أثار لقاء قائد عسكري
يمني بثلاثة من كبار ضباط الجيش
المصري التساؤلات والتكهنات، خاصة أن الزيارة
تأتي عقب دخول جماعة
الحوثي المدعومة من إيران على خط دعم المقاومة الفلسطينية ضد
حرب الإبادة الدموية التي ترتكبها إسرائيل بقطاع
غزة وأدت إلى استشهاد أكثر من 17 ألف
فلسطيني منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وخلال الأسابيع
الماضية قامت جماعة الحوثي بتهديد حركة ملاحة السفن الإسرائيلية بالمدخل الجنوبي
للبحر الأحمر، قبل أن تهدد باستهداف أي سفينة متجهة للاحتلال أمس، وأقدمت على احتجاز
سفينة إسرائيلية في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، واستهداف سفينتين في 3 كانون
الأول/ ديسمبر الجاري، مع إطلاق القذائف والطائرات المسيرة ضد إسرائيل ودعما
للمقاومة الفلسطينية.
والثلاثاء الماضي،
التقى رئيس أركان الجيش اليمني، الفريق صغير بن عزيز، برئيس أركان حرب الجيش المصري،
الفريق أسامة عسكر، بالقاهرة، وسط تساؤلات بشأن توقيت الزيارة، وتكهنات حول احتمال
عقد اتفاق يقدم بموجبه جيش مصر، الدعم لجيش اليمن الذي يخوض حربا بمواجهة الحوثيين
منذ العام 2015.
كما أن لقاء العسكري
اليمني، الأربعاء، بقائدي القوات البحرية والجوية المصرية، الفريق أشرف عطوة،
والفريق محمود عبدالجواد، دعا للتكهن حول احتمال قيام جيش مصر وفي إطار الدفاع عن
حرية الملاحة بقناة السويس بتقليم أظافر الحوثي بالنيابة عن إسرائيل، ومن ثم
التورط بالصراع اليمني، اليمني.
تلك التساؤلات
والمخاوف تتلاقى بشكل ما مع مطالبة العسكري اليمني نظيره المصري بتعزيز جاهزية
وكفاءة القوات البحرية اليمنية وحرس الحدود، لتكون "شريكا فعالا في محاربة
الإرهاب وجرائم التهريب وحماية الملاحة الدولية والأمن العالمي"، وفق بيان
يمني.
كما أن المسؤول اليمين
وفي لقائه الثاني مع القادة المصريين أشاد بأدوار القوات المسلحة المصرية "في
حفظ الأمن بالبحر الأحمر وخليج عدن ومحاربة جرائم التهريب والإرهاب".
"غزل حوثي للقاهرة"
وعلى الجانب الآخر،
فإن وزير دفاع حكومة الحوثي (غير معترف بها) بصنعاء، محمد ناصر العاطفي، قال
الأربعاء، إن "البحر الأحمر من خليج العقبة وحتى باب المندب، محرم على الكيان
الصهيوني وسيتم الاستيلاء على أي سفينة تابعة له"، وفق قناة"
المسيرة" التابعة للحوثي.
لكن، عضو المجلس
السياسي الأعلى لجماعة الحوثي، محمد علي الحوثي، دأب مؤخرا على توجيه رسائل ودية
لمصر، حيث قال يوم 4 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، عبر موقع "إكس":
"بعد عمليات البحرية اليمنية نصرة لغزة نقول للإخوة الأشقاء المصريين: حلم
الكيان المحتل بشق (قناة بن غوريون) بات من الماضي".
وذلك في إشارة إلى
مشروع إسرائيلي يوازي
قناة السويس المصرية ويستهدف شق قناة لعبور التجارة العالمية
عبر الأراضي الفلسطينية المحتلة بين خليج العقبة والبحر المتوسط.
محمد الحوثي، كتب أيضا
عبر "فيسبوك"، موجها رسالة ود ثانية للمصريين: "نقول للأشقاء في
مصر، إننا مستعدون للدفاع عن مصالح قناة السويس وبكل قوة من الصهاينة كما أننا
مستعدون لأي معركة في سد النهضة مع إثيوبيا".
