هبط
الجنيه المصري إلى مستوى تاريخي جديد أمام الدولار الأمريكي وبلغ
45 جنيها لكل دولار في السوق الموازي، فيما سجلت العقود الآجلة للجنيه غير القابلة
للتسليم أمام الدولار الأمريكي ارتفاعا ملحوظا خلال الساعات القليلة الماضية بالتزامن
مع استمرار خفض تصنيف مصر الائتماني.
وقال متعاملون في السوق الموازي لـ"عربي21" إن "سعر
صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية يشهد هبوطا متسارعا منذ نحو أسبوعين، وارتفع الدولار
الأمريكي من مستوى 40 جنيها إلى نحو 45 جنيها؛ بسبب شح المعروض وزيادة الطلب".
وأشاروا إلى أن "هناك حالة ترقب في السوق الموازي مع استمرار تثبيت
سعر الصرف في البنوك الرسمية عند نحو 30.90 جنيها، والفجوة بين الرسمي والموازي بلغت
نحو 48% وهو أكبر فرق منذ مدة طويلة، وهو مؤشر على زيادة الفجوة مستقبلا وضرورة تحريك
سعر الصرف قريبا".
وخفضت وكالة "ستاندرد آند بورز" تصنيف مصر الائتماني بالعملات
الأجنبية والمحلية إلى "B-"
من "B" مع نظرة مستقبلية مستقرة؛
بسبب التأخير المستمر في تنفيذ الإصلاحات النقدية والهيكلية في البلاد، بالإضافة إلى
عوامل أخرى.
اظهار أخبار متعلقة
وأشارت الوكالة في بيانها الصادر، الجمعة، إلى استمرار الضغوط التضخمية
على نحو مرتفع، وتوقعت المزيد من الضعف في سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية، مؤكدة
أن تداعيات أزمة العملة الأجنبية ستتسبب في تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي بشكل
أكبر في السنة المالية 2024.
وتجاوز الدولار وفق أحدث بيانات العقود الآجلة غير القابلة للتسليم
لأجل سنة مستوى الـ 45 جنيها، لأول مرة على الإطلاق، مقابل نحو 39 جنيها في آب/ أغسطس
الماضي.
ويتعين على مصر، بحسب بيانات البنك المركزي، سداد التزامات تبلغ
40.2 مليار دولار خلال الفترة من تموز/ يوليو 2023 إلى تموز/ يوليو 2024. فيما تقدر
التدفقات بنحو 16.8 مليار دولار.
وقدر بنك "غولدمان ساكس"، متوسط متطلبات التمويل الخارجي
لمصر بنحو 20 مليار دولار في السنة على مدى السنوات الخمس المقبلة، أي نحو 100 مليار
دولار، وتوقع أن تبلغ فجوة التمويل من النقد الأجنبي نحو 11 مليار دولار خلال الـ
5 سنوات القادمة بنهاية العام المالي 2027-2028.
زاد الدين الخارجي المصري بقيمة 9.2 مليارات دولار خلال العام المالي
2023/2022، ليصل إلى 164.728 مليار دولار بنهاية حزيران/ يونيو الماضي، وفقاً لموقع
وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية المصرية.
يعتقد عدد من خبراء الاقتصاد والمحللين أن تقارير وكالات التصنيف الدولي
تدفع مصر نحو تحرير سعر صرف الجنيه خاصة مع استمرار تحرك سعر الصرف في السوق الموازي
مغردا بشكل منفرد متجاوزا قيمة الجنيه بنحو 50%.
"سقوط حر للجنيه"
قال الخبير الاقتصادي محمد رزق إن "الحكومة المصرية تركت الباب
مواربا على سعر صرف الدولار وذلك بسبب توقيعها على خطاب النوايا مع صندوق النقد والتزامها
بسعر مرن للدولار، وانخفاض تصنيف مصر الائتماني يرجع إلى عدم قيام صندوق النقد بمراجعاته
في مواعيدها وعدم وضوح الرؤية بشأن
تعويم الجنيه".
