عقدت
مصر مع حكومة
الاحتلال الإسرائيلي اتفاقية جديدة لاستيراد الغاز الطبيعي، لتنضم إلى اتفاقية سابقة عقدت منذ 5 أعوام ونصف وأثارت الجدل حينها لأسباب عديدة، ما يدفع للتساؤل حول دلالات استمرار استيراد القاهرة الغاز من تل أبيب، وأسباب لجوء مصر لهذا الخيار رغم ما أعلنته من اكتشافات محلية منذ 2015.
القاهرة، التي تواجه تزايدا لافتا في الطلب على الغاز الطبيعي الصيف الحالي يقابله تراجع في الإنتاج من حقولها المحلية وخاصة الأكبر والأشهر حقل "ظُهر"، تواصل حكومتها توجهها نحو استيراد الغاز الإسرائيلي، حيث استوردت العام الماضي، 4.62 مليارات متر مكعب من تل أبيب.
"الاتفاق الجديد"
والأربعاء، أعلنت وكالة "بلومبرغ" الأمريكية، ووكالة "رويترز"، للأنباء أن إسرائيل وافقت على تصدير المزيد من الغاز الطبيعي لمصر من حقل "تمارا" بالبحر المتوسط، فيما أكد وزير الطاقة الإسرائيلي إسرائيل كاتس، أن القرار يزيد إيرادات تل أبيب ويعزز علاقاتها بجارتها.
وعن الكميات المطلوبة، قالت وزارة الطاقة الإسرائيلية، إن تصريح التصدير الجديد لمصر يشمل 3.5 مليارات متر مكعب سنويا لمدة 11 عاما تقريبا، بإجمالي 38.7 مليار متر مكعب، مع خيار زيادة الإجمالي إلى 44 مليار متر مكعب اعتمادا على الإنتاج المستقبلي.
ورغم ما تم إعلانه عن أن حقل "تمارا" يجري تطويره حتى العام 2025، للوفاء بالصفقة الجديدة، إلا أن "بلومبرغ"، و"رويترز"، والوزارة الإسرائيلية لم يكشفوا عن الإطار الزمني المقرر لبدء الصادرات الجديدة.
ووفق موقع "الشرق بلومبرغ"، فإن القاهرة تأمل في زيادة الشحنات من الغاز الإسرائيلي بأكثر من 30 بالمئة اعتبارا من تشرين الأول/ أكتوبر المقبل.
"ملف مثير"
وصدرت مصر في عهد الرئيس حسني مبارك الغاز لإسرائيل في اتفاقية وقعت عام 2005، تقضي بتصدير 1.7 مليار متر مكعب سنويا من الغاز الطبيعي لمدة 20 عاما، بثمن يتراوح بين 70 سنتا و1.5 دولار للمليون وحدة حرارية بينما وصل سعر التكلفة حينها 2.65 دولار، ما فجر اتهامات لمبارك وشريكه رجل الأعمال حسين سالم.
وفي تحول دراماتيكي، في شباط/ فبراير 2018، عقدت شركة "دولفينوس" المصرية للطاقة ومجموعة "دلك" الإسرائيلية للطاقة اتفاقية لتصدير الغاز الطبيعي من أرض فلسطين المحتلة إلى مصر بقيمة 15 مليار دولار لبيع 7.2 بلايين متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا، مدة 15 عاما، بقيمة مالية أعلى من السوق العالمية.
وهي الاتفاقية التي قال عنها
السيسي في 21 شباط/ فبراير 2018، مخاطبا المصريين: "إحنا جبنا جول يا مصريين في موضوع الغاز"، مؤكدا أن مصر وضعت قدمها لتصبح "مركزا إقليميا للطاقة في المنطقة".
وتظل القيمة المالية وسعر المتر المكعب من الغاز المستورد وفقا لبنود الاتفاقية الجديدة أمرا مبهما، لم يذكره الجانب الإسرائيلي، ما أثار تساؤلات وشكوك مراقبين، حول ما إذا كانت مصر ستشتري المتر المكعب بسعره وفقا للسوق الدولية أم بأسعار خاصة مع تل أبيب، كما حدث في اتفاقية العام 2018، واتفاقية 2005.
لكن، الوكالة الأمريكية، أشارت إلى حاجة مصر إلى الصفقة، ولفتت إلى أنها تعاني من تأزم في ملف الغاز الذي تسبب جزئيا في تراجع في إنتاج الكهرباء وانقطاع التيار عن ملايين المصريين.
"بلومبرغ"، أكدت أن عمليات تسليم الغاز من مصر توقفت فعليا في صيف 2023، وسط ارتفاع الطلب المحلي وأن محطتي الغاز الطبيعي المسال في "إدكو" و"دمياط" لم يصدرا الوقود في حزيران /يونيو الماضي وحتى الآن، باستثناء شحنات محدودة في تموز/ يوليو الماضي.
