من آن إلى آخر، يظهر مشروع نقل دولي يمثل تهديدا لقناة السويس
المصرية، الممر البحري الأهم عالميا والرابط بين الشرق والغرب، إلا أنه في ظل الحرب الدموية التي تشنها "إسرائيل" على قطاع
غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ظهر مشروع عربي إسرائيلي يهدد مستقبل وإيرادات القناة في بلد مثقل بالديون.
وكشفت
وسائل إعلام عبرية، أن دولة
الإمارات والكيان الإسرائيلي المحتل وقعا اتفاقا لتشغيل جسر بري، بين ميناءي دبي في الأولى وحيفا في الثانية، مرورا بالأراضي السعودية والأردنية، بهدف تجاوز تهديدات الحوثيين في اليمن للسفن الإسرائيلية العابرة لمضيق باب المندب في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر.
ودعما للمقاومة الفلسطينية إزاء حرب الإبادة الدموية التي ترتكبها "إسرائيل" بحق المدنيين في قطاع غزة وأدت إلى مقتل أكثر من 16 ألفا وإصابة أكثر من 43 ألفا آخرين، تقوم جماعة الحوثي اليمنية صاحبة الارتباط بإيران، باستهداف السفن الإسرائيلية المارة من مضيق باب المندب، ما يعطل التجارة الدولية للاحتلال.
"حل إماراتي"
الحل للأزمة الإسرائيلية خاصة بعد خطف الحوثي سفينة إسرائيلية يوم 19 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، واستهدافه سفينتين في 3 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، جاء على يد الشريك الإماراتي الذي قاد عمليات التطبيع العربي مع إسرائيل في آب/ أغسطس 2020، وقد تبعته لاحقا دول البحرين والسودان والمغرب.
وذكرت مواقع عبرية، أن شركة "تراكنت" الإسرائيلية، بدأت بالفعل تشغيل جسر بري من ميناء دبي على الخليج العربي مرورا بالسعودية والأردن إلى ميناء حيفا على البحر المتوسط، بعدما وقعت اتفاقية مع شركة الخدمات اللوجستية "Puretrans FZCO" من الإمارات، التي تعمل بالتعاون مع شركة الموانئ "DP WORLD".
الشركة الإسرائيلية، أعلنت أيضا عن تقدم في المفاوضات مع شركة لوجستية من البحرين، التي تقدم أيضا الخدمة للجيش الأمريكي، وتعمل في الإمارات والشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا والقوقاز، والتي سيتم ربطها أيضا بمشروع الجسر البري.
اظهار أخبار متعلقة
ويمثل هذا الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي تنفيذا لجزء من مشروع "ممر بايدن" الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي جو بايدن في 9 أيلول/ سبتمبر الماضي، لنقل التجارة الدولية بين الهند وأوروبا مرورا بنفس الطريق من الإمارات حتى إسرائيل، والذي تخوف من تأثيره خبراء على مستقبل
قناة السويس المصرية وشريان الملاحة العالمي.
وهو الأمر الذي أشار إليه موقع "روتر" العبري، عقب الإعلان عن اتفاق الإمارات وإسرائيل، مؤكدا أن الطريق البري الجديد سيوفر رحلة سريعة بديلة عن قناة السويس، وبسعر تنافسي، حيث إن الخط الذي يقوم على نقل البضائع بريا بالشاحنات يختصر وصول السفن بين دبي وحيفا من أسبوع عبر البحر الأحمر وقناة السويس إلى 4 أيام فقط عبر الصحاري العربية.
"تنافس وتشابكات وأهمية"
ومع كل التشابكات السياسية العالمية والمصالح الاقتصادية والتجارية المتعلقة بمضيف باب المندب، والصراع الأمريكي الصيني على السيطرة على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، يظل القلق المصري حاضرا وبقوة بشأن التأثير المحتمل على قناة السويس من تطور الصراع، وخسارة مصر أهم مصادر دخلها من العملات الصعبة.
كما أن المشروع الجديد وبشكل خاص يرى فيه مراقبون أنه يأكل من رصيد قناة السويس من التجارة الدولية والإقليمية والخليجية والعربية، ويثير غضب المصريين كون وجود شراكة وعلاقات دافئة واستراتيجية لأكثر من 10 سنوات بين حكومتي أبوظبي وتل أبيب، وحكومة رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي.
وخلال السنوات الماضية خرجت للواجهة العديد من المشروعات العالمية العملاقة منها صينية، وروسية، وأمريكية، وإيرانية، وعربية، وإسرائيلية منافسة لممر "قناة السويس"، الذي يمثل الطريق البحري الأقصر عالميا بين الشرق والغرب.
