(بين يدي هذا المقال أتقدم بخالص العزاء والمواساة لكل ضحايا الزلزال في
المغرب والفيضانات في ليبيا والسجون والمعتقلات في
مصر، حفظ الله الأمة ووقاها
الشرور)
في لحظة من لحظات التجلي وقف أحد كبار رجال العسكرية المصرية برتبة فريق هو كامل الوزير وزير النقل المصري، ليدافع عن بناء الطرق والكباري قائلا: "إن شبكة الطرق هي التي ساهمت في نهوض ألمانيا بعد
الحرب العالمية"، والحقيقة أنه صدق القول ولكن محاولة الربط بين ألمانيا
التي خاضت حربين عالميتين (الأولى في 1914-1918 والثانية 1939-1943) وتم تفكيكها؛
وبين مصر التي كانت آخر حروبها في 1973 أي قبل خمسين عاما، لم أجد لها أي مبرر سوى
الربط العسكري بين صاحب التصريح وبين الجنرال
السيسي الذي عينه في منصبه وكلفه في
عام 2019
بتطوير مظومة السكة الحديد ولم يفعل، ولكنه قام بتطوير خطابه الدعائي فأصبح ينافق
السيسي زاعما أن السيسي أبكاه عند حفر تفريعة قناة السويس وهو يخفف من قلق الوزير
أثناء تعثر المشروع في بداياته..
وفقا لقاموس كامبريدج فالبنية التحتية تعني الأنظمة والخدمات الأساسية
اللازمة لدعم الاقتصاد، وعلى سبيل المثال النقل وأنظمة الاتصالات وإمدادات المياه
والكهرباء، وهي مرافق بنيت لتبقى لا لتزول وتنهار بطبيعة الحال.
وفي معجم أوكسفورد، فإن المقصود
بالبنية التحتية هي "المرافق من تعليم وصحة وإسكان والبنى المادية والتنظيمية
الأساسية مثل المباني (الوزارات والهيئات والجامعات) والطرق وإمدادات الكهرباء
اللازمة لتشغيل مجتمع أو مؤسسة ما". فالعلة هنا هي تشغيل المجتمع وليس مجرد
إنشاء البنى الخرسانية من طرق وكباري ومبان، والهدف من البنية التحتية هو إنعاش
الاقتصاد في بلد ما حتى تتحسن حياة المواطن.
كملحوظة عامة في مجال البنية التحتية التي لا يزال الجنرال يصر على الاستمرار في الإنفاق عليها هي أنه قطاع عسكري بامتياز لا يخضع للمراقبة ولا المتابعة ولا يخصع لأي نوع من المحاسبة، وبالتالي يسهل نهب الدولة ومقدراتها على عكس قطاعات أخرى يقوم عليها المدنيون مثل قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات
في تصريح نشرته الجزيرة الإخبارية يقول عضو لجنة النقل والمواصلات في البرلمان سابقا،
المهندس محمد فرج: "في البداية ما هي البنية التحتية؟ هي كل شيء يتم
استخدامه في الحياة اليومية لتسهيل الحياة في المجتمع، ومن هنا يدخل تحت نطاقها
الطرق والجسور وإمدادات المياه والكهرباء والصرف الصحي والهواتف والإنترنت
والمستشفيات والمدارس والجامعات والمرافق المختلفة".
إذن لماذا يتم تجاهل الصحة
والتعليم والإسكان (كمشاريع بنية فوقية) لصالح الطرق والكباري (كمشاريع بنية تحتية)؟
هذا هو السؤال المهم وسيتضح لنا في هذا المقال عدم وجود نسبة وتناسب بين الإنفاق
على الصحة والتعليم والإسكان، والإنفاق على الكباري والطرق، وسنشرح السبب في ذلك.
تتضمن البنية التحتية تطوير النظم وأهمها تكنولوجيا المعلومات والحكومة الإلكترونية
رغم تطور قطاع تكنولوجيا المعلومات والذي يصنف على أنه في المرتبة العشرين عالميا من
حيث النمو (تأتي إندونيسيا وتركيا والسعودية في مراتب متقدمة على مصر)، إلا أن مصر
2022 تقبع في موقع متأخر (103 عالميا) في مجال مؤشر الحكومة الإلكترونية (الرقمية)،
وذلك وفق
تقرير المركز المصري للفكر والدراسات
الاستراتيجية، صحيح أنها كانت
في المركز الـ111 في عام 2020 ولكن لا يزال هذا القطاع متأخرا رغم أهميته في تيسير
التواصل الشعبي الحكومي والقضاء على البيروقراطية المصحوبة بالفساد المالي
والإداري، وربما يعود سبب التأخر في رغبة الجنرالات الحفاظ على منظومة الفساد
المؤسسي حتى لا تقوم لمؤسسات الدولة قائمة.
