شهدت دول عديدة في
أفريقيا تحولات واضحة في التحالفات خلال السنوات والأشهر القليلة الماضية، بعد أن نحت باتجاه روسيا والكتلة الشرقية بشكل عام، متحللة بذلك من قبضة النفوذ الفرنسي الغربي الذي ظل يحكم سيطرته على القارة لعقود طويلة.
ورصدت "عربي21" تحولات مثيرة في خارطة النفوذ السياسي والاقتصادي والعسكري في نحو 9 دول أفريقية على الأقل لصالح روسيا، وذلك بعد أن كانت هذه الدول ضمن دائرة النفوذ التقليدي لفرنسا والغرب عموما، منذ أن كانت مستعمرات سابقة، وصولا إلى إعلان استقلالها وتولي حكومات موالية في ستينيات القرن الماضي.
ضرب المعسكرات الفرنسية
شهدت الأيام والأشهر القليلة الماضية أخبارا غير سارة لباريس، وذلك بعد أن أطاحت
انقلابات عسكرية في ثلاث دول، وهي النيجر والغابون وبوركينا فاسو، بحلفاء تقليديين لفرنسا، ما مثل ضربة لمعسكراتها السابقة، لصالح التمدد الروسي.
وعلى سبيل المثال، كان رؤساء الدول الثلاث المذكورة يدينون بالولاء لفرنسا، ويفتحون لها الأبواب على كافة المستويات، مقابل توفير الحماية لهم، وضمان استمرارهم في الحكم، الأمر الذي خلق حالة من العداء الشعبي لفرنسا في تلك الدول، خاصة بين أولئك الحالمين بالتغيير، وانعكس ذلك لاحقا في صورة تأييد شعبي للانقلابات العسكرية ضد
حلفاء باريس.
اظهار أخبار متعلقة
ويعد التدهور الاقتصادي أيضا عاملا مشتركا في كل الدول التي حدثت فيها انقلابات نتيجة الفساد والمحسوبية وغياب العدالة وانعدام الشفافية وضعف الكفاءة من قبل رؤساء وحكومات هذه البلاد.
وتركز روسيا حاليا، كما
فرنسا في السابق، على الجوانب الاقتصادية للاستفادة من خيرات وثروات أفريقيا اللامحدودة، لا سيما المعادن النفيسة، والنفط. وفي سبيل ذلك دفعت بشركة "فاغنر" العسكرية الخاصة للعمل في عدد من دول القارة، تحت غطاء أمني وعسكري.
وبينما تتواجد روسيا فعليا وتبسط نفوذها الواسع في العديد من الدول الأفريقية، فإنها تخطط لقضم المزيد من حصة الكعكة الفرنسية في أفريقيا، لكن الدول التالية يبرز فيها التواجد الروسي بشكل واضح وفقا للخارطة أدناه:
ليبيا
رغم أن روسيا لا تقيم علاقات وطيدة بنفس القدر مع كل من الشرق والغرب الليبي اللذين يتنازعان السلطة في البلاد، إلا أن التواجد الروسي في ليبيا والنفوذ الكبير لها، يشكل عقبة أمام إيجاد حل للأزمة الراهنة في البلاد.
تقيم روسيا علاقات استراتيجية مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي يسيطر على الشرق، وتمده بالدعم العسكري والسياسي، وظهر ذلك إبان هجوم اللواء المتقاعد على طرابلس في نيسان/ أبريل عام 2019 حيث شاركت قوات "فاغنر" في هذا الهجوم الذي انتهى بالفشل.
وتسيطر فاغنر حاليا على مواقع ومعسكرات ومطارات في الشرق الليبي، وتتخذ من وسط البلاد منطلقا لعملياتها في دول أفريقيا.
وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي الليبي، فرج دردور، لـ"عربي21"، إن ليبيا تعدّ محطة مهمة بالنسبة لروسيا، إذ تعدّ قاعدة خلفية ولوجستية مهمة لانطلاق عمليات فاغنر في بلدان أفريقية.
اظهار أخبار متعلقة
السودان
بدأ التغلغل الروسي في السودان عن طريق شركة "مروي جولد" المحلية التي تعود ملكيتها إلى شركة "إم إنفست" الروسية، المتخصصة في التعدين، وذلك في أعقاب اتفاق جرى بين الرئيس السوداني المعزول عمر البشير ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، عام 2017.
