تألّق السفير
الفلسطيني لدى المملكة المتحدة حسام
زملط، في معرض ردوده على بعض وسائل
الإعلام الغربية التي استضافته للتعليق على
مجريات الأحداث في فلسطين المحتلة، ظنّاً منها أنها ستخطف منه تصريحاً عاجلاً
يُدين فيه عمليات المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال
الإسرائيلي، كي تتداوله فيما
بينها على وجه السرعة، فتظهر الدبلوماسية الفلسطينية بمظهر الخجول، ولكن السفير
اشتبك معها لفظياً أكثر من مرة، وتركها تحت هول الصدمة حتى هذه اللحظة، بعدما عرّى
الإعلام المنافق على حقيقته المنحازة لصالح الاحتلال، الأمر الذي قُوبل بحالة
ابتهاج وتأييد على منصات التواصل الاجتماعي.
الاشتباك اللفظي الذي حصل لم يكن بين حسام زملط ومُذيع
فحسب، بل كان اشتباكاً سرديّاً بين روايتين اثنتين، أولاهما هي رواية اللاجئ
الفلسطيني في
أوروبا التي تُبرِز مظلمة الشعب الفلسطيني أمام جَور الاحتلال
وعقليّته الإجرامية القائمة على القتل والتهجير والحصار والتجويع والاعتقال،
والثانية هي رواية الإعلام الغربي الذي لم ينصف الشعب الفلسطيني حتى وهو تحت القصف
الهمجي الذي خلّف آلاف الشهداء والجرحى، وأحدث دماراً هائلاً في البنية التحتية
داخل قطاع غزة، الذي يُترك اليوم بدون أدنى مقومات الحياة، وسط صمتٍ مُريبٍ عجيب
من المجتمع الدولي الذي لم يحرك ساكناً..
الاشتباك اللفظي الذي حصل لم يكن بين حسام زملط ومُذيع فحسب، بل كان اشتباكاً سرديّاً بين روايتين اثنتين، أولاهما هي رواية اللاجئ الفلسطيني في أوروبا التي تُبرِز مظلمة الشعب الفلسطيني أمام جَور الاحتلال وعقليّته الإجرامية القائمة على القتل والتهجير والحصار والتجويع والاعتقال، والثانية هي رواية الإعلام الغربي الذي لم ينصف الشعب الفلسطيني حتى وهو تحت القصف الهمجي
إن دفاع حسام زملط المُستميت عن حقوق شعبنا، وإبرازه
الوجه الحقيقي للمواقف الغربية، تجلّى على بُعد أيامٍ فقط، حيث طالبت وزيرة
الداخلية البريطانية بشكلٍ علنيٍّ واضح، بقمع المظاهرات المؤيدة لفلسطين، وفضّها
ولو بالقوة، بذريعة أنها ترفع شعار "فلسطين من البحر إلى النهر"، فهذا
وفق اعتقاد الوزيرة البريطانية مدعاة لإزالة ما تُسمّى إسرائيل من الوجود، وإيحاء
مُبطّن لمعاداة السامية وإيذاء لمشاعر اليهود الذين يعيشون في بلادها، في حين أنّ
الفلسطينيين في بلادها لا مشاعر لهم وهم يشاهدون أشقاءهم في الداخل تحت مرمى
الصواريخ.
وبالتالي فإن السفير الفلسطيني كان مُدرِكاً تماماً
وبشكل مُسبَق لسياسة البلد الأوروبي الذي يعيش فيه، وكان على دراية بأنّ من منح
بلفور وعداً مجانياً للمحتلين وعلى طبقٍ من ذهب، لن يمنح الفلسطيني في الطرف
المقابل ترخيصاً كي يُدين أطفال بلفور أنفسهم، الذين أنجبهم ذلك الوعد الباطل فوق
أرضنا..
