مع دخول العدوان أسبوعه الثالث، فما زالت إخفاقات
الاحتلال تتواصل، وفي
حين أنه لم يتجاوز الفشل الذي واجهه في "طوفان الأقصى"، فإنه وقع في فشل العدوان، وقد
رصدتها أوساطه السياسية والعسكرية والحكومية، سواء في فشل المستوى السياسي في
التعامل مع أهالي الأسرى الإسرائيليين لدى حماس، أو التعامل المرتبك مع الإعلام
الدولي، فضلا عن عدم وجود إدارة مالية لموازنة الحرب، في حين لا تبدي الوزارات
الحكومية أنها تعمل في ظل الحرب، وكلها إشارات على أن رئيس الوزراء لم يتمكن بعد
من التخلص من الصدمة.
نداف إيال خبير الشؤون الدولية في صحيفة يديعوت أحرونوت، ذكر أنه
"بعد أكثر من أسبوعين، لا يزال الإسرائيليون يعيشون صدمة ما حصل في هجوم
السبت، ما يدفع إلى مزيد من الحديث عن الفشل الهائل والصادم الذي يجتاحهم الآن، إنه فشل
يطال جميع الإسرائيليين: رأي عام وجيش وحكومة، فشل تاريخي رهيب في حمايتهم، وكل
المقابلات الصحفية مع القادة لن تخفي هذا الفشل الذي لم يكن استخباراتياً فقط، ولم
يكن في لحظات المفاجأة فحسب، بل أيضاً في إدارة الساعات العشر الأولى من الحرب على
غزة".
انهيار الحكومة
وأضاف في مقال مطول ترجمته "عربي21" أن "الفشل هو
للحكومة الحالية، من الصعب أن نتصور أداء كارثياً وأسوأ مما شهدناه منها، وما زلنا
نشهده، وكأننا أمام انهيار كامل لها، واليوم بعد أكثر من أسبوعين يواجه رئيس
الوزراء بنيامين نتنياهو صعوبة في العودة إلى رشده، عقب وقوعه في جملة من الأخطاء
والإخفاقات العديدة، أولها فشله في إدارة الدوائر الحكومية، حيث لا يوجد صندوق
موازنة لإدارة الدولة أثناء الحرب، وهذا الإغفال الخطير أنشأ العديد من الإغفالات
الأخرى، تمثل في العجز عن إجلاء المستوطنين من الشمال الجنوب، ممن يعيشون في حالة من
عدم اليقين التام بسبب عمق الخلل الحكومي".
وأشار إلى أن "إسرائيل تخوض أخطر حرب لها منذ 1948، لكن عدد
قراراتها المتخذة ضئيل، ونتنياهو لا يعقد لقاءات عاجلة مع وزرائه، وسلوكه برمّته
بطيء للغاية، متلعثم، هو ليس مصاباً بالصدمة فقط، بل يقدم أداءً سيئاً للغاية، ما
يشير للإخفاق الثاني المتمثل بفشل الاحتلال في استراتيجيته الدولية، لأنه لا
يملكها، مما أوضحه الخطاب العدواني وغير الضروري والمؤذي الذي ألقاه منسق شؤون
الأسرى الجديد غال هيرش، المفتقر لأي خبرة في المفاوضات، وحديثه مع دبلوماسيين
أجانب دون تنسيق مع استراتيجية إدارة الحرب مع حماس، والأخذ بعين الاعتبار دوره
الحساس والخاص بإعادة المختطفين".
وأكد أن "الاستراتيجية الدولية الفاشلة للدولة تتمثل في أنها لم
تعتبر إعادة المختطفين القضية الرئيسية، وليس الانتقام من حماس، فالحكومة لم تخاطب
المجتمع الدولي باللغة الإنسانية، ولم تظهر صور الأسرى لدى حماس، ولم تعرض مكافأة
مالية لمن يدلي بمعلومات عنهم، مع أن حماس تفهم جيدا ما في يديها، وماذا يعني ذلك،
مع أن استعادة الأسرى التزام أخلاقي من الدولة، لكن نتنياهو لم يكلف نفسه عناء
التغريد حول هذا الموضوع، ولو مرة واحدة؛ كل تغريداته عن صوره مع الجنود،
واجتماعاته مع القادة الأجانب، وهذا مجرد عنصر واحد من عناصر الفشل الاستراتيجي
للحكومة".
غموض الأهداف
وشدد على أن "الفشل الاستراتيجي يمتد إلى عدم وضوح أهداف الحرب
على غزة، هل هي الإطاحة بحماس من السلطة، أو تحييد جيشها، وماذا سيحدث في اليوم
التالي، لأنه من أجل تعبئة الحكومات حول العالم، تحتاج إسرائيل أن توضح أهدافها،
ليس في مؤتمر مغلق يعقده يوآف غالانت، لأنه دون استراتيجية واضحة، فإن كل التحركات
الأخرى العسكرية والدعائية ستفشل، وفشلها أثناء القتال خطير وغير فعال".
