تتضح في فصل الصيف معالم السياسات الإسرائيلية المتعمدة في قطع
المياه عن
الفلسطينيين بعد سرقتها من أراضيهم وإغداق المستوطنين بها، لتتحول هذه الأشهر إلى حارة جافة كل عام.
المزارع سعيد العمور من منطقة مسافر يطا جنوب
الخليل لا يكاد يجد الماء لري مزروعاته وسقاية ماشيته بسبب إجراءات الاحتلال التي تمنع وصول المياه للتجمعات البدوية الفلسطينية.
ويقول لـ"
عربي21" إن الجنود الإسرائيليين دمروا شبكة المياه التي أقيمت لخدمة التجمعات البدوية في مسافر يطا عام 2018، مبينا أن ذلك أدى لعدم وصول المياه للمواطنين هناك ومعاناتهم منذ ذلك الحين مع انقطاعها.
محاربة كل مصادر المياه نهج إسرائيلي مستمر، حيث تقوم قوات الاحتلال بردم الآبار الارتوازية وهدم برك تجميع المياه وتدمير شبكاتها ومنع الفلسطينيين من استخدامها.
ويوضح العمور أن الأهالي في تلك المنطقة يضطرون لشراء خزانات المياه، ومع اشتداد الهجمة الإسرائيلية على مصادرها ترتفع أسعار الخزانات من 200 شيكل (تقريبا 57 دولارا) إلى 600 شيكل (تقريبا 170 دولارا).
ويضيف:" يتعمدون تعطيشنا ويصادرون كل مصدر للمياه، الهدف هو ترحيلنا وتثبيت المستوطنين في أراضينا، ولكننا لن نرحل منها فهنا ولدنا وسنموت".
وكان رئيس بلدية الخليل تيسير أبو سنينة أعلن قبل أسابيع أن شركة المياه الإسرائيلية "ميكوروت" قررت تخفيض حصة المياه للخليل، حيث كان يصل البلدية ما يقارب 20 ألف كوب، فيما لا تتعدى دورة المياه 21 يوما، لكن بعد قرار تخفيض 3 آلاف كوب، أصبحت دورة توزيع المياه 45 يوما.
وتنفذ هذه الشركة سياسة تقليص كميات المياه للفلسطينيين، عبر إيصال المياه إلى مناطقهم مرة واحدة كل شهرين، إضافة لفرض شروط مجحفة لحفر الآبار للمياه الجوفية.
وتمارس الشركة انتهاكات وسرقات لمصادر المياه الفلسطينية في
الضفة الغربية منذ تأسيسها عام 1937 على يد الوكالة اليهودية واتحاد المشغلين الإسرائيليين (الهستدروت)، وتعمل على خنق حياة الفلسطيني وتحويلها لجحيم لتحقيق الرفاهية للمستوطن الإسرائيلي باستهلاك يسجل عشرة أضعاف عن استهلاك الفلسطيني يوميا.
اظهار أخبار متعلقة
التحكم في الضخ
محافظتا الخليل وبيت لحم تعتبران الأكثر معاناة في شح المياه مع عدد سكان يفوق المليون نسمة، حيث يتعمد الاحتلال حرمانهم من حصص مناسبة في توزيع المياه مقابل توفيرها للمستوطنين بكثرة.
ويوضح الناشط أحمد صلاح من بلدة الخضر جنوبي بيت لحم لـ"
عربي21" أن محافظة بيت لحم تتربع فوق آبار مياه جوفية في بلدتي "تقوع" شرقا و"الخضر" جنوبا تكفي لسكان الوطن العربي جميعا، ولكن سيطرة الاحتلال عليها ومنع المواطنين من بناء أو فتح آبار زراعية تحول دون وصول المياه لهم.
تتجاوز سيطرة الاحتلال على مصادر المياه 80 بالمئة، حيث يضخ 30 ألف كوب لمناطق محددة مثل الخضر والدوحة وبيت جالا، ولا تكفيهم للشرب أو الزراعة أو حتى تنظيف المنازل.
ويتأخر وصول المياه إلى أكثر من شهر على بعض المناطق، حيث تصل منطقة الخضر مرة واحدة كل 45 يوما، وتوجد فيها مناطق مرتفعة مثل أم ركبة وأبو سود، وتحتاج لمضخات كهربائية، والمياه التي يتم ضخها من سلطة المياه لا تخدم هذه المناطق لأن منسوب ضخ الماء يكون بسيطا ولا يصعد لمناطق عالية، بحسب صلاح.