وأضاف لـ"عربي21":
"لذا فهذا يطرح سؤالا هاما، هل ستستمر مصر في السير في التعويم المدار بالسماح
للدولار بالصعود بنسبة 20% إلى 30% (37 و39 جنيها) من سعر صرفه الحالي كما أشارت بذلك
مؤسسات مالية دولية، أم ستترك الدولار يفترس الجنية المصري لحين الوصول إلى نقطة الاستقرار
التي تعكس القيمة الحقيقية والفعلية للجنية المصري؟".
وأكد رزق أن "مصر في مأزق حقيقي؛ مع شح الدولار وغموض الرؤية من
جانب صندوق النقد فيما يتعلق بالمراجعات المؤجلة وحتمية تدبير مصر لـ 29 مليار دولار
بنهاية عام 2024 منها 6 مليارات فوائد وخدمات أقساط الدين، ناهيك عن تغطية قيمة فاتورة
الواردات بالدولار بمعدل 6 مليارات دولار شهريا للسلع الأساسية فقط".
وتوقع الخبير الاقتصادي أن "تتخذ الحكومة المصرية إجراءات مالية
صارمة بعد انتخابات الرئاسة بغية السيطرة على الدولار والتي سوف تدفع للأسف في الاتجاه
المعاكس وارتفاع سعر الدولار ونظل في هذه الحلقة المفرغة وكأننا نحرث مياه البحر دون
طحين".
مستقبل اقتصادي مرهون بقرارات صندوق النقد
وفي وقت سابق من هذا الشهر، خفضت وكالة "موديز"، التصنيف الائتماني
لمصر من "B3" إلى "Caa1"، وأرجعت هذا إلى تدهور قدرة البلاد على
تحمل
الديون، وسط توقعات أن تحذو وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني حذو وكالتي
"موديز" و"ستاندرد آند بورز" وتخفض تصنيف مصر أيضا، حيث من المقرر
أن تعلن الوكالة عن قرارها مطلع الشهر القادم.
ولا يزال موعد مراجعات صندوق النقد الدولي لبرنامج الإنقاذ لمصر ومدته
46 شهرا بقيمة 3 مليارات دولار غير معروف حتى الآن رغم تأجيل المراجعتين الأولى والثانية
من أصل ثماني مراجعات حتى عام 2026.
وكانت مصر قد تعهدت باعتماد سعر صرف مرن، لكن السعر الرسمي ظل دون تغيير
تقريبا منذ حوالي ستة أشهر عند نحو 30.90 جنيها للدولار، وتقليص حجم الإنفاق على المشروعات
الصخمة، وتقييد يد المؤسسة العسكرية في الاقتصاد.
اظهار أخبار متعلقة
"العودة للتعويم المدار"
من جهته، اعتبر الخبير الاقتصادي الدكتور إبراهيم نوار أن استمرار تخفيض
التصنيف الائتماني للديون السيادية "يضغط بقوة على الحكومة المصرية ويجعلها تحت
ضغط زيادة الحاجة لتمويل متطلباتها المتزايدة، وبالتالي فإن التدفقات بالعملة الصعبة
سوف تتلاشى، والأمر برمته قرار سياسي وليس اقتصاديا وبانتظار اللحظة المواتية والمناسبة".
وأكد في حديثه لـ"عربي21" أن "خفض العملة المحلية، وهو
آت لا محالة، سيؤدي إلى نتائج سيئة سواء على صعيد ارتفاع معدلات التضخم التي وصلت إلى
مستوى قياسي، أو زيادة تكلفة الواردات وخدمة الديون، والتي سوف تنعكس بالسلب على الإنتاج
المحلي وبالتالي ارتفاع الأسعار مجددا، ما يحتم على الحكومة إجراء مراجعات عاجلة وكاملة
لسياساتها الاقتصادية وكبح جماح الإنفاق".
وتوقع نوار أن "تتلاشى آثار تحريك سعر صرف الجنيه؛ لأن الحكومة
لن تقدم على تحريره بشكل كامل خشية أن يهوي إلى مستويات أو قاع غير معروف قراره، ولكنها
سوف تلجأ إلى تخفيض قيمة العملة المحلية بنسبة تتراوح بين 15% إلى 20% ما بين 37 جنيها
و38 جنيها، وهو أقل بكثير من سعر صرف الجنيه في السوق الموازي، لأنها لا تمتلك مقومات
التعويم المتمثلة في وجود احتياطي نقدي يمكن استخدامه إذا تدهورت الأمور".