واصل الاحتياطي النقدي لدى
البنك المركزي المصري ارتفاعه بعد سلسلة طويلة من الانخفاض؛ بسبب تراجع التدفقات
الدولارية منذ بدء الحرب الروسية في أوكرانيا، وخروج أكثر من 22 مليار دولار من أموال المستثمرين الأجانب في أدوات الدين المحلية.
وارتفع صافي الاحتياطيات الأجنبية للبلاد إلى 35.10 مليار دولار نهاية تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بشكل طفيف، بعد أن زاد بمقدار 132 مليونا، لكن هذه الزيادة دفعت الاحتياطي النقدي إلى تخطى حاجز الـ 35 مليار دولار للمرة الأولى منذ 17 شهرا، وتحديدا منذ أيار/ مايو من العام 2022.
ورغم استمرار الارتفاع في قيمة الاحتياطي النقدي بشكل طفيف فإنه يقل بكثير عن أعلى مستوى حققه في تاريخه بنهاية كانون الثاني/ يناير 2020 عندما وصل إلى نحو 45.5 مليار دولار، لكنه لم يلبث كثيرا عند تلك النقطة مدفوعا بالضغوط المالية على البلاد.
واللافت في زيادة حجم الاحتياطيات الأجنبية بشكل مستمر منذ قرار البنك المركزي تخفيف سياسته في دعم قيمة
الجنيه المصري، أنها لم تنجح في كبح جماح هبوط العملة المحلية إلى أدنى مستوى لها أمام الدولار والذي لامس مستوى 50 جنيها مقارنة بـ 40 جنيها الشهر الماضي.
وهذا التراجع عن التدخل في قيمة الجنيه مرده تحذيرات المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا لمصر "التي تعد ثاني أكبر مقترض من الصندوق" من أنها "سوف تنزف" احتياطياتها الثمينة ما لم تخفض قيمة عملتها مرة أخرى.
اظهار أخبار متعلقة
خفض جماعي لتصنيف مصر الائتماني
كما تؤثر الأرقام والأخبار الإيجابية في قيمة العملة المحلية تؤثر التقارير والبيانات السلبية للمؤسسات الدولية عليها، ولعل أكثرها تأثيرا كان قرارات وكالات التصنيف الدولية الثلاث الكبرى في خفض تصنيف مصر الائتماني لأدنى مستوى منذ عام 2013.
وكالة فيتش التصنيف الائتماني خفضت لمصر بالعملات الأجنبية على المدى الطويل إلى "B-" وعدلت نظرتها المستقبلية لمصر من "سلبية" إلى "مستقرة".
وكالة التصنيف "ستاندرد آند بورز" خفضت التصنيف السيادي طويل الأجل لمصر إلى "B-" مع نظرة مستقبلية مستقرة.
وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية هبطت بالتصنيف الائتماني لمصر من إلى "Caa1" مع نظرة مستقبلية مستقرة.
وتتفق الوكالات الثلاث على خطوط عريضة للإجماع على تراجع تصنيف مصر الائتماني؛ على رأسها تدهور قدرتها على تحمل الديون وزيادة المخاطر على التمويل الخارجي، واستمرار مسار الديون الحكومية المرتفعة والتي تعكس التأخير المتكرر في تنفيذ الإصلاحات النقدية والهيكلية في البلاد.
وإلى جانب عوامل ضعف الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد المصري التي تسببت في نقص حاد في العملة الأجنبية برزت مخاطر جيوسياسية تتعلق بالحرب الإسرائيلية في غزة والتي زادت من خطر الأخطار الأمنية خاصة في منطقة سيناء متمثلة في التأثير السلبي الكبير على السياحة في مصر.
