أثار احتجاز جماعة الحوثي
اليمنية
سفينة شحن إسرائيلية في البحر الأحمر، الأحد، دعما للمقاومة الفلسطينية وردا على حرب
الإبادة الدموية التي ترتكبها الآلة العسكرية للاحتلال بمعاونة أمريكية لنحو شهر
ونصف، بحق أهالي
غزة، التساؤلات حول ما قد يتبع تلك العملية العسكرية من تغييرات
جيوسياسية واستراتيجية في البحر الأحمر، ومدى تأثيرها على قناة السويس.
جماعة أنصار الله اليمنية "الحوثي"
التي أعلنت الحرب على
الاحتلال، في 31 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أعلنت الأحد، عن الاستيلاء على سفينة الشحن الإسرائيلية "غالاكسي ليدر"، بعد ساعات على
بيان لها باستهداف السفن التي تملكها وتشغلها شركات إسرائيلية.
"مطلب الحوثي"
بيان جماعة الحوثي التي تسيطر على ميناء
الحديدة باليمن، جاء مؤكدا أنها تأتي دعما للمقاومة الفلسطينية، مبينا أن "من
يهدد أمن واستقرار المنطقة والممرات الدولية هو الكيان الصهيوني"، مطالبا
المجتمع الدولي بـ"الضغط على ’إسرائيل’ لوقف عدوانها على غزة، حتى لا يتوسع
الصراع".
ونفذت "الحوثي"، عدة هجمات على أهداف عسكرية
إسرائيلية بمدينة إيلات، مستخدمة الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، لذا فإن
خطف السفينة الإسرائيلية يعد تطورا لافتا في أسلوب "الحوثي" بمواجهة الكيان المحتل.
ويرى مراقبون ومتحدثون لـ"عربي21"،
أن عملية "الحوثي"، تأتي في وقت لافت، لتخفيف الضغوط على الفلسطينيين في غزة،
ولتشتيت دولة الاحتلال واستنزافها في عدة جبهات، ومحاولة إجبارها على التفاوض مع حركة
المقاومة الإسلامية (حماس)، ووقف الحرب، وكذلك لتهديد سفن أمريكا في ضغط على
واشنطن لوقف دعمها للاحتلال.
رد الفعل الإسرائيلي جاء سريعا ومستفيدا من
واقعة "الحوثي"، محذرا العالم من تبعات الحادث، ومحفزا القوى العالمية الغربية لسرعة
السيطرة على
مضيق باب المندب.
اظهار أخبار متعلقة
حكومة "تل أبيب" وصفت الواقعة بـ"العمل
الإرهابي الإيراني"، زاعمة أنها "ستخلق تداعيات دولية تتعلق بأمن ممرات
الملاحة العالمية"، فيما اعتبرها جيش الاحتلال الإسرائيلي حادثا خطيرا للغاية وله عواقب
عالمية.
وأشارت وكالة "بلومبيرغ" إلى ما قد
يسببه خطف "الحوثي" للسفينة الإسرائيلية من تبعات على "أسعار النفط عند فتح
الأسواق، وكلفة التأمين على الشحن البحري، في منطقة حيوية للتجارة العالمية".
ونقلت عن محللين أنه في السيناريو الأكثر حدة،
وهو التصعيد بين إيران والاحتلال، فإن "أسعار النفط قد تقفز إلى 150 دولارا
للبرميل، ومن الممكن أن يتراجع النمو العالمي إلى 1.7 بالمئة، وهو ما يمكن أن
يقتطع نحو تريليون دولار من الناتج الاقتصادي العالمي".
ورغم أنه يتم نقل أكثر من 4 ملايين برميل من
النفط يوميا عبر مضيق باب المندب، إلا أن رد الفعل الأمريكي لم يكن بحجم الحدث،
حيث اكتفت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون"، بالقول: "نتابع عن
كثب السفينة المحتجزة لدى الحوثيين".
لكن متحدثين لـ"عربي21"، توقعوا أن
تحشد إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، التي تعيش أكثر أيامها دعما لـ"تل أبيب"،
حلفاءها في المنطقة العربية (السعودية الإمارات مصر) وفي أوروبا لتشكيل تحالف دولي
يقوم على "تأديب ’الحوثي’"، لاحقا.
ورأوا أن خطط واشنطن، القادمة لن تتخلى عن
السيطرة على المضيق الأهم للتجارة بين آسيا وأوروبا، عبر نشر السفن والبوارج
الحربية الغربية والإسرائيلية والعربية بالمدخل الجنوبي للبحر الأحمر.