ومنذ 26 آذار/ مارس
2015، ويشارك رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، إلى جانب شركائه الخليجيين
السعودية والإمارات بالحملة العسكرية التي تقودها الرياض وأبوظبي، ضد الحوثي
باليمن، بل إنه وفي 22 كانون الثاني/ يناير 2017، مدد مشاركته العسكرية بالتحالف
العربي باليمن، دون تحديد زمن انتهاء مشاركته.
"دفع إسرائيلي لتوريط مصر"
ولكن تحركات الحوثي
بالبحر الأحمر، كشف عن قلق أمريكي وإسرائيلي كبير، حيث أعلن مسؤول بوزارة الدفاع
الأمريكية الثلاثاء الماضي، أن "البنتاغون" يسعى لإنشاء قوة من 40 دولة
لحماية الملاحة بالبحر الأحمر، بينها أعضاء القيادة المركزية الأمريكية، "سنتكوم"
التي تضم مصر.
والأربعاء الماضي، قال
مسؤول دفاعي؛ إن البحرية الأمريكية أسقطت طائرة مسيرة قادمة من منطقة باليمن تسيطر
عليها جماعة الحوثي.
ومع كل التشابكات
السياسية العالمية والإقليمية والمصالح الاقتصادية والتجارية المتعلقة بمضيف باب
المندب، والصراع الحوثي السعودي والإماراتي وكذلك الأمريكي الصيني على السيطرة على
المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، يظل القلق المصري حاضرا وبقوة بشأن أي تأثير محتمل
على قناة السويس من تطور الصراع، وخسارة مصر أهم مصادر دخلها من العملات الصعبة.
وتمر من قناة السويس
نحو 12 بالمئة من التجارة العالمية، و8 بالمئة من الغاز الطبيعي المسال، و5 بالمئة
من النفط الخام، و10 بالمئة من المنتجات النفطية، و50 سفينة يوميا بما يمثل 30
بالمئة من حركة الحاويات بالعالم، بحسب رصد صحيفة "غلوبس" العبرية.
وفي الأثناء، تتوالى
التقارير الصحفية الغربية التي تثير قلق الإدارة المصرية من سيطرة الحوثي على باب
المندب، وتهديد الملاحة بقناة السويس، ورفع تكلفة التأمين على السفن المارة
بالقناة، وتهديد دخل مصر منها، فيما تواصل صحف إسرائيل حملة تحريض تقودها تل أبيب
لدفع مصر للتحرك ضد الحوثيين.
وتحت عنوان "مصر
قد تقع مصر ضحية كبيرة لهجمات الحوثيين على إسرائيل"، كتب موقع
"غلوبس" العبري: "ربما يستهدف الحوثيون المدعومون من إيران سفن
الشحن الإسرائيلية، لكنهم قد يعيثون فسادا في الاقتصاد المصري عندما تتجنب السفن
قناة السويس".
وأشارت إلى أن هجمات
الحوثي، دفعت شركات شحن عملاقة لتغيير مسارها بعيدا عن قناة السويس ما يسبب خسائر
مالية لمصر.
وسياق التحريض
الإسرائيلي لمصر ضد الحوثي، وبعد تعرض الأراضي المصرية في مدينة "طابا"
و"نويبع" بجنوب سيناء لعدد من أعمال القصف العسكري التي أودت بحياة
مصريين ودمرت منشآت مدنية مصرية وطالت منشآت أمنية وعسكرية وجهت إسرائيل نظر مصر،
نحو الحوثي.
وإثر قصف برج مراقبة
مصري في رفح قرب حدود غزة، وسقوط مسيرة في طابا، وانفجار مقذوف في نويبع، وفي 27
تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية أن الصواريخ
والطائرات المسيرة التي ضربت مصر، أطلقتها جماعة الحوثي على إسرائيل.
حينها، جاء رد القاهرة
بأنها لن تسمح بجرها إلى مستنقع التصعيد، ولن تسمح بتهديد أمنها لا من قريب ولا من
بعيد.
"ثمن باهظ"
وفي قراءته للمشهد حول
احتمالات قيام مصر بدفاع شرعي عن مكانتها بالبحر الأحمر وعن حرية حركة الملاحة
الدولية بقناة السويس، وتقليم أظافر الحوثي بالنيابة عن إسرائيل، وبالتالي تورط
جيشها رسميا بالصراع اليمني تحدث لـ"عربي21"، الخبير الدولي في إدارة
الصناعات البحرية، الدكتور إبراهيم فهمي.