"عربي21"، طرحت بعض التساؤلات على خبراء مصريين، في محاولة لكشف الاختلاف بين اتفاقية الغاز السابقة عام 2018، والاتفاقية الجديدة، وكذا عن القيمة المادية للاتفاق الجديد ومدى توافقها مع الأسعار العالمية.
وكذلك عما يكشفه زيادة مصر شراء شحنات الغاز من إسرائيل عن عجز حقولها المكتشفة عن تلبية حاجة البلاد المحلية، وتراجع قدرتها على التصدير لأوروبا وأن تصبح مركزا إقليميا للطاقة.
"حلم يقابله عجز"
وفي إجابته قال الباحث والمحلل الاقتصادي الدكتور أحمد البهائي، إن "المشكلة هي أنه لا أحد يعلم شيئا عن الاتفاقيات الحقيقية المبرمة بين مصر وإسرائيل، وخاصة هذا النوع من الاتفاقيات التي بدأت بترسيم الحدود البحرية بين الجانبين".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف أنه "من الملاحظ أن هناك شيئا خفيا لصالح إسرائيل بدأ مع قيام تل أبيب بحفر حقل (لفيتان)، وما كانت تفعله إسرائيل بالقرب من الحدود المصرية البحرية منذ أيام مبارك".
وأكد أن "ما يزيد الدهشة وعلامات الاستفهام بكل الألوان أنه منذ العام 2020، أعلنت الحكومة المصرية أنها أصبحت تغطي حاجات السوق المحلية كافة من الغاز، ولديها فائض لتصديره بزيادة تصديرية تصل 12.5 مليون طن".
البهائي، أوضح أنه "على إثر ذلك تمت معاودة تجهيز مصنع (دمياط للإسالة)، لمعاودة التصدير لأوروبا بعد توقف دام نحو 8 سنوات، بجانب مصنع (إدكو للإسالة)، لتصبح مصر مركزا عالميا لهذا النوع".
ولفت إلى أنه حلم "تبخر وأصبح وهما بعد أزمة انقطاع الكهرباء وعجز الحكومة عن توفير الوقود اللازم وخاصة المازوت نتيجة شح العملة الصعبة اللازمة لشرائه"، متسائلا: "طالما هناك اكتفاء من الغاز فما الداعي لشراء المازوت، وشراء الغاز من إسرائيل".
اظهار أخبار متعلقة
الباحث المصري، أكد أن "ما يزيد الدهشة أنه قبل أزمة نقص الكهرباء بالبلاد في أيار/ مايو الماضي، وافقت إسرائيل على خطة بناء خط أنابيب لمسافة 65 كيلومترا بتكلفة 248 مليون دولار، ليصل حدود مصر لنقل 6 مليارات متر مكعب من الغاز سنويا بهدف زيادة الصادرات لمصر".
وأعرب عن دهشته من أنه "بعد أن كانت مصر تصدر الغاز لإسرائيل، أصبحت تستورده منها، حيث شرعت تل أبيب في تصدير الغاز الطبيعي لمصر منذ كانون الثاني/ يناير 2020، بقيمة قدرها 15 مليار دولار في إطار صفقة 2018".
ووصف البهائي، تلك الصفقة بأنها "الأهم منذ اتفاقية (كامب ديفيد) 1979، واتفاقية (الكويز 1996)، تلك الاتفاقية التي في تصوري أخطر من أي اتفاقية أخرى تمت بين مصر وإسرائيل، وبسببها تعاني مصر اقتصاديا".
وفي نهاية حديثه تساءل: "هل الاتفاقية الجديدة تدخل بنودها ضمن صفقة 2018، أم لها بنود جديدة أكثر إجحافا، ليكشف لنا ذلك أن حقول مصر المكتشفة عاجزة عن تلبية احتياجات البلاد من الغاز، وأن تصديره أصبح حلما أمام هذا العجز".
"إمكانيات دون نتيجة"
الحكومة المصرية كانت تطمح لأن تصبح مركزا إقليميا للطاقة وفق حديث رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، عام 2018، وهو ما لم يتحقق رغم أنه لدى مصر إمكانيات غير متوفرة في دول الجوار وخاصة مصنعي إسالة الغاز الطبيعي.
المصنع الأول بمدينة "إدكو" بمحافظة البحيرة، يضم وحدتين للإسالة، تساهم فيه مصر بنحو 24 بالمئة، للهيئة المصرية للبترول 12 بالمئة والمصرية القابضة للغاز "إيجاس" 12 بالمئة، وتملك شركتا "شل" الإنجليزية، و"بتروناس" الماليزية، نسبة 35.5 بالمئة، لكل منهما.
محطة الإسالة الثانية في "دمياط" تضم وحدة إسالة، وتديرها "يونيون فينوسا" الإسبانية بالشراكة مع "إيني" الإيطالية، وحصة مصر نحو 20 بالمئة مقسمة بين الهيئة المصرية للبترول وشركة "إيجاس".