كملحوظة عامة في مجال البنية التحتية التي لا يزال الجنرال يصر على
الاستمرار في الإنفاق عليها هي أنه قطاع عسكري بامتياز لا يخضع للمراقبة ولا
المتابعة ولا يخصع لأي نوع من المحاسبة، وبالتالي يسهل نهب الدولة ومقدراتها على
عكس قطاعات أخرى يقوم عليها المدنيون مثل قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات،
رغم محاولات الجيش التدخل فيها وبقوة عندما وافق رئيس وزراء العسكر مصطفى مدبولي في
عام 2019 على منح جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للجيش رخصة تأسيس شركة
مساهمة لإقامة وإدارة وتشغيل وصيانة محطات وشبكات الاتصالات اللاسلكية والسلكية
والأقمار الصناعية، وبهذه الرخصة الممنوحة للعسكر أصبح المسيطرون على سوق شبكات
الاتصالات والأقمار الصناعية خمسة لاعبين من بينهم الجيش..
إذن سيطر الجنرالات على أهم مرافق البنية التحتية تأسيسا وتشغيلا وصيانة ما
يجعل كل مرافق البلد قيد تصرفهم.
وقد يقول قائل: ما ضرّ مصر إذا ما
سيطر الجيش على البنية التحتية؟ أليس هذا أفضل من عدم وجودها أساسا؟ وهو سؤال ساخر
وإن بدا جادا وموضوعيا، إذ أن سيطرة العسكر على الطرق ومحاولة سيطرتهم على قطاع
الاتصالات يعني تطويق المواطنين على الأرض وفي الفضاء غير المرئي، ناهيك عن التحكم
في أسعار الخدمات من خلال فرض رسوم العبور على الطرق السريعة والكباري ووسائل
التواصل الإلكتروني، ولا يمكن للمواطن الاعتراض لأن الجيش هو من يدير هذه المؤسسات
وبالتالي فمصير من يعترض هو المحاكمة العسكرية.
إذا ما عدنا إلى لغة الأرقام فسنجد تضاربا كبيرا في الأرقام التي أنفقت
وحجم الأموال التي استثمرت في قطاع الطرق والكباري، وأين ذهبت الحصة الأكبر من
كعكة الطرق والكباري.
وفق تصريحات وزيرة التخطيط هالة السعيد فإن الدولة أنفقت 400 مليار دولار
على مشاريع البنية التحتية في الفترة ما بين 2014 و2021، أي في سبع سنوات بواقع 57
مليار دولار في العام الواحد، وهو رقم ضخم يكفي لإعادة تأهيل البنية التحتية لدولة
من الصفر، وهذا الرقم يساوي تقريبا إجمالي الناتج القومي لمصر في عام واحد (469 مليار
دولار في عام 2022)، ويساوي ما يزيد عن 3.6 ضعف الناتج القومي لدولة إثيوبيا (111
مليار دولار في 2022) و5.6 ضعف الناتج القومي لدولة صربيا (51 مليار دولار في 2022).
وتصريح الوزيرة الأخير يوافق ويتفق
مع
تصريح السيسي في 5 أيلول/ سبتمبر الحالي 2023 عن كلفة البنية التحتية التي بلغت 10 تريليونات جنيه، أي
ما يقترب من 325 مليار دولار وفق سعر الجنيه الرسمي (الدولار يساوي 31 جنيها
تقريبا) أي أن السيسي ومن بعده الوزيرة قد أضافت حوالي 75 مليار دولار من عندها
للرقم الذي أعلنه السيسي بنفسه!!
تصريحات السيسي نفسه تضاربت مع تصريحات سابقة له نشرتها
جريدة الاتحاد الإماراتية في حزيران/ يونيو
2022، وجاء فيها أن إجمالي ما أُنفق على المشاريع القومية (البنية التحتية) بلغ
500 مليار دولار، بفارق 100 مليار دولار عن الرقم الذي نشر حديثا (400 مليار دولار).
