
أشهر، على وقع تداعيات لجُملة من الأزمات الاقتصادية والسياسية فيها وفي دول أفريقية أخرى، أدّت إلى ارتفاع وتيرة الهجرة غير النظامية عبرها نحو أوروبا، خاصة
في اتجاه سواحل إيطاليا، ما دفع دولا أوروبية عدّة على رأسها إيطاليا إلى دعم تونس
في التصدي للظاهرة، فيما حمّلها البعض الآخر المسؤولية في ما آلت إليه الأوضاع
بداخلها.
بدورها، تشتكي
ليبيا من تخلي أوروبا
عنها في مواجهة الهجرة غير النظامية، حيث تُعتبر ليبيا المُطلة على البحر
المتوسط، نقطة عبور هامّة لعدد متزايد من المهاجرين غير النظاميين الراغبين في
الوصول إلى أوروبا بأي وسيلة كانت، ولو على حساب حُريتهم، الشيء الذي أدّى بالكثير
منهم إلى السجون الليبية.
وفي
ظل تنامي الظاهرة، التي باتت تُقلق أوروبا، أعلن وزير داخلية فرنسا، جيرالد
دارمانان، ونظيرته الألمانية نانسي فيزر، تقديم مساعدة بقيمة نحو 28.5 مليون
دولار لدعم تونس في خفض منحى الهجرة غير النظامية نحو أوروبا، وذلك خلال زيارتهما
إلى تونس، الشهر الماضي.
قلق
دولي مُتصاعد
ومن أجل كبح عمليات الهجرة غير
النظامية، التي اتضح من خلال الجهود المُتنامية لعدد من الدول، خاصة الأوروبية،
أنها باتت تقلق معيشتهم، كان قادة دول الاتحاد الأوروبي في بروكسل، قد أعلنوا، في
وقت سابق من السنة الماضية، عن دراسة اتفاق مع تونس بهدف مكافحة الهجرة وكذا ضبط
شبكات المهرّبين، إثر تزايد غرق قوارب المهاجرين في البحر المتوسط.
وكان
وزير الخارجية التونسي، نبيل عمار، في لقائه بالمفوضة الأوروبية المكلفة بالهجرة
والشؤون الداخلية والمواطنة، إيلفا جوهانسون، أثناء زيارتها لتونس، الخميس 27
نيسان/ أبريل الماضي، قال إن "تونس لا يمكنها التصدي للهجرة غير النظامية
بوسائلها المحدودة" محذرا من "آثار الإشارات السلبية والضغوط المتزايدة
من قبل الشركاء الأوروبيين" ومُطالبا بدعم حقيقي لاقتصاد بلاده في سبيل الحد
مما وصفها بـ"المعضلة".
بدورها،
تطمح المفوضية الأوروبية في إنجاز بروتوكول تعاون شامل مع تونس، يتضمن نقاطا
مرتبطة بالهجرة. فيما ترتبط "المساعدة الأوروبية" في جزء كبير منها
بالمفاوضات المستمرة بين كل من صندوق النقد الدولي والدولة التونسية، لمنح الأخيرة
قرضا مشروطا بقيمة ملياري دولار، بالرغم من أن الرئيس التونسي، قيس سعيّد، أكد في
عدد من التصريحات أن تونس لن تكون "حارسة لحدود أوروبا، ولن تخضع لإملاءات
صندوق النقد الدولي".