"لو أنه يدرك جيدا أني بجيب له الحوافز دي من دم بلده علشان أسكته.. مكنش يعمل كده"، بهذه الكلمات وبنبرة حادة غاضبة خاطب رئيس النظام
المصري، عبد الفتاح
السيسي، مواطنيه الموظفين والعاملين في الدولة الذين يطالبون بزيادة الأجور لمواجهة
غلاء الأسعار.
وأضاف السيسي خلال افتتاح الملتقى والمعرض الدولي السنوي للصناعة، الأحد: "الناس كلها بتقول إنه إحنا دخلنا قليل والأسعار غالية.. صحيح.. أنتم فاكرين الدولة هتكون قوية وقادرة بحكومة أو رئيس؟ لا لا". وتابع: "لو أنتم فاكرين كده تبقوا بتظلموا نفسكم والفكرة، الدولة بتقوم بأهلها، وقوة الدولة هي بشعبها، مش بحكومة ولا رئيس".
ودخل تطبيق زيادة الحد الأدنى للدخل حيز التنفيذ في شهر تشرين الأول/ أكتوبر، وأصبح الحد الأدنى 4 آلاف جنيه ( 129.4 دولار) بدلا من 3500 جنيه لكافة العاملين بالجهاز الإداري بالدولة، ومضاعفة علاوة غلاء المعيشة، بنسبة زيادة قدرها 14.2بالمئة.
وفي قرار آخر، أقر المجلس القومي للأجور في مصر، الخميس، زيادة الحد الأدنى لرواتب العاملين في القطاع الخاص إلى 3500 جنيه (نحو 113 دولار) بدلاً من 3000 جنيه، على أن يتم تطبيقها مطلع العام المقبل 2024.
رغم زيادة الحد الأدنى للأجور لموظفي الدولة أكثر من مرة منذ مطلع عام 2022 إلا أنها أقل بكثير من قيمتها الحقيقية بعد خفض قيمة الجنيه 3 مرات منذ ذلك التاريخ لهبط من مستوى 15.6 جنيه للدولار إلى نحو 31 جنيها في البنوك رسميا و 47 جنيها في السوق الموازية.
وكان الحد الأدنى للأجور قبل خفض الجنيه في عام 2022 البالغ 2700 جنيه يعادل 173 دولارا، ولكنه الآن وبعد الزيادة الأخيرة يعادل 129.4 دولار بالسعر الرسمي ونحو 85 دولارا بسعر السوق الموازية، أي أن قيمته تراجعت بنحو 35 بالمئة.
مقابل هذا التراجع الكبير في قيمة الأجور، قفز التضخم إلى أكثر من 40 بالمئة في عام واحد، وفي التفاصيل قفزت أسعار السلع الغذائية الرئيسية واللحوم والألبان والخضروات ما بين 55 بالمئة و190 بالمئة في عام واحد فقط، بحسب موقع بوابة الأسعار التابعة لمجلس الوزراء المصري.
اظهار أخبار متعلقة
وقفزت أسعار بعض الخضروات مثل البطاطس والطماطم والبصل بأكثر من 190%، وقفزت أسعار اللحوم الحمراء واللحوم البيضاء ما بين 120% و 190%، وقفزت أسعار الحبوب والبقوليات مثل الأرز والفول والذرة الصفراء والعدس ما بين 55% و190%.
ومن بين محفظة الشركات التابعة لوزارة قطاع الأعمال البالغ عددها 121 شركة ، هناك 73 شركة تحقق أرباح تبلغ 14.8 مليار جنيه، و48 شركة تحقق خسائر تبلغ 7.4 مليار جنيه، بحسب موقع وزارة قطاع الأعمال العام.
السيسي يلتفت على غضب المصريين
يقول القيادي العمالي المصري، وعضو لجنة القوى العاملة بالبرلمان المصري سابقا، طارق مرسي، "في الوقت الذي يعيش فيه العالم عملية إبادة بحق الفلسطينيين في قطاع غزة تحت سمع ونظر الحكام العرب بما فيهم السيسي، يهاجم الأخير موظفي القطاع العام، دون الالتفات إلى غزة خط الدفاع الأول عن الأمن القومي المصري ضد أحلام إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات".
وأعرب عن اعتقاده في حديثه لـ"عربي21" أنه "إزاء غضبة الشعب المصري على ما يحدث ضد غزة ورفضه مخططات التهجير، فإنه يمارس السيسي دور العصفورة وهو إلهاء المصريين عن المشهد الدموي في شأن داخلي ليس وقته الآن"، مشيرا إلى أن "السيسي يتعامل مع الدولة المصرية وكأنها ملكية خاصة، ويتعامل مع الشعب المصري وكأنه رعايا لديه".
