أكد رئيس الوزراء وزير الخارجية
القطري، محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني، أن الدول الصغيرة المحدودة بحجمها، يمكنها استخدام الأدوات والاستراتيجيات المتاحة لتصبح أطرافا فاعلة دوليا.
وجاءت تصريحات محمد آل ثاني خلال مشاركته مع المدير العام والرئيس التنفيذي للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS)، جون تشيبمان، في الجلسة الحوارية المنعقدة تحت عنوان "الدول الصغيرة واستراتيجيات النجاح في عالم تنافسي"، في
سنغافورة، بحسب وزارة الخارجية القطرية.
وقال رئيس الوزراء القطري: "لفترة طال أمدها، كنا ننظر إلى الدول الصغيرة على أنها دول محدودة بحجمها ولكن اليوم، وبالنظر إلى الأمثلة الناجحة من الدول الصغيرة، مثل قطر وسنغافورة، يمكننا رؤية كيف يمكن أن تصبح أطرافا ناجحة وفاعلة في
المجتمع الدولي".
وتحدث عن العلاقات بين دولة قطر سنغافورة، مشيرا إلى أن البلدين "تجمعهما الكثير من الأمور المشتركة، بأن الدول الصغيرة لديها دور كبير لتلعبه".
وأضاف: "غالبا ما أسأل كيف تمكنت قطر، كدولة صغيرة، من تحقيق التوازن بين اللاعبين الدوليين"، قائلا إن "قطر تؤمن بتداخل وترابط المجتمع الدولي، وهذه القناعة تمكننا من إقامة شراكة تجارية قوية مع الصين، مع الحفاظ على تحالف استراتيجي مع الولايات المتحدة".
الصين وأمريكا
وتابع: "في ذات العام الذي تم فيه تصنيفنا كحليف للولايات المتحدة كدولة غير عضو في حلف شمال الأطلسي، وقعنا أيضا ثلاث اتفاقيات طاقة جديدة مع الصين".
وأوضح أن "قدرتنا على إدارة علاقاتنا مع الصين والولايات المتحدة ترتكز على قدرتنا على التكيف، والمشاركة الدبلوماسية، والسعي لتحقيق المصالح ذات المنفعة المتبادلة، وهذا لا يخدم المصالح الوطنية لقطر فحسب، بل يساهم في الاستقرار الإقليمي والعالمي أيضا".
وأشار إلى أنه يمكن للصراعات العديدة التي نشهدها في كل المناطق أن تغري الدول الصغيرة بتبني القناعة، والاعتقاد بأنه ليس لها دور تلعبه لمجرد صغر حجمها، ولكن الحقيقة على النقيض من ذلك تماما، ففي بعض الأحيان تكون الدول الصغيرة في وضع أفضل للعب دور حاسم في حل النزاعات.
ورأى رئيس الوزراء القطري أن الدول الصغيرة غالبا ما تكون أكثر تأثرا بالمنافسة الجيوستراتيجية، والتوترات المتصاعدة، وانعدام الأمن الاقتصادي، لذا فإن علينا التحلي بالمرونة ونشارك مشاركة إيجابية كلما وحيثما كان ذلك ممكنا.
وأضاف: "يتعين على قادة الدول الصغيرة أن يكونوا مستعدين لمواجهة هذه التحديات، لا كمتفرجين سلبيين، بل كمشاركين نشطين وفاعلين في بناء السلام والاستقرار، وكميسرين للحوار، ووسطاء حاضري البديهة في الصراعات العالمية".
كما أكد أن نجاح دولة قطر في هذه المشاركات يأتي من خلال التركيز على ثلاثة مجالات رئيسية هي: بناء التحالفات المتعددة الأطراف، وتيسير الوصول للسلام، والاستثمار في النمو الاقتصادي من أجل الأجيال القادمة.
وأوضح أنه "بالنسبة لقطر، ولكونها دولة صغيرة تقع في منطقة مضطربة، يعد بناء التحالفات المتعددة الأطراف أمرا أساسيا.. وتقع محاولة الحفاظ على الأطر متعددة الأطراف وتمكينها، وتبني نظام دولي قائم على القواعد والدعوة إليه بالكامل، في صميم سياستنا الخارجية".