وتمر بقناة السويس نحو 12 بالمئة من التجارة العالمية، 8 بالمئة من الغاز الطبيعي المسال، و5 بالمئة من النفط الخام، و10 بالمئة من المنتجات النفطية، ويوميا 50 سفينة بما يمثل 30 بالمئة من حركة الحاويات في العالم، بحسب رصد صحيفة "
غلوبس" الاقتصادية.
وتمثل قناة السويس لمصر ولاقتصادها الذي يعاني أزمات هيكلية مستعصية على الحل، أهمية كبيرة، حيث إن إيراداتها بلغت 9.4 مليار دولار العام المالي (2022-2023)، وهي الأعلى في تاريخ القناة، فيما تشير التوقعات إلى تعدى إيرادات القناة الـ10 مليارات دولار بنهاية العام الحالي.
وبلغ عدد السفن التي مرت بالقناة خلال تلك الفترة 25,837 سفينة، وفق رئيس هيئة القناة، أسامة ربيع، في 21 حزيران/ يونيو الماضي.
وهنا يجدر التساؤل حول خطورة تنفيذ مشروع النقل البري بين الإمارات وإسرائيل عبر السعودية والأردن على قناة السويس والخسائر المحتملة لممر يمثل أهم مصادر الدخل المصري، واحتمالات وجود خطة دولية وإقليمية لعزل القناة وإخراجها من خريطة التجارة العالمية.
"خدمة المشروع الصهيوني"
وفي إجابته عن أسئلة "عربي21"، قال الخبير الاقتصادي المصري عبد الحافظ الصاوي: "على ما يبدو أن الكيان الصهيوني بالمنطقة لم تعد تمثله إسرائيل فقط، بل تمثله دولتان، إسرائيل، وللأسف دولة الإمارات، التي كانت عربية".
الكاتب والباحث الاقتصادي، أضاف: "هذه الدولة تبحث عن كل ما يخدم المشروع الصهيوني بغض النظر عن أضراره وآثاره السلبية على المنطقة العربية وإمكانياتها التي تعد أحد أوراق القوة في الساحة الدولية".
ويرى أنه "بلا شك فإن مسألة تشغيل الخط التجاري بين الكيان المحتل والإمارات كمحطة ترانزيت قد يكون أكثر كلفة من المرور المباشر عبر قناة السويس".
وأشار الصاوي، إلى أننا "نتباكى على قناة السويس، وكأن الدولة المصرية الحالية تحافظ على مقوماتها ومكانتها الدولية بالمحيط الإقليمي والدولي، لكن للأسف مصر الحالية لا تقل من حيث خدمتها للمشروع الصهيوني تحت لافتة السلام، عن الإمارات وإن كانت الأخيرة كاشفة عن وجهها".
وأضاف: "ولا أحسب النظام المصري يتضرر من مثل هذا المشروع، إلا من الجانب المادي فقط، وإن عوضوه ببعض المساعدات أو القروض قد يقبل بهكذا مشروع ولو أدى إلى توقف الملاحة بقناة السويس".
ويرى الباحث المصري، أن "هذه الحوادث كاشفة لمسألة الانتماء العربي والإسلامي ومسألة روح المقاومة، وبين تلك الدول التي ارتمت بأحضان إسرائيل، سواء الإمارات بالشكل الفج، أو مصر والأردن والبحرين والمغرب وموريتانيا بالشكل الخفي".
ويعتقد أن "الجميع يعمل لخدمة المشروع الصهيوني، بينما جماعة الحوثي باليمن استطاعت تهديد الملاحة الإسرائيلية"، ملمحا إلى أنها "صورة كاشفة عن إمكانيات كبيرة يمكن استخدامها لإعادة تفعيل الأهمية الاستراتيجية للمنطقة والدفاع عن وتحرير فلسطين".
"الخطر بهذه الحالة"
وفي رؤيته، قال الخبير الاقتصادي المصري الدكتور عبدالنبي عبدالمطلب، إن "الحديث عن اتفاق لتشغيل طريق أو جسر بري بين مينائي دبي وحيفا مرورا بالأراضي السعودية والأردنية أعتقد أنه ليس جديدا، وهو بالفعل موجود وحركة التجارة تتم به منذ فترة".
وكيل وزارة التجارة والصناعة السابق للبحوث الاقتصادية، وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "ربما الجديد هو الإعلان عن تحول هذا الطريق من مجرد طريق عادي إلى جسر بري، بحيث يتم تحويل جزء كبير من حركة التجارة التي تتم بين دول الخليج وأوروبا عبر الموانئ الإسرائيلية".
