من كان يعتقد بأن اتفاقية
التطبيع بين دولة
الإمارات
العربية المتحدة وإسرائيل ستتحول إلى محرك اقتصادي وعسكري وسياسي للترويج إلى
إسرائيل؟
في الثالث عشر من آب/ أغسطس 2020 وقفنا مذهولين ومصدومين من توقيع معاهدة التطبيع
الإماراتي- الإسرائيلي. لم يكن تفاجؤنا بهذه الخطوة نابعا من أن الإمارات تخلتّ عن
القضية
الفلسطينية، لأن دولة الإمارات لم تدعم
القضية لتتخلى عنها فيما بعد، ولم تكن صدمتنا ناشئة من المبرر الهزيل الذي قدمته
الإمارات للعالم العربي وإلى الشعب الفلسطيني حول أن الاتفاق جاء بشرط أن تقوم
إسرائيل بتجميد عمليات الاستيطان في الضفة الغربية، وذلك لأن إسرائيل نفت هذا
الخطاب بشكل مباشر ودون أي تردد، كما أن عمليات الاستيطان مستمرة اليوم وبوتيرة
أكثر تسارعاً من قبل.. في الحقيقة ما فاجأنا وأدخلنا في حيرة من أمرنا هو ترسيخ
معادلات جديدة في التعامل مع إسرائيل، والتطبيع المجاني الذي قدمته الإمارات لها.
لم تحصل الإمارات على أي مقابل إزاء عملية التطبيع مع
إسرائيل، بل على العكس لقد رسخت الهرولة المستعجلة نحو الكيان الصهيوني معادلة
جديدة في العلاقة مع إسرائيل تقوم على مبدأ "السلام مقابل السلام"،
وبذلك حلّت هذه المعادلة محل "الأرض مقابل السلام". لقد انتهكت الإمارات
العربية المتحدة جميع بنود المبادرة العربية فيما يخص فلسطين، ولم يطلب
الفلسطينيون يوماً أن يتم دعمهم عبر الأخوة الإماراتيين، ولكن ما كنا نتوقعه منهم
ألا يتحالفوا مع أعدائنا "كأبسط الإيمان" كما تقول العرب.
القادم أصبح أكثر إيلاماً وقسوة، مما دفعنا نحن الفلسطينيين إلى أن ننسى التطبيع المجاني لأن ما تقوم به بعض الدول العربية هذه الأيام ليس البناء على معادلة السلام مقابل السلام، بل الترويج لإسرائيل في المنطقة ودعم اقتصادها وترسيخ وجودها الاقتصادي والعسكري والسياسي فيها
ولكن القادم أصبح أكثر إيلاماً وقسوة، مما دفعنا نحن
الفلسطينيين إلى أن ننسى التطبيع المجاني لأن ما تقوم به بعض الدول العربية هذه
الأيام ليس البناء على معادلة السلام مقابل السلام، بل الترويج لإسرائيل في
المنطقة ودعم اقتصادها وترسيخ وجودها الاقتصادي والعسكري والسياسي فيها.
منذ توقيع اتفاقيات التطبيع العربية الإسرائيلية تحت ضغط
من قبل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، استمرت إدارته ومن ثم إدارة بايدن
لاحقاً بالسعي نحو دفع
السعودية إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل. واستخدمت الولايات
المتحدة جميع السبل لتحقيق هذا الهدف، سواء عبر الطلب من السعودية أن توافق على
انتقال طائرة بايدن بشكل مباشر من إسرائيل إلى السعودية، أو من خلال إرسال
الموفدين في الخارجية الأمريكية بشكل منتظم إلى السعودية لإقناع ولي العهد السعودي
الأمير محمد بن سلمان بتوقيع اتفاق تطبيع مع إسرائيل، أو من خلال النظر إلى
التطبيع كصفقة تجارية توافق فيها السعودية على توقيع الاتفاق مقابل تقديم امتيازات
اقتصادية وأمنية من الولايات المتحدة إلى الرياض. وقد فشلت جميع الجهود السابقة في
تحقيق هذا الهدف.
وعليه فقد انتقلت إسرائيل والولايات المتحدة إلى مستوى آخر
من الجهود وهو إدخال إسرائيل في مشاريع اقتصادية في المنطقة العربية، وذلك لربطها
المباشر بالاقتصاد العربي ومن ثم تصبح عملية التطبيع أمرا لا مفر منه.
على الرغم من توتر العلاقات بين الولايات المتحدة
وإسرائيل على خلفية قضية الإصلاحات القضائية، إلا أن الولايات المتحدة تنظر إلى
مشروع ربط الدول العربية بإسرائيل برياً من منظور استراتيجي، أي أن هذا المشروع
يصب في صالح إسرائيل بغض النظر عن الحكومة أو الإدارة التي تحكمه، كما أن مثل هذا
المشروع لن يكلف الولايات المتحدة تكاليف اقتصادية ولن يجبرها على تقديم تنازلات
سياسية وأمنية للسعودية مقابل التطبيع لأن التطبيع في هذه الحالة يأتي عبر
الاقتصاد وحسب.
انتقلت إسرائيل والولايات المتحدة إلى مستوى آخر من الجهود وهو إدخال إسرائيل في مشاريع اقتصادية في المنطقة العربية، وذلك لربطها المباشر بالاقتصاد العربي ومن ثم تصبح عملية التطبيع أمرا لا مفر منه
يقوم المشروع بحسب وسائل إعلام إسرائيلية عديدة كصحيفة
"يديعوت أحرنوت"؛ على إنشاء طريق بري يربط إسرائيل بالإمارات، ويمر هذا
الطريق عبر الأردن والسعودية وصولاً إلى الموانئ الإسرائيلية على البحر المتوسط.
وصفت الصحيفة الإسرائيلية هذا المشروع بـ"الشرق
الأوسط الجديد"، كما أكدت على أنّ الخطة لا تزال سريّة، إلا أن الولايات
المتحدة وإسرائيل تستخدمان الإمارات للمضي قدما في إقناع دول المعبر بالقبول بهذه
الخطة. وتبدو الأهداف من هذا الممر واضحة وهي تصدير البضائع من دول الشرق الأقصى
إلى أوروبا عبر إسرائيل، وتحويل هذا الممر إلى جسر عسكري لنقل الأسلحة كذلك. وكذلك
سوف يعمل هذا الممر على تقليل المدة الزمنية لنقل البضائع من عدة أسابيع إلى يومين
أو ثلاثة أيام فقط.
ختاماً، إسرائيل كيان محتل رفض جميع المبادرات الدولية
والإقليمية والعربية لحل القضية الفلسطينية عبر حلول عقلانية ومنطقية، فهو يرفض حل
الدولتين ويرفض المبادرة العربية للسلام التي تبنتها السعودية في يوم من الأيام
بشكل علني. بعد فشل الجهود الإسرائيلية الأمريكية في إقناع السعودية بالتطبيع
المجاني مع إسرائيل، ها هم اليوم يتجهون نحو مشاريع اقتصادية جديدة بوصفها المقدمة
الأهم لخلق شرق أوسط جديد تصول إسرائيل فيه وتجول دون حسيب أو رقيب، ويوفر لها
إمكانية التطبيع مع السعودية دون تقديم أي تنازلات أمريكية أو إسرائيلية للملكة.
يؤمن الشعب الفلسطيني بجميع مكوناته باحترام القرار
السيادي لكل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، وهو لا يطالبهم بأي شيء
سوى الاستماع إلى العقل العربي الجمعي، وضرورة تفادي ترسيخ معادلات مجانية تضر
بالقضية الفلسطينية ومستقبل النضال ضد المحتل.