ووفق بيانات حكومية، تسعى القاهرة لرفع قيمة صادرات النفط والغاز إلى 21 مليار دولار العام الحالي، كما تهدف لزيادة صادراتها من الغاز الطبيعي المسال بنحو 40 بالمئة عام 2025، مع ذهاب الجزء الأكبر إلى أوروبا.
وفي هذا الإطار، وقعت مصر وإسرائيل اتفاقية هامة لتصدير الغاز لدول الاتحاد الأوروبي في 2022، وهو ما استتبع إنشاء شركة "نيوميد" الإسرائيلية للطاقة خط أنابيب جديدا لإمدادات الغاز الإسرائيلي، إلى محطتي الإسالة المصريتين شمالي البلاد.
"العدسة الدولية"
وفي رؤيته، قال المستشار السياسي والاقتصادي الدكتور حسام الشاذلي، في حديثه لـ"عربي21": "من الهام النظر إلى اتفاقيات الغاز بين مصر وإسرائيل في ضوء العدسة الدولية وليست الإقليمية فقط".
الشاذلي، الذي يرأس جامعة كامبردج المؤسسية بسويسرا، أكد أن "توقيع مذكرة التفاهم بين المجموعة الأوروبية ومصر وإسرائيل في حزيران/ يونيو 2022، مثل تطورا هاما في تخلص أوروبا من الاعتماد على الغاز الروسي في ظل تصاعد وتيرة الحرب في أوكرانيا والعقوبات المتداولة بين روسيا والعالم الغربي".
ولفت إلى أنه "سبق توقيع مذكرة التفاهم توقيع العقد الأول في 2020، بين مصر وإسرائيل لتصدير الغاز الخام لمصر"، موضحا أن "تلك الاتفاقية ذات 15 مليار دولار، غيرت المعايير السياسية بالمنطقة، حيث شكلت نوعا مختلفا من الاعتماد الاقتصادي للطرفين على بعضهما".
اظهار أخبار متعلقة
وأشار إلى أنه "أمر غريب حيث كانت الدولتان أعداء طبيعيين لمدة طويلة؛ واليوم عندما نرى تطورا آخر بزيادة تصدير الغاز لمصر من حقل تمار في فلسطين المحتلة؛ بحجم 3.5 مليارات متر مكعب لمدة 11 عاما؛ يجب علينا الانتباه لتطور تلك العلاقة الاعتمادية الجديدة بين الجانبين لمرحلة أخرى من التقارب بين النظامين".
الخبير المصري، أوضح أنه "أمر لم تعرفه مصر إلا في عهد عبدالفتاح السيسي؛ حيث باتت أحد أهم مصادر الثروات الطبيعية المصرية معتمدة على علاقتها مع عدوها الطبيعي والتاريخي؛ وهو أمر خطير يمس الأمن القومي مباشرة".
وأضاف: "وهنا يمكننا أن نوسع رقعة العدسة الدولية لنعلم أن حقل تمار المختصة به الاتفاقية الجديدة تمتلك شركة (Chevron) الأمريكية العملاقة 25 بالمئة من أسهمه، ونفس تلك الشركة لها عقود هامة مع حقول الغاز المصرية".
وبين أنه "ولذلك يظهر من الواضح أن تلك العلاقة الغازية المصرية الإسرائيلية تتم برعاية أمريكية تامة ويتم توجيهها لخدمة أهداف سياسية بعينها، كما هو الحال في تغيير خريطة العلاقات بمنطقة الشرق الأوسط أو الحرب الأوكرانية الروسية".
"سؤال وجواب"
واستدرك الشاذلي: "لكن يبقى السؤال الكبير، هو أن هناك عقودا بمليارات الدولارات بين مصر وإسرائيل تجعل من القاهرة بوابة رئيسية لتصدير الغاز لأوروبا، تلك العقود لم نر لها أي تأثير إيجابي على المنظومة الاقتصادية المصرية أو الموازنة".
اظهار أخبار متعلقة
وأكد أنه "على العكس، فإن الثلاث سنوات الأخيرة تعكس منذ أول تعاقد أسوأ مرحلة اقتصادية عرفتها مصر في تاريخها الحديث؛ والتي رهنت وباعت وما زالت تبيع أصولها وعجزت عن تسديد ديونها، ووصل الحال بمؤشرات جودة الحياة للمصريين إلى أدنى مستوى".
وختم الخبير المصري بقوله: "وهنا تبقى الإجابة واضحة جلية؛ أن مصر ليست في حاجة لاتفاقيات مع أعدائها الطبيعيين؛ ولا بحاجة لبرامج إصلاحية عقيمة ولكن بحاجة لتغيير سياسي شامل يضمن تحقيق تغيير اقتصادي متقدم، ويوفر الشفافية المطلوبة في التعاقدات الدولية، لحماية الأمن القومي وإنقاذ مصر من براثن الإفلاس والإذعانات السياسية".