والرقم الذي طرحته وزيرة التخطيط
هو غير الرقم الذي طرحته من قبل، أي أن الوزيرة وكما نقول بالعامية "تضرب
أرقام"، أي تخترع أرقاما وهمية أو على هوى الجنرال، فإن قال لها ارفعي
الأرقام ترفعها وإن تركها لحالها تعود لما هو مكتوب لديها في سجلات الوزارة.
في تصريح سابق لنفس الوزيرة في تشرين الأول/ أكتوبر 2021
نقلت نفس الصحيفة عن الوزيرة قولها إن إجمالي ما تم إنفاقه خلال نفس
الفترة (سبع سنوات) بلغ 2.3 تريليون جنيه، ولك أن تتخيل الفجوة بين الرقمين لتعرف
حجم الفساد والسرقة في مشاريع البنية التحتية.
الجيش وشركاته من خلال الهيئة الهندسية للقوات المسلحة وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة قد ابتلع حصة المشاريع القومية، وقامت هاتان الجهتان التابعتان للجيش بإشراك شركات مصرية من الباطن لتحتفظ شركات الجيش بالنصيب الأكبر مع حق الإشراف على المشاريع وأفضلية عدم المحاسبة ولا دفع الضرائب ولا الجمارك
أما رئيس الوزراء فقد ابتكر رقما ما بين رقمي الجنرال السيسي ووزيرة
التخطيط، وقال إن ما
أنفق يصل إلى 6.2 تريليونات جنيه، أي أنه اختار
منطقة وسطى بين رقم الجنرال وأرقام الوزيرة.
أما من الفائز الأكبر من كعكة مشاريع البنية التحتية فلا عجب أن تعلم أن
الجيش وشركاته من خلال الهيئة الهندسية للقوات المسلحة وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية
التابع للقوات المسلحة قد ابتلع حصة المشاريع القومية، وقامت هاتان الجهتان
التابعتان للجيش بإشراك شركات مصرية من الباطن لتحتفظ شركات الجيش بالنصيب الأكبر
مع حق الإشراف على المشاريع وأفضلية عدم المحاسبة ولا دفع الضرائب ولا الجمارك. (راجع
تقرير مجلة السياسة الدولية عن دور الجيش المصري في مشاريع البنية التحتية).
في دراسة نشرها المعهد المصري
للدراسات قام بإعدادها الأستاذ عباس قباري عن الوضعية المميزة للهيئة الهندسية في
القانون المصري بعنوان "
الهيئة الهندسية والمشروعات القومية
تحصين وتمكين " جاء: "في أبريل 2015،
صدر قرار رئاسي بالقانون رقم 23 لسنة 2015 بتعديل قانون البناء رقم 119 لسنة 2008،
ويعد هذا التعديل بمثابة نقطة التحول التي منحت الهيئة الهندسية وضعية خاصة تميزها
عن كافة أجهزة الدولة المدنية المختصة بالتخطيط وتنظيم أعمال البناء. فقد منح ذلك
التعديل نوعاً من أنواع الحصانة التشريعية لأعمال الهيئة الهندسية، كما منحها
أوضاعاً استثنائية على سياسات وضوابط التخطيط العمراني والبناء المعمول بها التي
تتقيد بها كافة أجهزة الدولة الأخرى".
والدراسة المشار إليها قيّمة فهي تبحث وتفند مشروعية التعديلات التي جرت
لصالح تمكين الهيئة الهندسية من كافة أراضي مصر وتجعل من الجيش المالك الوحيد
للأرض المصرية، وعلى المتضرر اللجوء إلى الخارج!!!
وهنا أنقل هذا الجزء الخطير من تلك الدراسة عن التعديلات التي جرت على
القانون 23 لعام 2015 "المادة 38 أضافت المناطق الاستراتيجية ذات الأهمية
العسكرية والأراضي المخصصة أو المملوكة للقوات المسلحة والمشروعات القومية التي
تقوم بتنفيذها بناء على قرار من مجلس الوزراء، إلى المناطق الخاضعة لأحكام هذا
القانون بجانب وحدات الإدارة المحلية والمناطق السياحية والصناعية والتجمعات
العمرانية". ثم الأخطر وهو تطبيق التعديلات بأثر رجعي حتى تتمكن الهيئة
الهندسية من إحكام السيطرة على القديم والجديد: "أضاف القانون المادة 39 مكرر
والتي منحت استثناء للمشروعات القومية التي تسند للهيئة تحصن به أعمالها بأثر
رجعي، والتي نصت على: مع عدم الإخلال بالمادة السابقة، تستثنى المشروعات القومية
الصادر بها قرار من مجلس الوزراء التي أقامتها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة،
والتي تثبت سلامتها الإنشائية ومطابقتها للاشتراطات التخطيطية والبنائية المعتمدة
بناء على شهادة تصدرها الهيئة وتعتبر هذه الشهادة بمثابة ترخيص منتج لآثاره".