وأكد أن "هذا الطريق سيؤثر على حركة الملاحة بالبحر الأحمر، وقد يقلل الحصيلة المتوقعة من المرور بقناة السويس، لكن حجم التجارة الذي يمكن تبادله بين موانئ دبي وحيفا عبر الجسر البري سواء بالخطوط البرية أو عبر السكك الحديدية المزمع إقامتها لن يكون بالكثافة المؤثرة بشكل كبير على حركة الملاحة بالبحر الأحمر".
ولفت إلى أنه "من الصعب تعويض مثل هذه الطرق في الوقت الحالي حركة الناقلات العملاقة وخاصة للنفط، وغيرها من الناقلات البحرية كبيرة الحجم، ولكن ربما يكون التخوف أن يكون هذا الطريق بداية تدشين طريق السكك الحديدية وهنا تختلف الأمور".
اظهار أخبار متعلقة
وأوضح أنه "في ظل الحديث عن أن النقل البري قد يكون أسهل وإمكانية إقامة خطوط سكك حديدة داخل الممرات الخضراء فقد يأتي يوم يرفض فيه العالم المتقدم قبول سلعة غير صديقة للبيئة، ووارد أن تكون الاشتراطات الأوروبية والأمريكية بهذا الشكل عندها يمكن الحديث عن تخوفات من هذه المشروعات على قناة السويس".
"حقيقة مرة"
ويعتقد عبدالمطلب، بوجود خطة دولية وإقليمية لعزل قناة السويس وإخراجها من خريطة التجارة العالمية، قائلا إن "ذلك حقيقة، وأحذر منذ فترة من أن العالم يسعى للسيطرة على قناة السويس وتولي إدارتها، وأعيد وأكرر أن هذه ليست المرة الأولى".
ويعتقد أن "هذا مخطط صعب تنفيذه، وكلما حاولت دول العالم التمركز بسيناء أو دفع بعض القوى لإثارة القلق بها تفشل المحاولات، ومن هنا وفي اعتقادي أن هناك قوى دولية وعالمية تريد خنق مصر، وجزء من هذا الخنق استهداف قناة السويس".
وأشار إلى أنه "برغم جهود دولية الحثيثة لعزل قناة السويس وإخراجها من خريطة التجارة العالمية، فإنه أمر مكلف للعالم، وأعتقد أنه ربما هناك ظروف دولية تجعل هذا الأمر يقفز إلى الخطط الدولية، ومن هذه الأمور ما يحدث الآن من حرب في غزة".
ويتوقع أنه "عندما تهدأ الأمور في غزة، سيجد العالم أن ربحيته بالحفاظ على قناة السويس، وأن استمرار الشريان الملاحي يحقق منافع كبرى للعالم وخاصة أوروبان ومع حرب روسيا وأوكرانيا واستمرارها ومشاكل الغاز ستظل قناة السويس على الأقل بالـ50 عاما القادمة أحد أهم الروافد الاقتصادية والشريان الأهم".
وعن تقدير حجم خسائر قناة السويس، من مشروع الإمارات وإسرائيل، يرى الخبير المصري أنه "أمر صعب حسابه لأن التكاليف متغيرة يوميا، ويحتاج مجموعة كبيرة من البيانات والمعلومات قد لا تكون متوفرة أو متاحة خاصة وأننا نتحدث عن خدمات نقل وشحن وتفريغ وتأمين وغيرها، وأسعار السلع نفسها متغيرة وفقا للظروف الدولية".
"غضب وانتقادات"
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، انتقد مصريون الدور الإماراتي الإسرائيلي في الأخذ من رصيد قناة السويس المصرية، والضغط على الشعب المصري.
حيث قال أحد المتابعين عبر موقع "إكس": "ثلاث دول عربية تساعد إسرائيل لسد أكبر رافد للاقتصاد المصري"، مضيفا: "نعرف أنهم تحالفوا مع إسرائيل ضد الفلسطينيين، ولكن أن يتحالفوا ضد مصر أيضا؟".
وكتب متابع ثان: "الإمارات تضرب خادمها السيسي، في الظهر، وتمضي مع أختها إسرائيل اتفاقية جسر بري يمر على بلد أبي جهل وآل سلول، ثم على بلد الغساسنة، ثم قرية المتعاونين أمنيا أوسلو إلى
الاحتلال، وهذا للقضاء على مضيق قناة السويس".
وتساءل آخر، "ماذا جنت مصر من التطبيع الناعم والعلاقات الدافئة مع إسرائيل ونومها في حضن الإمارات سوى الخراب والدمار وزيادة القمع وتدهور الاقتصاد؟"، مشيرا إلى دور الإمارات وإسرائيل في تمويل السد الإثيوبي، محذرا من "تنفيذ حلم (قناة بن غوريون) وكتابة شهادة وفاة قناة السويس"، وفق قوله.