إن حسام زملط وغضبه يمثّلان غضب فلسطينيي أوروبا
أجمعهم، الذين تُمنع عليهم الكلمة، ويُحاسَبون لمجرد تغريدة عبر منصة
"إكس"، أو تدوينة عبر فيسبوك، في حين يتحرك مئات الجنود الفرنسيين
للقتال إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي، في الوقت الذي تتحرك فيه أيضاً حاملة الطائرات
الأمريكية "فورد" وهي الأضخم في العالم، جهاراً نهاراً، تتبعها حاملةٌ
أخرى نحو مياه الشرق الأوسط، لضرب قطاع غزة المحاصر والإجهاز عليه بأسلحة ثقيلة،
وأنت أيها الفلسطيني المقيم في أوروبا عليك أن تُعاين المشهد عن كثب دون أن تحرّك
ساكناً، وعليك أيضاً أن تضبط سُكّرك كثيرا كي تصبح "سُكّر وسط" لا تُسبب
إزعاجاً وآفاتٍ للآخرين، وإلّا سوف تجد نفسك في دائرة الاتهام بدعم الإرهاب أو
معاداة السامية، ولكَ حرية الاختيار بين هاتين التّهمَتين المُغلّفتَين الجاهزتَين..
وأتساءل في معرض الحديث عن ازدواجية المعايير الغربية
التي كشف عنها حسام زملط: لماذا يحل للدول الأوروبية أن تهب لنجدة الأوكرانيين
أمام الحرب التي شنتها روسيا على بلادهم، فيدعمونهم بالسلاح والمعدّات ومنصّات
السياسة، واللجوء وتقديم الدعم، في حين يُطلَب من قطر على سبيل المثال أن تلعب
دوراً بمنع دخول أطراف أخرى على خط الصراع الدائر بين المقاومة الفلسطينية
والاحتلال الإسرائيلي، رغم أن مناطق داخل فلسطين كالضفة الغربية مصنّفة بالقانون
الدولي على أنها مناطق محتلة؟ وبأي حق يهدد الاحتلال الإسرائيلي مصر بقصف شاحنات
الإغاثة في وضح النهار إذا ما حاولت الدخول إلى قطاع غزة لسد رمق الجوعى
والمحاصرين هناك؟ وكيف تصمت منظمات حقوق الإنسان والدول الراعية للإنسانية عن هذا
التشبيح والعربدة الإسرائيلية؟..
ليس هذا فحسب، بل إن التصريحات التي صدرت من قادة
الاحتلال الإسرائيلي، تُثبت مدى منطق الشوارع الذي يتمتع به هؤلاء، فالحيوانات
البشرية التي تحدث عنها وزير الخوف لديهم يوآف غالانت هم حيوانات من فصيلة
الأُسُود الذي داسوا هيبة الاحتلال أمام مواطنيها وأمام العالم، وأصبح "الجيش
الذي لا يُقهَر"، جيشاً من الأسرى والمفقودين والمأزومين والقتلى، بل أصبح
جهاز الاستخبارات الإسرائيلي الذي صدّعوا رؤوسنا به على مدار سنوات، جهازا من
راديوهات الخردة التي لا تصلح إلا للإنصات لبرنامج حُكم العدالة عصر كل يوم
ثلاثاء، ولهذا دعت المحامية الإسرائيلية ريفيتال تالي، وهي عضو الكنيست عن حزب
الليكود، إلى استخدام السلاح النووي والانتقام العنيف ردا على هجمات حركة حماس،
وسمعها المجتمع الدولي بأكمله وهي تطلق هذا التصريح المؤطر بالسلاح النووي دون أن
يعترض، ولكنه يعترض فقط عن عدم إدانة السفير الفلسطيني في لندن لحركة حماس..
لم يحتجّ أحدٌ حينما قال السفير إنه هنا ليمثّل الشعب
الفلسطيني، لأنه بهذا الاشتباك يمثّلنا جميعا نعم، بل إننا نتضرع إلى الله أنْ لو
كان سفراء الدبلوماسية الفلسطينية كلهم على ذات الدرجة من الشجاعة ورباطة الجأش
والثبات في مثل هذه المواقف..