والخلاصة في البنية التحتية أو
المشاريع أنها بنية تحتية لتمكين الجيش من السيطرة على الأمور التحتية والفوقية
للمجتمع.
أما البنية الفوقية وأعني بها الإنسان (غير العسكري) الذي من المفترض أن
تبنى من أجله الطرق والكباري والمباني والنظم فهو في آخر اهتمامات الجنرالات، ويكفي
أن تعلم أن نسبة الأمية في مصر وفق تعداد 2017 قد تجاوزت 25 في المئة، ووفق تصريحات رسمية حديثة هي 23 في المئة. ووفقا لبيان صحفي لجهاز التعبئة
والإحصاء نشرته الأهرام المصرية في أيلول/ سبتمبر 2023، فإن النسبة وصلت إلى 17.5 في
المئة، وهي أكبر بين النساء إذ تصل إلى 22.8 في المئة رغم وجود هيئة
متخصصة لتعليم الكبار (الهيئة العامة
لتعليم الكبار) في مصر، ومن قبلها وفي بداية عام 2013 تم تأسيس البوابة الالكترونية للمشروع القومي
لمحو أمية الكبار، وكان المستهدف أن تصل نسبة الأمية إلى 10 في المئة بحلول
عام 2020 ولم يحدث بالطبع.
البنية الفوقية وأعني بها الإنسان (غير العسكري) الذي من المفترض أن تبنى من أجله الطرق والكباري والمباني والنظم فهو في آخر اهتمامات الجنرالات، ويكفي أن تعلم أن نسبة الأمية في مصر وفق تعداد 2017 قد تجاوزت 25 في المئة، ووفق تصريحات رسمية حديثة هي 23 في المئة
ورغم الوعود المتكررة بمحو الأمية إلا أنه وفي أيار/ مايو 2023 طالب النائب
محمد الحمامي، أحد النواب في برلمان العسكر، بالإعلان عن مشروع قومي لمحو الأمية، فلماذا تأخر هذا الأمر وهذه المطالبات؟ لأن محو الأمية
يعد من مشاريع البنية الفوقية أي بناء الإنسان، لذلك يتم ترحيلها إلى وقت آخر وعصر
آخر.
من بين أهم مشاريع البنية الفوقية هو بناء الإنسان
المعرفي وإعادة تشكيله الثقافي، ولكن الواقع يؤكد أن الهوة لا تزال كبيرة بيننا
وبين عالم المعرفة الحقيقي. ووفقا لتقرير للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء نشر ببعض الصحف والمواقع جاء فيه: "أصدر
الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إحصاء بعدد المكتبات للعام 2020، أشار فيه
إلى أن عدد دور الكتب والمكتبات العامة والمتخصصة ومكتبات الجامعات والمعاهد يصل
إلى 1353 مكتبة، بواقع 319 مكتبة عامة و394 مكتبة متخصصة و640 مكتبة جامعية، بينما
بلغ عدد المترددين من مطالعين ومستعيرين 3.420 مليون متردد عـام 2020، واحتلت
المكتبات الجامعية والمعاهد النصيب الأكبر بـ2.7 مليون، تليها المكتبات العامة 465
ألفا".
وهي أرقام هزيلة للغاية سواء عدد المكتبات أو عدد المترددين عليها
والمستعيرين للكتب، وكيف يكون للكتب مكان في واقع يتم عسكرته ويقوده جنرال لا
يؤمن بالعلم ولا المعرفة، ويعتقد أن الله منحه البركة وأن دراسات الجدوى غير مفيدة؟
وفقا للتصنيف العالمي للثقافة والتعليم لجامعة سنترال كونيتيكت الأمريكية الذي أجري على 61 دولة ونُشر في آذار/ مارس 2023، فقد خلا التصنيف من اسم
مصر، بينما جاءت قطر في المرتبة الأولى عربيا وفي المرتبة 45 عالميا ومن بعدها
تونس 52 والمغرب 58!!