تلا ذلك قدوم قوات فاغنر إلى السودان، وتمركزها في أماكن حماية الاستثمارات الروسية، وفي مهمات تدريب للقوات السودانية.
في عام 2018 أيضا، وثقت مجموعة الأبحاث الروسية "CIT" أدلة على أن "فاغنر" ساعدت القوات السودانية في قمع الاحتجاجات العامة في الخرطوم، وهي احتجاجات أدت في النهاية إلى الإطاحة بالبشير بعد بضعة أشهر.
بعد الإطاحة بالبشير، ترسخت علاقة "فاغنر" مع قائد قوات الدعم السريع حميدتي، التي تقود حاليا حربا ونزاعا ضد قوات الجيش التي يقودها رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان.
يكشف تحقيق أجرته شبكة "
سي إن إن" في تموز/ يوليو 2022 أن القيادة السودانية، منحت روسيا حق الوصول إلى ثروات الذهب في الدولة الواقعة في شرق أفريقيا مقابل الدعم العسكري والسياسي.
مالي
يشير استخدام روسيا لحق النقض من أجل وقف تمديد العقوبات الدولية ضد مالي قبل أيام إلى حجم العلاقات بين البلدين.
وتعهدت روسيا أمام الأمم المتحدة، الاثنين الماضي بمواصلة تقديم "مساعدة شاملة" إلى مالي، التي يوجد بها نحو ألف مقاتل من مجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة.
واستولى مجلس عسكري في مالي على السلطة بعد انقلاب عام 2021، وفي أعقاب ذلك عقد المجلس شراكة مع مجموعة فاغنر الروسية.
ومؤخرا صوت المجلس المؤلف من 15 عضوا لإنهاء مهمة حفظ السلام التي استمرت عشر سنوات في مالي بعد أن طلب المجلس العسكري فجأة من القوة التابعة للأمم المتحدة هناك مغادرة البلاد، وهي خطوة قالت الولايات المتحدة إن مجموعة فاغنر تقف وراءها.
وكان المجلس العسكري قد طرد القوات الفرنسية من البلاد، وكرس لقطيعة تامة مع فرنسا التي كانت تسيطر على البلاد، على مدار عقود، وصل بها الحد إلى فرض اللغة الفرنسية لتكون اللغة الرسمية لهذا البلد الذي يعتبر أكثر من 90% من سكانه مسلمين.
اظهار أخبار متعلقة
أفريقيا الوسطى
بدأ الحضور الروسي في أفريقيا الوسطى في 2017 حين تبرعت روسيا بأسلحة خفيفة للجيش، سرعان ما تحول ذلك إلى وجود أمني فعال، إثر إرسال موسكو 170 من نخبة قوات "فاغنر".
خلال فترة وجيزة سيطر الروس على جميع المهام الأمنية المهمة في أفريقيا الوسطى بما في ذلك حراسة الرئيس فوستين أرشانغ. وفي خطوة تعكس حجم التعاون بين الطرفين، تم تعيين الروسي فاليري زاخاروف، ضابط المخابرات السابق، في منصب مستشار الأمن القومي للرئيس فوستين أرشانغ.
ولم تقف العلاقات عند هذا الحد، بل تطورت أكثر، ففي آب/ أغسطس 2018؛ وقَّع البلدان اتفاقية تعاون عسكري وجرى السماح بافتتاح مكتب لتمثيل وزارة الدفاع الروسية في بانغي، وأعلن رئيس أفريقيا الوسطى أن بلاده تدرس السماح بإنشاء قاعدة عسكرية فوق أراضيها، فضلًا عن سيطرة روسيا على مناطق واسعة ضمَّت مناجم الماس والذهب واليورانيوم.
على إثر ذلك، قامت فرنسا بسحب جزء من طاقمها العسكري وجمدت مساعدتها التي تبلغ عشرة ملايين يورو وعلَّقت التعاون العسكري الثنائي وسط اتهامات لحكومة فوستان أرشانغ بالتواطؤ مع حملة مناهِضة لفرنسا تقودها روسيا.