وتقود واقعة احتجاز "الحوثي" للسفينة
الإسرائيلية، إلى التذكير بحملة الهجوم العسكري من البحرية الأمريكية على الصومال عام
2009، بمواجهة قراصنة صوماليين كانوا قد قاموا بخطف نحو 260 رهينة، وبعض السفن في
المحيط الهندي.
"تواؤم إماراتي.. وقلق مصري"
وفي الوقت الذي غاب فيه رد الفعل الرسمي المصري على
خطف "الحوثي" السفينة الإسرائيلية، وحضر رد الفعل الإعلامي الإماراتي المحذر من تداعيات
استيلاء "الحوثي" على باب المندب، فيبدو أن رد الفعل الإماراتي هو حالة كبيرة من
التلاقي مع الموقف الإسرائيلي الذي يحاول تدويل القضية والتركيز على تداعياتها على
التجارة العالمية.
ووصف الأكاديمي الإماراتي، القريب من سلطات
أبوظبي، عبدالخالق عبدالله، احتجاز "الحوثي" السفينة الإسرائيلية بأنه "أعمال
قرصنة"، و"لا يخدم أهل غزة ولا يحرر شبرا من فلسطين"، وقال:
"أكدت جماعة الحوثي الإيرانية أنها تشكل خطرا على سلامة الملاحة في البحر
الأحمر وباب المندب وبحر العرب".
ومع كل التشابكات السياسية العالمية والمصالح
الاقتصادية والتجارية المتعلقة بمضيف باب المندب، والصراع الأمريكي الصيني على
السيطرة على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، يظل القلق المصري حاضرا وبقوة بشأن
التأثير المحتمل على قناة السويس من تطور الصراع، وخسارة مصر أهم مصادر دخلها من
العملات الصعبة.
وفي تصريح لـ"الشرق مع بلومبيرغ"
توقع محلل أول للنفط والغاز في "KPLER"،
هومايون فلكشاهي، أن "استمرار الخطر الجيوسياسي لفترة أطول سيعني أن الخطر لم
ينته، وبالتالي قد تصبح كلفة التأمين على السفن المتجهة عبر قناة السويس ومضيق باب
المندب، أعلى".
"حدود الرد الغربي"
وفي تقديره، يعتقد مساعد وزير الخارجية المصري
الأسبق السفير عبدالله الأشعل، أن "حدود الرد الأمريكي والغربي والإسرائيلي
المتوقع على عملية خطف "الحوثي" للسفينة الإسرائيلية، هو عدم توسيع الصراع، فهم لا
يريدون استدراج إيران للمعركة التي ستحسمها طهران لصالحها وضد ’إسرائيل’".
وفي حديثه لـ"عربي21"، توقع السياسي
المصري، أن "تحاول أمريكا وأوربا وإسرائيل لاحقا السيطرة على مضيق باب
المندب، والاستعانة بمصر والسعودية لتشكيل قوة لتأمين السفن الإسرائيلية"،
مضيفا أنه "بهذا ينتقل الصراع إلى المضيق".
ويعتقد الأشعل، "تلاقي الموقف السعودي
والإماراتي والمصري، مع الأمريكي والإسرائيلي"، مشيرا إلى أن "ما قد
يحدث من تطورات وأحداث سيؤثر على وضع قناة السويس وستكون عرضة للخطر مع حدوث أية
اضطرابات بباب المندب"، متوقعا "توقف الملاحة بها".
وختم حديثه بالتأكيد على أن "عملية ’الحوثي’ كشفت إمكانية عزل ’إسرائيل’ وتقليم أظافرها"، مبينا أن "تل أبيب مرعوبة
جدا من تلك العملية، ولا تعرف أبعادها، ولا كيف تؤمن سفنها ولا تلك القادمة لها،
خصوصا أن ’الحوثي’ أطلقت إنذارها للسفن".
"تبعات التصعيد والتجاهل"
من جانبه، قال الباحث المصري في الشؤون الأمنية
أحمد مولانا، إن "عملية احتجاز ’الحوثي’ للسفينة الإسرائيلية حدثت ضمن مسار
التصعيد المتدرج الذي تتبناه إيران والجماعات الحليفة لها بهدف تخفيف الضغط عن غزة".
مولانا، أضاف لـ"عربي21"، أن
"الحادث يمثل الواقعة الأبرز خارج فلسطين منذ اندلاع الحرب على غزة، إذ يهدد
الملاحة الإسرائيلية بالبحر الأحمر، والتي تمثل شريانا استراتيجيا لميناء إيلات".