اظهار أخبار متعلقة
إخفاء الصورة الحقيقية للاقتصاد
وأرجع الخبير
الاقتصادي، الدكتور، إبراهيم نوار، استمرار تراجع الجنيه إلى "بقاء سعر الجنيه مقوما بأكثر من قيمته بأكثر من 30% تقريبا، حسب متوسط تقديرات مؤسسات التقييم الائتماني يعني ببساطة ،ن الدولة تدعم وارداتها بنسبة 30% في حين أن هذا الدعم لا يمنع الأسعار محليا من الارتفاع، ويعني أن الدولة تدعم ميزانيتها بهذه النسبة، وهو ما يؤدي إلى تشويه كافة الحسابات القومية، ويعني إخفاء الصورة الحقيقية للاقتصاد."
وفي حديثه لـ"عربي21:، أكد أن "سعر الجنيه المصري تحدده السوق الطبيعية غير المشوهة، وغير المحكومة بقرارات إدارية. ومن المؤسف القول بأن تحرير قيمة الجنيه ليست الحل لأزمة مصر الاقتصادية؛ فقد تم تخفيض قيمة الجنيه عدة مرات ولم يؤد ذلك إلى أي تحسن، بل انه زاد من سوء توزيع الثروة، وحدة التفاوت الاجتماعي، واستمرار تآكل القيمة الشرائية لدخل العمل، وتضخم أسعار الأصول بدون مبرر يعود إلى ارتفاع القيمة."
وبحسب نوار فإن الديون المحلية والخارجية (نحو 96% من إجمالي الناتج القومي) تمثل القيد الرئيسي على رقبة الاقتصاد المصري، وسياسة الاستمرار في الاستدانة والتوسع في إصدار السندات و الاقتراض تضع رأس الاقتصاد المصري تحت سطح الماء.
اظهار أخبار متعلقة
أزمة "مركبة ومعقدة"
ووصف خبير أسواق المال، الدكتور مصطفى النحاس، الأزمة الاقتصادية في مصر بأنها "مركبة ومعقدة"، وذلك لأسباب متعددة، وأي حل جزئي لا يمكن أن يحل تلك العُقَد التي تراكمت على مر سنوات بسبب سياسات اقتصادية ومالية خاطئة اعتمدت في مجموعها على الاقتراض وليس الإنتاج، وهو الخطأ الذي تدفع ثمنه الحكومة والمواطن حتى الآن".
وحذر في تصريحات لـ"عربي21" "من مغبة الأوضاع الإقليمية الملتهبة بسبب الحرب الضروس في غزة والتي قد تمتد إلى مناطق أخرى في الشرق الأوسط قد تعقد من الموقف، واستمرارها لا يصب في مصلحة أحد لأن تداعياتها بدأت في الظهور على بعض القطاعات مثل السياحة، كما أن المستثمرين يقفون على مساحة حذرة مما يحدث".
وتوقع النحاس أن "يواصل الجنيه المصري تراجعه أمام العملات الأجنبية الأخرى، والذي بدأه قبل نحو عام ونصف وزادت وتيرته في الشهور القليلة الماضية حيث هبط الجنيه من مستوى 31 جنيها في السوق الموازي إلى ما يقارب 49 جنيها أي بنسبة تراجع نحو 50% ما يعكس وضع العملة الأجنبية الصعب في مصر رغم بعض المؤشرات الإيجابية لكن السلبية تفوقها تأثيرا".
ويتعين على مصر سداد التزامات تبلغ 40.2 مليار دولار خلال الفترة من تموز/ يوليو 2023 إلى تموز/ يوليو 2024، فيما تقدر التدفقات بنحو 16.8 مليار دولار، بحسب بيانات البنك المركزي، وارتفع متوسط متطلبات التمويل الخارجي بنحو 20 مليار دولار في السنة على مدى السنوات الخمس المقبلة، أي نحو 100 مليار دولار وفق تقديرات بنك "غولدمان ساكس".
وقفز الدين الخارجي المصري إلى 164.728 مليار دولار بنهاية حزيران/ يونيو الماضي بقيمة 9.2 مليارات دولار خلال العام المالي 2023/2022، وسط توقعات بارتفاع هذا الرقم ،وفقاً لموقع وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية المصرية.