وأضاف أن "الإخفاق الثالث يتمثل في فشل الحكومة على مستوى
الوزارات، فأهالي المخطوفين والمفقودين منذ أيام طويلة لم يتلقوا أي اتصال من أي
مكتب حكومي، ولم تحتضنهم الدولة، وظهرت الوزارات ليست ذات صلة، ولا وجود لها في
المستوى الميداني، في حين يتمثل الإخفاق الرابع في فشل وسائل الإعلام الدولية
بتسويق صورة إسرائيل، والحكومة التي يتباهى زعيمها بمهاراته في مجال الدعاية تفشل
الآن في كل مكان تقريباً في إيصال رسالتها، مع أن الرئيس التنفيذي لشركة علاقات
عامة أمريكية، وهي واحدة من أكبر الشركات في العالم، تلقى مكالمة هاتفية من أحد
زملاء نتنياهو، لتكليفه بتنسيق جهود المعركة الدعائية الدولية، هذه مبادرة مهمة في
حدّ ذاتها، لكن من المستحيل الفوز بمثل هذه المعركة الدولية دون وضوح الرسائل
المستمدة من استراتيجية واضحة".
وأشار إلى أن "الإخفاق الخامس يتمثل في فشل الحكومة بتوحيد
المجتمع الإسرائيلي، وهي لا تساهم ولا تحاول المساهمة بأي شيء في ذلك، حتى إن
حكومة الطوارئ تشكلت متأخرة، وبعد مساومات سياسية وتدخلات شخصية، بعدما سبّبه
انقلابها القانوني من انقسامات داخلية، حتى إن الوزارات لم تطلب من جهات نقابية من
المجتمع المدني للعمل معها لتعزيز الخدمة العامة، وبدلاً من التركيز على القوة
الإسرائيلية فوق الحزبية، فإنها تركز على السياسات التافهة في أوقات الحرب".
غياب المسؤولية
وأكد أن "الإخفاق السادس هو فشل قيادي مدوّ، وهو الأشدّ خطورة،
والأمر كله يقع على عاتق نتنياهو الذي لم يتعاف منذ 7 أكتوبر، ويمكن فهم السبب،
لأنه وعد قبل 15 عاماً بإسقاط حكم حماس في غزة، وتباهى بقدرته الشخصية على تحديد
التهديدات الوجودية، ورفض أي نصيحة من المؤسسة الأمنية، مكتفياً بالاعتماد بشكل
كامل على رأيه الخاص. لقد فشل نتنياهو فشلا ذريعا، فحكومة الطوارئ فُرضت عليه، ولم
يبادر بها، ولم يمنح غادي آيزنكوت وبيني غانتس مناصب حكومية لأنه يخاف بشدة من
شركائه، وعلاقاته بوزير الحرب يوآف غالانت صعبة للغاية، ومليئة بالافتراءات، وكل الإخفاقات
الحكومية مسؤوليته وحده".
وأوضح أن "نتنياهو لم يعقد مؤتمرا صحفيا حتى الآن، ولم يجب على
سؤال واحد حول كارثة السبت، فيما المتحدث العسكري يجيب عن الأسئلة كل يوم. وبعد
ستة أيام من أخطر صدمة في تاريخ الدولة، استدعانا جميعا إلى شاشة التلفزيون
للإدلاء بـ«بيان»، لم يقل شيئا فيه، بل إن مداولات مجلس الوزراء مسرّبة بشكل مدمر؛
وبتّ أجد صعوبة في تصديق كمية المعلومات التي تتسرب. ومن التقوا نتنياهو شخصياً
يصفون المحادثات بالصعبة، المليئة بالخوف والألم، وهو كقائد لا يبدي الثقة في
النصر، ما يجعل الكثير من العائلات وجنود الاحتياط يملؤهم غضب شديد عليه وعلى
حكومته بسبب سياسته الرخيصة، لأنه لم يحضر جنازة واحدة".
إن هذا الاستعراض الإسرائيلي المطوّل لسلسلة أخطاء الدولة والحكومة
ورئيسها يشير إلى أنها متورطة فعلا في سلسلة من الإخفاقات الاستراتيجية والدعائية، ما يؤدي إلى أضرار تراكمية، هذه هي الحقيقة، الاحتلال الذي لم يتعرف على التهديد،
والمسؤول عن الفشل، يواصل شنّ الحرب، ويديرها بشكل سيئ، ما يذكرنا برئيس الوزراء
البريطاني نيفيل تشامبرلين، الذي حل محلّه ونستون تشيرتشل بعد فترة وجيزة في الحرب
العالمية الثانية. ورغم أن الاحتلال في حرب 1973، وفي وقت قصير، أجرى تنقلات لكبار
القادة، بما فيها قائد القيادة الجنوبية في الحرب الحالية، فإنه اليوم لا يجري
هذه التنقلات، لا في الوزارات، ولا في الجيش، لأن رئيس الوزراء على قمة الهرم، لا
يخرج بعبارة "أنا مسؤول عن ما حصل".