وأكد مرسي أن "السيسي ونظامه هو من أهلك رأس مال الدولة في مشروعات فاشلة وفي بذخ له ولأسرته ورفاقه من جنرالات الفساد وقطط المحاسيب السمان، وهو من باع المشروعات وأصول الدولة الرابحة، وساهم بفساد منظومته في كسر القطاع العام وتحقيقه للخسائر بسوء الإدارة وبترضية الجنرالات الفسدة بوظائف ومستشارين بمليارات الجنيهات لا تتحملها ميزانية القطاع، وفي نفس الوقت مع عدم صلاحيتهم للإدارة أو الإصلاح".
من حجم الأجور إلى فوائد وأقساط الديون
وخفضت مصر قيمة الجنيه 3 مرات منذ آذار/ مارس 2022 بأكثر من 100%، وبلغ سعر الصرف الرسمي عند نحو 30.90 جنيه مقابل الدولار، بينما تراجع في السوق السوداء إلى نحو 47 جنيها أمام الدولار، وسط توقعات باستمرار التراجع.
وتراجع عدد العاملين في الحكومة من نحو 6 ملايين موظف إلى نحو 4.5 مليون موظف مع بدء تطبيق سياسة تقليص عدد موظفي الدولة، ومنع أي تعيينات جديدة إلا باشتراطات صارمة، بينما يضم قطاع الأعمال العام 636 ألف عامل، أما القطاع الخاص فيضم أكبر عدد بشقيه المنظم وغير المنظم ويبلغ نحو 22 مليون عامل وموظف.
اظهار أخبار متعلقة
تبلغ مخصـصـات الأجور وتعويضات العاملين في مشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2024/2023 نحو 470 مليار جنيه (4٪ من الناتج المحلي الإجمالي)، عند مقارنتها بـ أقساط وفوائد الديون التي تدفعها الحكومة بسبب التوسع في الاقتراض فهي لا تمثل إلا رقما متواضعا وتعادل نحو 25% من الناتج المحلي الإجمالي.
وقفز إجمالي أعباء الدين العام خلال العام المالي الحالي إلى 2436 مليار جنيه (78.9 مليار دولار) ، موزعة كالآتي: 1120 مليار جنيه (36.3 مليار دولار) فوائد الدين العام المحلي والخارجي، و 1316 مليار جنيه (42.6 مليار دولار) قيمة الأقساط الواجب سدادها من الدين العام المحلي والخارجي، وبذلك تصل نسبتها إلى 114% من إجمالي الإيرادات العامة للدولة.
الديون في أرقام:
-الدين المحلي 6.86 تريليون جنيه (نحو 222 مليار دولار)
-الدين الخارجي وصل إلى 164.7 مليار دولار.
-فوائد الديون تبلغ حوالي 14%من إجمالي الناتج المحلي.
-إجمالي الناتج القومي 9.8 تريليون جنيه (317 مليار دولار).
-إجمالي الدين الداخلي والخارجي بلغت حوالي 9.4 تريليون جنيه بنسبة 95.9% في نهاية آذار/ مارس الماضي.
تحمل الحكومة المصرية الجهاز الإداري للدولة مسؤولية الأزمة، حيث صرح رئيس الحكومة، مصطفى مدبولي، في وقت سابق بأن "التحديات البيروقراطية جزء من التحديات التي تواجهها الدولة، في إطار هيكل إداري ضخم ومتضخم على مدار 50 و60 عاما"، مضيفا أن "الدولة لا تحتاج أكثر من 30% من الهيكل الإداري الموجود".
الموظف كبش فداء
يرى أحد الباحثين العماليين والحقوقيين، أن "سوء الإدارة في القطاع العام أصبح شيئا عادي بسبب تفشي الفساد، وللأسف الشركات الرابحة والمنتجة تم بيعها للقطاع الخاص، ويجري بيع الباقي إلى مستثمرين محليين وأجانب ضمن برنامج الطروحات الحكومية بسبب تراكم الديون وشح الدولار".
وحمًل الباحث الذي طلب عدم ذكر اسمه، "الحكومة مسؤولية تدهور الوضع الاقتصادي، والإخفاق في إدارة الملف الاقتصادي منذ بدء عملية ما يسمى الإصلاح الاقتصادي في 2016، والذي لم يسفر عن أي نجاح رغم مرور 7 سنوات، الموظف هو كبش فداء فشل الحكومات".
وتساءل: "كيف يتحمل الموظف فشل إدارة الأعمال الاقتصادية، هل الموظف هو من قام بتشييد عاصمة إدارية وكلف خزينة الدولة مليارات الدولارات، الموظف لا يتمنى إلا استقرار الأسعار، الموظف الآن يشاهد أسعار السلع الغذائية ولا يقدر على شراء إلا الحد الأدنى، وبالتالي على الدولة أن تحاسب مسؤوليها قبل أن تحمل الموظفين سبب الإخفاق".