ولفت إلى ملاحظة لافتة تتمثل "في حالة
الصمت الغربي حتى الآن"، متوقعا أن "هذا يعود لحالة الارتباك"،
مبينا أن "الرد العنيف على الحوثيين سيؤدي لمزيد من التصعيد، والتجاهل سيشجع ’الحوثي’ على معاودة تنفيذ عمليات شبيهة".
وأكد الباحث المصري أن "منطقة باب المندب
تمثل شريانا استراتيجيا لنقل النفط والغاز المسال من الخليج لأوروبا، والتجارة من
الهند والصين لأوروبا والأمريكتين، وبالتالي فالتصعيد والتوتر فيه يؤثر على
الاقتصاد العالمي".
ويظن أن "الغرب سيحاول أولا نقل رسائل
تهديد للحوثيين ويطالبهم بالإفراج عن السفينة، كما أنه سيكثف من انتشار السفن
والدوريات أمام السواحل اليمنية".
لكن مولانا لا يتوقع أن "يلجأ الغرب حاليا
لتنفيذ عمليات عسكرية ضد الحوثيين، إذ قد يدفع ذلك باتجاه حدوث حرب إقليمية،
ومستقبلا أتوقع تنفيذ ’إسرائيل’ اغتيالات ضد قادة الحوثيين".
"بقدر المخاطر"
وتحدث الخبير الدولي في إدارة الصناعات
البحرية، الدكتور إبراهيم فهمي، لـ"عربي21"، عن حدود الرد الأمريكي
والغربي والإسرائيلي المتوقع، وكذلك السعودي والإماراتي والمصري، واحتمالات التوجه
الغربي للسيطرة على باب المندب، ونقل الصراع إلى المضيق الدولي، وتأثير ما قد يحدث
من تطورات على وضع قناة السويس.
وقال إن "باب المندب من أهم المضايق
البحرية عالميا لخطورة موقعه الجغرافي، ليس لإقليم الشرق الأوسط فحسب، ولكن تمتد
أهميته شرقا وغربا كشريان رئيسي تمر منه نحو 12 بالمئة من حركة التجارة العالمية
سنويا".
وأكد أنه "حال تعرضه لمخاطر أمنية أو
بيئية أو عمليات عسكرية يتأثر مسار السفن من وإلى البحر الأحمر، وبحسب مقدار
المخاطر يكون التأثير على حركة الملاحة بقناة السويس والموانئ المصرية ومينائي
العقبة وإيلات، وهما المنفذان البحريان الوحيدان للأردن و’إسرائيل’ بالبحر الأحمر".
وأوضح الخبير المصري، أن "مصر أدركت وقوى
إقليمية وكبرى منذ عقود مدى خطورة باب المندب، ودوره المؤثر استراتيجيا وأمنيا
وعسكريا واقتصاديا وتجاريا، وإمكانية استخدامه ورقة ضغط عظيمة الفاعلية في
الجيوبوليتيكس، وخطط فرض النفوذ والهيمنة".
ولفت إلى أنه "لفهم ذلك نعود لما بين 6
تشرين الأول/ أكتوبر، وحتى تشرين الثاني/ نوفمبر 1973، حيث أغلقت البحرية المصرية
باب المندب، ومنعت حركة التجارة عن ميناء إيلات، ولم تصل سفينة نفط واحدة إلى ’إسرائيل’، وكانت حينها إيران المورد الأساسي للطاقة لها (18 مليون طن سنويا وقتها)".
وأضاف: "ما مثل ضغطا شديدا على ’إسرائيل’،
في ظل استخدام دول عربية منتجة للنفط كسلاح، وقطعه عن الغرب، وارتفاع أسعاره من 8
إلى 40 دولارا للبرميل، ما شكل ضغطا على الموقف الغربي خصوصا مع دخول شتاء 1973".
وأشار إلى أنه "حينها أدركت ’إسرائيل’ خطورة
الموقف وبمساندة أمريكا اللامحدودة استطاعت محاصرة الجيش الثالث بالسويس وقطع خطوط
الإمداد اللوجستي عنه للجلوس على مائدة المفاوضات في وضع أفضل، ما اضطر الرئيس
أنور السادات للسماح بعبور سفينة نفط من مضيق باب المندب إلى إيلات مطلع تشرين
الأول/ نوفمبر 1973، مقابل تزويد الجيش الثالث بقليل من الماء والتموين".