وأشار إلى أن "دولة قطر حافظت بشكل فعال على التعاون مع الهيئات الإقليمية والدولية، وكانت وما زالت عضوا نشطا في مختلف المبادرات الدولية".
العلاقة مع إيران
وبين أن دولة قطر "تركز أيضا على عملية تعزيز الوصول للسلام لتعزيز السلام والأمن الدوليين، وقد كان هذا أحد الركائز الرئيسية لسياستها الخارجية لأكثر من 25 عاما.. وكوننا دولة صغيرة، مثلنا مثل سنغافورة، يمنحنا الكثير من المزايا في التحرك الدبلوماسي وبناء العلاقات والشبكات مع الجميع.. ويمكن للدول الصغيرة أن تفتح قنوات اتصال موثوقة بين الدول، مما قد يشكل فرصة لتعزيز الشراكات الاستراتيجية مع القوى الكبرى في المجتمع الدولي، ويؤدي إلى وقف إطلاق النار وإلى بناء الحوارات وتعزيز السلام والأمن".
وتابع: "توصلنا مع إيران إلى اتفاق بينها وبين الولايات المتحدة، لنصبح وسيطا رئيسيا في صفقة تبادل الأسرى الأخيرة، ولفتح قناة مالية ستساعد في حل القضايا التي طال أمدها، وهي خطوة نأمل أن تؤدي إلى تفاهمات أكبر بشأن مسألة إيران النووية".
واعتبر أن "مستقبل أوطاننا يتوقف على قدرات وإمكانات الأجيال القادمة، وبالنسبة لقطر، فقد علمنا العقد الماضي دروسا بالغة الأهمية ألهمتنا وضع خطة ملموسة، نوازن فيها بين المخاطر والمكاسب، تأخذ في الاعتبار المتطلبات الحالية والاحتياجات المستقبلية للأجيال القادمة.. وكان من الضروري لنا ضمان بناء إرث دائم ومستمر، وأن ننقل ثروتنا إلى أجيالنا القادمة"، مضيفا "نحن دولة فتية، تسترشد بقائد يعرف في جميع أنحاء العالم بطموحه وتطلعه إلى المستقبل".
النموذج الاقتصادي
وتابع: "فباستخدام الثروة التي حبانا الله بها، استثمرنا في بلدنا وشعبنا، استثمرنا في التعليم والبنية التحتية، وأنشأنا شركة طيران ومطارا وميناء بحريا على أحدث طراز، في حين أصبحنا خبراء في الخدمات اللوجستية والتكنولوجيا والخدمات المهنية، وأنشأنا أيضا جهاز قطر للاستثمار الذي يخطط للاستثمار في مستقبل قطر من خلال مشاريع متنوعة تمتد عبر الأسواق والقطاعات والمناطق الجغرافية العالمية الرئيسية".
وأكد أن نموذج دولة قطر الاقتصادي قد أثبت نجاحه من خلال مساعدته لنا على استضافة أحد أكبر الأحداث الرياضية في العالم، ألا وهو بطولة كأس العالم قطر 2022، قائلا: "لقد شكل تنظيم قطر الناجح لكأس العالم إنجازا كبيرا لدولة صغيرة، فالبطولة لم تمنحنا فرصة لبناء بنية تحتية مستدامة ونمو اقتصادي كبير فحسب، وإنما عرضت أيضا الثقافة القطرية والعربية والإسلامية، والمنطقة ككل، لتغيير الصور النمطية السائدة".
وركز على أن "مهمتنا الآن هي أن نصبح مركزا عالميا حيويا، قائلا "باعتبارها مركز عبور، تقع قطر عند البوابة بين الشرق والغرب، وهي توفر سبيل وصول لا يضاهى إلى الأسواق، وتعتبر حلقة وصل بين مليارات الأشخاص عبر أكثر من 25 اقتصادا: 80% من سكان العالم يعيشون على بعد 6 ساعات بالطائرة من قطر، ويستغرق وصول السفن من قطر إلى كل من آسيا وأوروبا والولايات المتحدة 18 يوما فقط".