من بين مشاريع البنية الفوقية هو
الاهتمام بصحة المواطن حتى يكون قادرا على العيش والكسب وتطوير ذاته وبناء أسرة
ذات شأن في المجتمع، وهو عكس ما يجري في مصر اليوم فهناك حرب على صحة المواطن، إذ
وكما ذكرت في مقالات سابقة عن الصحة ضمن هذه السلسلة فإن عدد المستشفيات وعدد
الأسرّة لا يتناسب مع عدد السكان، وكذلك عدد الأطباء وهيئات التمريض، والمصيبة
الكبرى هي في الخفض المستمر لنسبة ميزانية الصحة من الميزانية العامة للدولة في
مخالفة صريحة للمادة (18) من الدستور والتي جاء فيها:
"تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن 3 في المئة من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية. وتلتزم
الدولة بإقامة نظام تأمين صحي شامل لجميع المصريين يغطي كل الأمراض، وينظم القانون
إسهام المواطنين في اشتراكاته أو إعفاءهم منها طبقاً لمعدلات دخولهم. ويجرَّم
الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان في حالات الطوارئ أو الخطر
على الحياة".
نسبة المخصص في ميزانية الدولة في عصر الجنرال لم يتجاوز الـ1.5 في المئة،
أي أن أكثر من نصف ميزانية الصحة كأحد مكونات وأساسيات البنية الفوقية لا تتجاوز
50 في المئة من المقرر وفقا للدستور الذي عدله الجنرالات في 2014، وقد أقر الجنرال
السيسي بعدم إنفاق الدولة أو التزامها بالنص الدستوري، واعترف بأنه لم ينفذ هذه
المادة لأنه لا يملك الأموال الكافية. وقال في
تصريح له في 14 حزيران/ يونيو 2023:
"معاك المبلغ ده؟ هتعمل استحقاق دستوري إزاي للتعليم؟ مش بتقولوا كدة؟ أنتم
عاوزين أضحك عليكم؟ تقول لي استحقاق دستوري للصحة والتعليم؟ هل الدولة المصرية
معاها هذه الأموال للـ100 مليون، تعلمهم (..) الأرقام المطلوبة مش موجودة يا
جماعة، ولازم كلنا نبقى موجودين على أرض الواقع".
الخلاصة أنه تم تجريف البنية الفوقية لصالح البنية التحتية التي يتحكم بها الجنرالات تحكما لا نهائيا بغرض سلب الإنسان من حقه في المعرفة والتعليم والصحة والثقافة وحرية المعلومات والتعبير عن الرأي
وعلى الرغم من أن
مصر تأتي في المركز الحادي عشر عالميا من بين أكثر الشعوب استخداما للإنترنت وعالم الديجيتال،
إلا أن الواقع لا يُقر بأن هذا الترتيب قد أحسن استخدامه في بناء الإنسان أو ما
يعرف بالتنمية البشرية أو الإنسانية حتى اللحظة، وفي هذا الإطار فإن تقرير
التنمية البشرية العربية يوصي الدول العربية بأربع توصيات من أجل الارتقاء
بالإنسان ورفع مستويات التنمية الفوقية (البشرية)، وأهم هذه التوصيات الاستمرار
في تعزيز المساءلة والاستجابة لأنظمة وهياكل الحوكمة. وهي أمور غير متوفرة
وأعتقد أنها لن تتوفر، وللأسف سوف تظل مصر في الواقع التحتي حتى يتغير نظام الحكم
ويأتي نظام آخر يؤمن بأن المواطن هو العمود الفقري للتنمية، وأن البنية التحتية لا
فائدة منها إن لم يكن لها مردود على المواطن.
الخلاصة أنه تم تجريف البنية الفوقية لصالح البنية التحتية التي يتحكم بها
الجنرالات تحكما لا نهائيا بغرض سلب الإنسان من حقه في المعرفة والتعليم والصحة
والثقافة وحرية المعلومات والتعبير عن الرأي.
وفي رأيي أن جنرالات الجيوش خلال العشرية السوداء لا يبصرون أبعد من تحت
أقدامهم، لذا فالبنية التحتية مناسبة لطريقة تفكيرهم أما البنية العلوية أو
الفوقية فهي ليست في مخيلتهم ولا يمكنهم التعامل معها لأنها تعني نهاية حكمهم.