وأكد فهمي، أنه "بعد تراجع الدور المصري
في الإقليم بالعقود السابقة وخصوصا العقد الأخير، فقد تنامى الدور الإقليمي لتركيا
وإيران و’إسرائيل’ لتتقاسم النفوذ البحري، مع استخدام ’إسرائيل’ دولا وشركات عربية
كأدوات لها بالصراع، ما قابله استخدام إيران لأذرعها الإقليمية باليمن ولبنان
والعراق وسوريا لتطويق الإقليم".
"زلزال 7 أكتوبر"
وقال إن زلزال 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي،
أحدث تصدعات عنيفة بالشرق الأوسط الجديد، الذي هندسته واشنطن بالـ20 سنة الأخيرة،
وضربت سردية النفوذ الصهيوني وجيشها بمقتل، وأسقطت أساطير نُسجت حول أجهزة
الاستخبارات".
اظهار أخبار متعلقة
ويرى أن "عودة أوراق الضغط القديمة
للواجهة أمر طبيعي، ومنها مضيق باب المندب، كأداة لتقليم أظافر وعزل "إسرائيل" تم
استخدامها بنجاح ساحق عام 1973، لكن مع الفارق العجيب الذي أحدثه مرور نصف قرن،
فمن يقوم بذلك هم جماعة الحوثي ذراع إيران باليمن، ومن اشتبك مع "إسرائيل" ودمر
سمعتها العسكرية هي المقاومة الفلسطينية الشجاعة".
وفي توقعاته لرد الغرب و"إسرائيل" على حادثة
اختطاف سفينة شحن المركبات "جالاكسي ليدر" المملوكة جزئيا لرجل أعمال
إسرائيلي، أشار أولا إلى "المفارقة الأعجب أن مسار السفينة الأسبوع الماضي من
تركيا لميناء بورسعيد، وعبور قناة السويس نحو الهند".
وأضاف: "ورغم الاحتياطات التي تستخدمها
"إسرائيل" في إخفاء هوية السفينة الرقمية وقت عبور المضيق واحتياطات أمنية
واستخباراتية؛ قام "الحوثي" بعملية قرصنة للسفينة باستخدام طائرة هليوكوبتر وزوارق،
ما عمق مشكلة مديري الاستخبارات في عمل تغيير للكارير، حيث متوقع خضوعهم للتحقيقات".
وقال إن "الأمور أصبحت تقاس بميزان الذهب،
فأي خطأ صغير قادم في تحليل الإشارات والمواقف والإنذارات المبكرة قد تدفع لتنامي
احتمالات انزلاق أحد الأطراف لعمل متهور يخل بمبدأ توازن الرعب".
ولفت إلى أن "إيران تعلن بشكل غير مباشر
عن طريق اختطاف السفينة أن محاولة الاعتداء على جنوب لبنان سيقابلها تحول مضيق باب
المندب لمنطقة ساخنة للصراع بدأت فعليا بعد قرصنة السفينة، بمضاعفة شركات التأمين
على السفن والبضائع للرسوم".
وأيضا: "تفضيل بعض الشركات البحرية تفادي
مرور سفنها بالمضيق وقناة السويس بالتبعية، والتهديد قد يصل لغلق المضيق أمام
الملاحة -لجما لـ"إسرائيل" من اتخاذ خطوات متهورة- وهو ما يعني التهديد بخروج قناة
السويس من الخدمة".
وقال إن "الموقف الأمريكي والغربي المتوقع
استمرار الدعم لـ"إسرائيل" لمواصلة العدوان الغاشم على الأطفال والنساء وكبار السن
بغزة، واتباع سياسة الأرض المحروقة، وتعميق عملية عض الأصابع والمأساة الإنسانية
بقطاع غزة سعيا لتهجير أهلها".
و"فرض نكبة جديدة تضرب استقرار مصر
والأردن لتوسيع دائرة الصراع خارج حدود فلسطين المحتلة، ثم السماح لـ"إسرائيل"
بانتهاك مباشر وعلني للسيادة المصرية والأردنية على الحدود، بل وداخلها، ثم
الانتقال للخطوة التالية لفرض واقع جديد".
وختم فهمي، حديثه بالتأكيد على أن "الموقف
المصري والسعودي والإماراتي في الزاوية، والأمور تتشابك وتتعقد بمرور الوقت"،
مشيرا لاحتمال وجود "مخاطر من حدوث عمل فجائي أو مسرحي يدفع لتحول الممرات
البحرية الاستراتيجية والموانئ الهامة بالإقليم إلى بؤرة للصراع تضع كل الأطراف
أمام سيناريو مرعب".