النيجر
يعد انقلاب النيجر الذي وقع في تموز/ يوليو الماضي أكبر الصفعات التي تلقتها فرنسا في البلد الأفريقي، إذ احتجز المجلس العسكري الجديد الرئيس محمد بازوم، أحد أبرز حلفاء فرنسا، بل وآخر حلفائها الأقوياء في منطقة الساحل الأفريقي، ما جعل الأخيرة تتبنى موقفا معاديا صريحا من الانقلاب، مطالبة بإعادة بازوم إلى منصبه.
اظهار أخبار متعلقة
الغابون
وسقطت الغابون أيضا من قبضة النفوذ الفرنسي بعد أن أعلن عسكريون الأربعاء الماضي عن استيلائهم على السلطة وإلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية وحل المؤسسات الحكومة.
وسرعان ما أدانت الحكومة الفرنسية، الانقلاب العسكري في الغابون، مؤكدة أنها "تراقب بانتباه شديد تطورات الوضع، وتؤكد رغبتها في أن يتم احترام نتيجة الانتخابات"، وبينما لم تتضح بعد سياسات المجلس العسكري الجديد في البلاد، إلا أن عزل الرئيس علي بونغو، الحليف البارز لفرنسا، يشكل خسارة جديدة مدوية للنفوذ الفرنسي في البلد، وسط تكهنات بدخول روسيا لملء الفراغ الفرنسي.
بوركينا فاسو
أصبحت علاقات روسيا مع بوركينا فاسو في دائرة الضوء منذ أن طردت الأخيرة القوات الفرنسية في شباط/ فبراير الماضي في خطوة يعتقد أنها ستعزز العلاقة الأمنية مع موسكو.
والجمعة، قالت الرئاسة في بوركينا فاسو إن وفدا روسيا أجرى محادثات مع رئيس البلاد المؤقت إبراهيم تراوري خلال اجتماع تناول التعاون العسكري المحتمل بين البلدين.
تراوري يتوقع أن يسير على خطى نظيره المالي، لجلب مليشيات فاغنر الروسية لتحل محل القوات الفرنسية في محاربة الجهاديين.
وكدليل على توتر العلاقة بين بوركينافاسو وفرنسا، فقد علقت الأخيرة مساعداتها التنموية وتلك المتعلقة بدعم الميزانية المخصصة لبوركينا فاسو، بعد أيام من إعلان بوركينا فاسو ومالي أنهما ستعتبران أي تدخل عسكري ضد الحكام العسكريين الجدد في النيجر بمثابة "إعلان حرب".
موزمبيق
بدأ التسلل الروسي إلى هذا البلد تحت غطاء محاربة تنظيم الدولة الذي انتشر عام 2018 في شمال موزمبيق، وبالضبط في مقاطعة كابو ديلغادو، الغنية بحقول الغاز الطبيعي.
وعقدت "فاغنر" شراكات مع "موزمبيق" لمحاربة التنظيم، فمنذ أيلول/ سبتمبر عام 2019 يتواجد نحو 300 عسكري من الشركة الروسية في البلاد مزودين بطائرات بدون طيار وأدوات عسكرية عالية التقنية لتحليل البيانات.
وينتشر عناصر "فاغنر" في بلدة "موسيمبوا دا برايا" الساحلية، ومنطقتي ناكالا ونامولا القريبتين من كابو ديلغادو، التي تستثمر فيها كبرى الشركات العالمية 60 مليار دولار لاستغلال حقول الغاز البحرية، وهي أكبر استثمارات في أفريقيا.
وبالتزامن مع ذلك، فقد زار الرئيس الموزمبيقي فيليب نيوسي، موسكو في آب/ أغسطس 2019، ووقع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتفاقيات في مجالات الطاقة والدفاع والأمن، تلاه إرسال معدات عسكرية إلى العاصمة مابوتو بينها مروحية هجومية من نوع "مي17".
أريتريا
تتمتع هذه الدولة بعلاقة بعلاقات قديمة مع روسيا التي دأبت على تقديم دعم مالي وعسكري على مر السنين.
وتسعى روسيا إلى استخدام الإمكانات اللوجستية لميناء مصوع على البحر الأحمر، والترانزيت عبر مطار هذه المدينة، في إطار علاقات وثيقة بين الطرفين امتدت منذ عام 1993 بعد أن استقلت أريتريا عن إثيوبيا.