وقال إن "مصر
تدفع ثمنا باهظا من مكانتها التاريخية والجغرافية والسياسية داخل الإقليم نتيجة
أخطاء استراتيجية بدأت منذ عقود وتعمقت بشدة في العقد الأخير، ونالت من استقلال
قرارها السياسي المرتهن بديون ضخمة وودائع مالية قيدت كثير من قدرتها على المناورة
أو الانسحاب الآمن من التبعية لعواصم أخرى".
وأضاف أن
"المدركين لخطورة وحساسية المشهد الإقليمي استراتيجيا وإنسانيا واقتصاديا
وعسكريا حذروا النظام المصري مبكرا من الوقوف في مقاعد المتفرجين على العواقب
الكارثية الناتجة من استمرار العدوان الغاشم لجيش
الاحتلال الإسرائيلي على قطاع
غزة".
"ذلك العدوان الذي دخل شهره الثالث، ووصل
أعداد الشهداء والمفقودين ومن هم تحت أنقاض الأحياء السكنية التي تم مسحها
وتسويتها بالأرض إلى نحو 25 ألف شهيد و50 ألف جريح، ونزوح ما يزيد على المليون شخص
يمثلون نحو نصف سكان القطاع جنوبا باتجاه رفح، بأسوأ كارثة إنسانية تحدث على بعد
كيلومترات من سيناء".
"عقيدة لا تميل للاشتباك"
ويعتقد فهمي، أن
"الارتدادات داخل الإقليم في بدايتها، وليس من المستغرب أن تتخذ جماعة أنصار
الحوثي موقفا استباقيا ضد مصالح دولة الاحتلال في مضيق باب المندب كورقة ضغط
تساعد بها في وقت التهديدات ضد حزب الله في الجبهة الشمالية".
وأكد أن "تبعات
استهداف السفن في مدخل البحر الأحمر الجنوبي رفع تلقائيا كلفة التأمين على السفن
العابرة لقناة السويس مع اضطرار بعض شركات خطوط الملاحة لتجنيب سفنها عبور القناة".
وأوضح أن هذا
"سبب خسائر اقتصادية مباشرة لمصر وضاعف من الضغوط على صانع القرار المصري،
المطلوب منه وفقا للمصالح الأمريكية وبعض العواصم الخليجية وتل أبيب أن يقوم برد
فعل ضد تهديد مصالح مصر".
وتابع: "بمعنى
إرسال بعض الوحدات البحرية التي دخلت الخدمة حديثا إلى مضيق باب المندب، وهو ما
يضع مصر في احتكاك محتمل مع المصالح الإيرانية وهو ما تتجنبه مصر وفقا لسياساتها
في العقود الأخيرة".
وقال الخبير المصري إن
"العقيدة العسكرية المصرية لا تميل للاشتباك خارج الحدود الجغرافية إلا في
حالة العدوان على مصر عسكريا، وظهر ذلك بشكل واضح في عدم تدخل القوات المسلحة وهي
ترى مراحل بناء السد الإثيوبي الذي يهدد شريان الحياة في مصر".
ويرى أن "مصر
أمامها تحديات هائلة تتطلب من النظام قرارات شجاعة متصلة ببعضها، أولها: فك
الارتباط مع عواصم خليجية، وإعادة التموضع وفقا للمصلحة العليا للدولة، وفتح صفحة
جديدة مع المعارضة، واستدعاء آلاف من الكفاءات الوطنية للعمل من داخل مؤسسات
الدولة".
ولفت إلى أن
"النظام المصري يناور في الأسابيع الحالية ليمر من عقبة الاستحقاق الرئاسي
الذي قام بهندسته كالمعتاد ليكون على عتبة الفرصة الأخيرة له، إما لإصلاح ما أفسده
في 10 سنوات باسترجاع السيادة على الجزر الاستراتيجية تيران وصنافير، وحقول الغاز،
وفتح المجال السياسي للجميع، والإفراج عن عشرات الآلاف من المعتقلين في طريق
الاستقلال، أو الاستمرار في طريق الحكم غير الرشيد".