وأفاد بأن الأهالي يعيشون في كارثة، ويقومون بين الحين والآخر بتنظيم وقفات احتجاجية بسبب انقطاع المياه عن مناطق الخضر والدهيشة والدوحة وبيت جالا.
بالإضافة لبناء المستوطنات وتغيير المعالم الجغرافية لبلدة الخضر، يقوم الاحتلال بالاستيلاء على مصادر المياه الجوفية حتى السطحية منها وليست العميقة؛ فيقوم بهدم الآبار وإغلاق تجمعات المياه الجارية من منطقة العروب شمال الخليل ما يمنع وصول المياه الجوفية للآبار.
ويضيف الناشط: "مشكلة تغيير معالم الأرض قائمة، حيث قام الاحتلال بتغيير حتى معالم برك سليمان التاريخية جنوب بيت لحم وردم وإغلاق القنوات الفخارية التي كانت تزودها بالمياه، كما أن الاحتلال يمنع فتح آبار زراعية تتجاوز 5 كوب، ومن يريد فتح بئر يقوم الجنود بهدمها وأخذ المياه منها".
ويشير صلاح إلى أن الأهالي يلجأون لتعبئة المياه في الأوعية والزجاجات من عيون مياه صغيرة بسبب عدم امتلاكهم المال لشرائها، وتكون في غالب الأحيان غير صالحة للشرب.
وتزيد رداءة البنية التحتية من مشكلة المياه؛ حيث لم يتم ترميمها منذ عشرات السنين ما أدى لعدم وصول المياه لكل المواطنين.
وتلعب يد الاحتلال دورا في ذلك عبر منع شق ممرات جديدة أو تركيب أنابيب مياه بدلا من المتضررة، ويحتاج ذلك إذنا من الاحتلال لتزويد المناطق الخاضعة لسيطرته -وفقا لاتفاقية أوسلو- بالمياه، وبعض المناطق لا تصلها المياه لأنها محاذية للمستوطنات ويمنع على الفلسطينيين حفر وشق الطرق لترميم الأنابيب.
اظهار أخبار متعلقة
بالأرقام
عندما تم احتلال الضفة الغربية عام 1967، كانت لدى "إسرائيل" عدة مخططات منها السيطرة على المياه التي هي جزء من الصراع العربي الإسرائيلي.
وبحسب الخبير في الاستيطان عبد الهادي حنتش، فإن الاحتلال قام قبل توقيعه اتفاقية أوسلو مع السلطة؛ بتقسيم الضفة إلى ثلاثة أحواض مائية، الحوض الأول الغربي يبدأ من قلقيلية شمال الضفة وحتى جنوبي فلسطين في منطقة الظاهرية جنوب الخليل وحتى حدود بئر السبع جنوب فلسطين، وهذا الحوض ينتج 380 مليون كوب، فيما يعطي الاحتلال منها 60 مليون كوب للفلسطينيين.
ويقع الحوض الشمالي في محيط مدينة جنين وسلفيت وينتج 32 مليون كوب جميعها تذهب للمستوطنين، أما الحوض الجنوبي الشرقي في بلدات سعير وبني نعيم شرقي الخليل فينتج 80 مليون كوب ويعطي الاحتلال الفلسطينيين منه 60 مليون كوب.
ويقول حنتش لـ"
عربي21" إن الاحتلال قام بسحب 52 بالمئة من حجم المياه في الضفة إلى داخل الكيان الإسرائيلي، وعند جمع هذه الكميات، يتبقى نسبة 16 بالمئة فقط لصالح الشعب الفلسطيني من مياهه، وهذه لا تكفي سكان الضفة الغربية البالغ عددهم ما يزيد على ثلاثة ملايين نسمة.
ويشير الخبير إلى أن الاحتلال يقوم دائما بالتحكم في المياه ويضاعف حصص المستوطنين منها على حساب الفلسطينيين، وكثير من العائلات خاصة في مسافر يطا ومسافر بني نعيم شرق الخليل تعاني الأمرّين من نقص المياه.
شح المياه يؤثر تأثيرا كبيرا على اقتصاد الفرد الفلسطيني، لأن الكثير من الفلسطينيين يعتمدون على الزراعة المروية، والآبار التي تم إغلاقها في منطقة مخيم الفوار مؤخرا كانت تستخدم لأغراض زراعية.