"لطمأنة مصر"
وفي رؤيته قال
الأكاديمي المصري الدكتور محمد الزواوي، لـ"عربي21": "أعتقد أن
زيارة القائد العسكري اليمني للقاهرة ولقائه قيادات عسكرية مصرية تأتي لتطمين
القاهرة في ما يتعلق بحركة الملاحة في قناة السويس".
الباحث المصري في
العلوم السياسية، يعتقد أيضا أن "هذه التطمينات جاءت بتأكيد الحوثيين على
استهداف السفن الإسرائيلية فقطـ، وعدم التأثير في حركة الملاحة الدولية".
وأضاف: "باعتبار
أن الكثير من الدول سوف تتدخل لمنع الحوثي من تهديد حركة الملاحة الدولية بباب
المندب، ومنهم قطر التي تصدر الغاز المسال عبر بالمضيق وقناة السويس، وكذلك
الإمارات، وخاصة أن حركة التجارة العالمية التي تمر من المضيق تبلغ 12 بالمئة من
حجم التجارة العالمية".
وأكد الزواوي، أنه
"لذلك فإنه ليس من مصلحة أحد إغلاق باب المندب أو التهديد بإعاقة حرية
الملاحة به".
وفي وجهة نظر
الأكاديمي المصري فإن "ضربات الحوثي الصاروخية باتجاه إسرائيل وعمليات اختطاف
سفن تابعة لتل أبيب بمدخل البحر الأحمر هي عملية لرفع معنويات المقاومة
الفلسطينية وفي إطار الحرب الدعائية، لأن تأثيرها حتى الآن لايزال محدودا".
ولفت إلى أن
"البحرية الأمريكية متواجدة بالمنطقة والقيادة الأفريقية (أفريكوم) موجودة في
جيبوتي، ولديها الكثير من المدمرات التي اعترضت طائرات مسيرة حوثية استهدفت بعض
السفن بالبحر الأحمر، وقامت بعملية إنزال كوماندوز فوق بعض السفن وأعادت تحريرها".
ولذا يعتقد الزواوي،
أن "هذه الزيارة جاءت لطمأنة الجيش المصري بأن الحوثي لن يغلق حركة الملاحة
بصورة كاملة، وأن هذا فقط يصب في حالة استهداف السفن الإسرائيلية وفي إطار الحرب
الجارية الآن وإعلان الحوثي الحرب على إسرائيل".
ويرى أن "مصر في
مجمل الأحوال لن تتأثر كثيرا بسبب التواجد الأمريكي في باب المندب، وكون أن واشنطن
هي المعنية بالأساس في حماية منطقة خليج عدن وباب المندب سواء من القراصنة
الصوماليين أو من الحوثي".
وختم بالتأكيد على أن
"تأثيرات الحوثي دعائية أكثر منها ذات أثر عميق على التجارة العالمية المارة
بباب المندب، وعلى الاقتصاد العالمي، وحرية الملاحة بقناة السويس".
"تناقضات مع مصر"
ويرى الأكاديمي المصري
والخبير في الشؤون الأفريقية الدكتور خيري عمر، أن "كل ما يتعلق بالبحر
الأحمر ومضيق باب المندب يمثل تحديا أمنيا لكل الدول التي تقع على شاطئه".
وأكد
لـ"عربي21"، أن "دخول الحوثي في حالة الحرب القائمة على غزة دعما
للمقاومة، قد يكون شيئا إيجابيا، كونه يساهم في التصدي للكيان الصهيوني ومحاولات
التدخل الأجنبي في المنطقة".
واشترط عمر، أن
"تكون اليمن موحدة قبل أي حديث عن استقرار الأمن في البحر الأحمر "،
موضحا أنه "إذا كان اليمن يتحدث بصوت واحد فهذا أمر إيجابي داعم للقضية
الفلسطينية ويساعد على تحقيق نصر للمقاومة".
ويرى أنه "إن لم
يكن اليمن موحدا فإنه ستحدث هنا تناقضات بين السعودية ومصر مع اليمن"، موضحا
أنه "لهذا لا بد من أن نعمل نظاما أمنيا مشتركا بين دول البحر الأحمر يكون
متوافق بين كل الدول".